هنا المكلا/ بقلم : صالح السباعي10-03-2012
من الصعوبة بمكان فهم طبيعة الدور الذي يحكم توجهات ومنطلقات السياسة الدولية تجاه اليمن, فالغرب منذ خمسين عاما مضت وحتى اليوم وهو ينظر لليمن باعتباره جسر عبور وثغرة إزعاج ينفذ من خلالها أعدائه ليهدد حلفائه في منطقة الخليج, بل ويهدد المصالح الغربية في منطقة جنوب البحر الأحمر بشكل عام, فعبر صنعاء تسلل المد القومي في الستينيات من القرن الماضي بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر حتى هدد آنذاك بقاء واستمرار نظم الحكم الملكية بمنطقة الخليج, وعبر دولة الجنوب العربي أيضا تسلل ما كان يسمى سابقا بالاتحاد السوفيتي إلى جنوب الجزيرة, وأقام على أراضيها قواعد عسكرية واتخذها قاعدة انطلاق لمدّ نفوذه إلى القرن الأفريقي على حساب الوجود الغربي في تلك المنطقة، وعلى ذلك فقد عمل الغرب وحلفائه في دول الخليج على أن تكون الجهورية العربية اليمنية بمثابة حاجز صد ومنع تسرُّب الشيوعية إلى دول الخليج.
وفي المرحلة الراهنة مازال الغرب يتعامل مع اليمن بحذر وقلق شديدين, إذ أن المخاوف الغربية كبيرة من أن تستخدم الجماعات الإرهابية الجهادية اليمن كجسر عبور لضرب المصالح الغربية في المنطقة ما يهدد تدفق النفط إليهم, أو تُستخِدم الأرضي اليمنية من قبل التنظيمات الإرهابية لتجميع صفوفها وإقامة معسكرات تدريب تكون نقاط إنطلاق لها, كون أن الطبيعة الجغرافية والقبلية والدينية في اليمن خصبة لذلك, ومن خلال السياق يتضح لنا أن تعاطي الغرب مع الملف اليمني, ليس كما يُقال لنا, فالغرب لا يتناول مشكلة اليمن كدولة مهددة بالانهيار أو تنهار, فالمسالة مغايرة تماما, فقد ترك الغرب الصومال تنهار ومازال حتى الآن ينهار, فالرؤية الغربية لليمن لا تتعدى كونه بلد فقير وغير مستقر لا يتملك أي مقومات, فأهميته تكمن فقط في جواره لآبار النفط الخليجية, فمساعدته لن تكون إلا على قدر احتواء العدوى من جربه, والتنافس على الإمساك بخيوط الأزمات فيه ليس لحلها وإنما لإدارتها وحفظها في درجة حرارة قابلة للقياس حتى لا تصل إلى دول الجوار القابلة للاشتعال, وتحويله لفناءً خلفيا لتصفية صراعات النفوذ.
وعلينا أبناء الجنوب أن لا نعوّل كثيرا على المجتمع الدولي في الوقوف معنا في قضيتنا والاعتراف بها, ولا ننتظر منه النصرة طالما قضيتنا لا تشكل تهديدا يُخشى ولا مكسبا يُرجى في فلسفته المادية, فقضيتنا هي تعريف عميق لمعاناة شعب وجد نفسه خارج المعادلة السياسية، وواقع تحت حرب أباحت نهب أرضه وثرواته وتسريح أبناءه من وظائفهم، شعب فقد الأرض والثروة وبات مهددا بفقدان الهوية، حتى جعلت من أبناء الجنوب في حالة ثورة دائمة بدءاها منذ أربعة أعوام مضت لحل قضيتهم العادلة التي ضحوا لأجلها بمئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين الذين لازال بعضهم يقبع في سجون الاحتلال اليمني حتى اللحظة, وعلى الرغم من هذا التجاهل الدولي والخذلان العربي والنكران المخزي من الأشقاء في الخليج, إلا أن أبناء الجنوب مستمرون في ثورتهم السلمية بشتى الوسائل وبكل الطرق, فالمناضلون لا يتوقفون عن نضالهم, وهم من يصنعون الأحداث ولا يلهثون وراءها, ويبعثون العزيمة والإرادة في نفوسٍ لا يعرف اليأس إليها سبيلا.
ولم تكن استجابة المجتمع الدولي للثورة في اليمن إلا لكي يعيق تصديرها إلى دول الخليج حتى لا تتعطل المصالح الغربية وتدفق النفط من المنطقة, وفرض المجتمع الدولي المبادرة الخليجية على الفصائل السياسية المتناحرة في النظام اليمني ـ كما يسميها ـ بصيغتها البائسة كخيار وحيد وليس له بديل, ولم يراعي المجتمع الدولي في ذلك موافقة ورفض أيا من الأطراف المتنازعة, بل وبكل بساطة تمَّ تحجيم الثورة إلى قضية سياسية بين نظام يحكم غير موثوق له, ومعارضة غير مرغوب فيها لم يتعدى فهمها للسياسة الدولية معادلة الديمقراطية اليمنية, ولا يريد المجتمع الدولي أن ينظر إلى أساس المشكلة في اليمن عمدا رغم استيعابهم لها جيدا, وأنا بنظري إن ما قام به المجتمع الدولي تجاه اليمن كمن يقدم لمريض السرطان حبة أسبرين كي ينام فقط, لعجز المريض عن دفع فاتورة العلاج الكيماوي باهظ الثمن, أو لعلّ الحالة ميئوسٌ منها.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق