نادر عبد القدوس
تفاجأت، كبقية القراء، بما كتبه السيد فيليب هولسابفيل- نائب السفير الألماني، في مقاله بعنوان "تقرير المصير بين الحمّى والموت" الصادر على الموقع الموقر "عدن الغد" قبل يومين!.
المفاجأة لم تكن بالتحيز الواضح إلى فرض البقاء على الجنوبيين في الوحدة مع الشمال، ولو بالقوة! لكن المفاجأة كانت في تفصيله للقانون الدولي بما تشتهيه نفسه، أو كما تراه سياسة دولته تجاه الحراك الجنوبي.
فهو، أي نائب السفير، لم يدع صغيرة أو كبيرة إلا وأعادها إلى القانون الدولي، وكأن حرية الشعوب مرهونة بهذا القانون "المطاطي"! كما أن المفاجأة كانت في تناقض الكاتب مع ما كتبه في المقال ذاته. فتارة يقول إن الشعب في الجنوب هو من طلب الوحدة، وتارة أخرى يقول إن هناك أخطاء ظهرت على هذه الوحدة الاندماجية الفورية. وفي مكان آخر يقول إنه لا يوجد شريك دولي لانفصال الجنوب ومع ذلك سيقبل المجتمع الدولي كل ما يتفق عليه اليمنيون في الحوار الوطني.
لكن، السيد فيليب لم يشرح لنا ماذا يعني مصطلح القانون الدولي وكيف يمكن تفسير ثورة الحراك السلمي الجنوبي وفقا للقانون الدولي، وماذا يعني القتل والظلم والاضطهاد والاستعباد في نظر هذا القانون؟ لم يقل لنا نائب السفير الألماني إن القانون الدولي عبارة مطاطية، عبارة عن أعراف وتقاليد لدول أوروبة القديمة، منذ القرون الوسطى، ولم يتخذ شكله الأساسي إلا بعد الحربين العالميتين، الأولى والثانية، لاسيما بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.
لم يقل لنا السيد فيليب إن القانون الدولي يعني مجموعة من القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول التي تدّعي لنفسها السيادة ولا تعترف بأي سلطة أعلى منها. ولم يقل لنا أيضا إن الدول وهي أشخاص القانون الدولي، تصدر معا بعد الاتفاق فيما بينها، الأنظمة التي تعبر عن مصلحتها المشتركة، وتبقى كل واحدة منها حرة في تقدير مدى الالتزام الذي يترتب عليها وشروط تنفيذه.
لذا، فإن الاتصال فيما بين الدول يبقى وفقا لإرادتها وتبقى كل واحدة منها صاحبة السيادة في تقدير مدى حقوقها. ومؤدى ذلك، أن جميع الدول لا تتصور معنى القاعدة الحقوقية بمفهوم واحد، فكل يفصّل القانون الدولي وفقا لما يراه مناسبا له؛ فالأمر الذي كان "طبيعيا" في الأمس، يبدو في اليوم التالي أمرا " تافها"!
يقول السيد فيليب: "لقد مارﺱ شعب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حق تقرﻳر مصيرﻩ عاﻡ 1990 ﻭعبّر عن إرادته عن طرﻳق مظاهرات من ﺃجل الوحدﺓ مع الجمهورية العربية اليمنية وأقر عليها في الانتخابات ﻭالاستفتاء الدستوري. فمن ﻭجهة النظر الدولية قد ﺭبط شعب الجنوب مصيره ( وكذلك حق تقريره) بشعب الشمال بهذه الوحدة ".
أليست هذه مغالطة يا سيدي السفير، وأنت سيد العارفين أن الخروج في مظاهرات لا يعني تقرير المصير؛ ولو كان كذلك لاستعاد الشعب الفلسطيني أرضه بالكامل، ولتوحدت ألمانيا منذ عهد بعيد جدا؟ ثم من قال لكم إن شعب الجنوب قد خرج في مظاهرات، بل لم يخرج، من أجل الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية، وكأنك تريد القول إن الجنوبيين فرضوا الوحدة على الشماليين فرضا، وهاهم الآن لا يريدونها؟ مع أن العكس هو الصحيح! إن الوحدة اليمنية كانت أمنية الشعبين الشمالي والجنوبي، لكن اختيارها لم يكن مخططا لها، لا بمظاهرات ولا بانتخابات ولا باستفتاء كما ادعيت، أو كما أردت مغالطة التاريخ، وإنما كانت اتفاق بين رئيسين شمالي وجنوبي، وليس بين شعبين، على تقاسم البلاد والعباد، ثم اختلفا لعدة أسباب كان أهمها أن الشمالي اعتبرها وحدة ضم وفيد وليست وحدة شراكة وتساو!
لم يع بعد السيد فيليب الحقوق المشروعة التي يطالب بها الجنوبيون، فمن وجهة نظره "الدولية" أن تلك الحقوق تتمثل في "إقالة مهدي مقولة من عدن واستبداله باللواء الفقيد سالم قطن ( رحمه الله ) وإقالة محمد علي محسن من حضرموت والإفراج عن بعض القادة الحراكيين أو تسهيل عودتهم إلى الوطن أو تحرير أبين من الإرهابيين"، حسب قوله! بالله عليك يا سيد فيليب، إن كنت تؤمن بالله، هل هو الغباء أم الاستغباء في طرح مثل هذه المطالب النكرة؟ أيعقل أن ينتفض شعب بأكمله في الجنوب ويستشهد منه الآلاف ويجرح ويعذّب في المعتقلات من أجل استبدال فلان أوعلان من الناس أو عودة نفر من قادته من المنفى؟ لماذا تحب أن تقزّم الشعب الجنوبي وهو الذي وقف ضد أعتى إمبراطورية في العالم لم تغب عنها الشمس بكفاحه ونضاله حتى انتزع استقلاله منها؟ واضح من كلامك أنك لا تريد الاعتراف بالانفصال، لكن المسألة ليست مرهونة بما تعتقد، بل بما يريده شعبنا في الجنوب. لقد طوّعتم القانون الدولي وأيدتم انفصال تيمور الشرقية عن الغربية (إندونيسيا)، وأيدتم انفصال جنوب السودان عن شماله وكل ذلك تم لخدمة مصالح دولكم، أو كما تسمونها المجتمع الدولي! أما ما لا يخدمكم فإنكم تضعون القانون الدولي حجر عثرة في الطريق، وترهبوننا بالتصعيد الذي سيؤدي إلى الفوضى، أليس كذلك يا سيد فيليب؟
قبل أن أختم موضوعي، أوجه سؤالا واحدا لا غير إلى السيد فيليب: "هل احتاج شعبكم الألماني إلى قانون دولي كي يكسر جدار برلين، أم أن إرادة الشعب هي من سبقت كل القوانين الدولية؟".
*مقال خاص لـ عدن الغد
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق