اسدلت حرب 94 الظالمة التي شنتها ما سميت انذاك بقوات الشرعية الدستورية على شعب الجنوب الستار على المشهد الاخير من مشروع الوحدة الفاشل بين الشطرين وكشف الحوار النهائي بين العاصمتين صنعاء وعدن عن حقيقة واقع مرير يتطلب خطوات متزنة وتصرفات مسئولة ومواجهة عقلانية تحافظ على ما تبقى من اجواء العلاقات الاخوية والمصالح المتبادلة بين الشعبين
, بعد هذه الجرعة الحوارية الذي تعد بمثابة قنبلة موقوتة بإمكان تصرفات الخيريين من السياسيين والعلماء وغيرهم من العقلاء تفكيكها وإبطال مفعولها وبإمكان منافسيهم اذا خلت لهم الساحة ان يشعلوا فتيلها وندخل في دوامة الحرائق التي لا يدري احد كيف ومتى سيتم اطفاؤها.
في اخر فصول حوارها قالت عدن انها لا ترى جدوى من بقاء الوحدة بعد غزوها بقوة السلاح عام 94 الذي حول المشروع الوطني بين الشطرين الى احتلال وخاصة تداعيات ما بعد وهم الانتصار ومثل هذا الطرح فيه من المبررات الموضوعية ما يستحق الاحترام وما يستدعي القيم الاخلاقية والدينية والإنسانية للتعاطي معه ؟ بينما قالت صنعاء انها لم تذق حلاوة الوحدة إلا بعد 94 ولا ترى مبرر للتفريط فيها بعد ان عمدت بالدم ومثل هذا الطرح يحتاج الى تتبع منابعه وحقيقة مقاصده ومبررات اراءه ؟ بمعنى اننا امام حالة تقف وراءها خيارات شعب وتعيقها اطماع وأهواء اطراف وجماعات فكيف السبيل للخروج من هذا التضاد المعقد والمفخخ؟ التسليم بخيارات الشعوب واحترام تطلعاتها امر لا مناص منه حتى لا نتعرض للتشكيك في مصداقية نوايانا وتوجهات مخططاتنا وهوية ولاءاتنا ونتهم بالتفريط في مرجعياتنا الاخلاقية والدينية والإنسانية والارتماء في احضان شيطان الشهوات والنزوات والأطماع الشخصية الزائلة التي تقود شئنا ام ابينا الى طريق (يمهل ولا يهمل) والعياذ بالله , فمعاناة 18 عاما تخللتها عدة اشكال من المظالم كفيلة بان تحدد خيارات الشعب الجنوبي نحو استعادة حريته واستقلال دولته ونزل الى الشارع مضطرا ليعلن عنها على الملأ في تظاهرات شعبية حاشدة وبطريقة سلمية ولهذا فعلى المشككين في هكذا خيار ان يلزموا الاطراف المعنية باللجوء الى اجراء استفتاء شعبي حسب آلية متفق عليها وبشكل شفاف ونزيه تخضع كافة الاطراف لنتائجه النهائية بدلا من ان يرتضوا لأنفسهم بتأدية دور عبدة الشيطان ضد ابناء جلدتهم فإذا كان هناك افراد او جماعات حالت ظروف علاقاتهم ومشاريع مصالحهم الذاتية دون وقوعهم في اسر ما عاناه شعبهم الجنوبي فان هذا لا يعطيهم الحق في ان يصادروا او يتجاهلوا معاناة الآخرين ان لم يريدوا الوقوف الى جانبهم.
الشعب الجنوبي يتطلع الى الاقربين الاولى بتفهم ما وقع عليهم من ظلم وهم ساسة الجنوب وقادته ومن خلفهم فعالياتهم السياسية الذين فرقت بينهم مراحل الاختلافات ومنعطفات الاقصاء فهؤلاء إما ان يتبرءوا من ماضيهم ويتركوه جانبا ويفتحوا باب تنازلات بعضهم للأخر حتى يوحدوا صفهم وينخرطوا مع شعبهم لتحقيق خياراته وإما ان يعفو انفسهم من اجتهاداتهم المشتته ويتركوه وشأنه يمضي الى حال سبيله فأصحاب الحق حتى وان تخلى عنهم بنو قومهم لسبب او لآخر فان الرحمن ابدا لن يخذلهم اذا ما اخلصوا واتقوه وهذا وحده يكفي فالذي يسعى الى تمثيل شعبه حري به اولا ان ينحاز الى خياراته ومع ان الاعتراف بعدالة القضية الجنوبية من كافة الاطراف الدولية والإقليمية وأخيرا المحلية امر جيد وخطوة في الاتجاه الصحيح إلا انه لن يؤدي الغرض المرجو اذا ما ظل معزولا عن اي معالجات حقيقية تلامس جوهر القضية فاليد الواحدة لا يسمع لتصفيقها صوت ولهذا فان الجنوبيين لن يروا فيه اكثر من جبر خاطر سيكون مرحبا به على امل ان يتم تدارك الامر في الوقت المناسب تتجاوز بموجبه القضية الجنوبية مفردة الاعتراف بعدالتها الى الوقوف مع خيارات شعبها ودعم تطلعاتهم المشروعة في استعادة دولتهم ونيل حريتهم واستقلالهم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق