عبد القوي الشامي
عدن الغد
عندما يصل المرء إلى المنطقة البرية الفاصلة بين إمارتي دبي وأبو ظبي, يكتشف ان لون جنبات الطريق قد تغير, من اللونين الأبيض والأسود إلى الأسود والأصفر, وعندما سألت سائق التاكسي الباكستاني عن هذا التغير أجابني بـ (غربيته) قائلا: (أنتا بابو واجي, في بلاد شيخ زايد, أنتا موفي يمن), نعم انا (موفي يمن), على حد تعبير حفيد محمد علي جناح, فخلال أربع زيارات متفرقة للدولة بالإضافة إلى الأمارتين تنقلت ايضا بين عجمان والشارقة وخلال تنقلاتي تلك, حاولت ان احصل على أجابه لأحدهم من قبيل: انا من ابوظبي او انا من دبي او من الشارقة او من عجمان, ولكني فشلت, إذ كان الجواب على سؤالي غير البريء من أين الأخ..؟, كان: (انا من الأمارات), بل ان احدهم أردف قائلا: (وافتخر) مع ابتسامة لم اعرف كنهها حتى الآن!
وعندما تعرضت دبي العام 2008م لضائقة مالية, بفعل أزمة الرهن العقاري والمصارف التي عبرت القارات, انفتحت لها خزائن أبو ظبي, على نحو يؤكد ان إمارات الدولة, تتنافس في السراء وتتكامل توحدا في الضراء, إي ان الوحدة التي وضع أسسها الشيخ زايد رحمه الله العام 1971م, لم تكن وحدة ألوان, متكتكة على النهب او الضم والإلحاق, وانما وحدة مستقبل بنيت على صراحة ووضوح وعلى مضامين وأهداف, دون غدر ولا مواربة اومخاتلة, لهذا ترسخت في قلوب الإماراتيين على نحو أعمق من ترسخها على ارض الأمارات العربية المتحدة, وخلال ما يربو على أربعة عقود من الزمن, لم يطفو إلى سطح الدولة, إي مظهر من مظاهر الخيانة او التراجع عن الأهداف التي قامت عليها أسس الدولة الاتحادية, وسار أبناء جيل ما بعد المؤسسين, على هدى إبائهم وهنا سر افتخار أبناء الأمارات بوحدتهم.
علما بان الاتحاد قد قام على تحالفات قبائلية لم يكن يجمعها جامع, محوريها قبائل (الهنوي) بقيادة ال نهيان وقبائل (الغافري) بقيادة القواسم, وهذان التجمعان القبائليان اللذان ظما أكثر من 20 قبيلة, موزعين في واحدة من أكثر المناطق بداوة بين فخذي أصل العرب (العدنانيون والقحطانيون), قدما نموج يحتذى في التوحد والعيش المشترك.
أما الوحدة اليمنية فسارت بعكس المسار, إذ ما ان رفع العلم الموحد في سماء الجنوب, حتى باشروا بإبادة كل ما له علاقة بالجنوب, وبإحساس تفوق العدد وقوة الكثرة, باشروا طمسا ممنهجآ لأي لون جنوبي, ليس من الطريق بين سناح وعدن, الذي طمسوه بألوان الشمال خلال أسابيع من إعلان الوحدة, وانما من الخارطة الجنوبية, من أسماءنا الشخصية والاعتبارية, من ملابسنا, من أكلنا وشربنا, من شوارعنا وشواطئنا, من عاداتنا وتقاليدنا, من كتب تاريخنا وجغرافيتنا, من موروثنا الشعبي والاجتماعي, من الكتب الدراسية, من مكتبات الإذاعة والتلفزة من أرشيف وكالة أنباء عدن, من المقاهي والمخابز, حتى المقابر لم تسلم من غباء دمارهم وطمع نهبهم, وبعد ان أجهزوا على كل شيء سارعوا إلى رسم خطوطا حمراء وصمموا سقوفآ زرقاء للوحدة, يستميتون عندها, لأن فيها حدود فاصلة بين استعادة الجنوبيون لحقوقهم وبين خسارتهم كل ما نهبوه من الجنوب على مدى عقدين من الزمن!
وبغرور وعنجهية المنتصر, أحصوا زمن حملتهم البربرية على الجنوب بالساعات, (0001 ساعة حرب), وكانت صورة غلاف الكتاب, دليلا صارخا على مدى الجرم والعدوان المرتكب على مدار تلك الساعات الألف, فجلافة سلوكهم ودموية أفعالهم دفعت الجنوبيين إلى إعادة صناعة الرمزية الزمنية لما اعتبروه يوم الـ (نصر العظيم) في 7/7/1994م إلى يوم إعلان الحراك في 7/7/2007م, فكان ما اعتبروه قمة (انتصارهم) على الجنوب, كان بداية الانتصار للإرادة الشعبية الجنوبية, وبعيد دخولهم عدن في ذلك اليوم الأسود, باشروا بالبحث عن خزائن البنوك ومستودعات الأغذية وبقية المواد الاستهلاكية, في شركتي التجارة الداخلية والخارجية, وعن مستودعات الأسلحة في جبل حديد وبعد ان نهبوا معظم الأسلحة والذخائر فجروا ما تبقى اخفاءآ لجريمتهم.
واليوم يريدون لحوارهم (عصفآ) بالقضية , فيكون لهم (عصفآ) بما تبقى من أمل وحدوي في عقل جنوبي ..عجبآ لهذه العقول الـ (معصوفة) بمعادلة الوحدة, القائمة على مبدأ الحفاظ على ما تحقق للشماليين في الجنوب .. فما الذي يمنع من إعادة الحقوق املآ, ومن ثم, التحاور على موضوع الوحدة ان كنتم جادين, حتى النخبة المطعمة بالرموز اختزلت (العدالة الانتقالية) في معالجة معنوية, تخاطب الحكومة الشعب قولآ: نحن إسفين موش (حنعملها ثاني) .. إذ اعتصفت العقول, وأنتجت خطة طريق, اعتمدت مبدأ (تعويض الضرر) الذي لحق فقط بالأفراد, كمرجعية للحوار وليس مبدأ إعادة الحقوق لأصحابها الأصليين! أليست النية معصوفة في عقل الـ (وحدويون)؟؟ فعبدربه في البوابة الأمامية وصالح يعصف بالبوابة الخلفية يتكتك لإعادة صياغة الوحدة بطريقته الإرهابية, وثالث يقوم بمهمة (عصف العقول) في المانيا لإنتاج سيناريو: عفا الله عما سلف وإحنا أولاد عبدربه!!
جلافتهم صارخة حتى في اختيار الملافظ ( حوار عصف العقول)! ولكن هذا ديدن الإنسان الذي يولد مسلح ويموت مسلح, فالحياة عند هؤلاء مجرد برزخ بين الـ (مسدس) والـ (اربيجي) والأمر المركزي في علاقتهم مع الآخرين هو الغدر, إذ يطلق احدهم على زميلاه قذيفة (اربيجي) بسبب خلاف على (علاقي) قات, (حوار العصف بالأربيجي), او لربما كان الأفندم, قد تعب من حمل القذيفة, وأراد من زميلاه ان يعودا بها إلى مبنى الأمن السياسي ولكن خانه التعبير, أما أمير الجماعية فقتل أخيه الشيخ ابن أمه وأبيه, لخلاف: من ينام في (ديمة) المسجد, (حوار العصف بالـكلاشنكوف) وبين العاصف والمعصوف يفتح الله يا جماعة!! .. ترى إي أحاسيس, وأي إخوة, وأي وزمالة, وأي وحدة, مع مثل هؤلاء القوم, الذين يعيشون (حوارا معصوفآ بمختلف صنوف الأسلحة), أليس في الانفصال عنهم, ظفرا للإنسان بالحياة, فالحياة أولى من الوحدة حفاظا ؟؟
ما من شك ان الانفصال هنا ليس عن الوحدة, لأن الوحدة, الحقيقية لم تقم بعد! وانما الانفصال هروبا من براثن شيطان النهب والإذلال والقتل, فما هو قائم ليس سوى مسخ, نعم مسخ فساد (عسكر وقبائل), الانفصال عن هذا المسخ هو الهروب بعيدا عن أسوار توحيد ثرواتهم المنهوبة من أفواه الجياع, الهروب إلى الانفصال بعيدا عن عقول موغلة في التخلف والأنانية, الهروب إلى الانفصال من اجل الحفاظ على ما تبقى من حق جنوبي, الهروب إلى الانفصال من اجل استرداد حق جنوبي فشلت كل الجهود في المحافظة علية في زحمة كروش الـ (وحدويين), الهروب إلى الانفصال بعد فقدان الثقة في كل مشاريع التوحد الوهمية, الهروب إلى الانفصال بعد ان تأكد بالملموس بأننا توحدنا مع أناس لا يستطيعون النوم أخر كل ليل الاّ إذا تأكدوا من مضاعفة أرقام حسابات السحت المنهوب من الجنوب, فالوحدة تمت مع من يتبعون السرقة ببناء مسجد كي يمحيها, لذا ومن هنا وبعد هذا: انا انفصالي!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق