السبت، 24 نوفمبر 2012

الموقف الدولي من قضية الجنوب يعزز قناعة الجنوبيين بضرورة استخدام خيارات أخرى تضمن استرداد دولتهم

صنعاء - دنيا الوطن - رائد الجحافي
منتصف الاسبوع انهى الأمين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون زيارته لليمن التي وصل إليها لحضور عدد من اللقاءات التي تأتي على طريق التحضير لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني اليمني، تلك الزيارة التي وصفها الكثير من المحللين بأنها تأتي خارج الأعراف الدبلوماسية الدولية المتعارف عليها إذ أنها تأتي وفق رغبة كل من واشنطن والسعودية وذلك لاخراج الأطراف المتنازعة في صنعاء من أزمتها السياسية فقط ولم تكن تصب في ذات المشاكل الموجودة على أرض الواقع.

وإلى جانب الزيارة التي اقتصرت على طرف واحد وتجاهلت قضية جنوب اليمن، جاء موقف الاتحاد الأوربي أكثر عقما منها، إذ شدد الاتحاد على معاجلة الجزء الوهمي من المشكلة بتعاطيه في مسألة التأكيد على وحدة اليمن في حين ان المفهوم الحقيقي لهذا التوصيف في ظل الواقع الراهن لليمن يعد تعقيدا أكثر للمشكلة الرئيسية التي تتمحور أساسا في مسألة الوحدة اليمنية التي بحد ذاتها تعد كل المشكلة، لتظهر تلك المواقف مدى فشل المجتمع الدولي في التعاطي مع المشكلة اليمنية، حيث يفهم من وراء تلك التحركات والمواقف على أنها تؤيد الطرف الذي خلق وانتج المشكلة اليمنية بمفهومها العام وبالتالي إدى إلى خلق هذه الصورة المشوشة للواقع السياسي اليمني، ليأتي اليوم وتتقوى ذات العناصر التي تعد استمرار سياستها استمرارا لمزيد من العنف وتهديد السلم العالمي.المشكلة الرئيسية:تعد الوحدة القائمة في اليمن وفق واقعها المعاش اليوم هي أساس المشكلة إذ أن المتعارف عليه ان تلك الوحدة قد انتهت بإعلان صنعاء الحرب على الجنوب في العام 1994م عندما جرى اجتياح الجنوب بقوة السلاح ولم يعط أي اعتبار للجهود الدولية الساعية إلى وقف الحرب آنذاك ولم يجر احترام القرارين الصادرين من مجلس الأمن الدولي رقمي (924) و (931) لعام 1994م، وما لحق تلك الحرب من أعمال نهب وتدمير للمتلكات العامة والخاصة في الجنوب وتشريد السياسيين وتسريح الكادر الوظيفي المدني والعسكري من مراكز الحكومة ومؤسساتها، لتبدأ عملية نهب منظمة لثروات الجنوب وحملات طمس الهوية الجنوبية وإلغاء وعزل كل ما هو جنوبي ولا تزال قائمة إلى يومنا هذا، كل هذه الأمور وطيلة سبعة عشر عاما كانت كفيلة بانتاج قناعة راسخة لدى شعب الجنوب بضرورة استعادة دولته وأفضت إلى انتفاضة شعبية سلمية عمت الجنوب وهي ما بات اليوم يعرف بالحراك السلمي الجنوبي، وواجهت صنعاء الاحتجاجات الجنوبية بقوة السلاح والقمع والبطش ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى وما يقرب من عشرين ألف جنوبي جرى اعتقالهم خلال فترات زمنية متتابعة منهم من تعرض للتعذيب الفضيع في حين ظل عشرات الآلاف من الجنوبيين تحت الملاحقات الأمنية، وتعرضت الكثير من المدن والقرى إلى ضربات جوية وبرية لدواع سياسية لا أكثر ضف إلى ذلك محاولة السلطات اليمنية استخدام عناصر الجهاد المتطرفة واقامة تحالفات مع تلك العناصر وبالذات العائدة من افغانستان إذ جرى استخدامها لتنفيذ الاغتيالات بحق الجنوبيين قبل حرب صيف 1994م واستخدامها في اجتياح الجنوب في تلك الحرب واليوم يجري تسخيرهم لتنفيذ أجندات ما في الجنوب لإيهام الغرب بخطر الارهاب في جنوب اليمن، يضاف إليها الكثير من الأمور التي لا تزال تجري على أرض الجنوب، وفي ظل تصاعد ثورة الجنوب السلمية واتساع رقعة الحراك السلمي عادت صنعاء إلى إشعال فتيل الحرب في شمال اليمن مع الحوثيين وحاولت من وراء تلك الحرب التي استمرت لسنوات تتجدد كلما توقفت كسب تعاطف دول المحيط وبالذات السعودية التي ترى أن انتشار التواجد الشيعي في المناطق المحاذية لها تشكل خطرا كبيرا على الأسرة المالكة

واستطاعت صنعاء كسب ود السعودية وخلق تحالف ما، كل هذه العلاقات خدمة صنعاء إلى حد ما في شد الخناق على الجنوبيين، ومع اندلاع الربيع العربي الحوار المفترض في الشمال والحوار الحقيقي لا تزال اليمن في حقيقتها تفتقر إلى وجود الدولة المدنية القائمة على المؤسسات الحقيقية القادرة على تسيير شئونها في كافة المستويات وهذا يعود إلى الكثير من العوامل ومنها بالدرجة الرئيسية عامل الإرث الاجتماعي لليمن وبالذات الشمال (الجمهورية العربية اليمنية) التي دخلت إلى وحدة العام 1990م بمجرد كيان اللادولة إذ كانت تقوم على مجرد حكم قبلي عسكري تحكم بنظام الأسرة الواحدة وبلغة القبيلة وعاداتها

إذ أضحت القبيلة هي القوة الفاعلة التي تتحكم بالجيش والسلطة وهي التي بامكانها تعيين رئيس الدولة وتشكيل الحكومة وتعيين قادة الجيش وغيرهم، وجاءت قوة القبيلة من تراكم اجتماعي لقرون تمتد إلى القرون الأولى للميلاد، حتى أن النهضة الاسلامية التي وصلت إلى اليمن لم تؤثر على القبيلة بل ساعدت على تقويتها واصبح العرف القبلي هو السائد والأقرب إلى الدين في وجهة نظر القبيلة التي تنظر إلى القوانين الوضعية على أنها بعيدة عن الاسلام والشريعة الاسلامية وجرى مراعاة القبيلة وعاداتها حتى بعد ان ثارت القبيلة على الدولة الدينية الأئمة الزيديين عام 1962م لم تكن ثورة بالمعنى الحقيقي حيث ظلت تحكم بنفس عقلية القبيلة بل وأصبحت القبيلة هي القوة الفعلية التي تتحكم بكل شيء ما أضعف اي احتمالات لامكانية قيام دولة ولو بنسبة ضئيلة تضمن تواجدها في المؤسسات التابعة لها، لتأتي تلك الدولة القادمة من الشمال إلى الوحدة المعلن عنها في العام 1990م بتركتها القبلية وإرثها المشبع بالثأرات والعادات المتعارضة مع المدنية بل جاءت بكل أشكال العنف والغوغائية تقابلها الولة المدنية التي جاءت من الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وبما ان هذه الدولة القادمة من الجنوب كانت قد استطاعت بناء وتأسيس عمل مؤسسي مدني لها بفعل المناخات التي ساعدت على ترسيخ واحترام قواعد القانون جراء عوامل مساعدة كثيرة أبرزها المدة الزنية الطويلة التي ظل الجنوب خلالها تحت سيطرة وهيمنة الاستعمار الانجليزي الذي دام فيه حوالي 129 عام أدى الاستعمار إلى اضعاف دور القبيلة في الجنوب وأدت العزلة الاجتماعية التي عاشتها قبائل الجنوب إلى ضياع عادات القبيلة وفقدان القبيلة لقوتها نهائيا، وبعد استقلال جنوب اليمن عام 1967م ساد النظام الاشتراكي المدعوم من دول المنظومة الاشتراكية فيها وساد حكم الحزب الأوحد الذي سيطر على كل مفاصل الحكم وأضاف الزيد من العزلة على الجنوب بالأقطار الاسلامية ما أدى إلى نشوء جيل معتدل يحترم سيادة القانون بل ويقدس النظام والمدنية، لكن الدولة المدنية القادمة من الجنوب ذابت في أولى مراحلها داخل دولة القبيلة في الشمال التي كان سكانها يقدر بأكثر من ثمانية عشر مليون نسمة
هل أعجبك الموضوع: