زيورخ (عدن الغد) تزامن
تقرير وحوار\أياد الشعيبي
لا يزال الغضب الجنوبي تجاه بيان مجلس الأمن الصادر بتاريخ 15 فبراير 2013 مستمرا ، حيث يبدو أن غياب ثقة الجنوبيين بعدالة مراكز القرار الكبرى تجاوزت صنعاء .
هل أصبح المجتمع الدولي يمارس سياسة "كسر العظم" مع الجنوبيين ، لإجبارهم للتخلي عن أهدافهم العظيمة التي يرغبون من خلالها استنشاق نسيم الحرية كغيرهم من بقية شعوب العالم بدولة مدينة تخصهم وحدهم ، لا علاقة لها بشيخ نافذ قادم من سنحان أو جنرال حرب أدمن استذلال الآخرين؟ يتسائل البعض.
في المقابل يرى آخرون أن هناك سياسات كبرى تدير هذا العالم ، ومخطئا من يظن أن ثورات الشعوب تواجه حاكما مستبدا أو دكتاتورا أرهق شعبه ويلات الظلم وحسب ، يتعدى الأمر في نظر محللين إلى أبعد من مجرد حاكم هو في أحسن الأحوال دمية أو نرد بين أيدي لاعبين كبار يديرون طاولة العالم ويتحكمون في زواياها.
ليس مستغربا أن تجد سفير الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يزور مدينة زنجبار أو يتجول في شوارع صنعاء ، أو تجده يضع ساقا على الأخرى ويهزها بتغطرس في قصر الرئاسة اليمنية واسعة الأبواب. وإذا ما لمحت تصريحا للسفير الإيراني أو السعودي أو الروسي يهدد ويتوعد ، فاعلم حينها أنك في صنعاء.
الجنوبيون لا يزالون يواجهون بتحدي إصرار المجتمع الدولي على فرض المسمى المزعج "وحدة اليمن" ومحاولاتهم اللا متناهية لحل قضية الجنوب في إطار الحوار اليمني في صنعاء.
اللاعبون الكبار وقضية الجنوب
القيادي الجنوبي المقيم في ألمانيا أحمد عمر بن فريد– في حديث خاص لـ "شمس الحرية" يفند سياسة المجتمع الدولي مع قضية شعب الجنوب من منطلقين : الأول أن تعامل المجتمع الدولي والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مع قضية شعب الجنوب تنبع من التعامل مع الأزمة في اليمن بمنظور عام لا يفرق بين قضية وأخرى ، والثاني لسياسات المصالح بعيدة المدى التي تمارسها الدول الكبرى اللاعبة في العالم.
وليس أدل من ذلك يضيف بن فريد " اختلاف اللاعبين الكبار بخصوص الأزمة السورية واتفاقها بخصوص قضية شعب الجنوب ".
من وجهة نظر بن فريد فالنتيجة النهائية في سوريا على ضوئها سيتشكل شكل النظام العالمي الجديد ، "إنها الحلقة الأهم بالنسبة لمحور الصراع في المنطقة خصوصا بين الكتل الجديدة التي برزت وبشكل قوي ولديها أهداف إستراتيجية كـ روسيا والصين وإيران كلاعب حاضر في المنطقة يضاف إليها البرازيل والهند".
هناك مثلا حديث عن مشاريع اقتصادية عملاقة للصين على سبيل المثال منها إنشاء سكة حديد من الصين إلى ضفاف الشرق الأوسط ، هذا يعني أن المليار نسمة صيني سيكونون قريبا في الشرق الأوسط ، أضف إلى ذلك مشاريع غاز عملاقة تربط دول الشرق الأوسط بهذه الدول " ، يضيف بن فريد " هذه مشاريع ستدفع بالتأكيد تلك القوى على إثبات حضورها".
تكمن أهمية التعاطي الدولي مع الجنوب أيضا مع أهمية ما سيتحقق في سوريا من نتائج ، رغم أن من يدفع الثمن بالأخير هي الشعوب .
لكن وبنظر الأستاذ بن فريد فإن " تسوية سياسية بسوريا تعني تواجد صفقة عامة بخصوص بقية الملفات الساخنة في الشرق الأوسط بين اللاعبين الكبار".
يضيف بن فريد أن "هناك تدخل إقليمي واسع في اليمن وحتى روسي ، وروسيا سبق رفضت إدراج فقرة في بيان مجلس الأمن الأخير الصادر في منتصف فبراير الماضي كانت قد سمّت إيران بدعم من أسماهم البيان "معرقلي التسوية السياسية في اليمن".
المجتمع الدولي يدعم الاستقلال
يراهن كثيرون على أن الشارع الجنوبي يمتلك قدرة كبيرة على كسر معايير التعامل الدولي وحتى النظام اليمني نفسه مع قضية شعب الجنوب ، ويرون بأن عامل الحسم الجنوبي ينطلق من خلال ردة الفعل السلمية للقمع العنيف الذي ارتكبته سلطات الأمن اليمني بحق الجنوبيين في 21 من فبراير المنصرم .
يقول بن فريد أن أحداث يوم الكرامة "أحرجت كثيرا سلطات الاحتلال بل وهزت ما تبقى من مصداقية لمساعيهم نحو حوار صنعاء ، ومن أجل تدارك هذا الإحراج وتلك الجماهير هناك ضوء اخضر دولي لاستخدام أي أساليب محلية من اجل إنجاح التسوية السياسية".
قلب المعادلة الدولية بشأن قضية الجنوب قابلة للحدوث ، فإرادة الشعوب هي الغالبة هكذا يبدو من وقائع التاريخ .
من وجهة نظر أحمد بن فريد فحتمية تغير الموقف الدولي لصالح دعم حق الجنوبيين في استعادة دولتهم ، ينطلق من حتمية فشل الحوار اليمني المزمع عقده في العاصمة اليمنية صنعاء 18 مارس الجاري.
يقول بن فريد " إذا استطاع الجنوبيون مواصلة الحشد والتظاهر بزخم وتفاعل كبيرين مع استمرار قمع السلطات الأمنية اليمنية لهم ، يعني ذلك فشل الحوار اليمني".
ويضيف " هذا فضلا أن المجتمع الدولي لديهم قناعات أن في صنعاء تعقيدات غير قادرة على التجاوز، فظهور الرئيس السابق علي عبد الله صالح الأخير إلى جانب عشرات الآلاف من مؤيديه يعني أن الحوار كلام فارغ ، وأن دور الرئيس اليمني عبدربه هادي يشابه دور الرئيس الأفغاني كرزاي في أفغانستان في ضل التواجد القوي لطالبان". .
باختصار يقول بن فريد " إذا وصل الحوار إلى نقطة فشل وطريق مسدود مع استمرار زخم الجنوبيين بنفس الوتيرة التي خرجوا فيها في مليونية 13 يناير الماضي ، هذا يعني إحراج لصنعاء ، وبمثابة قاعدة قد ينطلق منها المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف مغايرة لصالح قضية الجنوب ودعم استقلالهم".
لقاء دبي فخ أم انتصار
في الأثناء يبذل المجتمع الدولي والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية جهود حثيثة لإحضار قادة ونشطاء جنوبيين للمشاركة في لقاء مزمع عقده اليوم السبت في مدينة دبي الإماراتية وسط ضغوطات تمارسها صنعاء لعرقلة اللقاء.
ففي الوقت الذي علمت فيها "شمس الحرية" من مصادر مطلعة أن قيادات جنوبية بارزة قد وصلت دبي للمشاركة في هذا اللقاء ، اعتذر مكتب السيد جمال بن عمر لعشرات القادة والنشطاء الجنوبيين الذين كانوا ينتظرون إجراءات السفر إلى دبي في العاصمة اليمنية صنعاء بينهم الزعيم حسن أحمد باعوم ، في حين لا تزال المواقف من هذا اللقاء متأرجحة بين التفاؤل والتشائم الذي دفع بالدكتور مسدوس لاعتبار ذلك فخا سياسيا ينصب لقيادات الجنوب.
تحذيرات الدكتور محمد حيدرة مسدوس أطلقها عقب اطلاعه على جدول أعمال اللقاء المزمع عقده يومي التاسع والعاشر من الشهر الجاري في دبي.
وقال مسدود في تصريحات نشرها "عدن الغد" الخميس أن جدول أعمال اللقاء محصور في شرح الأبعاد القانونية لقراري مجلس الأمن الدولي رقمي 2014 و 2051" .
ووجه مسدوس نداء سريعا " إلى كل الجنوبيين بعدم الحضور ما لم يكن الجدول حول مبادرة جديدة خاصة بقضية شعب الجنوب تؤكد على المفاوضات الندية بين الشمال والجنوب خارج اليمن وتحت إشراف دولي ، لأن شرح الأبعاد القانونية لقراري مجلس الأمن الدولي المشار إليهما أعلاه ليس جدولا للقاء ، وإنما هو فخ لجر الجنوب إلى حوار صنعاء ، لأنهم بعد ذلك لا يستطيعون الرفض وإلا سيدخلون في قائمة العقوبات كمعرقلين للتســوية السياسـية في اليمن".
القيادي أحمد عمر بن فريد كان له وجهتي نظر حول هذا اللقاء ، بداية يرى بأن اختيار مدينة دبي لهذا اللقاء يأتي من كون أن اللقاء له علاقة بالمبادرة الخليجية ، وأن الملف اليمني يجب أن يبقى بيد الخليجيين ، وحتى أي حلول قادمة لقضية الجنوب يفضل المجتمع الدولي أن تكون عبر بوابة الخليج.
بن فريد يعتقد - ويتمنى أن يكون مصيبا في ذلك - بأن مستشار أمين عام الأمم المتحدة السيد جمال بن عمر لديه عرض آخر سيقدمه للقيادات الجنوبية التي سيلتقيها ، ولا يمكن أن يكون الغرض من هذا اللقاء هو تكرار ما طرحه بن عمر في وقت سابق على قيادات جنوبية التقاها في العاصمة المصرية القاهرة".
يتوقع بن فريد أن يخرج لقاء جمال بن عمر بالقيادات الجنوبية في دبي بنقطتين تتعلق بمضمون مشاركتهم في الحوار ، الأولى أن يتم مناقشة قضية الجنوب في القاهرة ، وهذه النقطة ليست بذات الأهمية من وجهة نظر بن فريد ، أما النقطة الأخرى فهي أن يتمكن القادة المشاركون من نسف الشروط وآليات التمثيل التي أوردتها اللجنة الفنية للحوار اليمني ، وأصروا على أن يكون الحوار حول الجنوب إذا ما عقد في القاهرة بين ممثلين شرعيين للجنوب من الحراك الجنوبي الذي يشكل القوة الكبرى في الشارع ، فإذا ما تم ذلك فهو انتصار كبير برأي الأستاذ بن فريد.
وفي رده على سؤال لـ "شمس الحرية" حول ما إذا كان ما أشار له الدكتور مسدوس عن مضمون جدول أعمال لقاء دبي صحيحا؟ يوافق بن فريد مسدوس في ذلك ويؤكد صحة ما ذهب له مسدوس بعد اطلاعه شخصيا على جدول أعمال اللقاء ، ويعتبر إذا ما حصر اللقاء بمضمون ما ورد في جدول الأعمال فإنه سيكون بمثابة فخ واستهتار بالجنوبيين ، مشيرا إلى أن مناقشة قراري مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن يصب في إطار شرعية حكومة الوفاق التي لا علاقة للجنوبيين فيها.
وفي وقت سابق أعلن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض نفيه الاعتزام والمشاركة في هذا لقاء دبي حتى يتلقى دعوة رسمية من السيد جمال بن عمر ويطلع على جدول أعمال هذا اللقاء والمشاركين فيه في حين أبدى رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب الزعيم حسن أحمد باعوم استعداده المشاركة ، ونفى القيادي البارز العميد ناصر علي النوبة مشاركته فيه ، في حين صرح الشيخ أحمد الصريمة باسم مؤتمر شعب الجنوب رفضه المشاركة في اللقاء وتأكيده المشاركة في الحوار الوطني في صنعاء.
وليلة السبت علمت" شمس الحرية" من مصادر خاصة أن الرئيس علي سالم البيض أوفد كل من أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد علي السقاف والدكتور الخضر الجعري للالتقاء مع السيد جمال بن عمر في دبي ، وليس بغرض المشاركة في اللقاء.
قضية عادلة ومحامي فاشل
الاستقطابات التي تبذلها أطراف العملية السياسية في صنعاء ، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لإقناع الجنوبيين بالمشاركة في حوار صنعاء لم تتوقف ، قوائم مسربة لأسماء وهمية وأخرى لا علاقة لها بالسياسة ، وشخصيات يشتاط الشارع الجنوبي منها غضبا ،وأخرى ذات مواقف متقلبة لا تكاد ترسو على شط ، وآخرون يتهمهم البعض بـ "المتاجرة" وربما قلة عن قناعة يتهافتون بخجل للحضور ، يأتي ذلك في وقت لا تزال القوى الكبرى البارزة في الجنوب "قوى ومكونات الثورة الجنوبية السلمية" ترفض المشاركة في هذا الحوار.
المجتمع الدولي يبدو أنه لم يفلح في ثني شعب الجنوب وإخافته بإدراج اسم علي سالم البيض ضمن قائمة معرقلي التسوية اليمنية والتلويح باتخاذ عقوبات دولية ضده تحت الفصل السابع ، فما حصل في 21 فبراير الماضي قلب معادلات كثيرة.
لكن ماذا فعل زعماء الحراك الجنوبي حتى اللحظة ؟ ، فإذا كانت المجزرة تلو الأخرى لا تحرك فيهم الضمائر – كما يقول نشطاء – فما الذي سيدفعهم للتوافق أو اتخاذ شكل من أشكال التوحد وصياغة رؤية مشتركة تنطلق من خيارات الشعب الثابتة في مرحلة حساسة جدا تتزاحم فيها المستجدات وتتفاعل معها دول العالم.
" القادة الجنوبيون لاعبون فاشلون" يؤكد هذه العبارة أحمد عمر بن فريد ويضيف في سياق حديثه لـ "شمس الحرية" "بمعنى أصح قضية الجنوب قضية عادلة بيد محامي فاشل".
لا يخفي بن فريد انزعاجه من قيادات الحراك الجنوبي خصوصا تلك "القديمة" التي لا تزال تدير فصائل الحراك ، ويضيف أصبحوا " غير قادرين على تبادل الأدوار ، ولا زالوا يعملون في إطار المماحكات القديمة ، حتى القيادات التي بالداخل إما أنها تمضي تحت إطار القيادات القديمة ، أو أنها غير قادرة على التحرك وليس لديها إمكانيات لبذل جهود أوسع".
وفي حين يذهب البعض بتبريرات ليست مقنعة دفاعا عن قادة الحراك الجنوبي ، يبدو أن الاستياء من الدور الركيك الذي يبذله قادة الحراك الجنوبي يبدو الأكثر حضورا .
يقول مذيع قناة العربية عادل اليافعي "كل وجوه القيادات الجنوبية التي أراها اليوم تتحدث باسم الجنوب هي نفس الوجوه التي أضاعت وطن محترم شامخ أبي وذهبت به إلى غياهب الجب والمجهول والنسيان الأبدي وكأن قدرنا سيكون معهم إلى طريق القبر والخراب".
يبدو التشاؤم مخيم بدرجة كبيرة على اليافعي ويصل مرحلة فقدان الثقة ، فيضيف عادل قائلا في منشور له على صفحته الشخصية في الفيسبوك " لا أثق بأحد منهم ولا أعتقد أن من أضاعنا ونحن بعزتنا سيعيدنا إلى جادة الصواب ، أين العقول النيرة أين الذين لم تتلوث أيديهم بدمائنا أين الذي عانوا داخل الوطن وذاقوا الأمرين عجبي يا شعب وخوفي على ما تبقى من كرامة فينا".
ومع ذلك هناك من لا يزال متفائلا أيضا بدور القيادات الجنوبية ويرى أنها ربما قد تغير من نهج تعاملها ، وتكبر بحجم قضية شعب الجنوب وتحفر لها مكانا مشرقا في جدار التاريخ قبل فوات الأوان.
* ينشر في "عدن الغد" بالتزامن مع صحيفة "شمس الحرية"
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق