الدكتور محمد حيدرة مسدوس
عدن الغد
الاثنين 06 فبراير 2012 01:01 مساءً
عدن الغد
الاثنين 06 فبراير 2012 01:01 مساءً
في هذا التوضيح أود القول إن حرب الشائعات والمهاترات الإعلامية التي اتسعت هذه الأيام بين الجنوبيين هي من صنع المخابرات دون ان يدرك اصحابها ، وهي تهدف الى تمزيق الجنوب جغرافيا وضياع قضيته . فنحن هزمنا في حرب 1994م ، والمهزوم عادة ما يكون ميداناً لكل المخابرات. وللمزيد من التوضيح نورد التالي :
اولا: بعد اعلان الوحدة عثرنا على وثيقة سرية لقائد أسطول حربي في المحيط الهندي تابع لدولة كبرى، تقول هذه الوثيقة التي كتبت في أوائل السبعينات من القرن الماضي، بأن عواصم ثلاث من بينها صنعاء قد اتفقت على إسقاط نظام عدن وضم المنطقة الغربية من الجنوب الى دولة صنعاء على شكل فيدرالي وهي المنطقة التي قامت عليها دولة الجنوب العربي والتي كانت تسمى بالمحمية الغربية لعدن ، وضم المنطقة الشرقية من الجنوب الى دولة خليجية على شكل كونفيدرالي وهي المنطقة التي بقيت خارج دولة الجنوب العربي والتي كانت تسمى بالمحمية الشرقية لعدن.
وعلى أساس هذا الاتفاق تم تقسيم المعارضة الجنوبية المسلحة الى قسمين تمهيدا لتنفيذ هذا المخطط. حيث تم فرز المقاتلين من ابناء المنطقة الشرقية وتشكيلهم في جيش سمي حينها بجيش الإنقاذ بقيادة شخص يدعى ((باعشن)) باتجاه حضرموت، وتم تشكيل بقية المقاتلين من أبناء المنطقة الغربية في جيش آخر باتجاه عدن. ونتيجة لهذا الاتفاق قامت صنعاء بتغيير الكتب المدرسية في المدارس وجعلت الخارطة الجغرافية لليمن الطبيعية إلى شبوة. وقبيل إعلان الوحدة تم سحب هذه الكتب من المدارس واستبدالها بكتب جديدة تحدد الخارطة الجغرافية لليمن الطبيعية الى سلطنة عمان.
ثانيا: ان التمزيق الحاصل حاليا بين الجنوبيين وعدم وحدتهم تجاه قضيتهم الوطنية الجنوبية يخدم هذا المخطط وقد يكون له علاقة بذلك. صحيح أن ترسيم حدود الجنوب مع السعودية قد اسقط هذا المشروع ، ولكنه قد يكون باقيا على شكل آخر ، وعلى الجنوبيين الذين انخرطوا في حرب الشائعات والمهاترات الاعلامية ضد بعضهم ان يدركوا ذلك ، وان يدركوا بأنهم قد اصبحوا يخدمون هذا المخطط وانهم قد جعلوا من انفسهم ادوات تنفيذية له سواء بوعي ام بدون وعي . كما أن رفع شعار وعلم الجنوب العربي حاليا يخدم هذا المخطط . فهو يعني اسقاط شرعية ثورة اكتوبر الجنوبية التي انخرط فيها شعب الجنوب بكامل فئاته الاجتماعية من سلطنة عمان شرقا الى باب المندب غربا ، ويعني ايضا اسقاط شرعية دولة الجنوب التي وحدت الجنوب والتي يطالب الشارع الجنوبي حاليا باستعادتها .
ثالثا: انه حتى لو سلمنا بصواب الجنوب العربي ، فان هذا المشروع لا يملك مشروعية سياسية ولا مشروعية قانونية قبل حل القضية مع صنعاء ، لان الذي اعلن الوحدة مع الشمال نيابة عن الجنوب ككل هو من حضرموت . ولذلك فان ولادة مشروع الجنوب العربي قبل حل القضية مع صنعاء هي مستحيلة . فهو ليس فقط حجه كافيه لهروب صنعاء من الجلوس للحوار مع الجنوبيين لحل القضية فحسب ، وانما ايضا مضر بمصالح قوى دولية واقليمية اخرى لن تسمح بتمريره ، وسوف يتحول الجنوب الى ميدان صراع للمخابرات الدولية والاقليمية التي لا ترحم كما هو حاصل في افغانستان والعراق والصومال وغيرها لا سمح الله . ولهذا ومن اجل انقاذ شعب الجنوب من الضياع ، فانه يجب السير نحو مؤتمر وطني جنوبي شامل يتمسك بشعار ((تقرير المصير)) ويختار قيادة سياسية توافقية يتمثل فيها الجميع تقود الشعب نحو تحقيق هذا الهدف . صحيح ان الشعار المطلوب هو ((استعادة الدولة)) بعد ان تم اسقاط مشروع الوحدة بالحرب باعتراف الجميع، ولكن الجنوبيين لم يجمعوا على هذا الشعار خوفا من عودة الحزب الاشتراكي ونظامه . حيث انهم مازالوا يخلطون بين الدولة كأرض وشعب وسيادة وطنية وبين النظام السياسي كنهج للحكم. والأهم من ذلك ان صنعاء تستطيع ان تقول ((لا)) لأي حل إلاّ حل ((تقرير المصير)) .
رابعا: انني اجزم بانه لا يوجد امام الدول الراعية للمبادرة الخليجية والمشرفة عليها من حل لقضية الجنوب غير النقطتين التاليتين ، أولاهما: التسليم بان حرب 1994م قد اسقطت مشروع الوحدة في الواقع وفي النفوس ، وان الوضع القائم في الجنوب ليس وحدة وانما هو أسوأ من الاحتلال ، وثانيهما : التسليم بأنه من حق شعب الجنوب ان يرفض هذا الوضع وان يقرر مصيره بنفسه دون وصاية عليه. واجزم ايضا بأنه لا يوجد أمام الاطراف الجنوبية غير التسليم بذلك ، والتسليم ايضا بالنقطتين التاليتين ، اولهما : التسليم بأنه لا سبيل امامهم غير النضال السلمي ، وثانيهما : التسليم بان هذا النضال مسؤولية الجميع وانه لابد من السير نحو مؤتمر وطني جنوبي شامل لا يستثني احداً من اجل إيجاد قيادة سياسية موحدة تقود الشعب نحو هذا الهدف ، لأنه بدون قيادة سياسية موحدة يصبح الحديث عن قضية الجنوب لا معنى له .
خامسا: ان هذه النقاط الأربع هي الحل الذي لا غيره إمام الجميع ، وأتمنى على من تضرروا من النظام السابق في الجنوب ان يدركوا بان ما اوردته أعلاه وما سأورده أدناه ليس دفاعا عن النظام السابق في الجنوب ، وإنما هو دفاع عن شرعية دولة الجنوب التي اختفت بعد إعلان الوحدة، وان يدركوا ايضا بأنني لست ضد المحاكمة الادبية لسلبيات الماضي ، ولكنني لست مع محاكمة الايجابيات . فوحدة حضرموت مثلا التي عجزت سلطنتي الكثيري والقعيطي عن تحقيقها هي من ايجابيات الثورة والدولة في الجنوب ، ووحدة الجنوب ككل في دولة وطنية واحدة والتي عجزت كل السلطنات وحتى بريطانيا عن تحقيقها هي من ايجابيات الثورة والدولة في الجنوب ، والقضاء على الثأرات القبلية وتوفير الأمن والاستقرار في عموم البلاد والتي عجزت السلطنات وحتى بريطانيا عن تحقيقها هي من ايجابيات الثورة والدولة في الجنوب ، وتأمين الملاحة البحرية الدولية في باب المندب وخليج عدن منذ الاستقلال حتى إعلان الوحدة مع الشمال هي من ايجابيات الثورة والدولة في الجنوب ، ومنع الفساد في أجهزة الدولة ونظافة يد الحكام من الفساد ونهب المال العام هي من ايجابيات الثورة والدولة في الجنوب .... الخ . فلم توجد نزاهة ونظافة يد من نهب المال العام والفساد مثل ما وجدت في حكام الجنوب السابقين بعد ان شاهدت منازل المسؤولين الشماليين في القاهرة ، وبعد ما قالته وسائل الاعلام عن المسؤولين العرب ، واتمنى على من بقي منهم على قيد الحياة ، ان يحافظوا على هذه الميزة التي لا يوجد ما يدخلون به التاريخ من ميزه غيرها . اما السلبيات التي يمكن محاكمتها ادبيا ومحاكمة ما ترتب عليها من نتائج سلبية اخرى ، فهي فقط في الموقف من الملكية الخاصة والموقف غير المشجع من الدين ، وكذلك في الموقف العاطفي تجاه الوحدة مع الشمال . كما انني اتمنى ايضا على الجنوبيين الذين تضرروا من النظام السابق في الجنوب بان يزيلوا من عقولهم عودة الحزب الاشتراكي ونظامه ، لان الديمقراطية قد حسمت هذه المسألة. فلن يحكم الجنوب بعد حل القضية مع صنعاء غير صندوق الاقتراع . وبالتالي ليس هناك داع للخلط بين الماضي والمستقبل ، واتمنى كذلك على الجميع بان يتأملوا تماما في كلمات الزعيم ((مندلا)) عندما قال : لو عاقبنا البيض على ما فعلوه اثناء حكمهم لبررنا افعالهم واصبحنا مثلهم.
سادسا: لقد سأمنا من الصراعات الداخلية ودفعنا ثمنها ومازلنا ندفعه ولا نريد تكرارها . فقد ادركت بعد احداث الرئيس ((سالمين)) بأننا قد أخطأنا على الرئيس قحطان الشعبي وانه كان على صواب ونحن على خطأ . ومنذ ذلك الوقت ابتعدت عن الصراعات الداخلية وظللت حتى الآن اعمل على المصالحة بين الجميع . حيث اكتشفت بان اية صراعات داخلية مهما كانت مبرراتها هي ضد مصلحة الوطن بالضرورة. ولذلك فان الخلافات الحالية بين الجنوبيين هي ضد قضية الجنوب بكل تأكيد . فاذا كان الكل مجمعين على ان حل القضية مع صنعاء يشترط وحدة الجنوبيين ، فانه من البديهي ان تكون هذه الخلافات ضدها . وانا عند ما اقول مثل ذلك ادرك بان عدم انحيازي الى اي من الاطراف المختلفة قد عرضني ويعرضني للإساءة من قبل الجميع ويجعلهم يسخرون مني ، ولكنني مع كل ذلك اتعامل معهم باحترام خدمه للقضية، لانني ارى ما لا يرون . فانا اريد ان اجعل منهم قيادة سياسية لاستعادة وطن ضاع ، ولا اعتقد بان من يفرق بين الجنوبيين له علاقة بقضية الجنوب .
سابعا: اننا اذا ما ظللنا ممزقين ونستجر الماضي ، واذا ما ظل كل واحد يرى نفسه قيادة، فان الجميع سيضيع وسيظل الجنوب شعبا بلا قيادة، لأنه من غير الممكن موضوعيا ومن غير المعقول منطقيا بأن يكون الكل قيادة والكل قاعدة، أي ان يكون الكل سياسيين والكل ميدانيين . فلو كانت السياسة مثل الانترنت او مثل السوق من جاء دخله ، لما كانت هناك حاجة للسياسيين والاحزاب السياسية ولما كانت هناك حاجة للعمل السياسي اصلا. حيث ان السياسة هي وظيفة عقلية وليست وظيفة عضلية، وهي لذلك موهبة إلهية. فلو كان كل الناس بلا مواهب عقلية ولم يجيدوا غير العمل العضلي او كل الناس مواهب عقلية ولا يجيدوا غير العمل الذهني ، لكانت تعطلت الحياة الانسانية. وفي هذا الاتجاه قال احد الفلاسفة: ان الكبار (يقصد كبار العقول) يناقشون الافكار ، والمتوسطون يناقشون الاشياء ، والصغار يناقشون الاسماء ، وكل منهم فاشل في وظيفة الآخر . فهل لنا ان نعترف بهذا التقسيم الرباني لقدرات الناس ونجعلها مكمله لبعضها كما اراد لها الله ان تكون ، لأن الكمال هو لله وحده ؟؟؟. وهل لنا ان ندرك بان نقطة الضعف القاتلة عندنا هي في غياب القيادة السياسية الموحدة وغياب العمل السياسي والاعلامي المنظم ؟؟؟. هذا وفي الختام فانني اود هنا بان اوجه اسئلة ستة الى الإدارة الامريكية زعيمة العالم ، وهي :
1- هل تعرف الإدارة الامريكية بان الاستعمار الاوروبي السابق كان يفصّل شعوب العالم الضعيفة على مقاس مصالحه الخاصة دون ان يأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الشعوب ، وانه بسبب ذلك ثارت عليه هذه الشعوب وطردته ؟؟؟.
2- اذا كانت الإدارة الامريكية لم تدرك ذلك فعليها الآن بعد تجربتها القصيرة في ذلك ان تدركه ، واذا كانت تدرك ذلك فلماذا تكرر هذا الخطأ وهي تدركه ؟؟؟.
3- لماذا الإدارة الامريكية حاليا تفصّل قضيتنا الجنوبية على مقاسها وتصر على فرض حلها في اطار دولة الشمال خارج ارادة شعب الجنوب؟؟؟.
4- لماذا الإدارة الامريكية تصر على فرض حل لقضية الجنوب عبر حوار يمني شامل وكأنها قضية سلطة ومعارضة، وهي تعرف بان قضية الجنوب هي قضية وحده سياسية بين دولتين تم اسقاطها بالحرب ، وان هذه القضية هي بين طرفين وليست بين اكثر من طرفين ، هما : الشمال والجنوب ؟؟؟.
5- لماذا جعلوا هذا الحوار اليمني الشامل يكون بعد الانتخابات وليس قبلها ، وهم يدركون بان تمريرها في الجنوب سيكون على حساب قضية الجنوب ، ويدركون بأن فشلها سيكون على حساب المبادرة الخليجية ، وان البديل لأي منهما هو العنف ؟؟؟.
6- لماذا الادارة الامريكية لم تسلم بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره بنفسه دون وصاية عليه وهي تعلم بأنها لا توجد شرعية لأي حل إلا باستفتاء شعب الجنوب عليه.
*الوسط اليمنية
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق