ملخص دراسة اعدها مركز مدار للدراسات
والبحوث
لقد رفع العرب منذ الحرب العالمية الثانية شعار الوحدة ، كحلم في الفضاء
العربي إلا ان ما جرى في الواقع كان مغاير تماما
لذلك الشعار ، إلذي ارتبط دائماً بواقع مختلف تماماً يتعارض مع كل الطموحات
والمحاولات الوحدوية وقد ادى ذلك إلى إجهاض جميع المحاولات الوحدوية .
ففي احيانا كثيرة استخدمت بعض النظم العربية والأحزاب السياسية شعار الوحدة كشعاراً للمزايدة السياسية أو لاطماع
الذاتية التي تكرس الاستبداد والتهميش والصراع
، وقد تعرض أول نموذج عربي للوحدة كالوحدة بين
مصر وسوريا في منتصف القرن الماضي التي فشلت بعد ثلاث سنوات ونصف من قيام اعلانها ، ثم عادة الامور الى نصابها الحقيقي بعد الفشل . ولقد كان الرئيس عبد الناصر حكيماً عندما قرر فك
الارتباط بين الدولتين وعودة الأمور إلى نصابها ، ولم يتشبت بالوحدة الفاشلة ويتقوى بمصر الذي تمثل الطرف المتفوق سكانا على
سوريا ، ولم يقوم بنهب سوريا وطرد اهلها ، كما لم يقول بان السوريين انفصاليين وخونة وكفرة او
يعلن حربا ضد هم كما قام به صالح ونظام صنعاء في اليمن الجنوبي ، وهي التجربة العربية الثانية
حيث اعلنت الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية
العربية اليمنية (1990) ، وقد ظهر ملامح فشلها
منذ اعلانها مباشرة وفي سنتها الاولى هذا الفشل
قد اكدته حرباً ضروساً شنها الطرف المتمثل
بالجمهورية العربية اليمنية على جمهورية اليمن الديمقراطية ارضاً وانساناً ، وبهذه الحرب وما تلاها من جرائم ابادة شاملة طالت ابناء الجنوب كانت قد قضت على الوحدة في الواقع
والنفوس تما ماً ، وبموجبها صار الجنوب واقع
تحت احتلال الشمال بكل ما تعنيه الكلمة من
معنى .
ونظراً لغياب الدراسات والرؤى التي تقوم على المحددات النظرية في تناول
أسباب فشل الوحدة ، فإننا هنا سوف نتناول فشلها
بالاستناد على الأسس والمنطلقات العلمية
التي تقوم عليها أي وحدة والأسباب التي تؤدي إلى فشلها، فدون معرفة ذلك فقد يجّير مطلب
شعب الجنوب المتمثل بالحرير والاستقلال بشكل
خاطى لاسيما في اوساط النخب القومية والبعيدة
عن معرفة الواقع ، خصوصا في ظل التعتيم والتضليل الاعلامي على قضية الجنوب .
وعليه فان الوحدة التي اعلن عنها بين الدولتين اليمنيتين لم تستند على
الاسس والمنطلقات العلمية وبالتالي لم تستطيع ان تكون وحدة قابلة للاستمرار ، فمنذ توقيع القيادتين السياسيتين في البلدين في 30 من شهر نوفمبر 1989 على اتفاقية الوحدة وحتى
قيام الحرب التي قضت على المشروع الوحدوي تماما و تم اجتياح الجنوب بالقوة العسكرية ، لقد جرت في الواقع في تلك الفترة التي اعلن فيها قيام الوحدة جرت احداث
دراماتيكية متسارعة ومتعجلة لم يفُهم معناها
؟ واقل ما يمكن القول عنها بأنها سلوكيات افراد
غير مسؤلة وعبثية وحصيلة لمؤامرات داخلية وخارجية ، حيث كان
الجنوب ضحية ثلاث قوى هي : ( صراع الحرب البادرة / الفكر القومي / الاطماع الامبريالية ) .
حيث ان الوحدة لم تستند
على اسس علمية ومعطيات واقعية ، وكانت النتيجة بالضرورة لابد ان تقود الى ذلك الفشل
المتوقع. وبهذا الشكل أو الطريقة التي تم بموجبها اعلان الوحدة قد وضعتها
في إشكال بنيوي كبير ، بدا هذه الإشكال
منذ اعلانها في بداية المرحلة الانتقالية التي
واجهت تحديات أعاقت سير دمج مؤسسات الدولتين ، وهو مستمر معها في تصاعد مضطرد اذ
زاد من عمق الاختلاف بين طرفي الوحدة بعد انتخابات عام 1993 ثم اعلنت الحرب على الجنوب في عام 1994. وهذا الإشكال يعود الى التباين الواضح بين مقومات الوحدة في المجتمعين
والدولتين ، والدوافع التي قامت على أساسها الوحدة والمرتبطة بتباين مواقف القيادتين
السياسيتين في البلدين. هذا التباين والاختلاف
أدى إلى تصاعد الخلافات الكبيرة بين قيادتين سياسيتين متباينتين في المنهج السياسي
والاقتصادي والفكري وبين الشعبين . الذي لم
ينظر الى ذلك التباين والاختلاف عند اعداد
ووثيقة الوحدة وهو تباين واختلاف اساسي في مقومات الوحدة والدوافع التي قامت على أساسها
مما أدى إلى أزمة الوحدة التي هي بالضرورة
ادت الى الفاشل الذريع .
وبسبب فشل الوحدة ظهرت قضية الجنوب ومع الاسف الشديد لم يتفهم البعض من النخب السياسية والفكرية في الوطن
العربي بعا مة ، وقلما نجد من بحث
المشكلة من المنظور العلمي ، بل ظلت كل الكتابات تدور في اطار التناول السياسي السطحي المشحون بالعواطف
وهاجس الوحدة والتوحد ، وما سبقها من خطاب سياسي قومي شوفيني تعبوي دون الامعان بمقومات
الوحدة اليمنية وعلاقة تلك المقومات بما تحقق على أرض الواقع ، بل لم تبحث دوافع القيادات السياسية تجاه هذه الوحدة
والفترة التي اعلنت فيها . ونظراً لاختلاف الرؤى وتباين التحليلات حول محددات
وأهداف الوحدة اليمنية وقصورها ، فأننا هنا
سوف نتناول ذلك من منظور
علمي يبحث في خلفيات العلاقة بين مقومات الوحدة اليمنية ودوافع
قيامها ونتائجها والأهداف الحقيقية الكامنة وراء ذلك السلوك السياسي الظاهري للقيادتين
السياسيتين في الدولتين وتفسر القرارات التي
تم اتخاذها لإعلان قيام الوحدة اليمنية في
الثاني والعشرين من شهر مايو عام 1990؟ . بالاستناد على ما جاء في نظريات الوحدة
” نظرية التكامل ” التي حددت عدد من المفاهيم وألاطروحات النظرية
لقيام الوحدة والتكامل بين الدول . وقد ظهرت هذه النظرية في النصف الأول من القرن العشرين. واهتم
بها العديد من الباحثين في الشؤون السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والقانونية ، واهتمت بها الكثير من الدراسات النظرية
التي تحاول البحث في أفضل المناهج التي
تؤدي بالدول إلى الوحدة والتكامل ، ونبذ الصراعات السياسية والعسكرية ، خاصة بعد أن
واجه العالم حربين كونيتين والعديد من الحروب والصراعات الإقليمية والأهلية ذات الأبعاد
الدولية. فقد ظهرت نظريات التكامل التي تشير الى أن الوحدة بين الدول لا تتحقق إلاّ من خلال بوابة التكامل. ولقد ارتبطت نظريات التكامل
في مجملها بالمحاولات التكاملية الأوروبية ، حيث استلهمت هذه النظريات أسسها من التجربة الأوروبية ، والتي أدت إلى إثراء المعرفة بظهور ما يعرف بأدبيات التكامل
السياسي.
وبهذا الصدد يرى دويتش أن القوة
الطبيعية التي تؤدي إلى التكامل ومن ثم إلى الوحدة تكمن في التفاعل بين الأفراد في
المجتمعات في مختلف الوحدات المكونة للتكامل. فالتكامل هو الحالة التي ” تمتلك فيها
جماعة معينة تعيش في منطقة معينة شعوراً كافياً بالجماعية وتماثلاً في مؤسساتها الإجتماعية
والاقتصادية وسلوكها الإجتماعي إلى درجة تتمكن فيها هذه الجماعة من التطور بشكل سلمي. حيث يرى أن أفضل وسيلة إلى التكامل هي بناء قاعدة
شعبية متفاعلة ومتواصلة ومنسجمة، تحكمها قيم ومفاهيم وثقافة مشتركة ، وهذه لا تتحقق
، كما يقول دويتش إلا من خلال تفعيل عملية التواصل الثقافي والمعرفي بين مختلف شرائح
المجتمعات الأعضاء في الجماعة، ومن خلال عملية الحراك الاجتماعي المتمثل في حرية انتقال الأفراد والجماعات والثقافات والقيم
والاتصالات باختلاف أشكالها عبر الحدود بين تلك المجتمعات. وهذا سوف يؤدي إلى تقوية
أسس التواصل المجتمعي والنظام السياسي يحقق التكامل وعندما يتحقق التكامل بين الدول
بدوره سيخفف العبء على القيادات السياسية في تحقيق التكامل والوحدة بين الدول. وهذا ما لم يكون قائم بين الدولتين في اليمن قبل
اعلان الوحدة ولم يعمل به ، حيث كان على المواطن في الدولتين في اليمن ، يستطيع التحرك
والسفر الى أي بلد في العالم لكنه لا يستطيع السفر الى الدولة اليمنية الاخرى .
ولقد حدد دويتش ثلاثة مراحل للوصول إلى الوحدة:
يرى دويتش ان منطق تحقيق السلم (نبذ العنف ) هو الذي يضمن استبعاد الحرب بين العناصر المكونة للدولة الموحدة
، وذلك يبدءا بتفعيل التواصل الشعبي والنخبوي وحرية الانتقال
للأفراد بين المجتمعين عبر تشكل بعض مؤسساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية
المشتركة. ثم تأتي المرحلة الاندماجية
وهي المرحلة الأخيرة من سلسلة التكامل بين الدول التي تستمر عدة سنوات ، ففي هذه المرحلة تكون الدول المكونة
للاتحاد قد بنت جميع مؤسساتها المشتركة ووضعت
أنظمتها وقوانينها. حيث يرى دويتش أن مرحلة الاندماج بين الدول في مرحلة سيادة الدولة
لا تتحقق إلا من خلال تفاعلات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية ومعرفية.
تضمن الاستحقاقات التاريخية والحضارية والديمغرافية
للدول الاطراف في الوحدة . فانعدام التفاعل والتواصل بين المجتمعات يؤدي إلى
عدم التجانس الثقافي والقيمي ، حيث يربط بين الاتصال المجتمعي باعتباره الرابط الذي
يُمكن التنظيمات الاجتماعية من التفكير والبحث وخلق مشاعر تعاونية ودية فيما بينها
وبين تحقيق التكامل بين المجتمعات السياسية ، والشعوب تحقق وحدتها كلما اتسعت الموضوعات
التي تربط بينها ” ولذلك ترى هذه النظرية أن
التواصل والاعتماد المتبادل المباشر في قطاع واسع من السلع والخدمات المختلفة بين الأفراد
في المجتمعين والعمل الذي يضمن استقرار مدخرات
الناس وحصولهم على الخدمات يؤدي إلى التقارب بين هذه المجتمعات الأمر الذي يسهل عملية
التكامل ومن ثم الوحدة.
فهذا التكامل يؤدي تدريجياً
إلى التمدد والانتشار التكاملي في قطاعات أخرى ، وهو ما أطلق عليه العالم هاس
huos مفهوم التمدد التكاملي الأمر الذي يؤدي إلى نقل تدريجي لبعض سيادة الدول
الأعضاء إلى المؤسسات التكاملية المركزية أو فوقومية .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه في بداية مرحلة التكوين التكاملي سوف تبرز
مشكلة ازدواجية الولاءات ، إلا أنه مع ترسيخ هوية دولة الوحدة سوف تتحول الولاءات إلى
نوع من التوازن في الولاء بين الدولة القطرية والاتحادية وسوف تتطور وتنمو عملية بناء
المؤسسات لتصبح نواة للحكومة الاتحادية حتى تصل، كما يقول أصحاب هذا الاتجاه، إلى نقطة
الانطلاق أو الإقلاع عندها تكون النخب والشعوب
في الدول الأعضاء مهيأة لقيام وحدة اندماجية بينها.
ويستبعدون نجاح أي وحدة في المجتمعات المتخلفة .
ان تحقيق الوحدة بين الدول يرتكز على نقل بؤرة الإهتمام من القضايا السياسية
الحادة إلى القوى الفاعلة في المجتمع. ويرى كذلك أن المجتمع يسير نحو التوحيد السياسي
إذا توفرت فيه مقومات التكامل المجتمعي ، أي أن الروابط بين القوى الاجتماعية تعزز
التكامل بين الوحدات السياسية. وتشير نظرية الوحدة
على أربعة مراحل لعملية الوحدة بين الدول هي:
المرحلة الأولى : وهي المرحلة التي تسبق عملية الوحدة، وهي ما يسمى بالتوظيفية
التكاملية حيث تبدأ القطاعات التي يجري في نطاقها التعامل المتبادل بين الدول وتتسع
في إطار نظام الإعتماد المتبادل. ومن هنا يبرز دور العوامل المشتركة التي قد تكون موجودة
في مرحلة ما قبل الوحدة ، مثل التجانس الثقافي أو التواصل الإقليمي أو الإعتماد الإقتصادي
المتبادل، لما لهذه العوامل من تأثير على عملية
الوحدة.
أما المرحلة الثانية : فهي المرحلة التي تبرز فيها قوى التوحيد بما لها
من طبيعة قسرية (الجيش والشرطة) أو نفعية ( الجوانب الإقتصادية والإمكانات الفنية والإدارية)
أو مرتبطة بالهوية الإجتماعية (الشعارات والقيم
السائدة في المجتمع).
أما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التوسع في التكامل فتظهر مع تزايد تدفق
السلع والأفراد والاتصالات بين الوحدات السياسية المكونة للإتحاد، وعند سريان هذا التفاعل
بين القطاعات المختلفة تتحقق المرحلة الرابعة وهي، نضوج عملية التوحيد ووصولها إلى
أهدافها المرسومة لها. وتبدو هذه المراحل الأربعة مترابطة ومتلازمة لتحقيق عملية التوحيد
بين الدول. كما يؤكد اصحاب هذه النظرية على بعض
المتغيرات المهمة لتحقيق عملية الوحدة، وتشمل هذه المتغيرات، النخب الداخلية
والخارجية ودورها في دفع عملية التوحيد ، ومدى تطابق أهداف ومصالح القوى الخارجية مع
القوى الداخلية.
وتبرز هذه النظرية اهمية سيادة القيم المشتركة ودورها في عملية التكامل بين
الدول. فالقيم المشتركة بين الأفراد تعكس بالضرورة عوامل التوافق والتشابه بينها، والتي
بدورها تسهل عملية التفاعل بين الأفراد والجماعات، و صانعي القرار السياسي في تلك المجتمعات.
فالنظام القيمي والسياسي المشترك لصانعي القرار السياسي في هذه الدول يساعد في دفع
عملية التكامل السياسي على مختلف المستويات، ويؤكد هذا الاتجاه على وجود علاقة طرديه
بين درجة التكامل ودرجة المشاركة القيمية للمجتمعات. وأي نموذج مخالف لذلك ما هو إلا تزييف للواقع وسيقود للفشل .
أن الوحدة التي تتحقق بالتدرج ومن خلال أساليب التكامل والتنسيق والتعاون،
بعيداً عن أساليب القوة ، مدعومة بالمشاركة الفعلية لمختلف القوى السياسية والاجتماعية
والشعبية في إطار من التوازن وضمان الحقوق ، تكون أقوى رسوخاً وأكثر ديمومة.
وبناءً على ما تقدم في ضؤ نظرية التكامل ، سوف نشير
هناء بسرعة الى الطريقة التي تم فيها اعلان الوحدة في اليمن
. حيث تعد الدولتين والشعبين في اليمن منظومتين فكرية وثقافية وحضارية تشكلت عبر تاريخ
الإنسان على الأرض وأنتجت هويتين وطنيتين تحملان تراثاً حضارياً وثقافياً متمايزاً
كل هوية عن الأخرى .
فالتمايز والاختلاف الثقافي
بين الشمال والجنوب ملحوظ في الواقع الاجتماعي في العادات والتقاليد الاجتماعية ولكل
منهما خلفياته ومنطقاته التاريخية والاجتماعية.
لقد ظلت البنية القبلية
التقليدية في الشمال محافظة على آلياتها في حين تعرضت البنية القبلية في الجنوب إلى
التفكك في مرحلة دولة الجنوب. ولم تقوم الوحدة
على مبدا التدرج التكاملي بين الدولتين
إذ لم يتضمن المشروع الوحدوي المعلن
بين الدولتين في عام 1990م ، ذلك الاختلاف الواضح بين الشمال والجنوب، ولم يؤد الحراك
السكاني الذي تم بعد الوحدة بين الشمال والجنوب إلى الاندماج والانصهار بين المواطنين
في بوتقة الدولة الواحدة وخلق قيم الوحدة التي تعزز روح الانتماء الواحد للدولة الحديثة
، بل على العكس من ذلك فان السياسات العامة
والممارسات الخاطئة بعد حرب 1994م ، قد ساعدت على التباعد بين الشمال والجنوب
أكثر مما كان عليه الوضع قبل إعلان الوحدة ، وظل الجميع محافظين على هوياتهم رغم سيطرة
الشمال على الجنوب والزج بسكان الشمال الى الجنوب لتغيير الخارطة الديمغرافية فيه.
وقد لمس الجنوبيون تلك التصرفات التي تشير إلى إقصائهم من المشاركة
الفعلية في السلطة والثروة ، وتم الاستيلاء
على ثرواتهم وأرضهم ، وحرمانهم منها و حولت الوحدة إلى احتلال.
وقد كشفت الحرب وما تلاها من إجراءات
بحق الجنوبيين أن المشكلة هي بين ثقافتين للحكم والتي تعود إلى مفهومهما للوحدة
والحكم، فالوحدة بنظر النخب السياسية الحاكمة في الجنوب هي وحدة شراكة وبناء دولة حديثة
تستند إلى النظام والقانون هدفها ايدلوجي في الاساس ، بينما مفهوم الوحدة عند الشماليين
هي وحدة ضم وإلحاق وهي ثروة وغنيمة تقوم على القوة والنفوذ وأعراف القبيلة هدفها الثروة
واغتصاب الجنوب .
على الرغم ممّا تظهره الدولة من صور للحداثة ما هي الا صور خادعة ، وهي في الأساس تمارس نفوذها العصبوي
والتقليدي الذي احتكر السلطة ونتج عنه غياب للتوازن والاندماج الاجتماعي، فالتمايز
الذي خلقه النظام أدى إلى إفقار قطاع واسع من أبناء الجنوب ، الأمر الذي أفضى إلى زيادة
المعاناة والحرمان بين الجنوبيين والإحساس
بالضيم والقهر الاجتماعي . فبدأ الجنوب متناقضاً مع الشمال . يشير الكاتب الانجليزي بول دريش إلى أن
التناقض بين الشمال والجنوب قد نتج عنهما نظامان مختلفان، نظام جمهوري في الشمال، ونظام
جمهوري أخر في الجنوب، ولقد كان لهما نتائج مختلفة على البيئة الاجتماعية والسياسية
حتى من حيث الطبيعة المتناقضة للدولتين اليمنيتين اللتان تولتا البناء الوطني في ستينيات
القرن الماضي، وظهرت بصورة ملموسة في النظام السياسي في اليمن بعد إعلان الوحدة التي أعلنت الوحدة بين نظامين مختلفين تماماً، نظام
في الجنوب قائم على أسس التوجه ألاشتراكي ” ايدلوجي” تشكل الملكية العامة لوسائل الإنتاج أساس الدولة
وهي التي تحتكر النشاط الاقتصادي وتقدم جميع
الخدمات الأساسية للمواطنين والنظام في الشمال قائم على أساس التوجه الراسمالي
يعتمد المصلحة المادية و الانفتاح الاقتصادي يستند على الأعراف القبلية أكثر من القانون .
وعليه كان مفهوم الوحدة مختلفاً
لدى النخب السياسية الحاكمة في الشمال والجنوب وهذا الاختلاف يعود إلى طبيعة
التنشئة السياسية والثقافية لكل منهما ، فالوحدة في مفهوم النخب الشمالية هي وحدة تستند
على االحرب والقتل كما تجسد في الحرب والجرائم المتكبة ما بعد الحرب طوال الفترة الماضية
، لا على منطق السلم والتكامل بين شعبين ودولتين ذات سيادة .
كما ان الوحدة عند إعلانها اعتمد الطابع الحزبي السياسي نيابةً عن الشعب ، و تم التوقيع عليها من قبل الحزبيين السياسيين ( الاشتراكي في الجنوب والمؤتمر
في الشمال ) دون مشاركة القوى السياسية الأخرى أو الاستفتاء الشعبي عليها، وهذا الطابع شاهد على المفاهيم الخاطئة لدى النخب
السياسية حول قيام الوحدة ومنطلقاتها ، ودليل على عدم شرعية الوحدة وبطلان إعلانها . فضلا عن
المفهوم الزائف للوحدة الذي تحمله النخب
الحاكمة في الشمال، عودة الفرع إلى الأصل هو منطق الإمام نفسه لم يتغيّر ، وهذا ما كشفته الأيام الأولى
للوحدة عندما ظهرت الخلافات بين الطرفين، والتي بينت أن نظام صنعاء إنما كان يضمر إلحاق الجنوب بسلطته والاستحواذ عليه،
وهذا ما أكده الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر
رئيس مجلس النواب السابق ورئيس حزب الإصلاح
في مذكراته .
اذ عمل الطرف الشمالي على عرقلة
تنفيذ اتفاقيات الوحدة في المرحلة الانتقالية.و ظلّت معظم مؤسسات الدولتين تخضع لقياداتها
السابقة لاسيما المؤسسات العسكرية والأمنية .
وفي أول انتخابات بعد الوحدة
سنة 1993م، برز التحالف بين حزبي الاصلاح والموتمر الذي قام على أسس الانتماء (الى
الشمال) ، فقد مثّل هذا التحالف مؤشر إقصاء
الجنوب من المعادلة السياسية وضمه للشمال الذي اعلن الحرب على الجنوب
بعد الانتخابات بسنة وانتهت الحرب بانتصار
الطرف الشمالي بعد مرور 72 يوماً، كان الجنوب مسرحاً لها دمرت فيها الخدمات
التحتية وراح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين وشردت عشرات الآلاف من أبناء
الجنوب إلى الخارج، وتم اجتياح جيش الجمهورية العربية اليمنية ” للجنوب ” وتم تعديل دستور الوحدة وإلغاء اتفاقيات
الوحدة، إذ كانت الحرب من الناحية العملية قد أنهت مشروع الوحدة بين دولة الشمال ودولة
الجنوب نهائياً .
وتكشف ان الشمال كان ينوي الانقضاض
على الوحدة واحتفاظه بالمرجعية العسكرية لشن
الحرب على الطرف الآخر ، وهذا ما حدث بالفعل كما أسلفنا وذلك يدل على أن الحرب كان
مخطط لها في قرار تفكير القائمين بها . وأصدر
مجلس الأمن قرارين 924 و931 في العام 1994م ، دعا فيهما لوقف إطلاق النار وعودة الطرفين
إلى طاولة التفاوض، وبينما أبدي نظام الجنوب تفهماً لهذه القرارات بدا نظام صنعاء رافضاً
لها، وتم اجتياح الجنوب وقتل وجرح فيها عشرات الآلاف من أبناء الجنوب.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق