د. أحمد عبد الملك
جريدة الاتحاد الأماراتية
عشية اصطفاف فئات الشعب اليمني على صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس التوافقي والوحيد، عبد ربه منصور هادي، الذي كان نائباً للرئيس السابق، نفى السكرتير الصحفي للمُرشح أن يكون هذا الأخير قد تعرّض لمحاولة اغتيال. وصَدقت بعض التوقعات بأن الجنوبيين سيقاطعون الانتخابات أو على الأقل فئات منهم، ممن لا يروق لهم أن يواصلوا مسيرة الوحدة ما دامت الظروف السيئة التي تعرضوا لها خلال حكم الرئيس السابق علي صالح قائمة، إضافة إلى مجموعة من القضايا الأخرى التي سنعرض لها لاحقاً.
وكان الرئيس المُرشح (هادي) قد أكد على أهمية أن يلتزم الجميع السلمية، حتى لو كان معترضاً على الانتخابات، ودعا الشعب إلى الحوار باعتباره "القادر وحدهُ على كبح جماح التطرف وغلو المزايدين". وأشار إلى بؤر النزاع في اليمن مثل "القضية الجنوبية" و"صعدة" وبعض المديريات التي تستدعي الأولويات الوقوف أمامها.
مشيراً إلى "المؤتمر الوطني" بعد الانتخابات، وهو الذي سيضع الأساس لبناء يمن المستقبل.
وكانت الأنباء قد تواترت عن إغلاق نصف مراكز الاقتراع في عدن بالقوة، إضافة إلى عدة مراكز في باقي المحافظات الجنوبية. كما أسفرت حوادث عنف عن مقتل أربعة أشخاص. وأكد مسؤول حكومي أن نصف مراكز الاقتراع في عدن قد تم اقتحامها من قبل مسلحي الحراك الجنوبي المُطالب بالانفصال، وكان المسلحون يحملون أعلام "اليمن الجنوبي" السابق. وحصل تراشق بين مسلحي الحراك والقوات الأمنية في لحج وعدن مما خوّفَ السكان من الذهاب إلى صناديق الاقتراع. كما نقلت الأخبار غيابَ صناديق الاقتراع عن محافظتي لحج والضالع الجنوبيتين حيث التواجد الواضح لمسلحي الحراك الجنوبي. في الوقت الذي أكد فيه أحد قياديي الحراك الجنوبي (قاسم عسكر) أن الحراك "ليس لديه جناح مسلح"، وأن الذين يقومون بالدفاع عن أنفسهم، إنما يقومون بذلك بدوافع ذاتية، وهم غير تابعين للحراك.
وعلى رغم سلمية انتقال السلطة وخروج صالح دون محاكمة مما قام به خلال السنوات الثلاث والثلاثين التي حكمَ بها اليمن حكماً سلطويّاً، إلا أن أصواتاً يمنية ما زالت تطالب بمحاكمته، وترفض نتائج المبادرة الخليجية، التي ضمنت له الفرار من المحاكمة.
وفي لهجة لم تخلُ من التهديد، رحبت الناشطة المُعارضة توكل كرمان بالانتخابات واعتبرتها عيداً لليمنيين، إلا أنها أوضحت : "ندعو الرئيس الانتقالي الجديد إلى أن يعمل من أجل الشباب، وإلا فإن ساحات الاعتصام موجودة. وسنظل كلجان مراقبة على حكومة الوفاق وعلى الرئيس المنتخب" وأضافت: "إذا لم يحقق الرئيس أهداف الثورة، فكما أسقطنا الأول سنُسقط الثاني بأيدينا".
وعلى رغم المشكلات المتعددة التي يواجهها اليمن مثل: الفساد، البطالة، تمكن أقارب الرئيس السابق من الأجهزة المهمة والجيش، الأمية، الحوثيين، "القاعدة"، التسلط، إلا أن قضية الجنوب تبقى الأكثر تعكيراً لمزاج حكومة الشمال. وقد شكا أصحاب دعوة انفصال الجنوب من دولة الوحدة من النتائج السلبية التي فرضتها الوحدة على أبنائهم ومؤسساتهم، مثل: فرض الوحدة بالقوة، تسريح الموظفين الجنوبيين -مدنيين وعسكريين- من وظائفهم وإحلال شماليين مكانهم، والتمييز في المُواطنة، ونهب الأراضي الجنوبية، إضافة إلى الفساد الإداري والاستبداد. ويرون -كما جاء في ورقة رصينة للباحث اليمني عبدالناصر المودع- أن تلك القضايا لم تكن موجودة قبل حرب 1994. ويعتقدون أن حل هذه القضايا يكون في عودة الأوضاع لما كانت عليه قبل وحدة 2 مايو 1990. كما يرون أن نظام صالح، قد نهب الثروات، ووزع أراضي الجنوب على الموالين له سواء كانوا شماليين أم جنوبيين، وأن الوحدة قد قامت بالقوة.
وتذكرني الحالة اليمنية الجنوبية بما قاله "ميكافيلي" في كتابه الأمير: "عندما تكون الدول التي تم احتلالها قد أَلفتْ الحرية في ظل قوانينها الخاصة، فهنالك ثلاثة سبل للاحتفاظ بهذه الدول. أما السبيل الأول فهو تجريدها من كل شيء، وأما الثاني فهو أن يذهب الأمير المُحتل ليقيم في ربوعها. وأما الثالث والأخير فهو أن يسمح لأهلها بالعيش في ظل قوانينهم، مكتفيّاً بتناول الجزية منهم، وخالقاً فيها حكومة تعتمد على الأقلية الموالية للحكم. وتدرك مثل هذه الحكومة التي خلقها الأمير أنها تعتمد في بقائها على صداقته وحمايته. ولذا فهي تبذل بالغ الجهد للحفاظ عليهما. ويضاف إلى هذا، أن المدينة التي أَلفتْ الحرية لا تذعن بسهولة إلا إلى أبنائها ومواطنيها، وهذا هو السبيل الصحيح للاحتفاظ بها".
ويبدو أن نظام صالح لم يخالف رؤية "ميكافيلي" في كيفية الاحتفاظ بالجنوب. بل زاد في ذلك من حيث طمس الهوية الحضارية والثقافية للجنوب، ومن حيث تغيير أسماء الميادين والشوارع المعروفة، وتحريف تاريخ الجنوب وشخوصه في الكتب. ناهيك عن تأصيل النظام الاستبدادي وعدم المساواة بين المواطنين، وجعل الموالين له والقريبين منه في "علييّن" والمعارضين له "في أسفل سافلين"!
إننا نعتقد أن أهم قضية ستواجه الرئيس الجديد هي قضية الجنوب. وما لم يتم حل هذه القضية بما يحقق آمال أهلها -بعدالة ورؤية مستقبلية- فإن الصراع سيبقى، ودائرة العنف قد تتسع. إن تعددية الفكر والثقافة يجب أن تكون نبراساً للحكم الجديد في اليمن دون تأصيل أو استئصال، وإن الجلوس مع الجنوبيين إلى طاولة الحوار من الأمور التي قد تمهّد الطريق ليمنٍ سعيد.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق