د. محمد علي السقاف القدس العربي
2012-03-11
في حرب صيف 1994م ضد جنوب اليمن وقفت دول مجلس التعاون الخليجي وقفة شجاعة ضد إجتياح نظام صالح للجنوب بإسثناء قطرحيث أدانت دول المجلس ذلك الهجوم وتبنت مبادرة مع جمهورية مصر العربية بدعوة مجلس الأمن الدولي للإنعقاد وأصدر قراريه الشهيرين برقمي (931,924) لعام 1994 مطالبا طرفي النزاع حل خلافاتهما عبر المفاوضات المباشرة بينهما.
في إطار الأزمة اليمنية الراهنة قامت نفس دول مجلس التعاون الخليجي بتبني مبادرة في أواخر عام 2011م حظيت بمباركة أمريكية وأوروبية أدت إلى إصدار قرار لمجلس الأمن الدولي برقم 2014 لعام 2011م وتهدف المبادرة الخليجية والقرار الأممي إلى حل موضوع الصراع على السلطة في اليمن بين نظام صالح وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة وقد أهملت المبادرة الخليجية بالكامل القضية الجنوبية مما يفرض السؤال نفسه لماذا هذا الإهمال وهذا التحول في الموقف الخليجي بين فترة 1994م وفي إطار الآزمة اليمنية الحالية من التأييد المطلق إلى التهميش المطلق ؟.
قد تكون الدوافع والتفسيرات في هذا الموقف المتناقض يعود جزء منه إلى أنه في عام 1994م كان موضوع إحتلال دولة الكويت من قبل صدام حسين وتأييد نظام الرئيس صالح له كان حاضرا في الذاكرة وأرادت دول الخليج معاقبة صالح لموقفه هذا بتأييد شريكه الجنوبي في الوحدة المعتدى عليه والذي وقف مدافعا عن دولة وشعب الكويت وهذا التمايز بين موقف الرئيس صالح والرئيس على سالم البيض أوضحه أثناء أزمة الخليج في مقابلته مؤخرا مع صحيفة 'الحياة' اللندنية.
ويجب الإعتراف هنا بأن قدرة الرئيس صالح في المناورة واللعب في المتناقضات ساهم في هذا الإنقلاب الخليجي في المواقف:
ـ باللعب بورقة الفقر والكثافة السكانية في اليمن (في الشمال 22 مليون) مقابل نحو 3-4 مليون نسمة في الجنوب مما يشكل عنصرا مغذيا للإرهاب ملوحا بإمكان القاعدة إستغلاله بتهديد أمن وإستقراردول الخليج العربية .
ـ ولإخافة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بغرض إبتزازهم ماليا وعسكريا ربط بين القاعدة والحراك الجنوبي بتسميته (الحراك القاعدي) وتوطينه أفراد من القاعدة في أبين وحضرموت وعدن بدلا من مأرب والجوف وصنعاء ملوحا خطورة تهديدهم المحتملة لشريان التجارة العالمية وتجارة النفظ عبر ممرات مضيق باب المندب وخليج عدن والمحيط الهندي في حين من المعروف أن هناك تعارضا بين أممية القاعدة وإيمانها بضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية وهو ما يتناقض مع مطلب الحراك الجنوبي في فك الإرتباط مع الشمال وإقتصار نضاله في إطار حدود دولة الجنوب حصرا والأمر الآخر أن جميع الممرات الجيو إستراتيجية المذكورة تقع في إطار حدود جنوب اليمن وليس في إطار اليمن الشمالي.
ـ تأكيد نظام صالح على ضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية والوقوف ضد مطالب الجنوب في الإنفصال حسب تعبيره يريد بذلك إظهار نفسه كزعيم قومي في حين لا علاقة له بالقومية إذا قارناه بموقف الزعيم القومي / جمال عبدالناصر الذي رفض فرض الوحدة مع سوريا بالقوة المسلحة في عام 1961م وتعمد إستخدام النظام مصطلح الإنفصال الذي لا ينطبق على علاقة الجنوب بالشمال حيث كلاهما كانا دولة ذات سيادة وعضوان في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومطلب الجنوب هو فك الإرتباط لأن الإنفصال يعني إقتطاع جزء من أراضي دولة قائمة لتأسيس قيام دولة أخرى مثل حالة السودان الذي كان دولة واحدة عند إنضمامه للأمم المتحدة في عام 1956م وأصبح الآن دولتان في المنظمة الدولية بقبولها جنوب السودان كدولة في الأمم المتحدة.
فأستخدام الشمال تعبير الإنفصال الغرض منه تحذير بعض دول المنطقة الخليجية والعربية أنكم إذا شجعتم الجنوب اليمني في الإستقلال غدا قد تحدث حالات إنفصال عندكم.
وقد لعب الإعلام الخليجي في هذا التحول في الموقف الذي كان محايدا ومهنيا في عام 1994 ليصبح الآن مهمشا للقضية الجنوبية إن لم يتبع سياسية قلب الحقائق لتضليل الرأي العام العربي والعالمي لما يحدث في الجنوب.
أن القواسم المشتركة والمصالح الإستراتيجية والأمنية تجعل من الضروري إعادة النظر في مواقف حكومات دول المجلس نحو قضية الجنوب وفق الإعتبارات التالية :
ـ المواقع الجيوا ستراتيجية التي أشرنا إليها سابقا تحتم التقارب الكبير بينهما خاصة من منظور تزايد معدلات النمو الإقتصادي في دول جنوب أسيا والصين على وجه الخصوص مما سيزيد من حجم صادرات النفظ الخليجي والسعودي خاصة وإمكان إستخدام أنابيب النفظ لنقل النفظ السعودي عبر المحيط الهندي من أراضي حضرموت مما يظهر وجود علاقة عضوية بين دول ممر النفظ ودول إنتاج النفط.
ـ وجود قواسم مشتركة بين الجنوب والخليج فكلاهما عرف مفهوم الدولة وسيادة القانون وإحتكار سلطة العنف بيد الدولة ومنع حمل السلاح وتطويق القبائل في حين في وضع اليمن الشمالي (الدولة ) والقبائل هما مصدر عدم الإستقرار حيت تمتلك القبائل الشمالية من الأسلحة الثقيلة ما تمتلكه الدولة ومفهوم الدولة اليمنية غائب مما جعلني دائما أتساءل لماذا مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز أستطاع تأسيس الدولة المدنية وتحييد القبائل ولم ينجح ائمة اليمن في إقامة الدولة وإن نجحوا فقط في إضفاء الطابع المدني لنظام حكمهم لينتهي الطابع المدني مع ثورة سبتمبر 1962م ليحل محلهما نظام عسكري وقبلي قائم حتى الآن.
ثقافة العنف متجذرة في التاريخ اليمني الشمالي في حين الجنوب بإسثناء حالات صراع على السلطة بين فصائل الحزب الإشتراكي لأن الجنوبيين شعب مسالم كما يظهر تاريخ الحضارمة في نشر الإسلام في جنوب أسيا (أندونيسيا وماليزيا ...) وإندماجهم في تلك المجتمعات وكذا الحال في بعض دول الخليخ العربية دون إثارة متاعب.
وتأكيدا للطابع المسالم فأن ما يسمى بالربيع العـــــربي بدأ في الجنوب في 2007م بإختيار الحــــراك النضال السلمي وخاصة أن بداياته أنطلقت من جمعيات المتقاعدين العسكرين والأمنيين .
والإسلام المعتدل والوسطي هو السائد في الجنوب بينما الإسلام المتطرف والمسلح السائد عند بعض المجموعات اليمنية قد يهدد في المستقبل الملاحة الدولية إذا نجحت هذه المجموعات في الإنتخابات النيابية المقبله في اليمن كما نجحت التيارات الإسلامية في كل من تونس ومصر والكويت فأن نجاحها في اليمن سيكون مدمرا لإستقرار المنطقة.
ـ حل النزاع الحدودى بين اليمن وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية التي تم التوقيع عليهما من قبل نظام صالح عمد النظام بإخافة البلدين الشقيقين بأن الجنوب إذا أستعاد دولته قد يطالب بإعادة التفاوض حول تلك الإتفاقيات وهذا غير صحيح وهو ما أكد عليه الرئيس البيض في عام 2009م والقانون الدولي يلزم الطرفين إحترام الإتفاقيات الدولية الموقعة بينهما ودولة الجنوب احترمت دائما إلتزاماتها التعاقدية الدولية في الماضي حسب علمنا.
ـ لا شك أن بعض جوانب العلاقات الجنوبية الخليجية كانت غير ودية ويمكني قول ذلك بصراحة لأنني شخصية مستقلة ولكن هذا الجانب القاتم من العلاقات يجب وضعه في سياق الحرب الباردة حيث كان الجنوب جزءا من منظومة المعسكر الإشتراكي برغم نهاية هذه الحقبة بتفكك الإتحاد السوفيتي والمنظمومة الإشتراكية فإن بعض رؤوس الأموال ذات الأصول الجنوبية تتخوف من وجود بقايا أفكار إشتراكية لبعض النخب الجنوبية ولكن الحقيقة غير ذلك ولقطع الشك باليقين على دول مجلس التعاون الخليجي أن تصبح الحاضنة لتحول الجنوب إلى إقتصاد السوق مثل الدور الذي لعبه الإتحاد الأوروبي مع دول أوروبا الشرقية وبالإمكان البدء في نطاق القطاع الخاص بتشجيع الخليجين من أصول حضرمية أو يافعية بالإستثمار بشكل أوسع والعمل خاصة بتشكيل شركة مساهمة جنوبية خليجية لخدمات الموانئ يستفاد منها في إستغلال الموقع المتميز لميناء عدن( الثالث عالميا حتى 1967) مع الموانـــئ المتقدمة في تجهيزاتها في دبي وجدة.
ـ أن دول مجلس التعاون الخليجي عليها الآن مسؤولية إعادة إحياء قراري مجلس الأمن لعام 1994م وهو متضمن بمبادرتهم التي تم تبنيها وبذلك سيتداركون خطأ تهميشهم للقضية الجنوبية وفي المقابل نرى أنه يترتب على الجانب الجنوبي نهج سياسية التسامح والتصالح في فتح صفحة جديدة بين الأخوة الأعداء وأن يفتح صفحة جديدة للتسامح والتصالح مع دول مجلس التعاون الخليجي.
' محامي وأستاذ جامعي جنوبي
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق