الكاتب العراقي داود البصري
لقد أثبتت أحداث الشرق الأوسط الساخنة خلال العقدين الأخيرين بأن الإدارة الخائبة للعديد من الملفات الإقليمية الحساسة قد خلقت أوضاعا بائسة في العديد من المواقف ، ففي حالة الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب والتي كان من نتيجتها تحلل وتلاشي جمهورية جنوب اليمن في 22 مايو1990 بعد عقود من الإستقلال منذ عام 1967 بعد التخلص من الإستعمار البريطاني ، فإن تلك الوحدة كعادة كل الوحدات الإندماجية العربية أقيمت على عجل وفي ظل ظروف دولية وإقليمية مرتبكة ومع بداية تشكيل محاور سياسية إقليمية كانت تدار بعقلية تآمرية محضة .
فشمال اليمن وقتذاك وتحت ظل سلطة الرئيس السابق علي عبد الله صالح كان مرتبطا بمحور ماكان يسمى ( مجلس التعاون العربي ) بقيادة عراق صدام حسين وعضوية الأردن ومصر واليمن وهو مجلس إتضحت نواياه الستراتيجية منذ أن تأسس عام 1989 في كونه أريد منه أن يكون غطاءا لتمرير ملف إحتلال العراق لدولة الكويت وضمها وإلغاء وجودها السياسي ولكن إنسحاب أكبر ضلع فيه وهو مصر أفشل المؤامرة وأنهى عمل ذلك المجلس البائس بعد الغزو العراقي للكويت في 2/8/1990 والذي أفرز للأسف موقفا رسميا يمنيا مساندا للعدوان الصدامي وهو موقف لم يكن يتناسب أبدا مع موقف أهل وشعب جنوب اليمن الرافضين جذريا لذلك الإحتلال الغاشم مما خلق حالة إنقسام واضحة مع الأيام الأولى لتلك الوحدة القسرية المستعجلة وأخل بموازين القوى الإقليمية والدولية وخلق فتنة قومية خرقاء خصوصا وإن نظام علي عبد الله صالح كان من المعجبين جدا بالنظام العراقي السابق الذي حاول تقليده حتى على مستوى بناء وتركيبة السلطة كما نعلم ، وقد دفع الشعب اليمني الثمن غاليا نتيجة لتلكم الحماقة حيث تضررت مصالحهم الإقتصادية وأشتعلت أزمة إقتصادية عنيفة لم يكن لها مبرر كما أصيبت العلاقات القومية الوثيقة بين شعب الجنوب العربي و شعب الخليج العربي بالضرر النفسي الفادح مما ترك أبعد الآثار وأفدح النتائج وغرس المسمار الأول في نعش تلك الوحدة المستعجلة التي حطمت أسس الدولة العصرية والحضارية التي كانت في الجنوب العربي رغم قلة الإمكانيات بسبب حالة الحرب الباردة القائمة دوليا وقتذاك .
على كل حال بسبب تلك الأوضاع إهتز السلام الإقليمي بعد غياب جمهورية الجنوب وتفرد عسكر الشمال بالموقف إضافة لتراكم العديد من الملفات الداخلية الأخرى المتعلقة بالهيمنة والإستحواذ و الإستئثار وسوء إدارة السلطة والتفرد في إتخاذ القرارات المصيرية مما أشعل حرب صيف 1994 التحررية والتي وقف النظام العراقي البائد بكل قوة مع سلطة علي عبد الله صالح لإجهاضها و تدميرها لكن دون أن ينجح في إستئصال جذوتها النضالية التي لن تنطفيء أبدا بل ستزداد إشتعالا في قلوب وأفئدة أبناء الجنوب العربي وهم يتهيأوون اليوم لتصحيح التاريخ وتعديل الجغرافيا، لقد إنتقمت الفاشية البعثية والعشائرية المتخلفة من أهل الجنوب العربي شر إنتقام وأمعنت في تمزيق وتدمير كل الدعوات الجنوبية المخلصة لتصحيح الأخطاء وتعديل المواقف ، وفرضت الوحدة القسرية على شعب حر ومتحضر متمسك برؤيته الحضارية وبعلاقاته الحميمية مع شعب الخليج والجزيرة العربية وبما يرفض الأحلاف والمحاور .
ودفع الجنوبيون ثمن ممانعة ومقاومة الفاشية السلطوية المتخندقة قوميا من دمائهم وأرزاقهم ومارسوا النضال الجماهيري السلمي وطالبوا بحقهم المصيري في إستعادة دولتهم التي أغتيلت في غفلة من التاريخ وفي ليل بهيم وفي ظروف ملتبسة ومتداخلة ، وأعتقد جازما بأن أمن الخليج العربي والجزيرة العربية بات مرتبطا بشكل واضح بحتمية إستعادة حرية شعب الجنوب العربي والتخلص من أسر وقيود تلك الوحدة الفاشلة بعد تبدل معطيات إدارة الصراع في اليمن ، فساحة الجنوب العربي اليوم بحاجة لمتغيرات داخلية كبرى أهمها التخلص من إفرازات الفاشية السلطوية المندحرة كالتخلص من العصابات الأصولية والإرهابية المتخلفة كالقاعدة وأشباهها والتي هي في النهاية نبتة غريبة بالكامل عن تربية وتربة أهل الجنوب العربي المتحضرين المسالمين الساعين للخير والمشاركين في نشر التحضر والأسلام الحنيف المسالم في العالم ومحاربين للفتنة والإرهاب والتسلط ، لاشط في أن عودة الحرية لشعب جنوب اليمن سيساهم أبعد مساهمة في تعزيزالأمن والسلام في الخليج والجزيرة العربية ، فخبرة العقود الماضية ومعاناة فترة التسلط الفاشي العسكري القبلي المتخلف قد عززت من جهاز المناعة الوطنية لشعب الجنوب العربي ، لانكوص عن خيار التحرير الوطني وبناء السلام الإقليمي.. فذلك خيار المتحضرين...
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق