الاثنين، 3 سبتمبر 2012

الجنوب ... فولاذية الإرادة ووحدة الهدف

عدن الغد صلاح شاذلي
الجنوب ... فولاذية الإرادة ووحدة الهدف
تمر اليمن عموما والجنوب على وجه الخصوص في ظرف تاريخي عصيب ومنعطف سياسي يمثل المحك الرئيسي للإرادة الحقيقية لكل القوى السياسية والثورية جنوبا وشمالا للخروج بالبلاد من المأزق الخطير وتجاوز التركة والأزمة التي عاشها اليمن شمالا وجنوبا منذ انقضاض النظام الأسري والقبلي الفاسد على السلطة في الشمال واحتلال الجنوب بعد نجاح اجتياحه عسكريا في انقلاب واضح وصريح على كل اتفاقيات الوحدة السلمية في مايو 1990م
ولعل من مفارقات القدر ان يكون يوليو 1979م يمثل الانتكاسة الحقيقية لكل القوى الوطنية والحية في الشمال والتي كانت تتطلع لبناء دولة مؤسسية بدأ في إرساء قواعدها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي , كما أصبح يوليو 1994 هو يوم احتلال الجنوب من قبل نفس القوى التي انتهجت أساليب النهب والفيد والإذلال وتفكيك كل المؤسسات المدنية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في الجنوب وتسريح الكوادر الجنوبية وتفريخ الأحزاب والصحف وهو ما يعد عمليا انتهاء للوحدة واستبدالها بحقبة استعمارية لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلا لها مما حفز واستنهض روح الرفض والمقاومة من قبل الجنوبيين للواقع الذي أراد نظام يوليو فرضه فكان انطلاق المارد الجنوبي الذي بنهوضه نهضة كل القوى السياسية في الشمال ,وكان انطلاق الثورة الشبابية والشعبية في الشمال نتاج طبيعي للنضال السلمي الذي بدأه الحراك الجنوبي السلمي عام 2007م وسيسجل التاريخ الحقيقة المطلقة التي لايمكن تجاوزها او نكرانها وهي أن الإرادة الفولاذية للجنوبيين رغم كل الضرر الذي لحق بهم إلى درجة حرمانهم من حقهم في الرزق والعمل ومحاولة تغيير التركيبة الديمغرافية والسكانية في الجنوب الا أن هذه الإرادة الفولاذية كانت وما زالت مصدر الإلهام للثورة الشبابية والشعبية في الشمال كما كانت هذه الإرادة هي سر الصمود الأسطوري للجنوبيين .
يتجلى وبوضوح أن القوى الشبابية والشعبية لاتزال غير مقتنعة بما تحقق على الأرض حتى الان بل ان البعض يشعر ان ثورة الشباب السلمية قد ثم تجييرها لصالح بعض القوى القديمة الجديدة والتي غيرت جلدها وفق ما تقتضيه المرحلة وخصوصا ان بعض التحالفات السياسية والمذهبية قد أصبحت واضحة للعيان وان لم تتخذ الطابع الرسمي وأصبحت تستتر خلف اللقاءات الشخصية والودية مما يوحي ان القوى القديمة في الشمال والتي انطلقت ثورة التغيير الشبابية من اجل اقتلاعها لاتزال تسيطر على بعض مراكز القوى والنفوذ ولا تزال تعبث بمقدرات البلاد وأمنها مستغلة حالة التفكك والشك والتشويش التي تسود أوساط القوى الوطنية كالحراك الجنوبي وأحزاب اللقاء المشترك وبعض القوى والأحزاب الأخرى بل أنها تريد برهنة مقولة رأسها المخلوع بأن البديل عن نظامه البائد هو الاقتتال من طاقة لطاقة والحذو بالبلاد نحو الصوملة بالرغم من كل الجهود والنتائج والنجاحات الذي حققها الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني قياسا بحجم التحديات والصعوبات التي تواجههم في تنفيذ المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية والجدول الزمني لتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. ولعل حجر الزاوية في كل العثرات والصعوبات هو بقاء المخلوع صالح محصنآ في اليمن وعلى رأس اكبر حزب فيه من الكوادر المجربة والمؤهلة والقادرة على قيادة الحزب بصورة تنظيمية تليق بحجمه وتاريخه السياسي وتنظيفه كي لا يصبح وكر للفاسدين ولبقايا النظام المنتهي , فالحزب الشريك في حكومة الوفاق الوطني والموقع على المبادرة الخليجية كحل للازمة السياسية لايمكن له ان يرهن تاريخه السياسي والنضالي بشخص او مجموعة أفراد بعيدين كل البعد عن العمل الحزبي والتنظيمي فهم اقرب إلى عمل العصابات منهم إلى عمل المؤسسات الحزبية وتتطلع القواعد العريضة والشريفة لهذا الحزب إلى القيام بدور فعال يضمن لها المشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي والتنظيمي بدلا من الارتهان لشلة انتهت صلاحيتها السياسية والحزبية وقبل هذا انتهت إنسانيتها فهل نرى تحولا حقيقيا داخل المؤتمر الشعبي العام يضمن انحيازه إلى الإرادة الشعبية بدلا من الإرادة الفردية.
ان الحديث عن الحوار الوطني ومشاركة الجنوبيين فيه لايمكن له ان يتم في معزل عن سد الثغرات الذي رافقت المبادرة الخليجية التي تجعل منة مجرد حوار لايقدم للقضية الجنوبية حلول عادلة تضمن للجنوبيين حقهم في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم من خلال استفتاء شعبي شفاف ونزيه ينسجم و حجم التضحيات الذي قدمها الجنوبيين مع تقدير الجنوبيين لجهود الأشقاء والأصدقاء وايمانآ منا في سلامة نواياهم لإيجاد حل عادل للقضية الجنوبية الا ان تجربتنا المريرة مع سلطات صنعاء في الانقلاب على كل الاتفاقيات والمواثيق تجعلنا أكثر اصرارآ على ضرورة إيجاد أرضية سليمة للحوار تتم من خلال البدء بتنفيذ جملة من الإجراءات الضرورية والأساسية لاستعادة الثقة وبنائها استنادا لحزمة من الضمانات المحلية والإقليمية والدولية تضمن حوار مثمر وبناء وهذا ما قد كانت طرحته قيادة مؤتمر القاهرة خلال لقائها لجنة الاتصال وسفراء الدول الصديقة في القاهرة وهذا ما تضمنه ايضا البيان الختامي لاجتماع القيادة المؤقتة في القاهرة في يونيو 2012م
وفي ذات السياق فأن الجنوبيين كانوا ولايزالوا مع الحوار كقيمة حضارية وإنسانية سلمية يعكس الإرادة الحقيقية لنضال شعبنا السلمي الا ان الحديث عن الحوار الجاد والصادق والذي يلبي طموحات الجنوبيين لايمكن له ان ينجح ولاتزال نفس القوى الذي تعبث بمقدرات وأمن الوطن والشعب في الشمال والجنوب متواجدة في مفاصل الدولة المختلفة كما أننا نستغرب ان يتم الحديث عن الحوار ونحن نرى الصراع القائم بين مراكز القوى في صنعاء وانقسام المؤسسة الأمنية والعسكرية على نفسها وهي التي تعتبر صمام الأمان لتنفيذ وإلزام كل القوى السياسية بتنفيذ ما سيتمخض عنة الحوار الوطني من قرارات ملزمة لكل الأطراف.
ففي الوقت الذي أعلنت اللجنة الفنية للإعداد و التحضير للمؤتمر الوطني 20 مطلبآلانجاح الحوار الا ان السلطة في صنعاء يبدو أنها لاتزال واقعة تحت ثأتير مراكز القوى العسكرية والقبلية التابعة للمخلوع صالح وأسرته ولايزال وجود صالح في اليمن هو المعرقل الرئيسي لكل الحلول والتسويات فبقاء المخلوع محصنآ ينسف كل المتطلبات الذي قد تهيئ اي أجواء صحية لأي شكل من أشكال التسويات او الحوارات فمن بداية حكمة راقصا مع الثعابين لايمكن له الا ان ينتهي متحالفا مع الشياطين..
من يعتقد ان صالح وأسرته الفاسدة قد أصبحت خارج مركز صناعة القرار او بعيدة عن الثأتير السياسي السلبي فأنة يكون بعيد كل البعد عن القراءة الحصيفة لمجريات الأحداث في اليمن شمالا وجنوبا فصالح لايزال عبثا يحاول عرقلة مسيرة التغيير والإصلاح الذي يقوم بها الرئيس عبدربه منصور هادي وهي الجهود الذي حققت نجاحات أكدت للعالم اجمع ان منبع العبث والفساد لم يكن سوى الصالح, وليس الانتصارات العسكرية الذي تحققت على أنصار الشريعة في أبين وشبوة الا دليل وشاهد على تورط صالح ونظامه وشراكته مع القاعدة وقد ادمغه بطريقة اغتيال الشهيد اللواء سالم قطن الذي حقق انتصارات نوعية وفي فترة زمنية قصيرة وحرر كل المناطق التي سقطت في أيدي أنصار الشريعة.
كما كنا قد أكدنا من سابق على ان الحوار الجاد والبناء لا يمكن له ان يتم قبل الشروع الحقيقي في هيكلة الجيش والأمن وفي الوقت الذي يجب فيه الإشادة بما قد حققه الرئيس هادي وحكومة الوفاق في هذا الجانب , الا ان المخلوع صالح لايزال يرسل الإشارات والرسائل القوية للأطراف الداخلية والخارجية أما من خلال رفض القرارات بهذا الخصوص والمماطلة في تنفيذ القرارات من قبل أقاربه إلى ان تطور الوضع لمهاجمة وزارة الدفاع والداخلية وكما تؤكد كل المؤشرات ان اغتيال العميد عمر سالم بارشيد لم يكن الا رد واضح وصريح عن سحب السبعة الألوية التابعة للحرس الجمهوري والتي كانت ستخضع لقيادته و ما محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان الا رسالة للجنة الفنية والتحضيرية للحوار حملة أكثر من معنى ومذلول.
كل ذلك وصالح خارج السلطة رسميا فماذا كان سيصنع لو كان لايزال على رأس السلطة وان لم يحدث انشقاق في الجيش أثناء ثورة الشباب وان لم تضرب يد الله جامع النهدين فماذا كان يحضر صالح لشعبة لولا لطف الله بهذا الشعب خصوصا ونحن شاهدنا ماعمل القذافي بشعبه وكيف انتهى وايضآ ما نشاهده اليوم من مجازر تحدث بحق الشعب السوري وهو ما يثير فضولنا لفتح ملف تفجير طائرة النقل العسكري في مطار العند في أكتوبر 2011م والذي أدت إلى مقتل 11 عسكريا تسعة منهم يحملون الجنسية السورية وكانوا في مهمة تدريبية لا يعلمها الا الله ونظام صالح فماذا كان يعد صالح ونظامه للشعب ؟ وهل كان الخبراء العسكريين السوريين أكثر كفاءة من الخبراء الأمريكان الذين لا يبخلون عن تقديم الدعم لصالح آنذاك ولكن لمحاربة الإرهاب الذي كان يبدوا صالح غير جاد في محاربته بينما يبدو انه كان أكثر جدية في محاربة شعبة و بحاجة لخبراء في قمع الشعوب فستعان بالخبرات السورية الذي أثبتت كفاءتها في هذا المجال , ولكن هل ما حدث له هو السبب الذي أثناه عن تنفيذ ما كان يخطط له ؟ أعتقد ان هذا السؤال بحاجة إلى إجابة من الدول التي منحت صالح الحصانة لأن الواقع اثبت ان الشعب اليمني شمالا وجنوبا هم أكثر حاجة للحصانة من صالح وبقايا نظامه وليس العكس.
وختامآ لا يسعني الا ان أوجه رسالة لإخواني الجنوبيين بمختلف شرائحهم الاجتماعية وتوجهاتهم الحزبية وانتمائهم السياسية انه بفضل الله وبتضحيات شعبنا العظيم قد أصبحت القضية الجنوبية اليوم أكثر وضوحا وجوهر لحل الأزمة السياسية وركيزة أساسية لاستقرار المنطقة برمتها ويدرك الأصدقاء والأشقاء ان الجنوب هو العمق الاستراتيجي للمنطقة وانه صمام الأمان لكل المحاولات الدخيلة لخلط الأوراق وتشويه الهوية والتاريخ المشترك الذي يربطنا بدول المنطقة لذا فأنة لا خوف على قضية الجنوب العادلة الا من الجنوبيين أنفسهم , وان ما حققته القضية الجنوبية من انتصارات يتطلب منا تقديم المزيد من التضحيات والتنازلات لبعضنا البعض وجميعنا شركاء في المعاناة والنضال ويجب علينا اليوم قبل الغد ان نجد صيغة توافقية تؤذي بنا إلى إيجاد قواسم مشتركة نتفق فيها على وحدة الهدف ونمد جسور الثقة يبعضنا البعض ونسلم بأن تنوع الطرق والأساليب للبلوغ إلى الهدف يجب ان ترسمه وتقوده نخبة سياسية موحدة تكون وظيفتها توحيد كل الجهود وصقل كل الأساليب في طريق موحد للوصول إلى الهدف على ان تكون قيادة توافقية يتمثل فيها الجميع وتمتلك القدرة على ان تجعل من فولاذية الإرادة الجنوبية الوسيلة لتحقيق وحدة الهدف والموقف من كل القضايا التي تحدد مصير ومستقبل الجنوب.


 
هل أعجبك الموضوع:

ليست هناك تعليقات :