السبت، 10 ديسمبر 2011

بداية القصيدة كفر

د. عيدروس النقيب
لم تكن البداية التي استهل بها الرئيس بالإنابة الفريق عبدربه منصور هادي خطاباته الرسمية في الحديث أمام قيادات المؤتمر الشعبي العام، لم تكن موفقة فقد غلب عليها الارتباك والتدليس وقلب الحقائق والهروب من تناول جوهر المشكلات، حتى تلك التي يقر النظام بها.
لن أتناول هنا حكاية الرئيس المنتخب الذي صوره صاحب الخطاب وكأنه الرئيس العربي الوحيد المنتخب وكأن مبارك وبن علي والأسد ليسوا منتخبين،ولكنها الانتخابات العربية التي إذا ما شعر الرئيس فيها بالهزيمة حشد الطيران والدبابات، ولا عن النظام الديمقراطي، الذي يقتل مواطنيه لأنهم طالبوا بحقوقهم سلميا، ولا عن أنه لا يوجد رئيس منتخب يقدم استقالته فتلك الأمور يعرفها من بدأ يتعلم أبجديات السياسة، وهي قد لا تبدو ذات أهمية في بلد تلفق فيه كل الوقائع وتزور فيه كل الحقائق على النحو الذي يجعل القاتل وطنيا ونبيلا واللص معلما لفضيلة الشرف.
لقد بدا الرجل وكأنه يبحث عن طرف يتعالى عليه ويجرب عليه تسلطه واستئساده، فلم يجد سوى من أسماهم "الانفصاليين" وذلك بإظهار غبطته بأن قرار مجلس الأمن رقم 2014 قد ألغى ،كما زعم، قراري مجلس الأمن رقمي 924 و م931 بشأن عدم جواز فرض الوحدة بالقوة وضرورة الحوار بين طرفي حرب 1994م.
مما قال عبدربه (مشيرا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2014) "هذا القرار يعني انه ينهي القرارين التي صدرت في 94م والذي يقول لابد من حوار مع الانفصاليين هذا القرار ينهيه الذي هو متمسك به اليوم علي سالم البيض ومجموعة من الانفصاليين" وأردف أن جمال بن عمر قال لعلي سالم البيض "إن القرارات مجمدة في مجلس الأمن وان أي قرار يصدر اليوم في مجلس الأمن هو يعني إنهاء القرارات المجمدة داخل مجلس الأمن" واختتم " والحمد لله قد صدر هذا القرار وأنهى القرارين السابقين".
لم يكن هادي بحاجة إلى تذكير أهله في الجنوب بآلام هذه الحرب وما تلتها من أيام سوداء وسنوات عجاف عاشها الجنوبيون على مدى ما يقارب عقدين من الزمن لم يكسبوا فيها إلا وجود نائب رئيس لا أدري كم مرة مارس صلاحياته وحصل على سلطاته التي يحددها له الدستور، فالجنوبيون يعيشونها بمراراتها وآلامها ومآسيها ونتائجها المدمرة.
من استمع إلى حديث هادي وهو يحمد الله ويعبر عن بهجته بسقوط قراري مجلس الأمن، كما قال، يتصور بأن السلطات اليمنية والتي شغل فيها الفريق هادي موقع الرجل الثاني، قد تقيدت بهذين القرارين فالتزمت بعدم فرض الوحدة بالقوة وتحاورت مع الطرف المهزوم، ولم تحول الجنوب إلى غنيمة حرب تقاسمها المنتصرون تماما كما يتقاسم اللصوص مسروقاتهم، بينما يعلم الجميع أن تهمة الانفصالية ظلت تطارد كل جنوبي طالما عبر عن رفضه للسياسات المعوجة التي اعتمدها النظام بعد 7 يوليو، فلم تسقط تهمة الانفصالية عن أحمد بن دغر إلا بعد دخوله المؤتمر الشعبي العام، بل وألحقت هذه التهمة حتى بالذين حاربوا إلى جانب الطرف المنتصر في حرب 94م المشئومة بمجرد انتقادهم للسياسات الرسمية ورفضهم لنتائجها.
ليس من الرجولة استعراض القوة على المهزومين وهذا ما يقتضيه العرف العسكري وأخلاق المنتصرين، وهو عرف يدركه القادة العسكريون الماهرون والرئيس بالإنابة عسكري يفترض فيه المهارة، وهو يعلم أن الجنوب يرفض نتائج حرب 1994م وسيكون من المشرف له أن يبدأ بالتكفير عن الاشتراك في استباحة الجنوب، وذلك من خلال خطوة شجاعة يدعو فيها إلى إعادة الأملاك المنهوبة وفتح باب الحوار مع فرقاء الحياة السياسية الجنوبية، فالنصر في الحرب كما نعلم لم يلغ الجنوب ولم يزد نار الرفض لسياسات الحكم الذي يمثله السيد هادي إلا اشتعالا.
أيها السيد الرئيس بالإنابة!
لقد كنت تنزل إلى أبين ويستقبلك أهلها بالترحاب على الأقل لأن الناس عرفوا فيك التواضع وقلة استخدام اللغة العدائية إلا مكرها، أما أن تبدأ رئاستك باستعداء الجنوب وتتغنى مهللا: " الحمد لله لقد سقط قرارا مجلس الأمن" فهذا يقدمك على أنك ما زلت مصمم على ثنائية المنتصر والمهزوم التي جلبت من الويلات على اليمن ما جلبت وأثبتت عقمها ونتائجها التدميرية، وينبغي أن نعلم جميعا أن الجنوبيون لا يراهنون على هذه القرارات مثلما لا يراهن الفلسطينيون على القرار 242، لكنهم يراهنون على مشروعية قضيتهم وحقهم التاريخي الذي لا يلغيه قرار السلطة ولا يثبته قرار الأمم المتحدة، بقدر ما يثبته نضال وصبر المواطنين ضد سياساتكم المعوجة والقائمة على التعالي والاستباحة والنهب والاستبداد والإقصاء والتمييز وتعميم الفساد، فهلا بدأتم خطوة جريئة تجعلكم تعتذرون لأبنا الجنوب وللشعب اليمني كافة على ما ألحقه بهم سلفكم من أضرار مادية ومعنوية أم أنكم ستستمرون في تقديم الجنوب قربانا ليرضى عنكم الناهبون وسارقو الشمال والجنوب؟
برقيات:
* عبد ربه قال أنه لا يستطيع العمل بدون علي عبد الله صالح، وقد يكون لهذا القول مسوغاته البروتوكولية، لكن الإصرار على أنه لا يكون إلا في ظل علي صالح يجعل الشعب الذي ثار ضد صالح يجد فيه نائبه تجسيدا للطاغية الذي خرج من السلطة مكرها.
* تجاهل قضية الجنوب أو الادعاء عدم وجودها يشبه تماما سلوك النعامة التي ما أن تشاهد الخطر حتى تدس رأسها في الرمل معتقدة بأن الخطر لا يصيبها، في محاولة للنجاة من هذا الخطر الداهم، ولا تعلم أن هذا الخطر لا ينجو منه إلا من يقر به ويعالج أسبابه.:
* يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
ولا تكثر على ذي الضغن عتبا ولا ذكر التـــجرم للذنوب
ولا تســــأله عما سوف يبدي ولا عن عيـبه لك بالمغيب
متى تك في صــديقٍ أو عدوٍ تخبرك الوجوه عن القلوب
هل أعجبك الموضوع:

ليست هناك تعليقات :