تحقيق : جهاد محسن:
تعد قضية "ميناء عـدن التاريخي" وا حدة م ن الصفقات الغامضة التي أدارها نظام
الرئيس المخلوع وزبانيته من المسؤولين الذين تمالكتهم الحماقة السياسية في التفريط
بأهم المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع السيادي، بغية الاستحواذ على أموال وعمولات
تضخ ضمن أرصدتهم الخاصة، طالما وأن القانون في عهدهم البائد كان لا يحاكم اللصوص
والمجرمين، لأنهم كانوا وحدهم من يتحكم بمقاليد البلاد والعباد، ويعيثون في الأرض
خراب وفساد على مدى 33 عاماً.
واليوم تتوالى الأصوات والنداءات التي تطالب حكومة الوفاق
الوطني، بمعالجة كافة التجاوزات والخروقات التي مارسها النظام السابق، والكشف عن
مضمون الاتفاقية المبرمة بين رموز النظام السابق و"شركة موانئ دبي" والتي بموجبها
تم تسليم محطتي ميناء عـدن (المعلا ـ كالتكس) لشركة دبي وبصلاحيات مطلقة جردت فيها
سيادة الدولة على أهم مؤسساتها الاقتصادية، ولم توفر فيها أدنى الضمانات والحقوق
للعمالة اليمنية، بقدر إنها دأبت إلى إهدار وتلطيخ سمعة ميناء عـدن، وذلك في ض وء
التقارير التي تتحدث عن الأوضاع المتدهورة التي بات يشهدها ميناء المعلا للحاويات
والذي بسببها أصبح متوقفاً عن العمل، مع ضياع حقوق الموظفين والعاملين فيه، وسط بحر
هائج من فساد فاضح مارسته السلطة السابقة.
وللوقوف أمام المزيد من التفاصيل المتعلقة حول أسباب توقف
محطة المعلا للحاويات، وقضية العمال المعارين لدى شركة موانئ دبي، فأن "خليج عـدن"
تشير إليها بموجب الوثائق والمذكرات الرسمية التي تحصلت
عليها.
أسباب توقـف مينـاء محطـة "المعـلا"
للحاويات:
ضمن جملة من التقارير والمرافعات القضائية التي حصلت
الصحيفة عليها، يشير تقرير رفعه عمال محطة "المعلا" للحاويات، إلى عدة أسباب تقف
وراء توقف ميناء "المعلا" عن العمل، ويبرز التقرير ما وصفه بالإجراءات والسياسات
التدميرية التي تطبقها إدارة شركة "موانئ دبي" حيال ميناء عـدن، منذ تسلمها إدارة
تشغيله في 11/11/2008م، وتمثلت عن عدم التزامها في تطوير أنشطت ه وإدارة شؤونه
بكفاءة عالية، على الرغم من أن الاتفاق المبرم معها عام 2010م، يلزمها على أن تقوم
بإنشاء وتنفيذ المرحلة الثانية من أعمال تطوير "ميناء عـدن" ورفع مستوى استيعابه
لخزن الحاويات في المحطة، مع توسعة محطة "كالتكس" للحاويات بطول 400 متر، ليتم
استقبال البواخر العملاقة، إلا أن ذلك لم يستكمل حتى يومنا
هذا.
وخلافاً على ذلك قامت شركة موانئ دبي ـ المشغل الحالي ـ
بممارسة إجراءات وسياسات (تطفشية) إزاء الخطوط الملاحية المتعاملة مع "ميناء عـدن"
منذ عقود طويلة، بعد قيامها برفع تسعيرة تناول الحاويات في ميناء المعلا من 110$
إلى 190$ للحاوية الواحد سعة 20 قدم، في الوقت الذي حافظت فيه على إبقاء سعر تناول
الحاوية في ميناء (جبوتي) الذي تديره أيضاً نفس الشركة، وبسعر رخيص وثابت لا يتعدى
بـ 75$ فقط.
وحصلت الصحيفة، على كشف يوضح ف يه حجم تناول الحاويات في
محطة "المعلا" منذ مطلع العام الجاري 2012م وحتى الآن، والذي سجل فيه معدل (صفر)
مقارنة بحجم الحاويات المسجلة منذ أعوام 2006م ولغاية العام
المنصرم.
وذكر التقرير أن من السياسات العبثية التي تمارسها "شركة
موانئ دبي" قيامها بإهمال المعدات الخاصة لتناول الحاويات في محطة "المعلا"، حيث لم
تقم بتنفيذ برنامج الصيانة الخاص بالآليات والرافعات الجسرية والسكة التابعة لها،
بموجب شروط الاتفاقية التي تم من خلالها تأجير ميناء المعلا للحاويات ومحطة
"كالتكس" لـ "موانئ دبي" وبكافة معداتهما وآلياتهما وبقيمة 35 مليون دولار
فقط.
ويضيف التقرير، أن "شركة موانئ دبي" سعت خلال الفترات
السابقة، إلى تجاهل دور "مؤسسة موانئ خليج عـدن، كشريك فاعل وأساسي، بعد انحصار دور
الأخيرة في متابعة الجوانب المالية الخاصة بالشراكة، تاركة كافة الصلاحيات الأخرى
لإدارة "شركة موانئ دبي" التي عمدت بسياساتها إلى سحب خطوط ملاحية من محطة "المعلا"
للحاويات إلى محطة "كالتكس" بغرض تحويلها إلى ميناء (جبوتي)، ما يدعى إلى التساؤل
عن الجهة المستفيدة من إغلاق وتوقف ميناء المعلا
للحاويات.
شركـة "موانـئ دبي" تسرح جميع العمـال المعاريـن لديهـا،
في محطة "المعلا" للحاويات، وتمتنع عن دفع رواتبهم وحقوقهم
الخاصة:
وسط اتهامات متبادلة بين مؤسسة "موانئ خليج عـدن" من جهة،
وشركة "موانئ دبي العالمية" من جهة أخرى، حيال من يتحمل الالتزامات القانونية إزاء
دفع حقوق ومستحقات العمال المعارين في ميناء "المعلا" للحاويات، لم يجد العمال
المتضررين أنفسهم سوى اللجوء إلى القضاء دفاعاً عن حقوقهم إثر سلسلة من الإضرابات
والاعتصامات التي نفذوها، وطالبوا فيها شركة دبـي بمساواة رواتبهم أسوة بعمال ميناء
(جبوتي) الذي تديره نفس الشركة، غير أنهم واجهوا برداً تعسفياً من شركة "موانئ دبي"
بعد قيامها بإلغاء إعارتهم لديها، ممتنعة بذلك عن دفع كافة رواتبهم ومستحقاتهم
المالية.ووفقاً للمذكرات الرسمية التي حصلت "الصحيفة" على نسخ منها، وتشير بمجملها
إلى قيام شركة "موانئ دبي" باتخاذ إجراءات فصل جميع العاملين المعارين لديها،
وعددهم 68 موظف وعامل في سبتمبر العام الماضي، وهي إجراءات جاءت تواصلاُ لممارسات
سابقة مارستها الشركة، عندما قامت خلال عامي 2009/2010م بالاستغناء عن 128 موظفاً،
دون أن تكون لمؤسسة "موانئ خليج عـدن" أي رأي فيها، ولكنها قبلت وارتضت بكل ما تقوم
به شركة دبي، وسعت إلى استيعاب الكفاءات النادرة المستغني عنها، وتوظيفها في وظائف
دنيوية كحراس وسائقين، ولم تتخذ حينها إجراءات قانونية بحق تصرفات شركة دبي حيال
الموظفين المعارين لديها.
والدعوى القضائية التي رفعتها مؤسسة "موانئ خليج عـدن" ضد
"شركة دبي العالمية" جاءت بعد أن عمدت الشركة بإنهاء إعارة ما تبقى من العاملين
المعارين لديها، وإعادتهم إلى هيئة "موانئ خليج عـدن" على أن تسدد الأخيرة كافة
مستحقاتهم المادية، على الرغم من وجود اتفاقية مبرمة بين الطرفين تنص على عـدم
إنهاء إعارة العاملين، إلا أن موانئ دبي لم تلتزم ببنود اتفاقية الإعارة المبرمة في
أكتوبر2008م، وهو ما رأته مؤسسة "موانئ خليج عـدن" بأنه تحايلاً مارسته شركة "موانئ
دبي" حين لجأت إلى إنهاء إعارة الموظفين لديها على دفع، ففي 19 سبتمبر من العام
الماضي، قامت الشركة بإنهاء إعارة 40 موظف معار إليها، أعقبتها في 2 أكتوبر العام
الماضي، بإنهاء إعارة 28 موظف، وهو أخر عدد ما تبقى لديها من عمال محطة "المعلا"
للحاويات، مع التنصل بعدم دفع أي رواتب أو مستحقات مالية لهم، ودون الرجوع وأخذ
الموافقة من الطرف الأخر الموقع على اتفاقية الإعارة، الأمر الذي أثار حفيظة مؤسسة
"موانئ خليج عـدن" وقامت بإرسال مذك رة إلى السيد "آرثر فلاين" مدير عام موانئ دبي
العالمية، رداً على قرار تسريحهم لكافة العمالة اليمنية المعارة لديهم في محطة
الحاويات بالمعلا، والذي تسبب بحدوث إرباك في عمل المحطة وأدى إلى
توقفها.
وعبرت المذكرة، عن رفض مؤسسة
"خليج عـدن" لموقف شركة "موانئ دبي" دون النظر إلى الالتزامات الواجبة عليها،
والخاصة بالأتعاب والمستحقات القانونية لموظفي MCT وفقاً
لشروط وأحكام اتفاقية الإعارة وملحقاتها، خصوصاً ما ورد في سياق البند السابع
الموضح تفصيلياً في تاريخ 30 مايو 2001م، غير أنه وبسبب إصرار شركة دبي في تطبيق
إجراءاتها بفصل جميع العمال المعارين لديها، دون موافقة مسبقة من المؤسسة، وعدم
استجابتها بإيقاف أية إجراءات أحادية من جانبها، لجأت مؤسسة "خليج عـدن" إلى رفع
دعوى قضائية عبر المحكمة التجارية في عـدن، ضد شركة "موانئ دبي" مطالبة بإلزامها
على ضمان حقوق المؤسسة وعمالها المعارين لدى شركة موانئ دبي، وبما يضمن استمرارية
العمل في محطة المعلا للحاويات.
شركة موانئ دبي المشغل الرئيسي لمحطتي ميناء عـدن، لا يوجد
لديها حسابات بنكية لدى المصارف اليمنية الرسمية:
وحيال التجاوزات التي مارستها "شركة موانئ دبي" والتي
أظهرت من خلالها عدم التزامها بتعهداتها المبرمة وتنصلها عن كافة القوانين والأنظمة
ا لمحلية، كشفت مراسلات قضائية حديثة، عن عدم وجود لشركة موانئ دبي ـ المشغل
الرئيسي ـ لميناء عـدن أي حسابات بنكية مسجلة باسمها في المصارف والبنوك اليمنية
المحلية.
وكشفت المذكرات والمراسلات القضائية التي حصلت "خليج عـدن"
على نسخة منها، بين رئيس المحكمة التجارية الابتدائية في عـدن، ومدير البنك الأهلي
اليمني بشأن حجز مبالغ مالية من حساب "شركة موانئ دبي" على خلفية الدعوى التي تقدمت
بها مؤسسة "موانئ خليج عـدن" والحكم القضائي الصادر في 7 فبراير الماضي، لصالح دفع
حقوق ورواتب العمال المعارين في ميناء المعلا للحاويات وعددهم 67 بعد أن قامت شركة
دبي بإنهاء إعارتهم دون أسباب موضوعية، في منتصف سبتمبر العام
الماضي.
وأوضحت مذكرتين بعثهما رئيس المحكمة التجارية بعـدن، إلى
كل من مدير البنك الأهلي اليمني، ومدير البنك العربي فرعي عـدن، يومي 2/9 مايو
الجاري، والذي طالبت البنك الأهلي بحجز مبلغ (3,329,788) ريال، ومبلغ (119,019)
دولار أمريكي من حساب شركة موانئ دبي، وطالبت البنك العربي الآخر بحجز مبلغ
(18,492) دولار أمريكي من حساب الشركة، وتوريد ج ميع المبالغ المحتجزة إلى حساب
المحكمة التجارية الابتدائية في عـدن، غير أن مذكرة بعث بها مدير عام البنك الأهلي
اليمني بعـدن، في تاريخ 13 مايو، إلى المحكمة التجارية بعـدن "تفيد بأن شركة موانئ
دبي لا تحتفظ بأي حسابات لدى إدارة البنك".
وفي مذكرة أخرى وجهها مدير عام البنك المركزي اليمني
بعـدن، إلى رئيس المحكمة التجارية الابتدائية، في 13 مايو الجاري، رداً على طلب
بشأن موافاة المحكمة التجارية عن البنوك اليمنية التي توجد فيها حساب شركة موانئ
دبي، غير أن محتوى المذكرة حمل رداً صاعقاً عن عدم علم "البنك المركزي اليمني"
بأسماء البنوك الرسمية اليمنية التي يتوفر بها حسابات مودعة باسم شركة موانئ دبي،
وطلبت المذكرة من المحكمة التجارية التخاطب مباشرة مع البنوك التجارية أو
الإسلامية.
وتعطي جميع هذه المذكرات مؤشرات واضحة بأن شركة "موانئ دبي
العالمية" التي تعمل داخل اليمن وتدير أهم مؤسساته الاقتصادية السيادية، لا يتوفر
لديها حسابات بنكية مسجلة باسمها في الداخل، باستثناء رصيداً مسجلاً باسم ما يسمى
بالإدارة المشتركة التي تج مع شركة دبي مع عـدن لتطوير الموانئ، الأمر الذي يمثل
عائقاً أمام القضاء اليمني في معرفة الالتزامات الواضحة لكل الأطراف المعنية على
توقيع الاتفاقية التي لازالت تخفي في أسرارها الكثير من الغموض والتلاعب تجاه
المسائل والضمانات الحقوقية لعمال ميناء عـدن المعارين، وما يعطي مؤشر أخراً بأن
الأموال التي يتم توريدها من نشاط الميناء لا تورد إلى الدولة أو إلى مصلحة تطوير
أنشطة الميناء، وهو ما فضحه نموذج لشيك يوضح فيه أن المبالغ التي تصرف باسم شركة
"موانئ دبي" يأتي مقروناً باسم "عـدن لتطوير الموانئ" ما يشير إلى أن الشركة لا
تحتفظ بأموال خاصة بها داخل البنوك اليمنية.
علماً بأن الأرباح التي حققتها شركة "موانئ دبي" على مستوى
أنشطتها العالمية، ارتفعت إلى 532,000,0 دولار مقابل 319 مليون دولار، خلال عام
2010م، أي بارتفاع 213 مليون دولار وبنسبة 67%، إضافة إلى الارتفاع الهائل الذي
تحققه في مستوى الحاويات والمحطات التي تديرها وتشغلها في 60 محطة حاويات والتي
بلغت إلى أكثر من 55 مليون حاوية، ما مكنها بالفوز بمناقصات تشغيل 11 محطة حاوية
جديدة في 10 دول خلال الأشهر الماضية.
المحامية "عفراء" تؤكد عزمها على مقاضاة "شركة موانئ دبي"
وكل من تواطأ معها في إهدار حقوق عمال ميناء عـدن وتدمير سمعته التاريخية
والتجارية.
من جانبها قالت المحامية والناشطة الحقوقية "عفراء
الحريري" رئيس ائتلاف الشباب لحقوق الإنسان، بأنها تعتزم تحريك دعوى قضائية ضد شركة
موانئ دبي ولكل من تواطأ معها في إهدار حقوق عمال ميناء عـدن، وتسببوا في إيصال
جميع أوضاعه وأنشطته إلى هذا المستوى من التراجع والتردي، استناداً إلى الدستور
وقانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم 40 لعام 2 002 م وغيرها من القوانين
والمواثيق الدولية.
وأضافت المحامية "عفراء" التي تتولى حالياً الدفاع عن قضية
عمال الميناء المعارين، أن ما حدث لـ "ميناء عـدن" يعتبر مفسدة أساءت لسمعته
ومكانته، وانتهاك لحقوق سيادة الدولة التي لا يحق لأي شخص كان من التصرف أو التفريط
بها بشكل فردي شخصي، وقالت، أن ميناء عـدن كان بإمكانه معالجة مشكلات البطالة بين
الشباب، وأن يغطي باستثماراته وعائداته الضخمة
مطالب واحتياجات جميع محافظات الجمهورية من مشاريع البناء
والتنمية، إذا توفرت الشفافية في إظهار كافة الملابسات الغامضة التي أحاطت بنود
الاتفاقية، والتي لازالت الدولة تصر على إخفائها بسبب احتوائها على مسائل خطيرة تمس
السيادة الوطنية، وتنتهك جوانب تتعلق بحقوق المواطنين
اليمنيين.
واعتبرت "عفراء" أن ما قام به النظام السابق في تسليم شؤون
ميناء عـدن السيادي لشركة "موانئ دبـي العالمية" وبصلاحيات مطلقة، خطوة غير أمينة،
سيما وأنه قدم تنازلات مجحفة وغير شرعية وبصورة لا تنسجم مع مصلحة الوطن وتطلعاته
الاقتصادية، وتصرف فيما لا يملكه.
داعية جميع منظمات المجتمع المدني وأبناء وأهالي عـدن
للوقوف ضد ما وصفتها، بالجريمة التي أفقدت ميناء عـدن معالمه ووظائفه في إنعاش هذه
المدينة التي كان بالإمكان أن تكون كإمارة "دبي" وغيرها.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق