عبود الشعبي
نجح المصريون خلال الأيام الماضية في إعطاء تعريف دقيق للديمقراطية الصحيحة لأول مرة واستطاعوا أن يجعلوا من مصر "البلد المحوري" الذي تولي إليه وجوه كل العالم، في لحظة تاريخية فارقة صفق لها الدهر، مما يعزز في نفوس الآمة الثقة بحق ريادة هذا القطر العزيز في صناعة التحولات الكبيرة والوقوف على عتبة باب التاريخ الذي لا يؤذن له بالفتح والإغلاق بدون إشارة من أهل مصر الأحرار.
ولما كانت ثورة 25يناير قد سجلت في سفر الأيام أنه لا مجال لإطالة عمر الطواغيت بعد الآن، شهد العالم بكل حواسه مصير الرؤساء الذين أرهقوا شعوبهم ودمروا أوطانهم بدءا برئيس هرب فوق الأرض منكسر الرأس وفار يحاول النجاة بالاختباء في أنابيب الصرف الصحي "تحت الأرض" فيقتص منه هناك..وآخر يحترق بصاروخ يشوي وجهه ويأتي على جلده من فروة رأسه إلى أخمص قدميه، وزعيم يواري خلف القضبان يتحرك إلى حبسه المؤبد بظهره بعد أن أبت رجلاه أن تحملاه، وآخر سفاح أرهقه شعبه صمودا فهو يموت في اليوم مائة مرة قبل أن يلقى مصيره المحتوم فوق الأرض أو تحتها حسب اختياره.
لكن من أين كان المبتدأ ومن أي جهة بدأت العاصفة التي جعلت من هؤلاء الطواغيت أشبه بورق التوت تسقط بمجرد هبة ريح واحدة؟
إن هذا المصير الذي جاء على رؤوس هؤلاء الرؤساء كان مبعثه الأمل في التحرر والانعتاق من عائلات الحكم الاستبدادية الذي بدأ يرسل شعاعه أبناء الجنوب من مدينة عدن ملهمة شعوب الربيع العربي الفواح، لقد كانت البداية من حراك الجنوب، هذا القطب البارز في سفر تاريخ الثورات العربية ضد الاستبداد والفساد، ولكي يحافظ أبناء الجنوب على هذا الإرث النضالي الكبير فإن عليهم اليوم واجب توحيد صفهم أكثر من أي وقت مضى، وأن يتخذوا قرارهم الشجاع في الانخراط مع كل الكيانات التي تشكل منظومة الحوار الوطني للخروج بحلول مشتركة ترضي جميع الأطراف لرسم ملامح المستقبل لهذا الوطن الذي تمثل القضية الجنوبية عموده الفقري بل عقله وقلبه أيضا.
لا نقول ذلك من باب المبالغة وإنما لأن مدينة عدن هي التي رسمت ملامح الوطن الجديد في 22مايو1990م وهو التاريخ الذي يقبل به أبناء الجنوب لقيام اليمن الموحد، وما عداه من أرقام تاريخ فهي في حكم "الاستعمار" بحسب تصنيف الجنرال علي محسن الأحمر لنظام حكم علي صالح على أبناء الشمال والجنوب، وكان الجنرال عمودا رئيسا في ذلك النظام قبل أن ينشق عنه لصالح شباب الثورة. وعليه فإن مسيرة النضال لم تتوقف بعد، وقد آتت أكلها اليوم بعد أن نضجت ثمرات هذا الربيع وخاضت مصر بشعبها الكبير المغوار نضالات انحنى لها جبين التاريخ شكلت إضافة نوعية لهذا الربيع الخالد، وكان الإخوان المسلمون يمثلون روح هذا النضال وعقله المفكر لاسيما وأن تجربتهم في النضال عريقة بدأت منذ تأسيس الإمام الشهيد حسين البناء لهذه الحركة في 1928م وتوجت هذه النضالات بحسب صحيفة لوس انجلوس الأمريكية بوصول أحد قادة الجماعة الكبار وهو الدكتور محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة في درس كبير يقدمه الإخوان المسلمون لكل حركات التحرر في العالم عنوانه "اشتدي أزمة تنفرجي".
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق