صدى
عدن/ سياف الغرباني/ خاص:
رغم
مرور عقدين من الزمن تقريبا على انتهاء الحرب الأهلية- حرب صيف 94م- التي دارت بين
الشمال والجنوب. لا يزال أهل الجنوب يشعرون بالظلم الذي وقع عليهم بعد انتصار الشمال،
فيما الجراح لا تزال مفتوحة ،بل أن ثمة أطراف في صنعاء تعمد إلى نكأها بطرق عدة.
ويحمل
الجنوبيون في ذاكرتهم ذكرى سيئة لحرب صيف 1994 والتي قاتل فيها حزبي المؤتمر الشعبي
العام وحزب الإصلاح جنبا إلى جنب ضد الجنوبيين في الحرب التي خلفت آلاف الضحايا في
صفوف الجنوبيين.
لم يعد
الوضع على ما كان عليه في المناطق اليمنية الجنوبية منذ بداية الأزمة الحالية. لقد
تغير تماماً إلى مطالبة صريحة بخروج «الاحتلال الشمالي».
يخرج
الشباب هناك على نحو يومي وهم يرفعون العلم السابق لليمن الجنوبي، وصور قادة الحراك
الجنوبي، ومنهم حسن باعوم، الذي صار يُعدّ القائد الشعبي لهذا الحراك، كما يخرج الشباب
رافعين أصواتهم بشعارات تطالب بفك الارتباط، أو بحق تقرير المصير في صورة أقل حدة من
الشعار السابق. ويرون أن النظام الحالي ما هو إلا إعادة إنتاج للنظام القديم الذي أمعن
في انتهاك حقوق الجنوبيين، وبدد ثرواتهم واستحل أرضهم.
الشباب
العدني لم يعش في زمن حكم الحزب الاشتراكي اليمني، لكنه دائماً ما يسمع من أبيه عن
الرخاء والأمان اللذين كان المواطن الجنوبي يعيش فيهما.
لكن
يكفي أن يرى الجيل الجديد من الشباب الجنوبي أبائهم وهم عاطلين من العمل منذ نهاية
حرب 1994، التي انتهت بهزيمة الاشتراكيين واحتكار الحكم في يد الحلف المنتصر فيها
"المؤتمر الشعبي العام،وحزب التجمع اليمني للإصلاح وقواه الدينية والقبلية" .
القضية
الآن بيد جيل جنوبي جديد وجد شخصيته الملائمة أخيرا ..جيل مفرط الحماسة إزاء الجنوب
و يريد لهذا الظلم أن ينتهي، وأن يسترد حقوقه المسلوبة.
بالنسبة
لهذا الجيل فكون الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، ينحدر من المناطق الجنوبية، وكذلك
رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة، وعدد من الوزراء والقادة العسكريين "لا يكفي"،
ولا يعني إن الجنوب قد استرد حقوقه.
إذ ثمة
قناعة سائدة هناك على درجة عالية من الحساسية يمكن تلخيصها في "أن من يحكم بشكل
فعلي ومن يمسك بمفاصل الدولة بشكل فعلي هي مراكز قوى قبلية وعسكرية ودينية تنتمي إلى
المحافظات الشمالية".
والى
جانب هذه البديهية يذهب البعض في الجنوب إلى الحديث عن وجود معطيات أبعد من مجرد المطالبة
بالحقوق الجنوبية المنهوبة. ويقولون إن هناك فوارق ثقافية كبيرة بين الشمال والجنوب،
وهو ما أدى إلى عدم حدوث أي تقارب وحصول الحرب الأهلية بينهما.
وهذا
الطرح أقرب إلى الحقيقة والواقع ؛ فالاستعمار البريطاني الذي كان قائماً في الجنوب،
غرس مبادئ الحياة المدنية والحريات الشخصية واحترام حقوق المرأة والتعايش على مفاهيم
سلمية خالصة، فيما عاش اليمن الشمالي، تحت حكم إمامي متخلف، قام بتكريس قيم القبيلة
واستخدام السلاح كوسيلة لحل الخلافات بين الناس. هذا الأمر عمّق حجم الخلاف بين الطرفين.
هذا
على المستوى العام، أما على المستوى السياسي، فقد ساعدت التسوية السياسية للازمة الراهنة
على بداية جلوس الأطراف المختلفة على طاولة واحدة، لتحديد آلية يجري من خلالها إجراء
حوار وطني شامل يمكن الخروج منه بحلول لمعالجة آثار حرب صيف 1994 وفتح صفحة جديدة في
الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
ففي
القاهرة، جرت خلال الأشهر الماضية حوارات جمعت بين قوى وأطراف سياسية من حزب المؤتمر
الشعبي العام، وأطراف من أحزاب اللقاء المشترك في ما سمي لجنة التواصل، التي تقع على
عاتقها مهمة إجراء اتصالات مع القيادات الجنوبية المقيمة في الخارج، مثل الرئيس حيدر
أبو بكر العطاس والرئيس علي ناصر، إضافة إلى الرئيس علي سالم البيض، لكن الأخير رفض
المشاركة في هذه اللقاءات مقدماً عدداً من الشروط كي يقبل المشاركة.
وقد
أثمر التواصل بين اللجنة والعطاس وناصر، بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية ، الخروج بإشارات
إيجابية تشير باتجاه إمكان دخول تيارات جنوبية مؤتمر الحوار الوطني الشامل ؛المنصوص
عليه في المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية المزمنة،والجلوس مع مختلف الأطراف اليمنية
على طاولة واحدة.
وفي
السياق، كان الحزب الاشتراكي اليمني قد تقدم بعدد من النقاط الى شركاءه في منظومة اللقاء
المشترك مثّلت رؤيته بهدف الخروج بحل لما يسمى «القضية الجنوبية». ومن هذه النقاط ضرورة
إلغاء ثقافة تمجيد الحروب الأهلية، والدعوة إلى الثأر والانتقام السياسي في مناهج التعليم،
ومنابر الإعلام والثقافة، وإزالة مظاهر الغبن والانتقاص والإقصاء الموجهة ضد التراث
الثقافي والفني والاجتماعي، ورد الاعتبار إلى التاريخ السياسي للجنوب، الذي تعرض للطمس
والإلغاء بعد حرب 1994.
كذلك
تحدث عن «توجيه اعتذار رسمي إلى أبناء الجنوب لما لحق بهم من أضرار جراء حرب 1994،
ولما نالهم من قهر ومعاناة جراء السياسات التدميرية التي اتبعها النظام بعد الحرب»،
كما شدد على أهمية إعادة الممتلكات والأموال التي جرى الاستيلاء عليها بعد حرب
1994، سواء كانت خاصة بالأفراد أو الأحزاب أو النقابات أو الدولة، ووقف إجراءات البسط
والاستيلاء على الأراضي، واستعادة ما صرف منها بدون وجه حق، وإعطاء الأولوية في الانتفاع
من الأراضي بها لأبناء المحافظات الجنوبية.
الا أن حزب الإصلاح رفض جملة النقاط ،ما
دفع الحزب الاشتراكي إلى إصدار بيان هو الأول من نوعه وبعث الاشتراكي فيه برسائل وتلميحات
قوية للإصلاح، كما تضمن البيان خيارات أخرى في حال استمر الإصلاح في التعامل بنفس العقلية
السابقة مع الجنوب والقضية الجنوبية من بينها "الانسحاب من تكتل المشترك"،وقد
أثار البيان جدلا واسعا في الأوساط السياسية والنخب المثقفة ،فيما اعتبره محللون خطوة
متأخرة أعادت الحياة إلى روح الحزب الذي أوشك أو يكاد على التلاشي والانتهاء.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق