الجمعة، 23 ديسمبر 2011

مأساة شعب الجنوب: من أين وإلى أين ؟؟؟!!

مأساة شعب الجنوب: من أين وإلى أين ؟؟؟!!
قراءة في ذاكرة تكرر نفسها !!!! 
من المفكر والاديب الناشط السياسي محمد علي شائف ..

الهيئة الإعلامية تاج- خاص
بسم الله الرحمن الرحيم
))
إن إرادة الشعوب لا تفسد – لكن – الشعب كثيرا ما يخدع فيعتقد انه اختار ما هو شرا )) – جان جاك روسو .
((
إن الإنسان لا يختار إرثه ، كما لا يختار ماضيه ، وإنما يجره معه جرا ، وأكثر من ذلك يتمسك به ويحتمي داخله ، عندما يجد نفسه معرضا لأي تهديد ،-خطر -خارجي .)) المفكر العربي محمد عابد الجابري
.
))
لكي تبلغ الحقيقة عليك ألا تخاف وأن تملك الشجاعة ، إذ ليس بمقدور الجبناء أن يكونوا أخلاقيين )) – المهاتما غاندي

ثمة مقولة سادت الفكر العربي النقدي والمستنير تقول (( إن الشعوب العربية بلا ذاكرة )) ، والشعب المتصف بهذا الداء ، يعني انه لا يستفيد من ماضيه /من تاريخه أي من دروسه وعبره ، وإنما يكرر –باستمرار – تاريخه ، معيدا إنتاجه بأسوأ صورة .. ليغدو التاريخ ، بما هو حركة في الزمن – في هذه الحال حركة تدور حول نفسها ( = حركة دائرية ) تعيد إنتاج الأوضاع القائمة – كل دورة – دون إحداث ثغرة ما في قطر الدائرة المغلقة بعقل إنتاج التخلف وإعادة إنتاجه ..ولذلك وبه يكرر التاريخ نفسه ، كسلسلة من الحلقات المفرغة وليس حركة صيرورة في الزمن ،تتجلى في ترابط الأحداث والتجارب وتعاقبها ...الخ هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن فساد الذاكرة الجماعية ، إن لم نقل موت الذاكرة الجمعية ، يتجلى – أيضا – في
:


العجز عن المحاكمة العقلانية والمنطقية للأحداث التاريخية ، بالنظر إلى الكلي في التجربة التاريخية ، لاكتشاف (( منطقها الداخلي ونزوعها الواعي واللاواعي )) ، وهي عملية تستلزم – بالضرورة – للاستفادة من دروس التاريخ وعبره بإتباع العقلانية التاريخية التي (( تجعل التاريخ حاضرا في العقل ، يلهمه الدروس والعبر ويحمله – أي العقل – من حين لأخر على مراجعة تصوراته وفحص مبادئه وطريقة إنتاجه )) - المفكر العربي الدكتور محمد عابد الجابري : إشكاليات الفكر العربي المعاصر . مركز دراسات الوحدة العربية . ط2 ص 36-37- لكن الذاكرة غير الحية ، لا تحتفظ بالوقائع والأحداث في حالة من الترابط بين الحقب وتأثيرها الفاعل يبعضها ، كشبكة من العلاقات السببية الداخلية والخارجية المعقدة المحكومة بنزوعات الصراعات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ... الخ وإنما هي – الذاكرة – أشبه بآلة يمسح الحدث الجديد الحدث السابق فيها ، ليشكل محور تفكيرها منفصلا عن علاقته الجدلية بما سبقه . فتسود حالة إقالة للفكر والتفكير والاستغناء عنهما بالتبريرية والذرائعية ، لإعفاء الذات الفردية والجماعية من مسؤولية مواجهة الحقيقة على الصعيدين النظري والعملي
.
كما أن من تجليات الذاكرة المثقوبة – إن جاز التعبير – الانشغال بالنتائج باستقلال تام عن الأسباب التي أنتجتها وبالتالي تتحول نتيجة ما إلى مادة للاختلاف والانقسام الاجتماعي وصولا – في حالات كثيرة – إلى الصدام العنيف ، الذي يجعل من النتيجة سببا لنتائج جديدة ، ينشغل بها الشعب / المجتمع وتدخله في متاهة مواجهة النتائج منفصلة عن أسبابها ودوافعها ومحركاتها الداخلية التي تواصل رحاها بإنتاج المزيد والمزيد من الدوائر المفرغة المفضية إلى (( الدوار التاريخي )) فهيمنة العقلية القبلية في فهم

ومواجهة الأحداث وفق قاعدة أو مقولة (( ما بدا بدينا له)) . أي العزوف عن معرفة الماضي وعن استشراف المستقبل ، والبقاء في اسر تقديس الماضي وتمجيد الجمود وإعادة إنتاج التخلف ...الخ .
وحسب الدكتور محمد عابد الجابري يبقى (( الفكر العربي مشدودا ومحكوما بنموذج / سلف ولذلك فهو فكر إشكالي ما ورائي )) فهو (( يتعامل مع الممكنات الذهنية كمعطيات واقعية ، ويكرس خطاب اللاعقل في مملكة العقل )) – المصدر السابق ص55. ويذهب الدكتور الجابري إلى أن النموذج / السلف هو المغذي لعوائق التقدم والإبداع ويصرف الفكر عن مواجهة الواقع ويدفعه إلى التعاطي مع الممكنات الذهنية كمعطيات واقعية وهو الأمر الذي (( يجعل من الذاكرة وبالتالي العاطفة واللا عقل تنوب فيه عن العقل)) – المصدر نفسه ص56
.
وحيث يسود خطاب اللاعقل ، تصبح العاطفة مركز التفكير والفعل والحركة وبالتالي تجد الايدولوجيا تربة خصبة لتحويل مقولاتها الزائفة إلى مسلمات حتمية تبشر بواقع طوباوي حالم ، يلهب الحماس العاطفي عند العامة ، فتستغله كقابل جمعي يؤطر وعيا زائفا وينقاد له دون محاكمة عقلية
.
زد أن ذلك يقود إلى الاستهانة بإطروحات العقل الثاقبة واستنتاجاته الواقعية ، لتعارضها مع رومانسية العاطفة وتابوهات اللاعقل المجسدة لقدرة الماضي على منافسة الحاضر ، بل واجتياح الأول للثاني ، لا بما هو قوة مادية وبشرية ، وإنما لهيمنته ، كثقافة ، على الوعي الجمعي المصاب بعسر هضم الجديد ، فالثائر سرعان ما يتمثل النموذج ويقلده ، بمجرد أن يمتلك سلطة الأمر حتى وهو في مرحلة الثورة ، فارضا سلطة أوامرية استبدادية تتناقض كليا مع ما يبشر به في خطابه السياسي ، ويشرع في إقصاء الأخر وإلغائه بغية امتلاك الثورة أولا ، ثم الاستحواذ على السلطة ثانيا ، وهكذا تبنى حلقة التاريخ الدائري . إذ بهذه العقلية والنفسية الاجتماعية يعيد الماضي إنتاج نفسه ليهيمن على الحاضر أو كما شخص هذه الظاهرة العربية محقا . د محمد عابد الجابري ملخص علاقة الماضي بالحاضر في قوله (( يتناوب الماضي مع الحاضر ، على ساحة الوعي العربي ، بل قد يتنافس الأول (= الماضي) منهما الثاني ( الحاضر) منافسة شديدة حتى ليبدو الماضي هو نفسه الحاضر))- الجابري : تكوين العقل العربي ط4ص41وما بعدها وفي إطار هذا ألتماهي للأزمنة في الوعي ، وتبادل المواقع تارة وأخذها صورة موحدة ، لدرجة تصدر الماضي للحاضر وتقديم نفسه وجهة المستقبل وقائده
.
.
تتم عملية إذابة الفوارق بين الأزمنة والمراحل في الوعي الاجتماعي وتسهل عملية تزييفه على الدوام . أو ليس شعب الجنوب ، كان ولم يزل ، ضحية تلك الحقيقة ، عندما جُعل من الماضي وجهته المستقبلية ، ويا ليت انه ماضيه الحقيقي ، وإنما هو ماض ٍزائف ، ملفق ومؤد لج ، كرسته سلطة دولة الجنوب ما بعد الاستقلال ، خدمة لفكرة طوباوية ،أضفت عليه – في الوعي ألمتلقى – من المقولات والشعارات المدغدغة للعواطف ما رفعه إلى مصاف الحتمية القدرية ، رابطة مستقبل شعب الجنوب ، وتخلصه من أدران وأسباب التخلف ... الخ بضرورة عودته الى ما لم يكن قط ، إلا في أذهان صناع المسلمات الإيديولوجية والأساطير التاريخية المزيفة للوعي الاجتماعي الجنوبي
.
وها قد حدثتنا التجربة الدامية القاسية والأمر من المر ، بأن تسليم شعب الجنوب ودولته (= شعب وجغرافيا وسيادة ) المستقلة إلى فخ 22/5/1990م المشئوم كان تعاطياً سياسياً عاطفياً ،استعلائياً بل فنطا زياً ، استند إلى التصورات الذهنية باستقلال ذهاني عن الواقع وحقائقه التاريخية ... الخ حيث مُنح الماضي في أدبيات سلطة دولة الجنوب [ الوحدوية ] - من طرف واحد طبعاً – منزلة الكلي المرتقي إلى مصاف القدر الإلهي والحتمية الاجتماعية كحقيقتين غير قابلتين للدحض (=الوحدة قدر ومصير) ليحلا – كقالب مصمت – سلطة قائدة آمرة ومرجعية قسرية بهما وحدهما وليس منهما تنطلق رؤية شعب الجنوب لحاضره ولمستقبله ، بل وبهما يتحدد مصير شعبي الدولتين ( بل الشعب الواحد الذي شطره الاستعمار الأكذوبة) – حسب إنجيل الوحدة – لدرجة أن استحوذ فيها الماضي في الوعي الجنوبي على سلطة فاعلة حسية ولاحسيه، بأحادية حدَيِة راديكالية مرتفعا بها إلى منزلة المستبد المختار والمخلص في آن واحد !!! ولذلك وكنتيجة منطقية – اجتاح الماضي (= سلطة وعقل القبيلة في أل ج ع ي ) الحاضر (= دولة الجنوب المدنية) فدمرها كمقومات وقيم مدنية واستبدلها بقيمه ألماضوية الأمر الملفت للنظر ، ويضع الفكر أمام ظاهرة شديدة التناقض ، تبرهن على حقيقة تماهي الأزمنة في الوعي ، ودور ذلك في إصابة الفكر بحالة دوار وانفصام ، ذلك أن حكومة الجنوب تبنت الفكر العلمي (= الاشتراكية العلمية ) وانفتحت على التراث الفكري العالمي الخ لكنها فرضت على شعب الجنوب أن يربط مستقبله بما لم يكن ، بماضٍ ملفق وتاريخ مؤدلج ومؤ سطر فقادا شعب الجنوب إلى فاجعته الإنسانية الراهنة وذلك تجلي فادح لحالة الانفصام آو الفصم الفكري بوعي ممنهج وكأن التاريخ يقول لنا : ((من بذر الوهم حصد السراب والخراب)) فأين العلمية في قراءة التاريخ ونتائجه ؟

***
كان يعتقد الكاتب جازما بان شعب الجنوب إجمالا وليس نخبته السياسية والثقافية هو اقدر الشعوب طرا على فهم وتشخيص هذه الحالة الفكرية والسياسية الفريدة في التاريخ الحديث والمعاصر ، لا عن إبداع فكري وإنما عن تجربة معاشة جلية جلا شمس الظهيرة في صيف مدينة "عدن " الكليمة . بيد أن ذلكللأسف الشديد – لم يحدث بأدنى مستويات حجم المأساة التي يعيشها الشعب ما يقارب العقدين من الزمن الخراب والهوان الأسطوري . فهاهي تجربة الثورة الشعبية الجنوبية السلمية الرائدة لثورات الربيع العربي تضعنا أمام الحقائق المؤلمة التالية :
مواصلة أبطال / فرسان الوهم [الوحدوي] الكارثي الجنوبيين العيش في معبد الوهم الذي صُمم في أذهانهم وانهار على رؤوس شعبهم وشردوا من جنته المتوهمة ، بمسعاهم لاحتواء الثورة وتسخير تضحياتها الغالية من اجل إحياء فكرتهم الذهانية الزائفة التي شبعت موتا في الواقع وفي النفوس وفي أذهان ووعي شعب الجنوب الذي وعدوه بجنان النعيم ألشعاراتي ليجد نفسه يساق كقطيع إلى الجحيم مع سبق الإصرار والترصد ، ولم ينهضوا بمسؤوليتهم السياسية والأخلاقية نحوه بل تشرنقوا بالصمت (15 عاما ) وحينما نهض الشعب نهضوا من توابيتهم فمزقوا صفوف الثورة باستقطاباتهم غير المسؤلة ، ويعملون على ما يمنحهم شرعية ما للوصاية على الشعب ، وليس التعبير عن ارادته وتبني تطلعاته في الحرية والاستقلال واستعادة دولته وسيادته على أرضه . وصاية وأية وصاية ؟؟. : إسقاط القضية الوطنية الجنوبية ، إسقاط الثورة وإهدار دماء الشهداء والجرحى وعذابات المعتقلين وشرعنه الاحتلال ألاقتلاعي ...الخ . بتقديم طبق وهم جديد اسمه " الحل الفدرالي " الذي وجد – يا للخسارة – من سارع لابتلاع تفاحة الوهم الجديدة وكأنه لم يعش وما زال يخضع لأبشع صور المهانة لابتلاع تلك الأسطورة " ما أشبه الليلة بالبارحة ..شبه الماء بالماء " – حسب ابن خلدون – بل ما اغرب من صودرت حقوق أدميته وامتهنت كرامته على أبواب جنة الوهم ، وعلى وجوده الفردي والجمعي على مشنقة الفرع /العبد المهزوم ( 17 سنة ) مرة ، مهينة ولا إنسانية ...الخ وعلى حين غباء نية ، يقبل العودة إلى حيث مرغ بالقهر والذل والهوان ...الخ وإن من نافذة وهم جديد ترفع شعارين مستنسخين من جين فخ 22/5/1990م
.
الأول : (( التخلص من نظام صالح أولا )) التغييريون – والثاني (( الحل الفيدرالي أولا )) ثم الاستفتاء استنساخا للتجربة السودانية ، التي تختلف اختلافا جذريا عن قضيتنا في شكلها وفي مضمونها . فهل إخواننا الأعزاء هؤلاء ، يدافعون عن تاريخهم ، بما هو تاريخهم الخاص ، وليس تاريخ شعب الجنوب ، أم ينتصرون لفكرتهم الفاشلة ، وان قدموا شعب الجنوب وأجياله القادمة قربانا لفكرتهم ، التي تناسوا أنهم مشردين /نازحين بسببها أو فاقدي الدور والمكانة والكرامة في الداخل – كذلك
- .
وحتى لا نتهم بالتجني على حملة رؤية مختلفة ، نضع القارئ أمام السؤالين المهمين الآتيين
:
لماذا اختفوا عن المسرح السياسي ( 15 سنة ) ولم يحركوا مشروعيهما الأنفي الذكر قبل أن يثور الشعب ويقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من الأسرى ؟
.
بل ... لماذا لم يعلنوا عن رؤيتهم وينزلوها إلى الشارع السياسي الجنوبي خلال سنوات الثورة الماضية ، ومارسوا مع أتباعهم تكتيكا تمزيقيا تيئيسيا محبطا ، ووقتوها إلى فبراير وما بعد فبراير 2011م؟؟ . لماذا هذا التوقيت وليس قبله وليس بعده ؟

للقارئ .. بل لكل جنوبي حر مخلص لقضية شعبه وحقه في الحرية والاستقلال ، أن يقرأ ما حصل منذ فبراير الماضي بعقله ، لا بعاطفته ، ويربطه بما حدث قبل ذلك ، فسيرى من المسئول على ذلك وما ضرره على ثورتنا
.
إن هلامية الوعي بالأزمنة ، بسبب تشابكها وتناوب مواقعها – كما أسلفنا – زد إلى ذاكرة جماعية لا تقوم بالترتيب المنطقي للأحداث والوقائع التاريخية ، لتمسك بعلاقات التأثير الجدلية المتبادلة فيما بينها ، فيستعاض عن ذلك بالعاطفة وخطاب اللاعقل – حسب د. الجابري – لتتحول حركة المجتمع باتجاه المستقبل محكومة بفوضى نسقيه عارمة على صعيد الفكر السياسي والتاريخي ... الخ وفي الممارسة – كذلك – وتجربتنا في الثورة الشعبية الجنوبية القائمة ، بما هي فعل شعبي ارادوي يرنو إلى المستقبل ، بالخلاص من غزوة الماضي لحاضره ، والدفاع المشروع ليس عن حق شرعي عادل وحسب ، بل وعن حق شعب الجنوب في الوجود والبقاء ، المستهدفين بالطمس والمحو . ذلك هو المنطق الداخلي للثورة الشعبية ومحركها الذاتي والموضوعي
.
بيد أن الأسباب المشار إليها في هذه الفقرة وما سبقها ، كانت حاضرة في الثورة عبر القسم الغالب من أداتها الثورية ، لتتحول إلى عوائق ذاتية في قلب الثورة ، وابرز تجليات هذه الحال في ثورتنا التالي
:
تسييد العفوي والحماسي العاطفي والشعاراتي على تنظيم وعقلنة الثورة ، وتاطيرها بفكر جديد ، وقيم فكرية وسياسية جديدة ، فضلا عن شروطها الموضوعية الأخرى . مما قاد إلى فوضى نسقية محكومة برغبات ونزوات فردية أو جماعية ، لم تميع مضمون الثورة وحسب ، بل وخربت منطقها ونزوعاتها الوطنية النبيلة
.
بروز الثقافة السياسية الشمولية الاقصائية ، لدى التيار المرتبط بقيادات الجنوب السابقة النازحة المتعاطي مع استقطاباتها ورؤاها ، حتى بدا للمراقب بان الثورة الراهنة ليست سوى إعادة إنتاج للماضي الشمولي ،وربما بأسوأ صورة ، مما قاد إلى ضعف الثقة عند المناضل الميداني ، وإحجام الجنوبي المراقب لمسيرة الثورة من الالتحاق بركب شعبه الثائر ... الخ ... الخ
.
ارتباطا بما سلف برزت إلى السطح ظاهرة تمجيد الفرد ، لدرجة ان أصبح الفرد يحتل المرتبة الاولى والقضية المرتبة التالية له – لتصبح الثورة ساحة لخلق زعامات مقدسة ...فيتساءل البعض عن جدوى ثورة الجنوب ، إذا كانت ستعيد إنتاج الأسباب التي قادته إلى هذا المصير المهين ؟!! . وإذا كانت الثورة سترعي ثقافة النفاق وتقديس وتاليه الفرد ، فكيف سيكون الحال عندما يملك – مثل هذا سلطة القرار ؟؟؟
.
د- تجزئة المأساة الجنوبية الواحدة وبعثرة صرخة الشعب إلى أشلاء تبعا لتعدد الرؤى والأهداف ( بعد تضليل الجماهير منذ 9مايو 2009 – فبراير 2011م) التي خرجت من تحت معطف تيار جنوبي واحد ، هو الأكثر ضجيجا ونزوعا إلى تملك الثورة والمستقبل وفرض الوصاية على شعب الجنوب ، حتى وهو ينتقص من حقه في الحرية والاستقلال
.
لكن الذاكرة الفاسدة ، تلوذ بالذرائعية والتبريرية للاحتماء خلفهما وبهما ، كسلوك عصبوي وعصاب سياسي ، يُضحي بالحقيقة طالما أنها لم تخرج من جُبته
.
ه- في خضم هذه الفوضى ، وهلامية الوعي الطافح باللامتعين واللا محدود ، تصاب الحقيقة كذلك بالسيولة وفقدان الملامح ، فكل يرسم لها القسمات التي تطابق رؤيته وولاءه .. بمعنى أخر :تصبح البرهنة على الحقيقة أشبه بمؤذن للصلاة في حي المسيحيين ، سيما حين تتراجع القضية الوطنية إلى مادون الولاء الأصغر إذ أصبحت الحقائق المرتبطة بالقضية الوطنية وثورتها محكومة بالولاءات : من ولاءات أولية إلى ولاءات لأفراد إلى ولاءات سياسية تتسم بالتعصب والاحتكام للمواقف العاطفية والنفسية والاجتماعية المكابرة المنتمية إلى الوعي السياسي الأولي ( القبلي أو ألمناطقي ) وليس إلى الثقافة السياسية المدنية – ذلك في الغالب الأعم . وهو ما جعل موضوع البحث عن الحقيقة – وسط ثورتنا – مجرد شعار للاستهلاك أو التضليل والمخاتلة السياسية – للأسف
- .
فما اغرب أن تجد شابا أو كهلا جنوبيا لديه الاستعداد العالي للتضحية ، لكنه لا يملك الاستعداد المماثل لمعرفة مضمون القضية التي يناضل في سبيلها ولا معرفة شروط انتصارها ، مكتفيا بافراغ شحنة غضبه وحماسه خلف من منحه ولاءه ليس إلا . وكان اسلافنا لم يرفدونا بحكمة مهمة تقول : (( لا يُعرف الحق بالرجال ، إنما اعرف الحق تعرف رجاله )) .. أي ماهي قضيتك / ماهو حقك ... الخ ؟
.
لكن بلوغ الحقيقة تستلزم مناضلين شجعانا واحرارا وليس اتباعا ، حسب مقولة المعلم العالمي " المهاتما غاندي" التي تقول : (( لكي تبلغ الحقيقة عليك الا تخاف وان تملك الشجاعة ، فليس بمقدور الجبناء ان يكونوا أخلاقيين )) . ونهى غاندي عن طلب الحقيقة من المتكبرين والمغرورين في قوله : (( لا يجب البحث عن الحقيقة لدى أي شخص لا يتمتع باقصى درجات التواضع لان عليك ان تغدو صفرا ، إن كان عليك عبور محيط الحقيقة )) . أي ان عليك ان تتحرر من أي تاثير ذاتي او قرابي او غيرهما ، فتكون ذاتا مستقلة نذرت نفسها لبلوغ الحقيقة المجردة ، عندئذٍ فقط بمقدورك ان تعبر محيط الحقيقة . اليس كذلك ؟
.
و – البناء على هدم القائم : حيث عانت ثورة الجنوب الشعبية من هذه الظاهرة تحت شعار التوحيد لمكونات الثورة ، والهدف تفكيك وتدمير قوى ومكونات سياسية وشعبية جنوبية قائمة ، بل لها قصب السبق في تنظيم نفسها في الداخل وفي تبني هدف التحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة ، كاسرة حالة التردد الذرائعي والمخاوف المصطنعة ، فضلا عن دورها المركزي ليس في حسم الهدف الاستراتيجي وحسب ، بل وفي تحرير القضية الوطنية الجنوبية من الغموض وتعدد التعاريف وتبعا لها تعدد المطالب ، بحسم تعريفها في انها قضية دولة ( جغرافيا وشعب وسيادة) تحت الاحتلال الهمجي البدائي لل " ج.ع.ي " كالمجلس الوطني لتحرير واستعادة دولة الجنوب ، الذي تعرض لحملات هدم متكررة لوضوح خياراته السياسية هذه الظاهرة افضت الى تقسيم ال( 1 ) الى عدة اجزاء ، ثم ينبري المقسمون ليعلنوا انفسهم ابطال توحيد !!! . إذ أن توحيد قوى الثورة واراداتها تتطلب جمع ال( 1 )+ال ( 1 ) على طاولة حوار ومن ثم جمعها في اطار موحد على اساس وحدة الهدف . وليس العمل على تمزيق الآحاد ، بعملية جراحية مؤلمة غير مسؤولة وهدامة ، وقد تكشًف ذلك السلوك الهدام ، منذُ فبراير الماضي بجلاء ، أن ثمة محركين وراءة
:
الاول : عن نزوع شمولي لتملك الساحة النضالية دون منافس
.
والثاني : استهداف صوت التحرير والاستقلال كي يتمكن من تمرير مشروعه للحل في اطار الاحتلال .(=احدث دليل هو تطور هذه الظاهرة بانتقالها من سياسية تفكيك وتدمير الأخر الجنوبي المختلف الى تهجين واستنساخ للمكونات في الثورة على غرار ما تمارسه السلطات المستبدة لإضعاف المعارضة السياسية وهذه الممارسة برزت في محاولة استنساخ ((اتحاد شباب الجنوب لتحرير واستعادة دولة الجنوب بمباركة ((الرئيس الشرعي علي سالم البيض)) الذي بارك شخصيا المؤتمر الصوري لما اسمي مؤتمر اتحاد شباب الجنوب ولاندري هل يعلم انه بارك ودعم الذين ساندوا الدعوة للالتحاق بمطلب تغير النظام بل ودعوا الى ذلك فتمت محاسبتهم من قبل اتحاد شباب الجنوب لمخالفتهم خيار الاتحاد السياسي ؟؟ أبهذه العقلية المدمرة واللامسئولة المجسدة للشمولية والاستبداد السياسي الماضوي ستنتصر ثورتنا ؟؟!! السنا إزاء واحد من تجليات ذاكرة تاريخية تكرر نفسها بصورة فادحة ؟؟ هل باستنساخ مكونات الثورة ياسيادة الرئيس الشرعي ستتوفر عوامل وحدة الارادة الجنوبية ؟؟ وهل تقدرون حجم الضرر الذي يفضي إليه فعل كهذا ؟؟
))
ز- كما عانت ثورتنا الشعبية المنتصرة –باذن الله - من ظاهرة عدم ثبات المواقف ، والانتقال من موقف الى اخر ومن تجمع سياسي/ شعبي الى تجمع اخر ، وهو ما عُرف في صفوف الثورة بظاهرة (( السياسيين الرُحل )) ، المعبرة عن حياة البدو الرحل غير المستقرة جريا وراء الماء والكلاء ((= العشب )) . وهي ظاهرة تلازم الثقافة العربية عموما .. فالمثقف السياسي ، ينتقل بفكره من اقصى اليمين الى اقصى اليسار والعكس .. فخذ على سبيل المثال لا الحصر الكاتب ((احمد عبدالله الصوفي)) كتجلً فادح لهذه الحقيقة ،

استهجان وانتقاص – بعض مكونات الثورة ، ولاسيما تلك المرتبطة بقيادات الخارج – للفكر والتأصيل النظري للقضية وللثورة بتكريس شعار يخاطب العاطفة والحماس يقول (( نريد تحرير مش تنظير )) ، ثم ( بعد الاستقلال يصاغ برنامج سياسي ومشروع بناء الدولة ... الخ ) !! .وحين لاحت الفرصة لتقدم ثورتنا خطوات إلى الأمام إذا بحملة هذه الشعارات ومكرسيه ينقسمون إلى ملتحق بمطلب التغيير وأخر يتبنى الحل الفدرالي وثالث : مع فك الارتباط!!! .
ط- كانت تلك الظواهر والتجليات لب ومضمون انقسام صف الثورة الى تيارين رئيسيين – في الجوهر – تيار يكرس تلك الظواهر ضمن سيناريو خفي تجلى منذُ فبراير – عد الى نهاية النقطة ( و ) أعلاه – وتيار يقاوم تلك الظواهر ويحرص على توفير كل شروط وعوامل الثورة الفكرية والسياسية والتنظيمية .. الخ المطلوبة لثورة تحررية ،لتمكن أداتها من ادارة الصراع مع الاحتلال بوعي ماهية الصراع وشروطه وبكفاءة لا تتوفر إلا بالتنظيم ووضوح الهدف . المؤسف والمؤلم في آن ، أن جملة تلك الظواهر والتجليات وغيرها كثير ، وبرغم انكشاف اهدافها غير الوطنية منذُ فبراير إلا ان الشارع السياسي لم يستيقظ إلا بعد خروج وجهود التيار المقاوم لكل اشكال احتواء الثورة او إجهاضها . ولكنها يقضة غير فاعلة ، لانها غير واعية ، وعازفة عن ربط الاحداث وتواليها عبر نتائجها لادراك ابعادها بالربط بين الماقبل والمابعد . ( بين من لبس قميص الاستقلال كتكتيك ومن تبناه بصدق واخلاص ، بعد تجلي ذلك في فبراير 2011م - اليوم) بل – وهو الاغرب – إن القسم الغالب من الشارع السياسي الجنوبي ينأى بنفسه عن رصد المواقف السياسية المعلنة للافراد او الهيئات ومن ثم تقييم الممارسات النضالية ومستوى الالتزام بالخطاب السياسي ... الخ
.
لبناء الراي حول من التزم الصدق والثبات خلف هدفه المعلن ، وذاك الذي تخلى او تراجع عن مواقفه المعلنة التي تقنع بها لخداع الشارع .. لكن ذلك لم يحدث ، والاسوا ان ثمة من ينبري مدافعا عن خاذليه ومبررا مواقفهم السياسية التي اعادت الثورة الى نقطة الصفر ، أي الى سؤالي : ماهي القضية الوطنية الجنوبية ؟ وماذا يريد شعب الجنوب ؟؟ . وذلك بعد حسم الاجابات الى فبراير الماضي .. فإذا بنا امام حدث يكشف عن معطى ملموس لاعادة انتاج الماضي .ولذلك ، اضافة الى ما سبق ذكره ، شاهدنا سلوكا سياسيا ذهانيا هو الاقرب الى المرض النفسي الاجتماعي المعروف عند علماء النفس ب " السيكوباتيا الاجتماعية " . وذلك بصورة الانتقال من التبني المتطرف لهدف التحرير والاستقلال الى مطلب تغيير النظام – جزء – او التهافت خلف مطلب الحل الفيدرالي – جزء اخر – والهرولة وبسباق محموم للحصول على دعوة لحضور لقاءات القاهرة التي ينظمها حيدر العطاس وعلي ناصر وصالح عبيد احمد ومحمد علي احمد واخرون لكسب المزيد من الاصوات لصالح مشروعهم الخاص ، المنتقص من حق شعب الجنوب الشرعي والعادل ، واخرها ما اسموه ب " المؤتمر الجنوبي" في القاهرة المنعقد في 20- 22 نوفمبر 2011م متبنيا الحل الفيدرالي ومساويا بين قضيتنا وقضية شعب جنوب السودان ، وهي مساواة لا تلوي عنق التاريخ وتتجاهل حقائقه وحسب ، بل وهو الاهم
:
إن رؤية الحل الغريبة تلك ، صممتها الذهنية ذاتها ، تلك الخاضعة للمسلمة الايديولوجية ذاتها ، التي قادت دولة الجنوب الى فخ 22 مايو 1990م المشؤم وإن بتصميم جديد ، لكنه الوجه الاخر للعملية المزورة نفسها ودليل ذلك
:
ا – حصر القضية الوطنية الجنوبية بمشكلة شكل النظام السياسي ، فإذا ما تم تغييره من مركزي الى فدرالي ، انتهت القضية وكأن ثورة الجنوب قامت من اجل ذلك ( انظر الى حالة التناقض الصارخة بين هذه الرؤية مع سقوط الشهداء الابرار وسفك دماء الجرحى وهم يهتفون برع برع ياستعمار لتتجلى في ذلك حقيقة التعارض الفادحة مع الارادة الشعبية وتطلعاتها
)
ب – وطالما الامر كذلك ، فالحل المقترح منح الاحتلال صك براءة من جرائمه في الجنوب ، لان الحل المطروح يقر بان الوضع القسري المفروض على الجنوب منذُ احتلاله ، ليس احتلالا وانما وضع وحدة ازمتها الوحيدة تتمحور في مركزية صنعاء الحادة فقط .[ في مقابلة صحفية لحيدر العطاس يقول بان الانسحاب منلاحظ – الوحدة ، لا يتم الا عبر بوابة الوحدة ؟؟ - صحيفة الامناء العدد ( 119) 5/10/ 2011م ص 7 – العطاس يقر ب " وحدة" مع انها لم تتم ولو انها تمت لما حدث كلما نعرف وصولا الى احتلال دولة الجنوب عسكريا ، لقد فشل مشروع الوحدة قبل ان يجف حبر الاعلان عن ميلاده ، ومن لديه ما يثبت العكس من اخواننا الجنوبيين سواء [ الوحدويين منهم او التغييرين او الفدراليين ] فليبادر وينشر دليله لنخضع المسالة – بعدئذٍ – لحوار مسؤول ، منظم وغير متعصب ، .. فكم نحن بحاجة الى مثل هذه النقاشات
.] .
ج – رؤية الحل إياها احد دوافعها لا شك هو التطهر من تهمة الانفصالية بالدفاع عن المسلمة الايديولوجية الزائفة القائلة : (( وحدة الارض والشعب )) ، ولم تنطلق من حقيقة تاريخية موضوعية ، اثبتت عدم صحة تلك المسلمة ومقولاتها ذات المضامين القدرية والحتمية [ الوحدة قدر ومصير
...] .
د – المساواة النمطية الشديدة السطحية والزيف بين قضية شعبنا وقضية شعب جنوب السودان التي يجري الترويج لها منذُ اكثر من عام ونيف من قبل المنتمين الى ذات المشروع في الداخل سراً وعلانيةً ، ان هذه النقطة – بحد ذاتهاتمثل مركز دائرة الخطر في مشروع الحل كله .. من حيث
:
* -
إن القبول بمرحلة انتقالية لتنظيم استفتاء بعد 4-5 سنوات يعني بالضرورة
:
-
إن الجنوب لم يكن دولة مستقلة في تاريخه بل جزءمن ال" ج.ع.ي " ، مُنح حق تقرير مصيره باستفتاء شعبي في ضل وجود الاحتلال !! . شأنه في ذلك شأن شعب جنوب السودان الذي لم يعرف دولة مستقلة قط (=ولا ننسى ان شعب جنوب السودان قاتل 20سنة ليفرض ذلك الخيار فرضا ولم يتسوله من السلطة تسولا
)
-
اسقاط حقيقة ان ثمة اتفاق ، بل معاهدة دولية ، بين دولتين اتفقتا على مشروع وحدة سياسية ، فشل قبل ان يبدأ وتحول الى احتلال كارثي لدولة الجنوب المغدورة . وإنما حل ديمقراطي في اطار شعب واحد ودولة واحدة تاريخيا !!!. على غرار المسالة السودانية ، والاقليم الناطق بالفرنسية في كندا ، بينما النموذج السياسي والقانوني المساوي لقضيتنا هو نموذج التشيك والسلوفاك ، الذين فضوا الوحدة سلميا بعد ( 73 سنة ) على وحدتهما سلميا . يضاف الى قضيتنا ، جريمة الاحتلال العسكري الهمجي الاقتلاعي ونزوعه التدميري الشامل لكلما يمت الى الهوية الجيو – ثقافية والحضارية الجنوبية المستقلة بصله
.
أليس من حقنا – كاصحاب حق عشنا جحيم الاحتلال وشاركنا في مقاومته – أن نتوجه بالسؤال البديهي الى هؤلاء : (( لماذا اخذتم بالنموذج السوداني وليس بالنموذج التشيكوسلوفاكي ؟
))
لن يعجز عن الاجابة ويدرك ابعاد ودوافع ذلك غير منتمي الى المشروع القاتل إياه وإما متغابي وإما غبي بامتياز
.
فالجنوب كان دولة تاريخية مستقلة ،دخلت في معاهدة دولية مع ال " ج . ع . ي " بمشروع وحدة سياسية فاشل ، ولم تكن جزء من ال " ج . ع . ي " لا جغرافيا ولا ديموغرافيا ولا تاريخيا ، فلماذا المماثلة الشيطانية بينه وجنوب السودان ؟؟؟
.
*-
خلق كل اسباب وعوامل عدم الاتفاق في الراي في الجنوب ، لافشال [ وهم] الاستفتاء / الطعم الجديد او ليس ما يحدث اليوم في الجنوب من تمزيق وتجزيئ للصف الوطني الجنوبي ومن جنوبيين ، معطى ملموس لما سيؤول اليه الحال إن تمت هذه الصفقة الشيطانية . ؟؟ . فإذا كان حاملوا هذا المشروع لهم دور مركزي في بعثرة وتمزيق الارادة الشعبية الثائرة ، وهي في مرحلة المغرم ، فإنها في مرحلة المغنم / المصلحة – ستكون اقدر – بالسلطة والولاءات – أن تخلق واقعا سياسيا خادما للابعاد الضمنية والظاهرة في هذه النقطة ، محل نقاشنا ، وبالتالي إحكام الفخ على شعب الجنوب تماما ، إذا ما بلع غالبيته تفاحة الوهم الجديدة هذه ، أي الفيدرالية الملغمة بفترة انتقالية للاستفتاء الشعبي الجنوبي !!!! إخواني وابنائي وآبائي الجنوبيين الاحرار انظروا الى الامر بعقولكم وبحدقات وجعكم وآلامكم كيف نحن اليوم ؟؟!! . إذا كنا نعيش وطأة القهر والاذلال والحرمان والهوان الجماعي التاريخي نحيا كغرباء على ارضنا ... الخ ... الخ فإذا بنا بمواجهة إنقسام جنوبي بين وخلف اكثر من رؤية ومشروع سياسي جنوبي ، ولم يظهر بعضها – كموضوعنا هذا – إلا بعد أن اوصلت الشارع السياسي الجنوبي الثائر الى حالة من الارتباك والياس ،بل والى حالة دوار سياسي وضبابية معرفية .. فكيف ستكون الحال إذا ما تكونت مصالح وتحققت منافع شخصية وفئوية ...الخ ؟ لقد تناسى البعض ماهو قائم وهرولوا خلف مشاريع سياسية تعيد شعب الجنوب الى الفخ الاول ولكن فخ اكثر إحكاماً من شرك 22 مايو 1990م المشؤوم
.
اقرأوا الخارطة السياسية الجنوبية داخل المشهد السياسي المتفجر منذُ فبراير الماضي : واحد من اكبر مكونات الثورة انقسم بين ثلاث رؤى ومشاريع – كما سلفت الاشارة – جنوبيوا احزاب المشترك وجنوبيوا الولاء لسلطة الاحتلال يتمسكون ب [ الوحدة] الاكذوبة فضلا عن الجزء الصامت .. فهل ستزول اسباب هذا التشظي إذا ما تمت الصفقة وتسلم اصحابها سلطة اقليم الجنوب ؟؟ . المستحيل اقرب للارادة الحرة من وهم يبشر به اولئك الذين سبق ان بشرونا بالنعيم وقادونا الى الجحيم ، ثم تخلوا عن مسؤوليتهم السياسية والاخلاقية وعن واجبهم الوطني والانساني نحو شعبهم ( 15 سنة ) ، وحينما نهض شعب الجنوب بدونهم ذائدا عن حقه ثائرا ، خرجوا من توابيت الصمت ، ليمارسوا ما يضعهم تحت مقولة (( قطاع طرق التاريخ )) – إن لم نقل تحت وصف " لصوص الثورة
" .
والحق مع من يقول بأن المشكلة ليس في الحرس القديم ، لانه غير قادر على تغيير ذهنياته وانما لب المشكلة في ذاكرة جمعية تمحو ولا تغربل مكوناتها ، وفي الاستعداد النفسي الطوعي للتبعية العمياء بما هي تجلً ثقافي سوسيولوجي عن " العقل المستقيل " ، فضلا عن التجليات والظواهر التي اشرنا اليها قبلا كعوائق ذاتية عانت منها الثورة الشعبية الجنوبية السلمية ، ساهم جنوبيون في الخارج والداخل – وبمال جنوبي – في بعثها / احيائها ، مع سبق الاصرار والترصد . لمعرفة هؤلاء وخبرتهم في ان من السهل احياء الموروث ، بمقابل صعوبة وتعقيد قبول الجديد المستنير وسط موروث استبدادي
.
*-
إن جملة المخاطر المشار اليها ، المترتبة عن المضمر والصريح في تضمين مشروع الحل الفيدرالي فترة انتقالية للاستفتاء بعدها على الوهم الجديد ، يعني – عقلا ومنطقا
- :
-
التنازل ، ليس عن القضية فحسب ، بل وعن الثورة واهدار تضحياتها الغالية
.
-
اقرار مجاني بان الجنوب – الدولة لم يخضع لاحتلال بدائي همجي واستيطاني ، وانما افضى النظام المركزي الحاد الى مضالم بحق [ الاقليم الجنوبي من الجمهورية اليمنية ] ستجد الحل باعادة صياغة النظام من دولة بسيطة الى دولة مركبة – كما اسلفنا ,او (اعادة صياغة الوحدة حسب) حسب مخرجات مؤتمر الفدرالية في القاهرة
.
-
لذلك فالصراع ليس صراع هويتين جيو – ثقافيتين وإنما صراع سياسي حول شكل النظام السياسي ، وهنا تسقط قضية الوطن الجنوبي المحتل ، وبالنتيجة يسقط حق شعب الجنوب الشرعي والعادل في استعادة حريته واستقلاله . إذ كيف لشعب يخضع لاحتلال عسكري ، ان يقبل بحل ما يبقي على الاحتلال ، بل ويسقط عنه هذه الصفة ؟؟ . وبالنتيجة ، ليس بمقدوره اقناع العالم – بعد ذلك – بانه تحت احتلال
.
-
اضعاف الحق الوطني والتاريخي والقانوني والانساني الجنوبي ، وضرب القوى المتمسكة بهذا الحق واضعاف صوتها ، امام المراقب السياسي الخارجي الاقليمي والدولي فضلا عن ان تعدد الاصوات – الرؤى والمطالب الجنوبية ، تلغي وحدة القضية الوطنية الجنوبية وينظر اليها من خلال ذلك ، بانها تخضع لرؤى ومصالح فئوية ، كل طرف يضفي عليها الوصف الذي يطابق مصالحه وحسب ... إذ أن وحدة الماساة والمصلحة ، ببساطة ، تفضي الى وحدة الصوت ووحدة المطلب / الهدف . اليس الامر كذلك ؟
.
* -
وقبل الانتقال الى نبش الذاكرة التاريخية الجنوبية الحديثة ، نرى في هذا المضمار – أن نتساءل
:
لمن تقدم الفدراليون الجنوبيون بمشروعهم للحل ؟؟ . هل لسلطة الاحتلال المتهالكة ، ام لمعارضتها وثورتها التغييرية التي تنكرت لثورة الجنوب ولشهداء وجرحى واسرى الجنوب ، وهي لما تزل في الشارع ، واتهمت مناضلي الجنوب المتمسكين بحق شعبهم في التحرير واستعادة الدولة ، بالعمالة لسلطتها المنتفض ضدها ... الخ فكيف لو استلمت السلطة (المثير للدهشة ان من بين المشاركين في مؤتمر القاهرة من وصم المتمسكين بهدف الاستقلال الذين خرجوا رافعين علم دولة الجنوب بمواجهة موجة التراجع في فبراير الماضي وما بعده ,وصمهم بالعمالة لسلطة الاحتلال .فكيف وبماذا يفسر ذلك؟؟!!!) لقد راهن حاملوا هذا المشروع على ثورة التغيير لدرجة ممارسة التضليل على الاعلام الخارجي في أن [ الشمال والجنوب ] توحدا على هدف اسقاط النظام !!! فمع من عقدوا صفقتهم ؟؟ . لقد خسروا الرهان على ما ينجزه شعب سلطة الاحتلال
.
لقد تم احتواء ثورة التغيير من قبل الحرس القديم السلطوي والمعارض .. وللامانة ان الملمح المشترك بين ثورة التغيير في صنعاء وثورة التحرير في " عدن " ، هو احتوائهما من قبل الحرس القديم في الجانبين ، وإن اختلفت الصورة ، بإختلاف شكل القوتين في الطرفين
.
فالحرس الجنوبي القديم ، عمل وما برح يعمل بلا كلل ليجعل من ثورة التحرير في الجنوب ، ثورة " تحريك " للحل في اطار الوضع القائم ، حسب مشروعه المعلن هو واتباعه – بالطبع – والحرس القديم في صنعاء ،يعمل على إفراغ ثورة التغيير من محتواها بصفقات وتسويات لتكون ثورة " تبديل" بين حمران العيون .. ولتغدو صراع اجنحة داخل سلطة القبيلة بواجهة سياسية ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك وما خرج من تحت معطفها من مسميات شكلية ، قيدت ارادة الثورة التغييرية وشرعياتها بتسوية سياسية ارتكزت على المبادرة الخليجية التي لم تستهدف افراغ الثورة من محتواها ، وضرب اهدافها وحسب ، بل وذبحتها من الوريد الى الوريد .. ويا اهل المدينة بايعوا بعد " معاوية " نجله " يزيد " على ان تكونوا – لامتناعكم – له عبيد اذ ان انتصار مشروعي الحرسين على الجانبين ، يعني محاكمة ظاهرة وباطنية للثورتين الشعبيتين
.
***
وإذا كانت ثورة صنعاء التغييرية ، ستجد نفسها عاجلا او اجلا تبايع احمر عين جديد . فإن احتواء ثورة التحرير في الجنوب لن يفضي الى مبايعة " يزيد " لان " معاوية " بعث من جديد يراقص شعرته السحرية مهاجما ذاكرة الشعب المخزوقة بفيروس الغواية والاستغباء والاستغفال ليزوّر محتواها بحبر النسيان !!! .لكن ارادة الحق من ارادة الله والجرح الوطني الجنوبي المفتوح لم ولن تنال من اصحابه الاحرار اقراص المسكنات الوهمية ولن تحجب الماساة عنهم اساليب الغواية والاستغباء فهاهم احرار الجنوب يستعيدون الزمام يواصلون الثورة رافضين كل ما ينتقص من حق شعبهم الكامل في الحرية والاستقلال
.
فهل ظاهرة التهافت الزئبقي والترحال السياسي ، اللذين اصابا الثورة الشعبية الجنوبية بهشاشة الرأي وميوعة المواقف وفوضى الخيارات النضالية واخضاعها للعفوية وللذاتوية ؟
.
هل كل ذلك ناتج عن ذاكرة تاريخية جماعية فاسدة ، ام عن فقر فكري وسياسي ام لكليهما ؟؟ بيت القصيد في قراءتنا المتواضعة هذه .. والتي نؤمل ، في ظل تبلور حالة المراوحة وارتداء الاقنعة المضللة ، عن فرز جلي في الخيارات والاهداف السياسية في ساحة النضال الوطني الجنوبي ، أن تجد مكانها المناسب لها ، كمساهمة استقرائية نقدية لمسيرة الثورة وتهدف الى وخز الذاكرة الجماعية الجنوبية إن لم نقل ، انها ستحاول ان تنبش فيها الاحداث التاريخية الحديثة ، وتعيد بنائها على اساس الربط المنطقي بينها والنتائج المترتبة عنها ،التي تمثل الحالة التاريخية المعاصرة لشعب الجنوب
.





مأساة شعب الجنوب : من اين ابتدت والى اين ستنتهي ؟؟

الاجابة على السؤال تحتاج – لاشك – الى دراسة بحثية منهجية طويلة للوقوف على كل الحقائق والوقائع التاريخية ، واستقراء دوافعها ومحركاتها ومنطقها الداخلي ... الخ وستحتاج الى كتاب او اكثر ، وليس الى مداخلة او مقالة . وبرغم ذلك سوف يحاول الكاتب ان يحرك الذاكرة ، ويكشف بقدر الامكان عبر الظواهر السوسيو – سياسية العلاقات الجدلية الفاعلة بين الماضي والحاضر ، بين الما قبل والمابعد ، ما امكنه فعل ذلك [ ويدعوا بإخلاص كل الجنوبييندون استثناء – المتفقين معه او المختلفين مع ما تضمنته قراءته الموجزة هذه ، أن يشاركوا في مناقشة ما ورد فيها انتصارا للحقيقة اولا ، ثم خدمة للقضية الوطنية الجنوبية وثورتها الشعبية انطلاقا من الايمان بالحق الوطني الجنوبي ومن تطلعات وامال شعب الجنوب ... الخ لكي نؤطر ثورتنا بالوعي الكافي وبالفكر السياسي والتاريخي الجديد ، القادر على تفكيك واعادة بناء الوعي الوطني وفق الحقائق والاحداث التاريخية الواقعية ،الكاشفة لحجم التزييف والتزوير اللذين تعرض لهما الوعي على صعيد الفكر التاريخي وعلى صعيد الايديولوجيا السياسية ... الخ . ويعتقد الكاتب ان واحد من المخارج لازمة ثورتنا هو الانتماء الى القضية الوطنية الجنوبية / الى الحق الوطني الجنوبي ، ليكون المرجعية غير القابل للمساومة ، وعلى هذه القناعة نتعلم جميعنا فن ادارة الاختلاف والتباين بحوار فكري ونظري يستند الى الحقائق والادلة ، بل والى البرهنة المنطقية والعقلية ، لبلوغ الحقيقة والقناعات المشتركة التي تخدم قضية حريتنا واستعادة عزتنا وكرامتنا في دولة حرة مستقلة ، توفر لنا كامل السيادة على ترابنا الوطني .. كغيرنا من شعوب العالم . أي ان يكون الاختلاف المؤطر بمرجعية مشتركة ، خلافا لبنا الراي يؤسس لثقافة جديدة ، تحدث انزياحا ثوريا لثقافة توسيع دائرة الاختلاف في الراي ، تلك التي تحول الاختلاف الرؤيوي الى خصومة تصل الى العداء المباشر .. فهل من متعاط مع هذه الدعوة ؟؟ يامل الكاتب ذلك ويتمنى ان يستجيب المختلفون اكثر من المتقفين معه . ] .
إن دعوة الكاتب اعلاه لكل الجنوبيين في الداخل وفي الشتات ( الخارج) انطلقت من ادراكه لحقيقتين مهمتين – عن معايشة وليس عن استنتاج

اولا : فشل الحوار المباشر بين مكونات الثورة ، وبين هذه ومكونات المجتمع الجنوبية السياسية والاجتماعية ، ويرى الكاتب ان ابرزاسباب الفشل تتمثل في
:
يتم الذهاب الى الحوار خلف رؤى منها الموثقة والواضحة ومنها غير الواضحة لا عن قناعة عند البعض ، الذي يختلق كل اسباب افشال الحوار ات واهدافها
.
تغييب المرجعية الجامعة المشار اليها في نص الدعوة ، أي الحق الوطني الجنوبي ( = الحق العام ) ، المجسد للارادة الشعبية العامة والمعبر عن الامها وامالها وتطلعاتها الشرعية والعادلة . بمعنى ادق ، لن ينجح حوار مباشر غير مؤطر بقناعة مشتركة لمضمون هذا الحق المعروف ب " القضية الوطنية الجنوبية " ، أي وحدة التعريف عن قناعة راسخة لدى كل اطراف الحوار ، لياخذ مكانة المرجعية الحاكمة لكل الرؤى السياسية واطروحاتها الاستراتيجية والتكتيكية .. ودليل ذلك ظهور رؤى ومشاريع حل سياسية ، لا تنتمي الى مضمون القضية الوطنية الجنوبية ولا الى ارادة شعب الجنوب وتطلعاته المشروعة في استعادة حقه الكامل وغير المنقوص ، الذي ضحى وما برح في سبيله .. فكيف يلتقي متوازيان في نقطة واحدة ؟؟
.
افتقار القضية / الحق العام وبالتالي الثورة الشعبية السلمية بطابعها التحرري ، الى فضاء فكري – نظري جديد يؤطر موضوعية القضية بوظيفة معرفية ملهمة لاداة الثورة ، وتلتزم القيم الفكرية والسياسية المستوعبة سلفا ، وليس وصول الثورة الى مرحلة ما تفقد فيها معالم الطريق ، فتتوقف وسطها تفتش بارتباك وفوضى وقلق عن منفذ من دائرة اللاوضوح المغلقة بالغموض المصطنع لتقع فريسة الاستقطابات والتجاذبات بين اجابات الماضي وذرائعيته وتبريراته الملفقة وحقائقه المغتصبة وبين اسئلة الحاضر الدامية وحقائقه الجديدة والمستجدة وتطلعاته المراوحة بين زمنين والمحاصرة باكثر من سلطة حسية قمعية مباشرة ( = الاحتلال ) وسلطة الموروث الثقافي ( = عوائق ذاتية ) وسلطة التوق الى الحرية بالثورة للخلاص من الحاضر الماساوي ، بل الفجائعي ( =شروط وعوامل الثورة ) ويستطيع من يستعرض مسيرة الثورة الشعبية الجنوبية خلال السنوات الماضية ان يقف بيسر على هذه الحقيقة وعلاقتها بازمة الثورة وعجزها عن توحيد قواها وبتعدد المطالب والرؤى . التي لا تضعف القضية وحسب ، بل تُحدث حالة ميوعة مضمونية لها ، وهذا ما يخدم الغازي – الغانم ، ويشجعه على خلق مسميات جديدة تحمل رؤى مختلفة ، وبالتالي يتساءل ضاحكا : (( مع من نتحاور لايجاد حل ؟ )) اليس كذلك ؟ . (=ان غياب الاطار الفكري الجامع لا يلغي ان ثمة جهود نظرية وفكرية مبذولة من قبل بعض المكونات التي صاغت رؤاها السياسية والفكرية في وثائق برنامجية واضحة فضلا عن تاصيلها النظري والتوعوي ..الخ .مثل المجلس الوطني الاعلى لتحرير الجنوب على سبيل المثال لا الحصر
)
الحقيقة الثانية : وتتعلق بموضوع قراءة التاريخ ( = تاريخ الجنوب الحديث ) حيث لا زال هنالكم موقفين : موقف يفسر قراءة وتفكيك ونقد هذه المرحلة التاريخية ( 1967 – 1990م ) بالموقف العدائي المستهدف تاريخ ثورة 14 اكتوبر 1967م وتاريخ ( الحزب الاشتراكي) ، من منطلق الدفاع عن التاريخ الخاص ، الفردي والجمعي ، للقوة السياسية التي حكمت دولة الجنوب المستقلة الى عام تقديمها قربانا لمسلمة ايديولوجية زائفة ( فالدعوة موصولة للواقفين هذا الموقف ، ان يناقشونا فيما يرونه عدوانا على تاريخهم وغيره ، وان يقدموا لنا رؤيتهم بصوت عالي ولكن منطقي ويخبرونا ماذا تبقى من الثورة ومكاسب دولة الاستقلال التي قادوها الى صنعاء وسلموها على طبق من ذهب الغباء السياسي العاطفي ؟؟ . ومن ينتصر لتاريخ الجنوب اليوم ؟
)
والموقف الثاني – والكاتب ينتمي اليه – يرى ضرورة قراءة الذاكرة الجنوبية التاريخية الحديثة لعلاقتها المباشرة بالحاضر ( اما قراءة التاريخ كله وفي كل المراحل ، فهي حاجة ملحة لشعب الجنوب كي يتخلص من وعيه التاريخي المزور ) إذ لا حضر على التاريخ ، فهو المجال المفتوح للقراءات المتعددة ولكل الاجيال انطلاقا – كذلك - من حقيقة ان الشعب الذي لا يقرأ تاريخه ولا يستفيد من دروسه وعبره ، هو شعب يكرر تاريخه باستمرار- حسب د . محمد جابر الانصاري – ولذلك لابد من كسر الحظر الصادرعن عقلية امتلاك الماضي ، بما هو تاريخ الحاكم الخاص ، وليس مرحلة تاريخية من تاريخ شعب الجنوب اجمالا .. وأن من يحاكم التاريخ ، لابد ان ينظر اليه من الاتجاهات السائدة في زمنه ومكانه ، وليس بعقلية زمن القراءة . وهذا لا يعني تبريرا للاخطاء السياسية او الاجتماعية التي افضت الى نتائج مدمرة والى معاناة جسيمة للشعب ، كما هو حالنا في الجنوب المعاصر
.
زد الى ان شعب الجنوب ، لا يستطيع ان يجيب على سؤال " من انا " او " من نحن " ؟ ان لم يعي تاريخه وعيا يمكنه من تحرير وعيه من الزائف والملفق في بنيته التاريخية والاجتماعية والثقافية وبالتالي هويته الجيو/ سياسية والثقافية منذُ الالف الاولى قبل الميلاد . ولذلك فان انقسام الموقف الجنوبي إزاء التاريخ ، يقرر الحقائق التالية
:
تقديس الماضي ، لا بما هو قاعدة انطلاق الحاضر نحو المستقبل ، أو مفتاح الشعوب للمستقبل وإنما عن جمود وعن عقل مستقيل تجسد في الموروث الثقافي العربي والاسلامي بمقولة " ليس بالامكان ابداع مما كان " – وفي ازمة ثورتنا برز خطاب سياسي يروج مقولة منحوتة من العقل المستقيل ذاته تنص على " اننا لسنا افضل خبرة وحنكة سياسية من القيادة التاريخية " –كما يبشر انصار هذا التوجه-. فهي عند اتباعها تفهم كل شيى ونحن – الشعب – لا نفهم شيئاً .ولكننا نفهم ان حنكتها وتاريخيتها المزعومتين ، دمرتا دولتنا ، وفي المطاف الاخير ، قادتاها الى فخ الضياع والابتلاع - !!! . اننا إزاء بنية فكرية وثقافية سلفوية ، لافرق بين المحسوب على العلمانية والمنتمي علانية الى سلفية سياسية وفكرية او دينية
.
إن الوعي الجمعي لمجتمع تصالُح وتشابُك وتناوُب كل الازمنة فيه ، غير قادر على هضم حقيقة ان (( التغيير )) هو القانون الثابت في الحياة
.
توسيع دائرة الاختلاف في الراي ، لتشمل التاريخ نفسه ، فبدلا من الاستناد اليه لفهم حاضرنا ظهر تيار الدفاع عن التاريخ الخاص
.
إن ازمة ثورة الجنوب الراهنة ، بمضاهرها وتجلياتها ، التي اشرنا الى اهمها ، كعوائق ذاتية ، .. الخ انما هي في التحليل الاخير ، تجليات ذاكرة تاريخية فاسدة ، تعيد انتاج نفسها بصور مختلفة .. ولعل من تجلياتها الفادحة
:
النفاق السياسي الممجد للافراد ، لدرجةالتقديس ، كمعطى حسي لقوة فعل وتاثير ثقافة الصنمية ، وتحويل الثورة الى ساحة لصنع القائد والزعيم الاوحد " = الطاغية" المستقبلي
.
حصر الكفائة السياسية والقيادية ، بمن اثبتت التجربة انهم افشل قيادة في محيطنا العربي والاقليمي ، وانهم المسؤولين عن ضياع دولة وعن ماساة شعب الجنوب الثائر للخلاص من نتائج فشلهم الكارثي عليه ، لكن ثقافة النفاق والصنمية في صفوف الثورة منحتهم الفرصة ، ليقطعوا طريق تاريخ شعبهم المعاصر ، وينصبوا انفسهم – بعقلية تسلطية – اوصياء عليه ، ويعطوا انفسهم حق التفكير نيابة عنه وإن ضد إرادة غالبيته وضربا لتطلعاته
!!! .
***
وعود الى السؤال : من اين بدأت مأساة شعب الجنوب والى اين ستنتهي ؟


جذر المسآلة الوطنية الجنوبية : والمسكوت عنه
"
تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت ، وان تخدع بعض الناس كل الوقت ، لكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت "
إن اخراج الثورة الشعبية الجنوبية من ازمتها ، وتحصينها من التراجع والانكسار ... الخ يستلزمان بالضرورة ارادة سياسية واعية وصلبة ومسؤولة من قبل كل المؤمنين بحق شعب الجنوب في الحرية واستعادة دولنه المستقلة ، تجاه كل اشكال الالتفاف على الثورة وتضحياتها ، هذا من جهة ، ومن اخرى لابد من دخول منطقة المسكوت عنه سواء تعلق ذلك بالماضي او بالحاضر ( حاضر الثورة الشعبية ) والمصاعب والمخاطر التي تواجهها وتتعرض لها ،سواء من الاخر ( الاحتلال ومنظومته السياسية ) او من قبل بعض اصحاب القضية والحق الوطني الجنوبي وهؤلاء هم الاكثر خطرا على مسار ثورتنا وانتصارها ، اما العدو ، فانت تعرف اهدافه وسياساته الممنهجة ضدك ، ولابد ان تعمل على مواجهته ، وتوفركل عوامل القدرة لادارة الصراع معه ... وثمة مثل شعبي يلخص الخطر المتاني عن الذات الفردية او الجمعية ( = في حالنا صاحب الحق الوطني الجنوبي – الشعب ) في جملة صغيرة تقول " لا تفسد الحبة الا من داخلها " [ كان الكاتب ، مستندا الى مؤشرات هذا الخطر ،قد نبه في مقابلة صحفية في سبتمبر 2008م الى ذلك في تقريره ( تاكيده ) ب " أن لا خطر على القضية الوطنية الجنوبية إلامن الجنوبيين " وحدد بالاسم – حينذاك – من يتبنى مشروع الحل الفدرالي .. وهو ما تاكد اليوم 100 % ] ، بيد اننا - للاسف – إزاء وعي سياسي محكوم بالولاءات الاضيق والاصغر والاقصر كثيرا من فضاء الجامع الوطني وغاياته الاشمل والاسمى والاكبر من الافراد والعلاقات الولائيّة الاولية او السياسية ، التي تتعامل / تتعاطى مع الاخر المختلف في اطار وحدة الهم والوجع والالم من خلال الاحكام المسبقة ، وليس من خلال صواب او عدم صواب الرؤى او الحقائق التي يُبررها في خطابه السياسي او الفكري والنظري ومستوى جمعه بين القول والفعل في الممارسة والسلوك النضالي
.
***
لناخذ المسكوت عنه على صعيد التاريخ السياسي الجنوبي الحديث ، ليس من اجل نكئ الجراح لان ذلك لا يخدم قضيتنا ، وإنما العودة الى المحطات المهمة من ماضينا القريب لهدف معرفي يلهمنا الدروس والعبر ، كي نتكئ عليها لنتجاوز اسبابها السياسية والثقافية التي افضت الى الحاضر الكارثي والماساوي للجنوب : الارض والانسان والتاريخ .. الهوية والوجود . ويساعد شعب الجنوب على خوض معركة الخلاص من الحاضر ، الذي غدا ثقباً اسودا يلتهم كلما يمت للجنوب بصلة . إذ بدون قراءة الماضي قراءة مغايرة تنطلق من نتائجه وتتسق معها بما ان نتائج الماضي وصيرورته هي حاضر شعب الجنوب ، الخاضع لاحتلال عسكري إقتلاعي .. ومالم نقوم بذلك فإن مواجهة الشعب الجنوبي المنكوب والمغدور للخلاص من حاضره الفجائعي سوف تستمر " خبط عشواء" ، تضرب في كل الاتجاهات ، دون تحديد افق معلوم وواضح ولعل ذلك ، مركز دائرة ازمة الثورة الشعبية الراهنة ، الذي قاد الى تراجعها في وقت كان عليها ان تتقدم الى الامام وتحقق نجاحات ميدانية وسياسية ما كان لها ان تبلغها قبل فبراير الماضي ، ولكن حدث ما يمثل برهانا على هذه الرؤية ، بتفجير الارادة الشعبية واهداف الثورة بين اكثر من صوت واكثر من مطلب ومشروع حل ، في الداخل والخارج وقد شكل المجلس الاعلى للحراك اداة هذا الانقسام وساحته واجلى صورة لذلك : الانقسام الداخلي خلف انقسام قيادات الجنوب السابقة ، أي بين لقائي القاهرة وبروكسل .. وقدرة الاول على استقطاب المئات الى لقاء 20 نوفمبر الماضي في القاهرة ، مستهدفا كسب شرعية الوصاية ... الخ
.
***
عموما .. نعود لنقول إن واحدة من مهام ثورة الجنوب الراهنة ، هي قراءة ونقد الماضي لخدمة الحاضر والمستقبل ... إذ ليس المطلوب هو الماضي لذاته وإنما لاعادة فهمة واستنطاق منطقه الداخلي وبالتالي اعادة بنينته على صعيد الوعي الاجتماعي الجنوبي ، وعلى صعيد الحقيقة التاريخة ، كي تتمكن اداة الثورة ليس التحرر من ادران واخطاء الماضي وحسب ، بل وللخلاص من الحاضر ، ثم الانطلاق بوعي وادراك نحو المستقبل ، الذي من اجله يسقط الشهداء الابرار ، وتسفك دماء الجرحى الزكية ... الخ
.
فما هو جذر قضيتنا الوطنية ياترى ؟؟. بصيغة اخرى : هل لها مقدمات ، ام هي نتيجة لحرب احتلال دولتنا عام 1994م كما يتردد في خطاب الكثير من ساسة الجنوب ومثقفيه ؟؟
.
اولا : يود الكاتب التاكيد بان لا اجابة قطعية تامة ، انطلاقا من تعدد اوجه الحقيقة ونسبيتها ، فضلا عن عدم قدرة مقالة / مداخلة الاحاطة بكافة الوقائع والاحداث ودوافعها ومحركاتها الذاتية
.
وبرغم ذلك ، فإن قانون السببية يمنح الكاتب إمكان التاكيد على أن ثمة جذر/ سبب للمسالة الجنوبية الراهنة ، بما هي نتيجة لمقدمات فكرية وسياسية ( وايديولوجية ) ، وبتمكن الفكر السياسي المؤدلج من الوصول الى السلطة ، تبنت السلطة هذا الفكر رسميا مكرسة وعيا زائفا بأطروحاته ، مزاوجةً بين مسلمات ايديولوجية وتأرخه خادمة للسياسي ، زائفة ومؤسطرة ... الخ . حيث ان التاريخ لم يحدثنا – قبل خمسينات القرن الماضي – عن [ اشارة ما للوحدة ] بين الجنوب واليمن .. ولكن مع ظهور وانتشار ايديولوجيا الوحدة القومية العربية ، وانتشاره عبر فروع " تنظيم القوميين العرب " القطرية ، زد الى بعض المثقفين الذين تبنوا الفكر الماركسي في " عدن " وتاثير التطورات على الصعيدين الاقليمي والدولي .. ظهر اول بيان عن ما اسماها ( وحدة الارض والشعب اليمني ) من قبل الاتحاد العمالي بعدن في 3 مارس 1956م . ( = وهو اتحاد بتركيبة اجتماعية معروفة حينذاك ) ولعل المقدمة المفصلية تبدا باعلان قوى ثورة تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني عن " الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن " و " جبهة تحرير جنوب اليمن " . وبإنتصار الاولى وتسلمها استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967م ، غُلّبت الفكرة السياسية على الواقع وحقائق التاريخ ، فسميت الدولة المستقلة بمسمى الحقها بهوية جغرافية غير الهوية المعروفة ( = الجنوب العربي ) ، هو " جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية " وبعد الاطاحة باول رئيس للدولة " قحطان محمد الشعبي " في 22 يونيو 1969م ، ثم الغاء التمييز الجهوي للدولة واستقرار مسماها على " ج.ي.د.ش " أي جزى جغرافي وديموغرافي من اليمن تماما
..
ولذلك يمكن القول ان جذر المسالة الجنوبية ، يعود الى عشية الاستقلال من الاستعمار البريطاني .. حيث تم تكريس وعي وحدوي زائف ومغتصب ، بوحدة ما تاريخية ، ومفاهيم من قبيل " شطرا اليمن " " الشطر الجنوبي " و " الشطر الشمالي " ورفع [ الوحدة ] الى مصاف الحتمية القدرية وتوجيه شعب الجنوب نحو ماضي مختلق ، وتصويره طريق المستقبل – كما سلفت الاشارة – وكانت المحادثات بين الدولتين ، ابتداء من 1972م ، عقب المواجهات العسكرية الاولى ، التي حاولت قوات ال" ج.ع.ي " اجتياح الجنوب وضمه اليها ، باعتباره الفرع او الابن الضال ... الخ ، كانت المحادثات تتم على اساس اعادة وحدة شعب واحد وليس محادثات بين دولتين وشعبين . ومعروف بان دولة الجنوب منحت كل وافد من ال " ج.ع.ي " بقانون ، حق المواطنة الكاملة بينما الوافد من الجنوب الى ال" ج.ع.ي " يمنح بطاقة " جنوبي مقيم في ... !! " . [ تاملوا كيف تم استغفال وعينا وعقولنا في فرض معادلة رياضية غريبة تقول إن : ( 1+1=1) ؟؟
!!! ] .
مما سلف ومالم نرى ضرورة التفصيل فيه ، يمكن القول بان جذر القضية الوطنية الجنوبية يتمثل في التنازل عن الهوية الجيو / ثقافية والسياسية للجنوب ، لصالح " اليمن" واتباع كل الوسائل لترسيخ وعي اجتماعي ربط مستقبله ومصيره بالعودة الى ماضي مختلف ، مصنوع ووهمي . ليغدو الفخ الذي يبتلع دولة واكثر من دولة .. وهو ما حصل لدولة الجنوب ومازال قائماً
.
فما الدرس الذي يمكن استخلاصه من ذلك ؟
:
انه المقدمة الرئيسية التي قادت شعب الجنوب الى حاضره الماساوي اللا انساني ، وبارادة سياسية جنوبية علوية وتبعية شعبية قبلت بابتلاع الوهم الايديولوجي والتاريخ المؤسطر وآمنت باسطورة السلطة / الحكومة القائلة بحتمية [ الوحدة – الاكذوبة ] القدرية ... الخ ... الخ
.
عدم استفادة شعب الجنوب ، ولاسيما نخبتيه السياسية والثقافية من دروس فشل المسلمة الايديولوجية ، التي اثبتت تجربة تطبيقها فشلها الكارثي ، بفشل مشروع [ الوحدة / الاسطورة] وهو لما يزل في مهد الاعلان عنه وتحوله الى احتلال اقتلاعي للجنوب بل وتحول ذلك الى عائق فكري وسياسي واجتماعي وسط سعي الشعب لرص صفوفه والثورة للخلاص من هذه النتيجة المدمرة التي ساهم بذاته في صنعها بحق نفسه

ونفرض على القارى ابراز اهم تجلّ لهذا العائق المبعثر للمواقف والرؤى الجنوبية المتمثل في :
الانقسام الجنوبي الفكري فالموقف السياسي إزاء [ مفهوم الوحدة ] بإحداث حالة انزياح بين الفكرة الحالمة ، ونتائجها الكارثية المعترف بها ، وذلك بتبرئة الفكرة – الوهم – من جرائم فشل مشروعها على ( شعب الجنوب ، طرف جنوبي ) والتبرؤ من الفكرة ورفض نتائجها والنضال في سبيل الخلاص منها ( طرف اخر ) ، كما سياتي . وهذا الانقسام ، بما هو نتيجة للسبب / الجذر للمسالة ، إلا إنه يتمظهر في
:
البقاء في اطار الفكرة ، وتحت تاثيرها ، والدفاع عنها ( جزء من اداة الفكرة " الاسطورة " السياسية [ قيادات الجنوب السابقة وقسم من الحزب الاشتراكي المتمسك ب " الوحدة - الاحتلال " حتى اليوم ، ولاسيما بعض القيادات الوسطية والعليا والتي تبنت الحل الفيدرالي وتلك التي تخلت عن هدف ثورة الجنوب وهرولة خلف مطلب التغيير للنظام
] ) .
الانتماء الى الفكر الديني – السياسي ، الذي تغلغل في الجنوب مابعد عام 1990م حيث تسود الايديولوجيا السلفوية ، الداعية الى وحدة اسلامية بالعودة الى الخلافة الاسلامية ، فضلا عن مصلحة مركز الفكر السياسي الديني في صنعاء من الابقاء على الجنوب غنيمة نصر ( = حزب الاصلاح + السلفوية ، الداعية الى طاعة ولي الامر ، وهي امتداد لمراكز رئيسية في صعدة وذمار ومارب + بعض طرق الصوفية
.)
رفض الفكرة التي تحولت الى كارثة على شعب الجنوب ( = القوى الداعية الى التحرير واستعادة الدولة
).
شريحة المصالح – المرتبطة بحزب الاحتلال ( المؤتملر الشعبي العام ) ولاسيما التي تكونت لها مصلحة في منظومة الفساد المالي والاداري ... الخ وهي فئة صغيرة جدا
.
وفي اطار الثورة الشعبية الجنوبية ، ومكوناتها السياسية / الشعبية ، اخذ تاثير جذر القضية منحى الجدل السفسطائي المعيق لوحدة قوى الثورة ، ويخفي ابعادا سياسية متعارضة حول الهوية الجيو/ سياسية للجنوب ، وذلك من خلال
:
طرف يرى بان ربط الهوية الجنوبية ب " اليمن " كان الخطا الاستراتيجي الذي ارتكب عشية الاستقلال ولابد من العودة الى الهوية الجيو/ سياسية للجنوب التي كان يُعرف بها قبل الاستقلال أي " الجنوب العربي " ، ويدعو الى النضال بل الثورة للتحرر من الاحتلال " اليمني
" .
طرف يتمسك وباصرار ، ب " جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " كونها الدولة التي دخلت في وحدة سياسية مع الجمهورية العربية اليمنية ، وكانت عضوا في كل المنظمات الاقليمية والدولية ... الخ . ويقاوم الراي الاول من مبررات ظاهرة واخرى ضمنية ، اهمها
:
الظاهرة : انها دعوة للعودة الى الوضع السابق لجنوب ما قبل الاستقلال أي الى وضع السلطنات والامارات والمشيخات المستقلة
.
والضمنية : تفسير ذلك الراي في انه ادانة لتاريخ ثورة 14 اكتوبر 1967م وللقوة السياسية التي حكمت الجنوب المستقل منذُ 1967 – 1990 م .ولذلك فهو يدافع عن تاريخه الخاص بصورة التمسك ب " ج.ي.د.ش " كهوية سياسية وجغرافية ، وهو ما تجلى عند تحطم قناع الاستقلال الذي تقنع به وانقسم بين الهرولة خلف مطلب تغيير النظام ، وتبني الحل الفيدرالي ، كتيار جنوبي ، ينتمي كلاهمافي الغالب الاعم – الى حامل الفكرة – المسلمة الايديولوجية الزائفة ، ولاسيما " الحزب الاشتراكي اليمني " الذي غُلب حضوره على منظمي وممثلي المؤتمر الذي عقد في القاهرة مؤخرا ( 20-22 نوفمبر 2011م ) وهو ما اعطى بعض المعترضين على ذلك المؤتمر ان يصفوه ب " مؤتمر اعادة انتاج الحزب الاشتراكي اليمني " . ولعل التفسير السياسي الاعمق له هو : محاولة اعادة انتاج اكذوبة الوحدة قدر ومصير باستخدام ثورة شعب الجنوب ممرا الى نفق 22 مايو 1990م المشؤم ، ولكن من بوابة الفيدرالية هذه المرة – وكما سياتي

ج- إن الطرف المدافع عن " ج.ي.د.ش " للاسباب المشار اليها الظاهرة والباطنة يقع في حالة مفارقة سياسيا ، تتمثل في تجاهله الغريب لقراره الخاص بفك الارتباط واعلان " ج.ي.د " بدون الشعبية في 21 مايو 1990م وتجاهله لهذه الحقيقة في الصراع الذي قاد الى حرب احتلال دولة الجنوب والى ماهية الصراع الذي انتجه الاحتلال الاقتلاعي ... الخ فهو من وجهة النظر السياسية يعني
:
-
اسقاط حقيقة الاجتياح العسكري للجنوب واحتلاله ، بعد حرب طاحنة انحصرت على ارض الجنوب ، في 7/7 1994م الاسود من الذاكرة التاريخية لشعب الجنوب وبالنتيجة اسقاطا لمفهوم الاحتلال ضدا للحقائق الواقعية الدامية التي يتجرع مهانتها الشعب ( 17 سنة
) .
-
ادانة ذاتية لذلك القرار ، من خلال اغفاله واغفال الدولة المعلن عنها يومذاك والتمسك – اليوم – بدولة " ج.ي.د.ش " برغم ان الهوية بين المسميين لم تتغير . الا يفسر ذلك ابعادا سياسية التفافية تستهدف قيادة الجنوب مجددا الى فخ 22 مايو 1990م من طريق اخر ؟؟
.
-
اعادة انتاج مسلمة [ الوحدة ] الايديولوجية المضمون ، باتباع تكتيكات سياسية اضعفت وتضعف الاصطفاف الشعبي الجنوبي خلف حق الجنوب في الحرية والاستقلال باستعادة دولته الوطنية وسيادتها على كامل ترابها الوطني .. وتفجير صوت الثورة الشعبية الى اكثر من مطلب ومشروع سياسي للحل ، كبدائل للثورة ولاسيما منذُتحطم الاقنعة في فبراير الماضي وصولا الى القاهرة نهاية نوفمبر 2011م ,وتجلي اكذوبة ان مطلب الفيدرالية ليس سوى تكتيك يسهم في امكان الانتقال الى الاستقلال وذلك في ما قام به رئيس مجلس الحراك السلمي محافظة عدن امام المبعوث الدولي جمال بن عمر معلنا عن مشروع الحل الفيدرالي الذي تبناة مؤتمر القاهرة وقدم للمبعوث نتائج ووثيقة ذلك المشروع.ان ذلك السلوك السياسي تعبير صريح عن الموقف المعادي لحق شعب الجنوب في نيل حريته واستقلالة
.
د - وبين الرايين ثمة طرف ثالث لا يرئ أهمية للانشغال الذاتي بما ليس جوهريا في الصراع مع الاحتلال ، اذ ان المهم هو وحدة هدف الثورة وفكرها السياسي وخطابها ورؤيتها المستقبلية ، كشروط ضرورية لتوحيد الارادة الشعبية الجنوبية خلفها ، القادرة على خلق معادلة سياسية قوية على الارض وتستطيع فرض الاعتراف بحق شعبنا في استعادة عزته وكرامته في دولته المستقلة ... الخ . وليس بتحويل تعدد الرؤى حول الهوية الجيو / سياسية الى مادة لانتاج الاختلافات وتوسيع دوائرها لتمزق الصفوف وتستهلك الجهد في معارك بينية ( جنوبية – جنوبية ) – كما حدث في السنوات الماضية الى اليوم – وعند استعادة دولتنا يتم اخضاع الهوية لاقليمنا السياسي لاستفتاء شعبي شفاف ونزيه ، يضمن هوية جيو / سياسية مستقلة لدولتنا ، كبقية الدول العربية . بيد أن الخضوع لردود الفعل العاطفية ، بما هي تجلّ لنفسية اجتماعية وثقافية تنتمي الى الوعي الاجتماعي الاولي ، تتمظهر كذلك ، في سلوك المكابرة والعناد ، ولو بمواصلة السير الواعي في طريق الخطأ ، انتصارا للذات الفردية او الجمعية باستقلال عن صواب او عدم صحة الفكرة / الرؤية التي يتم التمسك بها ، وهي حالة تقرر فاعلية ثقافة الاستبداد بالراي والتوتاليتارية السياسية – ايضا - . وفي هذا المشهد السوسيو – سياسي
:
تتم التضحية بالحقيقة ، انتصارا للذات السياسية المكابرة الفردية او الجماعية
.
تتم التضحية بالمصلحة العامة للشعب ، لخدمة المصلحة السياسية لحزب او جماعة سياسية ما ، مالم يتم القبول الطوعي او القسري برؤيته او رؤيتها والتصرف الظاهر والخفي وفق عقلية ما دون الثقافة السياسية المدنية والديمقراطية : إما كما ارى وارغب او (( عليا وعلى اعدائي)) . إنها صورة حسية للثقافة السياسية التي انتجت حالة الصراعات السياسية في وعلى السلطة منذُ استقلال دولتنا عام 1967م الى ماساة يناير 1986م .. فهل ندرك الخطر ام .. ؟
.
ه – ان الصراع السياسي – الرؤيوي الجنوبي – الجنوبي ، بين الاستفادة من الماضي الحديث للخلاص من كارثة الحاضر والتحرك الواعي نحو المستقبل وبين الدفاع عن ذلك الماضي واعدة انتاجه وان باعادة انتاج الفكرة التي شبعت موتا ، بتقديم وصفات علاج مستنسخة من المسلمات والحتميات التي انتجت حاضر الجنوب الفجائعي ، وهي اشبه بتقديم علاج مرض السكري لمرض الشيزوفرينيا
.
الامر الذي افضى الى احداث فوضى فكرية ومفهومية ، غطت على الفارق المفاهيمي بين الدولة ، بما هي جغرافيا وشعب وسيادة وطنية ، أي اقليم سياسي مستقل ، يتصف بالثبات وبالاستقرار على الخريطة السياسية بحدوده الجغرافية المسلم بها . وبين النظام السياسي غير المتصف بالثبات ، وإن شكل ، كسلطة حكومية ، احد عناصر الدولة ، الا انه غير مستقر .. فالنظام السياسي قد يكون ملكيا في فترة ما ، ثم جمهوريا في اخرى ، مدنيا او عسكريا ... الخ ولذلك تسقط عن الفكر السياسي التطورات الكونية والمحلية التي حدثت على كل الاصعدة إذ من المستحيل ان يقبل شعب الجنوب بالعودة الى اوضاع التشرذم والتمزق السوسيو – سياسي التي سادت ما قبل الاستقلال ، وبالمثل استحالة القبول بعودة النظام السياسي السابق لعام 1990م في الجنوب . وعليه لا حجة لسفسطائي اشغالنا بتلك التخويفات . بيد ان التجربة اثبتت انها ليست سوى تخوفات مصطنعة لارباك قوى الثورة الشعبية وجرها الى ساحة صراع بيني ثانوي يفضي بها الى طريق مسدود وبالتالي تخليها عن اهدافها المجسدة للحق الوطني الشرعي والعادل ، لصالح (( قطّاع طرق التاريخ )) ليتمكنوا – كما يتوهمون – بحقن مومياء فكرتهم بالحياة
.
عموما .. لولا الجذر السياسي والفكري للقضية ، لما عشنا – كشعب – الحال الانقسامية التي تطرقنا اليها اعلاه في راهن صراع شعبنا للخلاص من احتلال كارثي فجائعي لا إنساني
.
***
ذلكم عن الجذر التاريخي للمسالة الوطنية الجنوبية واثره على الحاضر ، بيد ان له تداعيات اخرى ، تمثل ذاكرة الجنوب التاريخية الحديثة ، ذات الصلة الجدلية بالحاضر ، كنتيجة للماضي ، نعتقد اننا بحاجة الى ابراز اهمها ودورها في انتاج الحاضر المهين لشعب الجنوب الممتد منذُ اكثر من عقدين ، ولاسيما منذُ الاحتلال العسكري لدولة الجنوب في 7/7/1994م الاسود حيث غدا مصير الانسان الجنوبي معلقا بسؤال قمعي استعلائي
:
((
هل انت يمني ؟؟)) . فإذا لم تكن يمنيا ، فانت إما صوماليا وإما هنديا او جنوب شرق اسيوي ... الخ وإذا قبلت بالانتماء الى الجهة الجغرافية ، فعليك ان تقبل بمكانة الفرع – العبد ، او بمنزلة الابن الضال المستعاد الى حضن الاب – المالك
.
( =
هذا القيد – كما نعرف – صُنع في " عدن" وليس في " صنعاء " ورُسّخ القيد في الوعي الاجتماعي الجنوبي كمسلمة وقناعة مابرح لها تاثيرها ، فيما اسلفنا ذكره كنتيجة لجذر القضية ) فهل الانتماء الجغرافي حجة تشرعن فرض ارادة على ارادة اخرى بالقوة العسكرية حيث ان فرض ارادة على اخرى تعني استعمار بامتياز .. واذا سلمنا جدلا بيمنية دولة الجنوب التاريخية ، فهل ذلك يعطي الحق لطرف في السيادة واستعباد الطرف الاخر ( = الجنوبي ) ؟!! . ان هذه العقلية المتخلفة ، كانت بالتاكيد ، وراء استقلال جنوب السودان كدولة لاول مرة في تاريخه . بينما الحقيقة التاريخية تقول ان [ اليمن ] مفهوم مشتق من اللغة ، بمعنى الجنوب ويقابله الشام بمعنى الشمال ( = جنوب وشمال الجزيرة العربية ) ولم يكن عن تبلور سياسي لاقليم سياسي واحد في كل تاريخه السياسي منذُ الالف الاولى قبل الميلاد ، ولم يعرف التاريخ دولة باسم اليمن الى نهاية عشرينيات القرن الماضي (( المملكة المتوكلية الهاشمية – ثم اليمنية ) وعشية استقلال الجنوب عام 1967م في ( ج.ي.ج.ش)) . ثم متى كانت الوحدة الجغرافية مبررا لفرض الوحدة السياسية بالقوة ؟؟ . إذا كان الامر كذلك ، فان الجزيرة العربية وحدة جغرافية واحدة ، وعلى ظهرها دولا (( اقاليم سياسية )) مستقلة صغيرة وكبيرة مختلفة .. خذ مثال احتلال العراق للكويت في 2/ 8/ 1990م . لماذا فشلت دعوى انتماء الكويت الى العراق التاريخي ؟؟ . وسوريا ؟ لمَ لم تدعي استعادة لبنان والاردن وفلسطين اليها مع انها كانت سوريا الكبرى – الحديث في هذه المسالة يطول ويتشعب والادلة التاريخية تمدنا بما يثبت هذه الاكذوبة – عموما .. على شعب الجنوب ان يعترف بانه ، ولاسيما سلطته السياسية ، ضالع / ساهم في صنع هذا القيد ليطوق عنقه .. لكن تجريبه وتفجره كحلم فنطازي ، ينبغي اعادة النظر فيه واحداث قطيعة واعية مع فكره السياسي المؤدلج من قبل الضحية ( = شعب الجنوب ) وليس البقاء في حالة ارتباك والوقوف في المنطقة الرمادية بين محاولة اعادة انتاج الوهم السياسي القديم ، كخطا سياسي قاتل ، وبين السعي للتحرر من الوهم المؤسطر ونتائجه المدمرة . مرة اخرى نكرر ونعيد القول بان الشعب الذي لا يقرا تاريخه ولا يستفيد من عبره ودروسه ، يكرر تاريخه باستمرار ومعطيات اعادة انتاج تاريخ الجنوب ظاهرة للعيان الامر الذي يستلزم – بالضرورة – استعادة الوعي بالذات الوطنية الجنوبية المستقلة وحسم الخيار بوضوح لا يسمح بتعدد التفسيرات والتاويلات ، ناهيك عن تعدد الخيارات
.
وبصدد السؤال القمعي – القيد المختلق، فهو يذكرنا باجابة احد ابطال قصة الكاتب محمد عبد الولي في قصته (( وكانت جميلة )) . فالبطل عندما ساله الضابط (( هل انت يمني ؟؟ )) يرد عليه (( ان تكون يمنيا فذاك امر بسيط ياسيدي ، اما ان تُفرض عليك فذلك هو الشيى الرهيب )) . ونحن اذ تفرض علينا العبودية ، كشعب ، باسم مفهوم جهوي هو (( اليمن )) ، فليذهب الى الجحيم .. كلام سيقوله كل انسان حر على وجه البسيطة .. فالانسان له الحق الكامل ان يتحررمن كلما يسلبه حريته ويصادر حقوقه وادميته

***
وعودة الى تداعيات ومظاهر جذر القضية الوطنية الجنوبية ، نوخز الذاكرة الجماعية ، بابرز المحطات التاريخية الحديثة المرتبطة عضويا والمكملة لحركة وفعل الجذر / الاصل للقضية ، والتي نقدر اهمها في الاتي :
اولا :- الشمولية الراديكالية
:
في البدء يلزمنا التاكيد إن المرحلة التاريخية السابقة والتالية لاستقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني ، كانت مرحلة التحرر من الهيمنة الاستعمارية المباشرة ، وإنقسام العالم الى قطبين عالميين شرقي وغربي .. وعلى الصعيد العربي ، انتشر الفكر القومي العربي الذي استعلى بالايديولوجيا على الواقع العربي ، بشان وحدة الامة العربية : زد الى ان الشمولية الفكرية والسياسية ، كانت مهيمنة على العالم [ الثالث ] – الخارج من تحت الهيمنة الاجنبية ، كثورات تحررية راديكالية . ذلك كان طابع مرحلة تاريخية ، ليس من الانصاف محاكمتها بعقل المرحلة الراهنة ، لكن من المنطقي الافادة من نتائجها كدروس وعبر لمواجهة الحاضر ولرسم ملامح المستقبل – على الاقل
- .
ونسمح لانفسنا بعرض موجز للوقائع التاريخية وتداعياتها الفاعلة في التطورات اللاحقة وصولا الى تقديم الدولة لصنعاء / القبيلة على طبق من ذهب عام 1990م
:
الحرب الاهلية : هكذا وصفت في الادبيات اللاحقة .. وهي حرب المغالبة بين تياري الكفاح المسلح (( الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن )) و (( جبهة تحرير جنوب اليمن )) وبإنتصار الاولى التي تسلمت الاستقلال على الثانية ، أُخرجت الاخيرة من المعادلة السياسية .. ولم تقصَ سياسيا فحسب ، بل اخرجت من البلاد ، لتصبح فصيلا جنوبيا معاديا لسلطة الاستقلال وحكومتها .. والحكومة ( = الجبهة القومية ) انكرت دور جبهة التحرير والفصائل الاخرى ، واحتكرت تاريخ الثورة وجيرته لصالحها ، دون القوى الجنوبية الاخرى . الامر الذي حال دون كتابة تاريخ الثورة ، كما حدث في الواقع ، وإنما بما يحصره في تيار / فصيل جنوبي واحد ، هو الفصيل المنتصر(= الجبهة القومية ) تجسيدا لمقولة " التاريخ يكتبه المنتصرون
".
لكن المنتصر لن يستمر ، كذلك ، وسياتي منتصراخر ، يلغي تاريخ السابق له بالعقلية الشمولية الاحتكارية ذاتها ، لتجدنا امام تاريخ بلا تاريخ – لانه تأرخة خاصة بالمنتصرين . الدرس – بنظرنا – من ذلك هو كسر قاعدة : " التاريخ يكتبه المنتصرون " بالاقرار بدور الاخرين – الشعب . والاستفادة من هذا الدرس تستلزم – بالضرورة – فكر سياسي جديد وبقيم بديلة للشمولية وللعقلية الاقصائية والالغائية للاخر . ذلكم –باختصار – هو الدرس الاول .. و
..
الدرس الثاني : إن ثقافة الاقصاء والالغاء للاخر ، تضيق بالراي المخالف وإن صدر من داخل المعسكر الشمولي الثقافة ذاته ، وصولا الى اتباع كل الوسائل للتخلص ليس من الراي وحسب ، بل ومن حامله الفردي او الجماعي ، ولو تطلب ذلك استخدام القوة او التصفية الجسدية .. وفيما ياتي ابرز الادلة .. كوقائع تمثل جزء من ذاكرتنا الجماعية ، ومن بنية الحركة التاريخية للجنوب
:
ا – التخلص من جبهة التحرير والفصائل السياسية الاخرى ، غير القريبة من الجبهة القومية انتقل الصراع الى داخل الجبهة القومية ، وإنقسامها بين رؤيتين معتدلة وراديكالية وبانتصار الراديكالية الفكرية والسياسية ، بالاطاحة برئيس وحكومة دولة الاستقلال في 22 يونيو 1969م ، بإنقلاب ابيض تقريبا ، لحقته تصفيات جسدسة لرفاق النضال والفكر ، واشهر عملية تصفية ، كانت تلك التي تمت لمن كان يعرف بعقل الثورة " فيصل عبداللطيف الشعبي " ، ومذبحة حادثة الطائرة عام ( 1973م ؟ ) .التيار المنتصر اطلق على نفسه (( يسار الجبهة القومية او وصف التيار الاخر المهزوم بالتيار اليميني الرجعي
)) .
فهل نحن بحاجة الى ثورة تحررية ، تتحول الى قطة تاكل اولادها ؟؟ . هل من العقل بمكان ان يصفي رفاق الكفاح المرير للاختلاف في الراي او لمطمع سلطوي ، يصفي الاكثر قدرة وكفاءة من الطريق لبلوغ المركز القيادي المعين ؟؟ . لماذا صفي " فيصل عبداللطيف " والاكثر من عشرين ديبلوماسيا ؟؟ .ثم ما نتاج ذلك ؟ لقد كانت له نتائج خطرة على المدى القريب والبعيد
.
ب - تصفية جهاز الدولة الاداري من الكفاءات والخبرات بحجة ارتباطها بالادارة الاستعمارية !!وفوضى وعنف تطبيق قانوني التاميم والاصلاح الزراعي والنتائج الاجتماعية الضارة بالوئام الشعبي ... الخ
.
ج - دورات الصراعات السياسية في قمة السلطة ( الحزب الحاكم – الاشتراكي ) واهمها
:
-
إذ بعد الاطاحة باول حكومة عام 1969م وما بعدها من تطورات ، افضت ، في اطار فكرة اليمننة ، الى الجريمة الديبلوماسية بحق رئيس ال " ج.ع.ي " - الغشمي – ومعروفة ردود الفعل الدولي ايزاءها .. وافضت – كذلك – الى الانقلاب على رئيس الدولة المحبوب – يومئذ – " سالم ربيع علي " – سالمينوالحكم الميداني عليه وآخرين بالاعدام ؟ ! او ما عُرف ب " احداث سالمين " ، وكان ذلك واحد من الجروح الكبيرة في النسيج الوطني الجنوبي التي قادت الى تداعيات اخطر ، لا على الصعيد السياسي وحسب ، بل وعلى الصعيد الاجتماعي ، بإحداث انقسام مناطقي يتمظهر بالسياسي ، محدثا خرقا واسعا بمنظومة الفكر السياسي ( الايديولوجي ) في مرحلة المزاوجة بين الفكرين القومي والاممي ، ب(( إعلان ميلاد الحزب الاشتراكي اليمني )) عام 1978م . حيث كان الفكرالشعار في وادٍ والواقع الموضوعي في وادٍ اخر . وحينما يتم الاستعلاء بالايديولوجيا على الواقع الموضوعي ، ومحاولة الفرض القسري للاول على الثاني ، تجري عملية تعجيل نضوج اتجاهات حركة الواقع الموضوعي لتتحرك خارج فضاء مسلمات الايديولوجيا الزائفة ، محدثة حالة انزياح نكوصي في الوعي وانهيارات في هرم المقولات والمفاهيم الرسمية ، وتآكل مستمر في نسيج اللحمة الوطنية .. تآكل تحول الى ورم سياسي خبيث في بنية المنظومة السياسية للدولة ، التي غدا معطفها الفكري ( = القومي والاممي ) اكبر من مقاس المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ... الخ

-
أزمة مطلع ثمانينات القرن الماضي ، التي اعقبت الانقلاب التصفوي للرئيس " سالمين " باقل من عامين ، وتداعياتها التي افضت الى مأساة 13 يناير 1986م الدموية . التي كشفت بجلاء الامور التالية :
الاول : إن ثقافة الاقصاء والالغاء للاخر ، هي سكين ذو حدين ، حد يصيب الاخر وحد يصيب حامل السكين .. وتجربة الجنوب – الدولة التاريخية اقرب برهان على ذلك
.
الثاني : سقوط اوراق التوت عن المضمون السياسي للصراع ، لينحو منحىً انقسامياً مناطقياً واضحاً – في صورته الغالبة – برغم بروز التحالفات القائمة على حالة الفرز السابقة أي منذُ الحرب الاهلية وما تلاها من صراعات اجتثاث للوجود السياسي للاخر
.
الثالث : الاستناد الى الاصطلاح السياسي لادانة الطرف المهزوم [ المخالف ] فمن (( التيار اليميني الرجعي )) عام 1969م ، لتبرير ازاحة الرئيس " قحطان الشعبي " الذي كان القائد الاول للجبهة القومية ، الى (( تيار اليسار الانتهازي )) لادانة الرئيس " سالمين " ومن معه .. حيث غدا الاصطلاح السياسي حكما بديلا للحكم القضائي في دولة النظام والقانون . والشيى ذاته ( = الاصطلاح ) تبودل بين المنتصر والمهزوم عقب الماساة الدامية في 13 يناير 1986م !! [ - قد يقول قائل بان ذلك كان صراعا سياسيا استند الى القوة والغلبة وليس الى الدستور والقانون .. الرد ببساطة متناهية هو : إن دولة مدنية يسود فيها النظام والقانون ، إنما يخضع فيها الجميع للمحاسبة القانونية من الرئيس الى ابسط مواطن ، وليس الى قوة السلاح يتم الاحتكام .. لكن ثقافة الاستبداد بالراي تحكم العلاقة بين الرؤى المختلفة على الصعيد السياسي ، بانفصال تام عن الدستور والقانون ، ليتحول التباين الى خلاف ثم الى صدام عنيف فيجيّر المنتصر كل شيى لصالحه ويحمل المهزوم كل الاخطاء والجرائم الاقتصادية والقانونية ... الخ
.
وهكذا كل صراع دامٍ يؤدي الى شرخ اجتماعي وتصدع سياسي اكبر .. فهل نستفيد من ذلك في ثورتنا ضد الاحتلال اليوم فنتعلم من ماضينا ما يخدم حاضرنا ويلهمنا لصياغة ما يؤمّن مستقبل نضالنا ؟ . هذا ما نريده من وخز ذاكرتنا الجماعية ، كي نتحاشى ، عن وعي ، تكرار ماضينا الماساوي
- ] .
فإذا كان شعب الجنوب قد اتخذ سبيل التصالح والتسامح والتضامن الجنوبيالجنوبي ، عن وعي توفير اهم عوامل انتصاره على حاضره الكارثي الاشد ماساوية ، بل المرتقي الى مصاف الفاجعة الانسانية ، أي عامل تجاوز نتائج اخطاء الماضي السياسية القاتلة ، وتامين وحدة الارادة الشعبية الجنوبية الحرة في نضالها الوطني السلمي للخلاص من الاحتلال الاقتلاعي . فإن مرتكز قيم التصالح والتسامح هو الاعتراف بالاخر ، أي القبول عن قناعة واعية بحق التعدد والتنوع في اطار وحدة الماساة ووحدة الهدف ، شريطة الا يستغل هذا المبدا ضداً لارادة الشعب الغالبة ، او ممارسة للتكتيك ، باسم الحق الوطني المشترك ، لقطع الطريق على بلوغ شعب الجنوب تطلعاته المشروعة في العيش الكريم على ارضه في دولة وطنية ديمقراطية مؤسساتية كاملة للاستقلال والسيادة ، سيما وان الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... الخ التي فرضها الاحتلال على الجنوب بمضمونها التدميري الشامل لكل ماهو جنوبي ، بالتزامن مع انتهاج سياسة القمع والاذلال والحرمان والاقصاء من تحقيق الذات في العمل ، وبالتالي الحرمان من الدور والمكانة في المجتمع للانسان الجنوبي ... الخ ... الخ . .وهي حقائق دامية غير قابلة للدحض ، الامر الذي اوصل شعب الجنوب الى قناعة ذاتية واعية باستحالة التعايش مع ثقافة وافدة من كهوف التاريخ البعيد ( = الثقافة السبئية ) ثقافة القوة والغزو من اجل الغنيمة والعبيد . وطالما الامر كذلك ، فمن غير العقلاني ولا الاخلاقي، دعك من المسؤولية الوطنية ، ان ينبري جنوبي حر ، عاش الم وقهر ومهانة الاحتلال ، ليجمّل وجه البشاعة التاريخية التي تذكر بنصوص نقش صرواح السبئي ، زمن (( كرب إيل وتر)) حوالي ( 400 ق.م ) . وبرغم بشاعة الجرائم التي كشف عنها النقش ، فقد أطلق عليه المخيال السياسي المنتمي الى " سبأ " وصف " نقش النصر " وما وصف يوم احتلال الجنوب – الدولة – (( يوم النصر العظيم )) الا تجسيد شعوري/ حسي ولاشعوري / لاحسي لتمثل النموذج / السلف البعيد المعبر عن انتماء الجماعة المعاصرة الى ما يجسد القوة والفخر بالذات الحاضرة عندها ، وهي هنا ، كما سلف " سبأ" [ ولمن يود التحقق من ذلك ، ندعوه ان يعود الى ترجمة نقش النصر السبئي ويقارن نصوصه بما حدث لمملكة " اوسان " وغيرها ، ومقارنته بما حدث لدولة الجنوب في عصرنا
]
زد إلى أن من المفارقات السياسية الذهانية أن تختلف الضّحيّة حول شكل ولون وماهية سوط الجلاد وتنسى المها وجروحها ومهانتها الانسانية ... الخ . فتنحصر مشكلتها في إستجداء تغيير شكل آلة وآليّة التعذيب
!!! .
واذ لا اعتراض على ان تعدد الرؤى للخلاص من الاحتلال ، ولكن بوضوح تام وبدون تكتيكات وتضليل لخداع شعب الجنوب ، وخذلانه واهدار تضحياته ، في سبيل مصلحة فرد او طرف سياسي معين
..
ولاشك بان رؤية سياسية جنوبية معينة ، لابد لها ان تنطلق من
:
الحقائق الواقعية بقسوتها وبشاعتها وجرائمها على كافة المستويات
.
اخضاع الرؤية للارادة الشعبية الجنوبية الغالبة ، ومن الحق الوطني الجنوبي التاريخي والسياسي والقانوني وو..الخ . بالرد على سؤال ماهو هذا الحق ؟؟ ( = ماهي القضية الوطنية الجنوبية ؟) . لان منطق الامور يقول : إما حق او لاحق
..
إدراك دوافع ومحركات الثورة الشعبية الجنوبية السلمية ، واسباب استعداد احرارها للموت بتلقي رصاص اجهزة قمع الاحتلال بصدور عارية . وعلامَ يسقطون شهداء وجرحى ويتعذبون في المعتقلات اللا انسانية ؟؟؟... الخ ... الخ
.
إخضاعها للراي العام الجنوبي بانزالها الى الشارع السياسي واقناع الناس بها او رفضها شعبيا ، وبالتالي احترام ارادة الشعب والنزول عند تطلعاته وليس فرض الوصاية على الشعب او تضليله واستغلال نواياه الحسنة والتذاكي عليه لجرجرته عبر وسائل واساليب مخادعة الى الفخ القديم – الجديد على غرار تيار الفيدرالية ، الذي شخصنا مخاطر مشروعه المعلن على حاضر ومستقبل الجنوب . [ لسنا هنا بصدد سمكات " الرامورا " او من لازالوا يقبلون بدور انوف او عيون كلاب او ذيولا لفكرة ما لا مصلحة لهم فيها
] .
ثانيا : إتفاق النفق وفخ الاندماجية
.
إن وصول مصير شعب ودولة الى صفقة في نفق ، ليس وليد لحظته ، انما الامر متعلق بالمقدمات ( الجذر ) التاريخي السياسي والفكري المرعي من قبل سلطة دولة الجنوب السياسية والثقافية والاعلامية والتربوية ... الخ واعتراف (( علي سالم البيض )) بتفرده في اتخاذ قرار نفق القلوعة مع (( علي عبدالله صالح )) في 30 نوفمبر 1989م ، بالتوقيع على وحدة سياسية اندماجية بين الدولتين امر لا يغلق الباب امام دوافع واسباب اخرى خفية جعلته ينفرد بالقرار وبتلك الصورة الارتجالية غير المدروسة والاحتفالية ، دون ادنى حدود الحرص على ابسط الضمانات المستقبلية لحماية شعب الجنوب مما ال اليه ، اضافة الى جذر المسالة – بالطبع - الذي يمثل " البيض" واحد من المنتمين الى فكرة وسلطته . ولا تعفي قيادة دولة الجنوب – يومئذ – من المسؤلية عما حدث
.
[
الدوافع الخفية التي اشرنا الى وجودها ، يؤمل من البيض ان يكشفها ، إن وجدت فعلاً لتتكشف حقائق مشاركتنا ، كشعب او كنخبة سياسية ، في صناعة ماساتنا وكيف نستفيد من ذلك في حاضر ثورتنا وفي مستقبلنا
]
***
إن الخراب السياسي والتمزق الاجتماعي والنفسي اللذين بلغا ذروتهما عقب احداث 13 يناير الماساوية ، كانا بامس الحاجة ، بالاحرى كان لابد من اعطائها الاولوية على فكرة [ الوحدة ] مع " ج.ع.ي " . كون من يريد ان يتوحد شعبه مع الاخر البعيد ، ملزم ان يوجد الحلول الصادقة لتوحيد شعبه وسد المنافذ السياسية والاجتماعية الممكن استخدامها لاضعاف موقفه التحاوري ، ثم لحماية مصالح شعبه المستقبلية ... الخ . بيد أن إمتطاء صهوة المسلمة الايديولوجية والاستعلاء بها عن الواقع ( = واقعه ) وحقائق واقع الاخر المزمع الاندماج والشراكة معه ، أفضيا الى التعجيل باعلان 22 مايو 1990م المشؤم كمشروع لوحدة سياسية ، مات في قماط الاعلان عنه ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فقد تم الانطلاق من فكرة الشعب الواحد والارض الواحدة ( = قيادة الجنوب ) التي كرسها النظام السياسي الجنوبي ابتداءً بربط هوية الجنوب ب " اليمن " – جذر المسالة – وفرض مقولاتها ومفاهيمها .. الخ أي ان صانع القرار تعامل مع قضية بحجم مصير دولة بناءً على ما صورته الايديولوجيا في الذهن كممكن بتجاوز لمعطيات الواقع وحقائقه الصلبة .. وكانه بمجرد اتخاذ القرار السياسي ستزول الفوارق الثقافية والاجتماعية التي رسختها المحددات الاولى للانقسام التاريخي منذُ الالف الاولى قبل الميلاد ، فضلا عن الاختلاف الجذري بين نظامين سياسيين واقتصاديين لحضة اتخاذ القرار الرومانسي الكرنفالي .بينما الطرف الاخر ال " ج.ع.ي " فإنما قبل ظاهريا / تكتيكيا بالاتفاقيات الشكلية وهو مبيت رؤيته الخاصة به ، أي عدم الاعتراف بالشراكة المتكافئة ، والعمل وفق القناعة المسبقة عن ان الجنوب ليس سوى الفرع العائد الى الاصل ، وهو ما اثبتته التجربة المريرة
.
***
لايعتقد الكاتب بان الذاكرة الجنوبية الجماعية ، بحاجة لوخزها بما لازال جروحاً نازفة في كرامتنا وعزتنا ومعيشتنا وكل حقوق ادميتنا الفردية والجماعية فنذكّر بما حدث فيما اسميت (( المرحلة الانتقالية )) أو (( الانتقامية )) – حسب العامة – من حملات ارهاب سياسي وفكري واعلامي وديني وصولا الى التصفياي الجسدية ضد الشريك الجنوبي ، وكيف نكثت سلطة صنعاء بما تم التوقيع عليه في الاردن أي على ما سميت – يومذاك – بوثيقة العهد والاتفاق ، وقبل يجف حبر التوقيع عليها ، بدأت سيناريوهات الحرب المبيّة على دولة الجنوب من اجل احتلالها .. [ وقبل ذلك تنصلها عن اتفاقيات مشروع الوحدة الفاشل
. ]
فماذا يُرجى ممن لم يصن عهداً ولا ميثاقاً وغدر بشعب قدم كل شيئ في سبيل حلم قومي ، اعتقد بإمكان تحققه ، فإذا به يخسر كل شيئ ، بل كوفئ ب(( جزاء سنمار )) ؟؟ . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا بأن (( المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين
)) .
وما يهم في مضمار سؤال الماساة الجنوبية الجماعية ، ضمن تداعيات وتجليات جذر القضية وصيرورتها الكارثية بإخضاع دولتنا / وطننا لاحتلال عسكري همجي ، هو ان نقف على حقيقة دور الجنوبيين في احتلال ارضهم - وطنهم للاحتلال الراهن . وهو موضوع الفقرة التالية
.
ثالثا : - دور الجنوبيين في احتلال دولتهم
.
إن قراءة شعب لدور جزء منه او اكثر في صنع ماساته ، يلزمه – بالضرورة – ان تكون قراءته هادفة .. عقلانية باحثة عن الاسباب السوسيو – سياسية والاقتصادية التي ادت الى نتيجة كهذه ، وليس لادانة طرف لتطهير آخر من المساهمة في دور خطير كهذا ، بوعي او بدونه .. وبالتالي النهوض بجهد جماعي على كل المستويات لازالة تلك الاسباب ، وتحرير الحاضر منها لتامين طريق الانتقال الى مستقبل متحرر منها – كذلك

وشعب الجنوب – لاريب – اكثر الشعوب حاجة الى عمل فكري ونظري كهذا ، إذ ما اراد حقاً أن يتحرر من حاضره الفجائعي والانطلاق نحو المستقبل .. وهذه وخزة في خاصرة الغفلة والماعة في وسط ادخنة الارباك والارتباك اللذين برزا في مسيرة الثورة وقادت الى ازمة ، ما كان لها ان تكون لو ان الثورة تاطرت بوعي وادراك الماضي وبفكر سياسي مستخلص من دروس وعبر التاريخ ومستلهم لمطالب العصر وقيمه
.
وأن نعترف بدور لابناء الجنوب ، في هذه المسالة ، فذلك لكي نكشف الاسباب وليس من اجل ان تحاكم النتائج ، بل بالعكس من خلال النتائج نحاكم الاسباب . وتاسيساً على ذلك نتساءل : لماذا حمل جنوبي سلاحه ضد شعبه وابناء جلدته ؟؟؟ ولماذا قام جنوبي بدور الطابور الخامس وسط اهله وناسه ؟؟ . ولماذا تخاذل جنوبي عن واجبه الوطني في الدفاع عن ارضه ؟؟ . ... الخ من الاسئلة المنطقية
.
إن الاجابة العقلانية الهادفة : والصادقة ، لابد ان تبدأعن السؤال : ماهو السبب / الاسباب التي افضت الى تمزيق كهذا ؟؟
.
لقد تناولنا وبشيئ من الاسهاب الى ابرز الاسباب التي مزقت النسيج الوطني الجنوبي وقادت الى ان يُستغل التفكك السياسي والاجتماعي الجنوبي ضد مصلحة الشعب ويُستخدم لخدمة اطماع ال " ج.ع.ي " في ضم دولة الجنوب اليها بالقوةوهو ما حصل وبمساهمة جنوبية اساسية ، نسمح لانفُسنا بتقدير نسبة تلك المشاركة ب 60 % - إن لم تكن اكثر - . هكذا يساهم شعب بنفسه ابتداءً من تنازله عن هويته ، مرورا بالصراعات السياسية العنيفة ، والتنازل عن الدولة لصالح الفكرة – الوهم [ = الوحدة / الاكذوبة ] وانتهاءً بقتال المتضررين والخصوم السياسيين النازحين في الخارج والصامتين – عن تقية – في الداخل الى جانب الطامع الجديد بارضه وثرواتها ووو...الخ. وتادية ادوار مختلفة لاضعاف الجبهة الجنوبية . وسنحاول ان نرسم الصورة السياسية والاجتماعية واليديولوجية لقوى الجنوب التي ساهمت في هزيمة شعبها على النحو التالي
:
القوى الجنوبية المتضررة من اجراءات دولة الاستقلال السياسية والاقتصادية ، ( = السلاطين والامراء والمشائخ ورجال المال والاعمال وملاك الاراضي ( الاقطاع ) ومن في فلكهم) كردة فعل ضد النظام السياسي في الجنوب ، دون تفكير بالمترتبات المستقبلية ( = بالطبع ليس الجميع
) .
الخصوم السياسيين الذين اُقصوا من الحياة السياسية قسراً ، ابتداءً من جبهة التحرير ورابطة ابناء الجنوب العربي وغيرهما من الاحزاب والتجمعات السياسية الصغيرة عقب الاستقلال مباشرة
.
المتضررون ( المهزومون ) في سلسلة الصراعات العلوية العنيفة التي أفضت في كل دورة الى نزوح الكثير منهم ابتداءً من 22 يونيو 1969م ، مروراً باحداث تصفية الرئيس سالمين ( 1978م) واخيراً ماساة 13 يناير 1986م ، التي شهدت اقسى صراع واشدهُ انقساماً في كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية ، حيث نزحت الوية عسكرية الى ال " ج.ع.ي " ثم الابقاء عليها هناك بانتظار اللحضة المناسبة للانتقام من الخصم السياسي ، دون تفكير بنتائج ذلك على كل الشعب
.
الجنوبيون من اتباع الايديولوجيا الدينية السياسية في صنعاء .. ولقد لعبت هذه الشريحة دورين : الاول : الالتحاق بقوات الاحتلال للقتال . والثاني : قام بدور الطابور الخامس ، فضلا عن الجهاديين الجنوبيين المنظمين قبلاً من قبل تيارات الاسلام السياسي الجهادي ، والمدعومين من قبل " اسامة ابن لادن " حسب اعتراف بعض الجهاديين بعد الاحتلال . دعك من العرب الافغان الذين جندوا في حرب احتلال الجنوب
.
الجنوبيون المنتمون الى حزب سلطة الاحتلال ( المؤتمر الشعبي العام
) .
بيع بعض القادة العسكريين لذممهم ، فسهلّوا سقوط جبهاتهم والويتهم القتالية وتخاذل كثير من القادة العسكريين والضباط عن خوض معركة الدفاع عن الوطن ولكل منهم مبرراته الصحيحة او غير الصحيحة
.
عجز القيادة الجنوبية السياسية والعسكرية عن ادارة الصراع ، وغياب التعبئة السياسية والنفسية للشارع الجنوبي ، بينما صنعاء تعبئ وتحضر جهاراً للحرب العسكرية
.
فقدان الثقة بين جماهير الشعب في الجنوب والقيادة السياسية الجنوبية .. لان الاخيرة – اتخذت قرار الذهاب الى صنعاء دون التفكير بمستقبل شعبها ، بل تركته يواجه مصيره بنفسه ، برغم انها تدرك الفارق بين النظامين السياسيين والاقتصاديين ، وان الانتقال الى نظام سياسي جديد يستلزم من القيادة تحمل المسئولية نحو مواطنيها باتخاذ الاجراءات التي تهيى الشعب لمواجهة الجديد ... الخ لكنها لم تفعل شيئاً ، وعجّلت بتقريب اجل الكارثة . بيد أن خذلان القيادة للشعب ، وارتطام قرارها السياسي غير المسئول ، بصخرة الفشل الكارثي ، عادت لتستنجد بالشعب ولكن بدون كفاءة تبرير خطأها القاتل .. ولذلك تخاذلت الجماهير عن المواجهة ، نكاية بقيادتها ، دون ان تفكر بان نتائج ذلك سيكون كارثة انسانية لم تدر في ذهن انسان سوي ، تجرعت مرارتها ، دون القيادة
.
نعتقد ان تلك هي الخطوط / الملامح البارزة لوجه عملة الجنوب السياسية والاجتماعية الاخر ، الذي ساهم في هزيمة شعبه ، معتقدا انه وجد الظرف المناسب للانتقام من الخصم السياسي (( الحزب الاشتراكي اليمني
)) .

وباحتلال الجنوب – الدولة بمساهمة مركزية من الجنوبيين ، دخل هؤلاء الاخرين ، في غيبوبة نصر مسكر .. لكنها لم تدم طويلا ، أي تلك اللذّة في نصر اتضح انه ليس لهم وانما لغيرهم وعلى حسابهم وضياعاً لوطنهم وعذابا لشعبهم .. لكنها المكابرة في الوعي الاولى ، مادون المدني ، التي ابقت على جزء كبير منهم ومن الجنوبيين المستعدين للتعيش على حساب كرامتهم ولحم اعراضهم ، من المحسوبين على نخبة الجنوب الثقافية او السياسية الذين قبلوا بدور الواجهة الشكلية للاحتلال في المناصب الوزارية وغيرها من المناصب ، وأن بدون صلاحيات ، وواصلوا ، وما برحوا يسبحون بحمد سيدهم الجديد . ولا ننسى على هذا الصعيد امرين
:
الاول : صمت القبور الذي التزمته قيادات الجنوب السياسية والعسكرية الكبيرة في الخارج وفي الداخل ، ناهيك عن تلك التي قبلت ان تدور في عجلة الاحتلال وتوظف كابواق ضد شعبها ، فضلا عن تخلي الحزب الاشتراكي عن مسؤولياته السياسية والاخلاقية نحو الجنوب
.
ثانيا : المشاركة الشعبية الجنوبية في مشاريع الاحتلال السياسية ، ولاسيما الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية ، التي منحت الاحتلال حجة تشريع وجوده طالما ان شعب الجنوب اشترك في انتخاباته ، ولم يقاطعها .. واليوم وبعد ثورة خمس سنوات متواصلة ومئات الشهداء والاف الجرحى وعشرات الالاف من المعتقلين ، هل سيقبل شعب الجنوب تمرير انتخابات ما على ارضه وفي مدنه ؟؟ . وماهو موقف تيارات رؤى الحل ما دون الاستقلال ، من ذلك ياترى ؟؟
.
إن المولود المشوه لثورة التغيير في صنعاء سينظم انتخابات رئاسية في فبراير 2012م أي بعد ثلاثة اشهر فقط ، وهي فترة قصيرة جدا قياساً بازمة الثورة الشعبية الجنوبية الراهنة بما هي ازمة ذاتية اكبر منها موضوعية ، افضت الى حالة من الهُلام السياسي والفكري ، المتحرك ولكن دورته اقتصرت في الدوران حول الذات ، منتجا دائرة مفرغة كبيرة ، تفرعت الى حلقات اصغر داخلها ، كرؤى متعددة ، لا كتنوع في اطاروحدة الماساة فوحدة الهدف ، وإنما رؤى متناقضة بعثرت الاطار الجامع لكل الجنوبيين ، الى اكثر من وجه واكثر من صوت واكثر من تفسير لمضمون القضية الوطنية الجنوبية ، وياليت تم ذلك بوضوح تام قبل ممارسة التضليل على الذات الوطنية – الشعبية – الجنوبية
..
عموماً .. ثورتنا تعيش ازمة ، ومن ساهم في خلقها ، مابرح يمارس تكتيكاته السابقة في الشارع السياسي ، لابقاء الثورة في المستوى غير الفاعل ، وبتوزيع الادوار التي تحول دون حدوث حالة الفرز المطلوبة منذُ سنوات ، [ برغم ان حالة الفرز قد تكشفت منذُ فبراير 2012م الى مؤتمر الفيدرالية الاخير ] فماذا علينا ، كشعب ، بكل قواه الكفاحية ، ان نعمل للحيلولة دون تمرير سلطة الاحتلال القديمة – الجديدة ما يجدد حضورها السياسي القسري في وطننا المحتل ؟؟ . هل ننتظر حتى يقع الفاس بالراس ؟؟ .. فهل من مبادرة جادة ومسؤولة يا احرار الجنوب المخلصين للحق الوطني الجنوبي لاخراج ثورتنا من ازمتها ؟؟ مبادرة تضع النقاط على الحروف ، بارادة نضالية واعية شجاعة ، وبتجرد عن اية حسابات سياسية او مصلحية ضيقة ، ووفاءاً للعهود التي قُطعت للشهداء الابرار بالسير في طريق الخلاص من الاحتلال وقيمه المتخلفة ... الخ ... الخ
.
***
الاحتلال تمكن وعبر وسائله وادواته المختلفة ان يمزق الصف الوطني الجنوبي ليضعف ارادته الثورية وعلينا ان نقر بذلك كي نتمكن من معالجة الازمة ، إذ ان العقل والمنطق يقولان لنا – تاريخيا – أن " من اخفى علته عدم طبه " – كمثل شائع – أي ان الذي يتستر على امراضه ، لاي سبب كان ، لن يشفى منها وانما يزيد استفحالا فتقضي عليه .. وللاسف – نقولها بصراحة – أن العللالامراض السوسيو – سياسية – التي حقنت بها ثورتنا التحررية ، واضحة تماماً ، بيد ان إخضاع المواقف السياسية للولاءات ( = ولاءات للافراد او للانتماء الاولي الاضيق من الولاء للقضية وللوطن فضلا عن المكابرة ... الخ) ، حال ذلك دون مواجهة الداء وكشف مصدره وبالتالي ساهم في استفحال الازمة .. وإذا لم يكن هذا الراي صائباً،[ الكاتب لا يزعم الصواب المطلق ابدا ] ندعو بصدق واخلاص من يرى مالم نراه ، ان يشاركنا برايه حول المشكلة فلربما اعاننا جميعا على ادراك اشمل واعمق يسهم في خدمة نضال شعبنا وثورته . أما من أحد يشاركنا بمسؤولية قلقنا وحرصنا وخوفنا على قضيتنا وعلى ثورتنا وعلى تضحيات شعبنا الغالبة ؟؟ . إن الخطر كبير وظاهر ، واجهاض ثورتنا لن يضر بطرف دون اخر ، بل سيشمل الجميع ، ولذلك فلنغادر كهيئات ومناضلين افرادا ، شرانق الاحكام المسبقة من الاخر المختلف معنا في الراي .. فلا نقبل دون وعي وادراك ، ولا نرفض عن مواقف مسبقة .. ولتكن قضيتنا الوطنية .. حقّنا الوطني في الحرية والاستقلال واستعادة العزة والكرامة للانسان الجنوبي ... الخ مرجعيتنا التي نقيس عليها الاراء والمواقف السياسية النظرية والسلوكية .. فماذا يريد شعب الجنوب ؟ علام سقط الشهداء وسفكت دماء الجرحى وقبل الالاف بعذاب السجون ؟؟ . لماذا تصالحنا وتسامحنا ؟ اليس من اجل التحرر من امراض وادران الماضي واخطاءه السياسية والثقافية والاجتماعية ؟؟ لماذا نفرط بالابعاد والدلالات السياسية والقيمية الوطنية لعملية التصالح والتسامح الجنوبي – الجنوبي ، والتي مثلت بحق يقظة شعبية واعية ميّزت شعب الجنوب بقدرة عملية على تجسيد استيعابه لاسباب دماره وخرابه المادي والمعنوي ... الخ ؟؟ فلماذا برزت معطيات اعادة انتاج الماضي / السيئ ، بصورة تمزيق لحمة الصف الوطني الجنوبي ، وتجزئة ماساته وتقطيع اوصال ارادته الثائرة خلف مشاريع حلول سياسية متعددة لماساته الانسانية الواحدة ؟؟ . اليس من حق كل مناضل جنوبي ان يتساءل (( من خذل ثورتنا في زمن الربيع العربي.. وشعب الجنوب هو الرائد لهذا الزمن العربي .. زمن ثورات الشعوب ؟؟)) .صحيح إن التجربة الانسانية تحدثنا عن (( قطاع طرق التاريخ )) وعن (( لصوص الثورات)) ، أو كما قال احد علماء السياسة (( إن هذا التاريخ هو سجل للخطأ أكثر مما هو سجل للصواب فقلّما حكمت البلاد بأكفأِ رجالها او بأذكى فئاتها لان التصارع على تولي السلطة يُلقي اهل الكفاءة والمعرفة جانبا ، ويفسح المجال أكثر ما يفسحه لذوي الطمع والانتهازية وذوي الغوغائية والمناورات ولذوي القابلية لتمثيل الأدوار التي تملأ عليهم من قبل المصالح التي تختبئ ورائهم)) - . ماكيفر : تكوين الحكومة ص 144
-
ذلك – يتم - في مرحلة الصراع على السلطة ، أي بعد انتصار الثورة ( بين أطرافها ) وفي مرحلة المغنم وليس في مرحلة الثورة ، أي مرحلة المغرم . وفي مرحلة الثورة قد تختلف قوى الشعب على وسائل النضال ، وهو اختلاف جد مشروع ، كونه اختلاف في إطار وحدة الهدف / الغاية الجماعية . وليس اختلافاً حول الهدف إلغائي ، لان هذا الأخير يُقسم الإفهام والمواقف من دوافع ومحركات الثورة ، فيضعف الثورة ويشكك بشرعيتها وعدالتها ... الخ . وهذا – هو بالضبط ما عانت وتعاني منه ثورتنا ، ويمثل العنصر الجوهري لازمتها الذاتيةكما سبق التوضيح في ثنايا هذه القراءة – [ عزيزي القارئ ، عد إلى النص المقتبس عن " ماكيفر " الذي كشف عن أن الصراع عن السلطة يزيح الأكفاء ويفسح المجال لذوي الأطماع والانتهازية ... الخ . فكيف سيكون مستقبل بلد يبدأ العمل بهذا السجل التاريخي الخاطئ في مرحلة الثورة ؟؟ إن جل شارع الجنوب السياسي يستجيب للغوغائيين والمناورين والانتهازيين وغير ألثابتي المواقف ... الخ ويقدس الإفراد ويهرول خلف من يخاطب عواطفه دون عقله ، ولا يقبل خطاب العقل والمنطق الذي يمثله ذوو الكفاءات والمعرفة والمتواضعين الأكثر صدقاً وإخلاصا ... الخ فأي مستقبل ننتظر من ثورة كهذه ؟؟
!! ] .
***
إن ذاكرتنا التاريخية الحديثة تخبرنا ، كما تحدثنا التجربة الراهنة ، أن افكارنا ومواقفنا وفعاليتنا لا تنبع عن حصافة في الرأي ، وإنما عن عاطفة حماسية ورومانسية سياسية .. ولذلك حصدنا كل تلك الإخفاقات ، والخوف من إعادة إنتاج أسباب تلك الأخطاء المدمرة ، فتعيق الثورة عن بلوغ أهدافها
.
وهو أمر – للأسف – يقرر قول " ماكيفر" في أن (( عقول الجماهير الشعبية تُسيّرها العادة أكثر مما يُسيّرها التفكير )) – تكوين الحكومة – ص 66











الخلاصـــــــــــــــة
:
((
إن الإنسان الذي يعيش خارج المجتمع هو بهيم او إله .. – هكذا قال أرسطوونستطيع أن نقول : إذا وجد إنسان لا يعيش إلا للدولة ، فإن هذا الإنسان إما طاغية أو عبد )) – ماكيفر

أولاً : يؤمن الكاتب والكثير من أحرار الجنوب بان القضية الوطنية الجنوبية هي قضية حق موضوعي ، لا يسقط بالتقادم الزمني ، ولن تموت بتآمر أعدائه ولا بمساومة ضعفاء النفوس من أصحابه ، الملتحقين بعجلة الاحتلال من وعي أو بدونه أو من القابلين بدور المستخدمين لصالح أجندة حزبية أو إقليمية ، أو من المدافعين عن ماضيهم الخاص ... الخ
.
لكن ذلك – يا للأسف الشديد – أدى وسيؤدي إلى إطالة عمر الاحتلال, بتأخير جلطة الموت الدماغية والأخلاقية بمنحه فرصة إعادة إنتاج نفسه باسم ثورة تغييريه تجري عملية ليس احتوائها وحسب , بل وإجهاضها , فإفراغها من مضامينها تماما , وما انتصار تلك الثورة الموؤدة حوالي (9اشهر) لتوقيع رأس سلطة صنعاء على مبادرة إقليمية تضمنت – صراحة – إلغائها بتفسير الوضع الثوري تفسيرا لا يمت بصلة إليه , والنظر إليه كأزمة سياسية بين سلطة ومعارضة وهو ما تم فرضه ومحاولة تثبيته , .. الخ إن ذلك دليل على إن الحرس القديم تمكن من احتوائها قبل التوافق على تقاسم كعكتها بين طرفيه الداخليين وتحقيقا لأجندة الخارج الإقليمية والدولية
.. .
وما يهم شعب الجنوب وثورته – بنظر الكاتب – من ذلك هو
:
إن يرسم / يقرا قراءة سياسية واقعية مسئولة وجه الشبه بين أشكال وأساليب الالتفاف فالاحتواء السياسيين – إن لم نقل يرسم قسمات التأمر – لثورة التغيير في الـ (ج.ع.ي) ولثورة التحرير في الجنوب المحتل فيستوعب الدرس تماما , وتعمل كل القوى السياسية والشعبية المخلصة للقضية الوطنية الجنوبية والمؤمنة بحق شعب الجنوب في الحرية والاستقلال .. الخ على تحصين الثورة الشعبية الجنوبية من منزلق جديد بعد تكشف الخطر الداخلي عليها منذ فبراير 2011م وهو خطر قائم بصورة استمرار المشاريع السياسية الجنوبية المنتقصة من حق شعب الجنوب في نيل حريته واستعادة دولته المستقلة
.
وضع الجنوبيين الذين راهنوا على ثورة التغيير بما هي ثورة لا تعبر عن مصالحهم ولا عن تطلعاتهم , والتحقوا بها بمعزل عن انتماءاتهم السياسية والفكرية , إمام الحقيقتين الرئيسيتين المهمتين
:
الأولى : فشل رهانهم كتجل فادح لفقدان الوعي بالذات المستقلة وغياب الوعي السياسي بالمصلحة كمرتكز للصراع في كل زمان ومكان فضلا عن سيادة العاطفة والاحتكام لها بدلا عن العقل والمنطق وكل رهانات العاطفة السياسية لا تحصد غير الخسران وتجربة مشروع الوحدة السياسية أبشع وأقسى برهان
.
الثانية : إن رهاناتهم على ثورة التغيير الموؤدة في خدمة قضيتنا ثبت باليقين إنما هي أوهام وأضغاث أحلام فتلك الثورة لم تختلف عن سلطتها المستهدفة بالهدم إزاء الجنوب : الأراض والإنسان والهوية .. الخ . فقد تجاهلت ثورة الجنوب الشعبية السلمية السابقة لها بأربع سنوات وتجاهلت تضحيات شعب الجنوب الكبيرة واتهمت كل صوت جنوبي متمسك بحق شعبه بالحرية والاستقلال بالعمالة للنظام أو بالبلطجة الممولة من السلطة .. الخ فهل يستوعب أهلنا وشركائنا في المصير ؟

إن البقاء في حالة انتظار ما ليس لشعب الجنوب فيه لا ناقة ولا ديك , يعني إطالة عمر الاحتلال , بما هو – بالنتيجة – إطالة لعمر المأساة الجنوبية الشاملة ( أي تحمل شعبنا مزيد من التضحيات ومزيد من الجهد والوقت والآلام ) .
فلماذا وعلام والى متى يستمر شعب الجنوب يتخبط وسط ماساته كالمعصوب العنين وسط سور سياسي وفكري واجتماعي مغلق يصممه كلما لاحت انفراجه بنفسه ؟؟ . والعيب الأكبر إن يأخذ مسارات واتجاهات متناقضة ومبعثرة للجهد والإرادة وهو كالذبيح يغرق بدمائه ( = وهو يحرق وسط جحيم ماساته الواحدة منذ احتلال أرضه
) !
ثم متى – بعد كل هذا الهوان التاريخي .. نستوعب .. نفهم .. نتعلم من نزيف جرحنا الواحد , ومن دم كرامتنا الجماعية المهدور , ومن ..الخ. ... الخ إن الأحزاب لن ولم تكن – يوما – بديلا للأوطان .. وإنما هي وسائل / أدوات سوسيو – سياسية للتغيير أو للتعبير عن مصالح المنتمين إليها , منذ إن عرف الإنسان هذا الشكل المؤطر بفكره ما في إطار الدولة الحديثة ؟ ثم متى ننتبه فنغسل ذاكرتنا من صديد الغفلة كي ندرك بأننا جزء من التجربة الإنسانية العامة , هذه التي تحدثنا ليس بالاستحالة وإنما بغباء التماس استعادة الحق من غاصبة عبر استجدائه أو استلطافه ؟؟! لم يحدثنا التاريخ عن مغتصب حقوق الغير بالقوة إن تنازل عن غنيمة عبر صحوة ضمير أو عن طريق تسول الضحية للحق من الجلاد قط . وحسب الشاعر ( متى كانت حقوق المرء منة *** يذل الحر إحسان اللئيم ) إننا هنا لا نمارس جلدا للذات وإنما نزيل عن نسيج الذاكرة الخلايا التاريخية والثقافية الميتة , بسبب الموروث الاستبدادي والموروث الزائف بواسطة شفرات الأسئلة الناعمة , مؤملين إن يتحرر شباب الجنوب الثائر من عوائق الموروث ومن ثقافة ( لوم الضحية ) لتبرئة الجلاد انتقاما من ماضي سياسي لم يعد قائما بواسطة حاضر هو أبشع وأقبح من الماضي موضوع الانتقام وان على حساب المنتقم ذاته وعلى حساب شعب الجنوب – الضحية – كله . ( = بعض القوى الجنوبية التي تحارب الماضي السياسي , في أداة حكمه باستقلال عن الشعب لكان الشعب كله خصمها وكذلك التاريخ كله والهوية ) وللتحرر من انفصام القوى الجنوبية المشاركة والمسئولة عن صنع مأساة شعب الجنوب التي تقاتل في سبيل إحياء فكرتها التي كان موتها كارثة على الجنوب , وذلك عبر اقتراح مشاريع حلول تقود إلى النفق القديم ذاته بل وأكثر ظلما وظلاما وقسوة (= الفدراليون الجنوبيون + التغيير يون من المنتمين إلى أحزاب دولة الاحتلال ) وبتقديرنا بان سد الطريق على (( قطاع طرق التاريخ )) وعلى لصوص الثورات وعلى كل أشكال المساومات والصفقات السياسية القذرة ولتحصين الثورة من مخاطر الانتهازيين والمناورين والنخاسين الذين بلغت وقاحتهم إلى درجة إن يهدوا شعب الجنوب وثورته وتضحياته وتطلعاته – بالصوت العالي – إلى ما لم يكن [ الوحدة ] الأكذوبة ممن وظفوا ومن لا زالوا يوظفون لاختراق قوى ومكونات الثورة الشعبية الجنوبية وكذلك من خطر توزيع الأدوار الذي برز مؤخرا من قبل تيار الفدرالية , الذي تجلى في فريق خلع القناع علانية وانتقل من حامل لهدف الحرية والاستقلال إلى متبن للحل الفدرالي – دعك من المهرولين خلف مطلب التغيير – وشارك في لقاءات ومؤتمرات القاهرة الفدرالية , وفريق صمت منذ فبراير وعاد في أكتوبر أو نوفمبر 2011م ليعتلي المنصات متحدثا عن هدف الاستقلال واستعادة الدولة دون إن يبرر صمته أكثر من (9 أشهر ) وهو سلوك سياسي ينم عن استعلاء وتكبر يستهينين ويستخف بالعقل الجماعي الجنوبي ويتذاكى عليه – للأسف – مستغلا فساد الذاكرة الجماعية التي يتعاطى مع اللحظة الزمنية باستقلال تام عن مقدماتها وكذلك بشان المواقف الفردية والجماعية حيث لا يتم الربط بين الما قبل والما بعد .. عموما .. إن إنقاذ الثورة الشعبية الجنوبية من حالة الإعاقة الذاتية التي تشبه إصابة إنسان بشلل ما – وسط الطريق – فيعرقله عن الوصول إلى نهاية الطريق , بنفس الوقت الذي يحتاجه الإنسان السليم بالوصول إلى غايته . إن ذلك يستلزم – لا ريب وكشرط ضرورة في نظرنا – ما يأتي ذكره
:
إعادة قراءة ماضينا , والاستيعاب الواعي الهادف لوقائعه وإحداثه , ولا سيما إدراك الجذر السوسيو – سياسي والفكري لقضيتنا , وتداعياته وما صاحبه من إجراءات وسياسات رسمية قادت إلى ما يعيشه الجنوب : الأرض والإنسان والهوية الجيو ثقافية , منذ إدخاله إلى فخ 22/5/1990م كما سقنا ذلك فيما سلف
.
عدم الخوف من كشف الحقيقة الجوهرية وما ترتب عنها من حقائق أخرى شكلت أسبابا أساسية لضياع ثورة التحرير الجنوبية ودولة الاستقلال وكل مكاسبها.. الخ مهما كانت تخوفات التبريريين وفزاعات الذرائعيين , إذ إن الوقوف على الحقيقة أفضل وأصلح وانفع من جهلها أو التخوف من معرفتها , فالحقيقة – مهما كان الم بلوغها – فان من يملكها سوف تكون هادية ومرشدة له في حاضره ولتأسيس مستقبله على علم وإدراك . فهي أشبه بالبوصلة والضوء - في إنللمسافر في ظلام المجهول
.
المقاومة السياسية والفكرية لكل مؤشرات ومعطيات إعادة إنتاج الاسباب الماضوية , وسط صفوف الثورة أو باسمها وهي تلك التي برزت في الثورة الشعبية كعوائق سوسيو – سياسية وفكرية , وتحولت إلى عقبات كئود في طريق الثورة وأحدثت حالة انفصام بين وحدة المأساة الجنوبية (= وحدة القضية ) وبين وحدة الهدف الاستراتيجي .. فا المنطقي إن وحدة القضية .. والحق الجامع لكل الجنوبيين لا بد له إن يوحد هدفهم ويجمع تطلعاتهم .. لكن محاولة إنتاج أمراض الماضي السياسية وعلله الفكرية والتاريخية , حالت دون ذلك وافضت إلى عدم وحدة الأداة السياسية والكفاحية الجنوبية , وليس كذلك فحسب , بل ومزقت باسم مطلب التوحيد للإفهام والرؤى السياسية , فتشظت صرخة الحق الواحدة إلى أشلاء خلف مطالب ورؤى متعارضة مع مضمون القضية الوطنية الجنوبية الواحدة
.
بالارتباط بما سلف فالثورة الشعبية السلمية الراهنة بحاجة إلى تحرير بنيتها السياسية والفكرية ( الثقافية عموما ) من مظاهر النفاق والتمجيد والتطبيل المنتمية إلى ثقافة الدولة الاستبدادية التاريخية وكل أشكالها كونها مظاهر لثقافة تقديس الأفراد وصولا إلى ظاهرة تاليه الحاكم الفرد / الذي بسبب هذه الثقافة يتحول إلى طاغية .. وكل طاغية لم يولد كذلك وإنما ثقافة المجتمع المعين ولاسيما حيث تسود ثقافة (العبودية الاختيارية ) تتم تربية وصنع الطغاة . ولذلك فثورتنا الراهنة معنية بمواجهة هذه المظاهر لتتحرر – أولامن ثقافة الصنمية وكل مظاهرها وتجلياتها .. إذ إن تجربة الثورة خلال السنوات الماضية – إلى اليوم – أكدت بالملموس خطر هذه الظواهر التي تجلت بصورة انتفاخ وغرور بعض القيادات الميدانية التي جعلها مديح الشارع وثقافته ترى أنها الكل بالكل وان ليس ثمة اقدر ولا أكفى ولا افضل منها من المناضلين الآخرين فمارست الاوامرية السلطوية وإصدار الأحكام والصكوك بحق الآخرين لإقصائهم وإلغاء أدوارهم وعدم الاستعداد على النزول من المكانة الوهمية التي حددتها لذواتها لحظة وجدت نفسها تحمل على أكتاف الحماس العاطفي أو النفاق السياسي . [ = إن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال إن لا يعطى كل مناضل حقه وفقا لأدواره وإخلاصه وثبات مواقفه السياسية واتسامه بصفات المناضل الصلب ولكن غير المغرور ولا المتعجرف
] .
إن تحرير ثورتنا من خطر الشمولية السياسية والفكرية تستلزم – بالضرورة
- :
مواجهة وعدم مهادنة عقلية الإقصاء والإلغاء للأخر الجنوبي المنتمي إلى الثورة الشعبية بمضمونها التحرري من منطلق احتكاري واستحواذي لساحة النضال الوطني الجنوبية , وليس من باب مواجهة خصم يعمل على مواجهة الثورة أو لضربها أو كي يلتف عليها ويحتويها .. لان من يقاتل للاستحواذ على الثورة حتى وان اخلص لهدف التحرر من الاحتلال واستعادة دولة الجنوب فانه إنما ينطلق من عقلية شمولية تشرع بتملك الثورة كتمهيد للاستحواذ على السلطة مستقبلا .. ومهادنة هذا السلوك السياسي اليوم سوف يحوله إلى لغم سياسي يفجر المستقبل الذي ينشده الشعب ومن اجله يسقط الشهداء الأبرار وتسفك دماء الجرحى الزكية .. الخ وقد برزت هذه الممارسات السياسية خلال الفترة الماضية إضافة إلى تمزيق الصف الوطني وإلى تمزيق وتشظي تيار هذه الممارسة
.
بذل المزيد من الجهود النظرية والفكرية لتأسيس ثقافة سياسية جديدة تتبنى قيم التعدد والتنوع والتوافق والاستفادة من مرحلة الضعف ( سنوات الثورة ) لتعلم فن إدارة الاختلاف عبر الحوار السياسي السلمي – الديمقراطي من خلال الجمع بين التأصيل النظري والممارسة العملية لإثبات أهمية وصواب هذه القيم والعمل بها كقناعات لا مناورات وأي طرف / مكون للثورة الشعبية لا يقبل بمبدأ الحوار المتكافئ الجاد والمسئول والشفاف في مرحلة الضعف ( مرحلة الثورة ) وهو لا ناب ولا مخلب ( = بدون سلطة ) فانه إذا ما ملك سلطة القرار فلن يكتفي بإقصاء وإلغاء الأخر وحسب بل وسيقوم بتصفية وجوده السياسي على غرار ما حصل قبيل وبعد استقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني . ( = إعادة إنتاج للماضي ) وإعادة إنتاج الشيء / أي شيء لا يكون صورة طبق الأصل وإنما باسوا صورة يتم تكراره وطالما المرض ( الداء الفكري والسياسي ) ماثل في جسم الثورة فان مواجهته / علاجه السياسي والفكري هو العمل الجاد بقاعدة (( الوقاية خير من العلاج
)) .
إن التجربة التاريخية حول الصراع من اجل الحرية تحدثنا بان الثورة , أية ثورة للتحرر من استعمار خارجي أو داخلي قد تحقق النصر بأقل الخسائر , لكنها كثيرا ما تفشل في الحفاظ على النصر الذي حققته. وأقرب دليل ملموس على ذلك : ثورات التحرر العربية من الاستعمار الأجنبي التي تحولت إلى استعمار داخلي قهري .. استبدادي .. الخ وما ثورات الربيع العربي الراهنة إلا تجل صارخ , ليس لفشل تلك الثورات بتحقيق تطلعات شعوبها وحسب , بل وبتكشف بشاعة وطغيان أنظمتها السياسية , التي واجهت ثورات شعوبها بالقتل والتعذيب لحد الاستعداد للإبادة الجماعية كأنظمة غازية وليست وطنية لا فرق بين جمهوريات الثورات والملكيات المطلقة في المنطقة العربية . [ والنموذج الاجلى – بالنسبة لشعب الجنوب – هو ثورته ضد الاستعمار البريطاني التي نجحت بعد تضحيات جسيمة في طرد الاستعمار البريطاني واستلام استقلال الجنوب .. الخ لكنها – الثورةفشلت في الحفاظ على دولة الاستقلال وإخضاعها – مجددا – لاحتلال أسوا من الأول ! ] ولكي لا تكرر ثورة الجنوب الشعبية الراهنة الخطاء السياسي القاتم السابق وتؤمن سبل بلوغ أهدافها القريبة والبعيدة وضمان الحفاظ عليها مستقبلا فإنها – بنظرنا – تستلزم ضرورة
:
تحرير الثورة الشعبية من حالة الفصم السياسي الذهاني بين المضمون السياسي والوطني للقضية الوطنية الجنوبية بما هي قضية دولة أخضعت لاحتلال عسكري بثقافة بدائية همجية وغايات اقتلاعي واجتثاثية .. الخ .. الخ وبين الرؤى والمشاريع السياسية الجنوبية التي تطرح مقترحات حلول تتناقض مع مضمون وجوهر القضية فتشرعن الاحتلال وجرائمه بحق شعب الجنوب وأرضه وهويته.. الخ كمشروع الحل الفدرالي ناهيك عن الرؤية المحنطة المنتمية إلى أسطورة ما قبل فخ 22/5/1990م المشئوم
.
عدم التجاهل , ناهيك عن التساهل للحقيقة التي كشفت وأجلت لب أزمة الثورة الشعبية السياسية والفكرية . أي الحقيقة التي كانت وراء الأزمة ما قبل فبراير 2011م وتقنع أصحابها قناع هدف التحرير والاستقلال وفي فبراير 2011م حتى ما سمي ( بمؤتمر القاهرة ) ومشروعه المعلن. فبقدر الضرر الذي تسبب به المتحللين عن هدف الاستقلال ( = التغيير يون والفدراليون ) بقدر ما خدم الثورة , ببروز حالة الفرز بوضوح تام بين تيارين رئيسين
:
الأول : انتمى إلى الثورة ولبس قميص الثورة تكتيكيا وعمل على خلق كل أسباب الخلافات وكل ما نعرف ليجعل من الثورة وتضحيات الشعب وسيلة ( للتحريك ) أي تحريك الحل للحق الوطني الجنوبي في إطار وضع الاحتلال القائم . ( = الفدراليون + التغيير يون ) . وكليهما باسم الثورة دعك من جمهور أحزاب دولة الاحتلال في الجنوب , فقد كان خطرهم قبل فبراير اضعف مما يحسب لهم لولا حالة الذهان التي أصابت أكثر مكونات الثورة الشعبية تجميعا للأسماء في الخارج والداخل ولحشد شعبي لا رؤيوي , ثم تراجع اطراف فيه والدعوة للالتحاق بساحات تغيير النظام , والتزام الصمت والهدوء .. الخ ثم كشف المخبئ عما سلف ذكره ( المجلس الأعلى للحراك السلمي
) .
الثاني : تيار التحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة ( تيار أو قوى الاستقلال ) وهو التيار الذي كان له قصب السبق في تبني هذا الهدف وثبت في خط الدفاع عن هدفه , بما هو هدف غالبية الشارع السياسي الجنوبي الثائر .. إننا إزاء حقيقة فرز حدثت , لتقطع الطريق على كل أشكال وأساليب التظليل والمخادعة وعلى تغطية الحقيقة بتعميم المسئولية على كل مكونات الثورة دون تمييز بدون اطلاع ومعرفة , وإنما بتأثير الإشاعات أو عن أحكام مسبقة وفي هذا المضمار – ترى – إن على شباب الثورة الشعبية الجنوبية وكل مناضلي الجنوب البناء على حالة الفرز القائمة في رسم تصورات واتجاهات إخراج الثورة من الأزمة التي عاشتها أربع سنوات وتجلى لبها فيما حدث منذ فبراير مفصحة عن وجود تيارين في الثورة هما كما ذكرنا : ( تيار التحرير وتيار التحريك ) . والبقاء في موقع المراوحة بين التيارين , أو بتسويق فكرة حالة النفي العدمي للتيارين في صفوف شباب الثورة , فلسوف يبقيان على الثورة ليس حبيسة أزمتها القائمة وحسب , بل ويضيفان إليها قيودا جديدة بدعوى تحريرها من أسباب أزمتها على غرار تمزيق الصف الوطني الجنوبي بدعوى توحيد قواه ومكونات ثورته الكفاحية خلال سنوات الثورة الماضية , ولان مطلب ( التوحيد ) مطلب حق يراد به باطل فقد استخدم كواجهة تكتيكية فقد أفضى إلى ما نعرف من تفكك وتجنحات داخل زاعمي التوحيد وسهل عملية اختراق الثورة عبر هذا الإطار الذي جمع لفيفا من مؤدي الأدوار عناصر ( الاختراق ) ومن المتبنين لرؤى ظاهرة وخفية , مع الإجماع على عدم صياغة وإقرار رؤية سياسية (برنامج سياسي واضحة وملزمة للجميع ) . ( = لنتساءل معا : لماذا التقى علي سالم البيض والعطاس وعلي ناصر ومن معهم والشيخ طارق الفضلي والناخبي وغيرهم في مكون واحد منذ 9 مايو 2009م إلى فبراير 2011م , ثم لماذا انقسموا ما بعد فبراير 2011م إلى ثلاثة تيارات بثلاث رؤى ؟؟!! انه سؤال مهم ) أنها دعوة لشباب الثورة الانقياء والمخلصين لحق شعبهم في الحرية والاستقلال إن يبحثوا عن الحقيقة بتجرد ومسئولية نضالية وبتحرر من داء الولاءات الضيقة ومن كل مؤثرات دون الوطنية إننا عليكم أيها الشباب نعلق أمل تطهير الثورة من أدرانها ومن أزمتها
.
لتنتصر ثورتنا لابد – لا كرأي – وإنما ما تقوله التجربة التاريخية لابد من
:
تعريف موحد للقضية الوطنية الجنوبية , وان من قبل كل المؤمنين بحق الحرية والاستقلال لشعبنا
.
هدف سياسي استراتيجي واضح , غير خاضع لتعدد التفسيرات ناهيك عن بلاهة إخضاعه للتكتيكات والمساومات لان ذلك – منطقا وعقلا – يعني التنازل عنه
.
برنامج سياسي واضح يتضمن وسائل وأساليب النضال وخياراته ( مرحلة الثورة ) وكذلك ملامح الدولة المستقبلية الجنوبية المنشودة . أو مشروع سياسي للجنوب الذي سنفرد له فقرة خاصة لاهميتة
.
التنظيم كشرط ضرورة لنجاح الثورة , أية ثورة , فما بالك بثورة تحررية , ثم قيادة سياسية قادرة وكفوءة – والاهم – صادقة مخلصة ومتماسكة وملتزمة بالهدف والبرنامج السياسي
.
خطاب سياسي وإعلامي موحد , موجه هادف ومدروس ..الخ

[
إن المطالب والشروط أعلاه ليس بالضرورة إن تقبل بها كل قوى ومكونات الثورة , وإنما القوى المؤمنة بضرورة تلك الشروط والواعية بدورها المركزي في قوة وتأثير الثورة ولو من قبل قوى سياسية كفاحية جنوبية نوعية صلبة .. الخ ]
هوية فكرية واضحة , أي فكر سياسي بقيم فكرية جديدة , يؤطر المشروع السياسي المستقبلي الجنوبي – الدولة المأمول / المأمولة . أذعن أية ثورة يمكن الحديث وهي تفتقر لفكر سياسي يؤطرها بقيم سياسية وثقافية وأخلاقية جديدة . فضلا عن إن الفكر هو ما يعبر به عن آلام وأمال الشعب وتطلعاته وقيمه الثقافية والدينية والأخلاقية .. الخ

هـ - مشروع سياسي للجنوب
إن كل مناضل جنوبي في سبيل التحرر من الاحتلال الهمجي الاجتثاثي واستعادة دولة الجنوب وسيادتها على كامل ترابها ولديه الاستعداد العالي للتضحية في سبيل بلوغ هذا الهدف الذي سقط من اجله مئات الشهداء وسالت دماء آلاف الجرحى .. الخ لديه تطلع خاص في إطار الهدف العام , فكرة ما عن المستقبل الذي يكافح من اجل بلوغه وكالأفراد , التجمعات السياسية والشعبية ( المكونات .. الأحزاب .. الخ ) وكذلك فئات المجتمع وشرائحه الاجتماعية المختلفة . بمعنى إننا إزاء تعدد واسع من الأفكار والرؤى المنظمة ( = الرؤى السياسية الموثقة ) وغير المنظمة ( رؤى وأفكار فردية أو فئوية ) .. الخ فكيف يمكن تجنب , بل تامين المستقبل من تصادم الرؤى والطموحات الفردية والجماعية المشروعة وغير المشروعة ؟
أولا : يمثل تبني الثورة ( = قواها ومكوناتها السياسية والشعبية ) لقيم التعدد والتنوع في إطار وحدة المأساة ووحدة الهدف الاستراتيجي للثورة .. الخ الإمكان الحامل والإمكان الحاضن بتعبير الفيلسوف ابن رشد – لإنتاج وصياغة فكر الثورة السياسي لقيمه الجديدة وتجسيدها في ممارسة مبدأ الحوار على قاعدة توافق الرؤى السياسية والفكرية المرحلية والمستقبلية .( وهي مهمة ما برحت ماثلة إمام الثورة الشعبية بالأحرى استكمال هذه المهمة بطرحها كشرط ضرورة على قوى الثورة التي ما برحت تتهرب عن شروط الرؤى الموثقة .. الخ ) إن توفير ذلك الإمكان بتحولها إلى ذات الفكرة (= حامل الفكرة ) وموضوع الفكرة ( = الموجهة الفكرة إليها ) , إلا إن الثورة تضم كل مجموع الشعب الثائر بطلائعه ومكوناته وجماهيره..
إن ذلك سيسهل تنظيم حوار متكافئ جاد شفاف ومسئول , يجمع كل الرؤى والأفكار في وعاء المصلحة الوطنية الجنوبية العليا , ومن ثم التوافق على صيغة المشروع السياسي المستقبلي للجنوب الجديد ودولته المأمولة (= رسم ملامح الدولة القادمة , شكل النظام السياسي .. دولة تكفل حق الشراكة الوطنية المتساوية , وتكافؤ الفرص , وحرية التعبير والاختيار في مجتمع التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر منظومة ديمقراطية مكفولة ومحمية في الدستور والقانون .. الخ
)
إن الأهمية السياسية الكبيرة لذلك تتمثل أساسا في الحيلولة دون تحرك فانفجار الرغبات والنزاعات والرؤى الضيقة الفردية أو الفئوية أو الحزبية .. الخ عقب تحقيق الثورة لأول أهدافها ( = تحرير الوطن من الاحتلال واستعادة دولتنا المستقلة ) فعقب هذه المرحلة – في العادة – ينتقل الثوار من مرحلة التضحية / المغرم إلى مرحلة المغنم , فتنحو العلاقات منحى صدام الرؤى مكان تعايشها , فكل فرد أو تجمع سياسي كما أسلفنا لديه رؤيته الخاصة عن المستقبل وعن دوره ومكانته ومصلحته في إطاره .. الخ وذلك أمر طبيعي . أو فليسال كل منا نفسه : (( لماذا يناضل اليوم ولديه الاستعداد العالي للتضحية بحياته في سبيل بلوغ هدف التحرير والاستقلال ؟ )) صحيح إن ثمة هدف عام هو الأساس يجمع الأفراد حوله وخلفه لكن ذلك لا ينفي إن الفرد له استقلاله النسبي في إطار العام , أي انه لا يذوب تماما في المجموع وإنما وهو يعمل لخدمة القضية العامة فانه في الوقت ذاته يسعى لتحقيق ذاته المستقلة
.
وصحيح – أيضا – إن هناك اختلافات من فرد إلى أخر وتعدد في الإفهام وان على قدر الوعي بهذا الحق الشعوري واللاشعوري يتمايز مستوى الشعور الوطني المسئول بين تغليب العام على الخاص وبما لا يلغي الثاني تماما , أو العكس تغليب الذات الشخصية على الذات الوطنية العامة فالأول يدرك إن طموحاته واستحقاقاته الشخصية وامكان تحقيق ذاته حاجات مشروعة لكنها ترتبط بانتصار التطلعات الشعبية العامة .. وهو الفهم الصحيح والثاني : من تطغى الذات الشخصية أو الحزبية الضيقة عليه ضد القضية العامة فانه يسرع في تغليب حساباته الأنانية الضيقة – الضارة فيقوم بالترتيب المسبق لما يخدم حساباته غير المعلنة بما يؤهله لتصدر المستقبل والاستحواذ عليه واختلاق ما يبرر له إقصاء وإلغاء الآخرين
.
ولنا – من تجربة سنوات الثورة الماضية – جملة الظواهر البارزة التي من بينها
:
السباق المحموم من قبل البعض من اجل الظهور إمام الأضواء والمزاحمة على المنصات والنضال من اجل الوقوف خلف مكبرات الصوت ( الميكرفونات ) من مجيدي الخطاب الفروسي والتصريحات المشحونة بانتصارات وهمية وعلى تصدر الأخبار الإعلامية وو .. الخ من الأمراض التي تصيب دماء الثورات فتسبب لشرايينها حالة تضيق فتصلب تجلط حركة دمائها في جسم الثورة فيصاب بالشلل . ( = ولنسال عن موقف بعض هؤلاء وعن مستوى ثبات بعضهم .. الخ ؟ ) وعلى النقيض , أولئك الذين ينأون بأنفسهم عن الأضواء وحب الظهور ويناضلون بصمت ومثابرة كواجب ذاتي ضمن الواجب الجماعي وأثبتت التجربة ثبات موقفهم خلف خياراتهم السياسية المعلنة والجمع الصادق بين الخطاب السياسي والممارسة النضالية اليومية إن الموقفين متجسدين بالسلوك السياسي يمثلان نقطة ارتكاز للتفريق بين من يناضل منتصرا للقضية الجنوبية ولهدف الخلاص من الاحتلال .. الخ وبين من غلبت عليه الذات وبعد إن ملأ الدنيا ضجيجا , فإذا به على حين غرة يتخلى عن القضية بلا خجل ولا وجل مثل (( الناخبي )) ومن معه أو صمت منذ فبراير الماضي حتى أكتوبر منتظرا انتصار رهانه على ثورة التغيير أو تبنيه للحل الفدرالي
.
هذا ونحن في مرحلة الضعف , فإذا بنا نباغت بما لم يكن – عند الكثيرمتوقعا تحت تأثير الخطاب الحماسي والتضليلي الدعائي والإعلامي . وحسب ما كيفر : (( إن الفرد يسعى في سبيل الجماعة وهو يسعى لغاياته ويعمل للآخرين وهو يعمل لنفسه وشهرته ونفوذه وفائدته .. ويتحد بالآخرين ويضل – مع ذلكمنفصلا عنهم ( ....... ) وللإنسان غرض ينشده من علاقته بالآخرين , ولذلك يتعاون معهم حينا ويتنافس معهم حينا أخر ويتفق معهم حينا ويتنازع معهم حينا أخر )) – تكوين الحكومة – ص 491
.
ويضيف ماكيفر : (( إن للإنسان إن يخلص للكل وان يخدم جماعته أو قضيته ولكنه يفعل ذلك وفقا لمفهومه هو لا مطاوعة منه لسيد غريب . ويفعل هذا دون إن يتنازل عن ذاتيته ( للكل ) لأنه يحققها في الخدمة التي يقوم بها ما دام يؤديها طوعا)) – نفسه ص 496
.
ولكلما أسلفنا فان التوافق السياسي في مرحلة الثورة على المشروع السياسي للجنوب على أساس القواسم المشتركة لكل الرؤى والأفكار والتوافق السياسي عليها في وعاء فكري سياسي ملزم لكل الموقعين عليه حاضرا ومستقبلا من خلال
:
صياغة وثيقة انضباطية تنظم العلاقات والمواقف الراهنة والمستقبلية
.
إنزال المشروع إلى الشعب بكافة أطيافه وشرائحه الاجتماعية لمناقشته لإغنائه وإثرائه كي يستوعب كل مصالح المجتمع في دولة المستقبل
.
منح الشعب ولا سيما جماهير الثورة حق الرقابة على الالتزام بالمشروع لقمع الرغبات والطموحات اللامشروعة التي يحتمل ضهورها في مرحلة من مراحل النضال الوطني الجنوبي وما بعد طرد الاحتلال سواء كانت فردية أو جماعية . لان الشعب / جماهير الثورة إذا ما استوعبت أهمية ذلك ولم تبق حبيسة الولاءات الأولية أو السياسية الضيقة , فلسوف تكون الحامي للمشروع من كل من يريد الانحراف به و عنه .. الخ ( بالطبع .. لن يكون التقيد بالالتزامات من قبل الجميع بنسبة 100% لكنه سيضمن – لا ريب – نسبة 70 – 80 % على الأقل , وهي نسبة عالية ومهمة مقارنة بغياب المشروع عشية رحيل الاحتلال .. ولنا في ثورة 14 أكتوبر 1963م العبرة من الماّلات التي آلت إليها ليكون شعب الجنوب ضحيتها وتمثل حاضره الكارثي / المأساوي
)
فهل نستفيد من تجربة ثورية تحررية صنعها أباؤنا وشاركت النخبة السياسية النخبة الثقافية الجنوبيتين في عدم الحفاظ عليها بل كانت – بفكرها القومي الزائف – جسرا لاحتلال اشد سوءا وقسوة ولا أخلاقية من الاستعمار البريطاني ؟

[
ونود – هنا – إن نقر بأهمية تعامل ديناميكي مع الواقع ومع تطبيق الرؤى إذ إن الصراع السياسي يستلزم الديناميكية في التكتيكات لبلوغ الأهداف ]
تحرير الثورة من كل الولاءات ما دون الوطنية كما أسلفنا والتسليم لحقيقة إن الولاء لقضية الوطن وتحريره وتحرره من كل الأسباب التي دمرته ودولته بتسليم رقبته لسكين أسطورة ما لم يكن [ الوحدة ] الأكذوبة الكبرى . هو الممكن الأول وليس الوحيد لانتصار إرادة الشعب التحررية التي – إن استوعبها شباب الجنوب وكل مناضليه المخلصين – ستهزم كل العوائق الموضوعية والمصطنعة وكل مشاريع لصوص الثورة و ( قطاع طرق التاريخ ) من المخدرين بعفونة فكرتهم الميتة ومن المستخدمين من قبل الاحتلال بكل مكوناته لإطالة عمر مأساة شعبهم من خلال الأضرار بثورتهم وتجزئة الموقف من الاحتلال المفضي الى بعثرة الإرادة الشعبية الجنوبية
.
التعاطي الوطني والنضالي الواعي والمدرك للأهمية الإستراتيجية التي يمثلها الولاء للقضية الوطنية الجنوبية بما هي قضية دولة تحت الاحتلال وما تتطلبه وبالتالي رفعها إلى مصاف المرجعية الأولى لقياس الرؤى السياسية والحكم على المواقف السياسية وعلى الممارسات اليومية وعلى الخطابات السياسية ومفاهيمها واصطلاحاتها .. الخ فإذا ما فهمنا العلاقة العضوية بين الثورة والقضية أدركنا البعد السياسي والتنظيمي المباشر وغير المباشر لرفع القضية إلى مكانة المرجعية والحكم – بنصب الكاف – إذا تم ذلك – فان على الثورة إن تتحرر من الولاءات الأولية والحزبية الضيقة , برفع شعار: ( هدف التحرير قائدنا وقضية الوطن مرجعيتنا
)
التقييم الدوري الواقعي .. الاستقرائي.. التحليلي .. الصادق لمسيرة الثورة الشعبية الجنوبية السلمية للوقوف على مواطن الضعف ومصادرها الذاتية والموضوعية , وعلى جوانب قوتها الموضوعية والذاتية – كذلك – من اجل تجاوز الأولى وتطوير وتعزيز الثانية . وهو أمر يقتضي الشجاعة الأدبية والإخلاص للقضية وعدم الخضوع لأية مؤثرات أو حسابات تنحاز إلى طرف سياسي أو شعبي أو لشخص ما .. الخ
.
تقييم هادف ومسئول وشفاف يضع النقاط على الحروف ويعطي كل ذي حق حقه , والاستفادة من التجارب النظرية أو الفكرية أو التنظيمية لمكون ما للثورة لتعميمها أو لاقتراح إلية تقرب القوى والمكونات الموحدة الرؤية والأهداف من بعضها وهى طريق توحيد إرادتها بأي شكل يتم التوافق عليه
.
[
عزيزي القارئ : لست معي في إن الشارع السياسي الجنوبي لا يهتم بمعرفة الحقائق ويدير ظهره للتأصيل النظري للقضية وغير عابئ بفهم التاريخ .. الخ زد إلى عدم توقفه إمام الأخطاء والسعي لمعرفة مصادرها وحتى لو سعى واجتهد فرد أو مكون ما للثورة لقراءة وتقييم تجربة الثورة الشعبية السلمية وإرهاصاتها كما قام بذلك ( المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة ) في قراءتين له الأولى : نهاية عام 2008م بعنوان ( الجنوب المحتل .. ومخاطر تعدد الخطاب السياسي وتعاريف القضية ) والثانية بعنوان ( قراءة أولية في الحركة الشعبية الجنوبية ) نهاية عام 2009م . فان التفاعل مع ذلك سوئ من قبل من نطلق عليهم جزافا نخبة سياسية أو نخبة ثقافية ضعيف جدا إن لم نقل معدوما .. الأمر الذي استمر التماهي بين ملامح وقسمات وخطوط الصدق والكذب بين من يعمل على تكريس العفوية والحماس وفوضى الأنساق وبين من يعمل مخلصا على توفير شروط وعوامل الثورة الضرورية النظرية والفكرية والسياسية والتنظيمية .. الخ مما ساد شارع الثورة وضع من الضبابية في فهم ما حدث والى أين سيصل .. فاختار طريق تعميم الأحكام على الصالح والطالح غير قادر على الفرز على أساس الوعي بالقضية كمرجعية يحاكم المواقف والممارسات على أساسها عموما .. فلنعمل .. نتحاور بمسئولية وصراحة على كيف يمكن الوصول إلى اتفاق أفراد أو هيئات للنهوض بعملية التقييم بوعي وإخلاص وحياد
.
إرادة سياسية من قبل جزء أو كل القوى / المكونات ( حتى من الأفراد ) المؤمنة حقا بهدف التحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة لتنظيم حوار جاد متكافئ ومسئول بين هذه المكونات السياسية والشعبية ذات الهدف الموحد لتوحد إرادتها في شكل توحيدي يتوافق عليه , اذ ليس ثمة ما يبرر بقائها في حالة افتراق إلا إذا كان الهدف عند طرف واجهة لهدف مخفي . ومن ثم الانفتاح على بقية المكونات وفي مقدمتها الهيئات الشبابية ثم مع شرائح المجتمع الأخرى بفتح قنوات اتصال معها بنفس جديد وعقلية منفتحة على الأخر عن قناعة سياسية راسخة والعمل على إعادة ترميم جسور الثقة البينية على قاعدة التصالح والتسامح والتضامن وقيمها السامية . تلك الجسور التي هدمتها حالة بعث الشمولية السياسية – كما اوضحناها في سياق هذه القراءة المتواضعة

توحيد الخطاب السياسي والمفاهيم والمصطلحات السياسية المرتبطة بالقضيةالوطنية الجنوبية – على الأقل من قبل القوى الجنوبية المؤمنة بحق شعب الجنوب بالحرية والاستقلال ( مكونات وهيئات سياسية وشعبية وشخصيات سياسية واجتماعية وقبلية .. الخ ) فعلى سبيل المثال المفاهيم التالية
:
الحراك + فك الارتباط + قضية الجنوب + أبناء الجنوب + مفهوم الانفصال

مفهوم الحراك :- كثيرا ما طرحنا موضوع المفاهيم والمصطلحات السياسية المرتبطة بقضيتنا لما لها من أهمية مضمونيه في فهم ماهية القضية على صعيد الشارع السياسي الجنوبي وللتعريف بجوهر قضيتنا على الصعيد الخارجي .. إن مفهوم ( حراك ) لا يستوعب جوهر الصراع الذي يخوضه شعب الجنوب , الذي يتعدى النضال من اجل التحرر من الاحتلال العسكري الهمجي واستعادة الدولة .. الخ إلى صراع من اجل الوجود – البقاء بمواجهة سياسة الاجتثاث الممنهجة التي اتبعها الاحتلال وما برح يمارسها مستهدفا ليس هويته وحسب بل ووجوده – أي شعب الجنوب – ليغدوا شعبا بلا ارض .. الخ ومفهوم (الحراك ) قابل لتعدد الأفهام السياسية فهنالك حراك شعبي مطلبي / حقوقي وفي إطار الدولة المعينة , كثيرا ما نسمع عن حراك سياسي أو حراك اقتصادي أو حراك ثقافي .. الخ أي انه فعل شعبي أو مهني أو سياسي جزئي لا يرقى إلى مفهوم ( حركة شعبية ) , فمثلا ثورات الربيع العربي يمكن إن توصف بحركات شعبية للتغيير السياسي في إطار المجتمعات .. الدول ذاتها بيد أنها وصفت بـ ( الثورات ) الشعبية وهدفها ليس التحرر من احتلالات عسكرية خارجية . وحسب علمنا فان مفهوم الحراك جاء من خارج الحركة الشعبية الجنوبية ولم تقره هيئة أو مكون من مكونات الثورة السؤال : لماذا يصر البعض على التمسك بهذا المفهوم إلى اليوم ؟! الآن الذهنية الشمولية أطرت نفسها به كمسمى تنظيمي بغرض احتكار ساحة النضال الوطني الجنوبي وإلغاء دور القوى الأخرى ؟ . لقد كان الأمر كذلك ولكن ثقافة الإقصاء فجرت أصحابها قبل الأخر . ولذلك نأمل تفهم أهمية مفهوم ( الثورة ) لنضال شعبنا بما هو كذلك ثورة شعبية تحررية .. ثورة تحرير شعبية وهو طابعها الموضوعي الحقيقي أكثر من ثورات تغيير الأنظمة السياسية واستبدالها بنظم سياسية جديدة كما في الحالة العربية . بيد إن الذي يصر على حرمان كفاح شعبنا من مفهومه السياسي الطبيعي أي من صفة ثورة تحررية والإبقاء على مفهوم ما دون ليس ثورة وحسب بل وما دون حركة شعبية تحررية ( = مفهوم حراك ) وإنما أراد – كما أثبتت التجربة – إفراغ ثورتنا من أبعادها السياسية وأهدافها الحقيقية لاستغلالها وتضحياتها الغالية كوسيلة من اجل ( التحريك ) كما سبق وأبرزنا ذلك . فلماذا .. والى متى ننتزع عن ثورتنا صفتها واستبدالها بما لا يجسدها ولا يعبر عن أبعادها أو مضامينها ؟ . [وفي هذا الصدد ادعوا الجميع ولا سيما شباب الثورة إن يدعوا إلى تنظيم نقاشات أو ندوات حول كل المفاهيم السياسية المعبرة عن قضيتنا وأهمية تصويبها وحجم مخاطر تناقضها مع مضمون قضيتنا . فهل من تفاعل مع دعوتنا ؟]
فك الارتباط : السؤال البديهي هنا هو : هل لا زال ثمة رابط لدولة الجنوب المحتلة بدولة الاحتلال الـ(ج.ع.ي) غير علاقة غازي بمغزو واحتلال عسكري صريح للجنوب : الأرض والإنسان والتاريخ ؟
.
إن تبني هذا المفهوم يعني – من وجهة نظر سياسية ولغوية كذلك – الأتي
:
إن الارتباط الموقع في 22/5/1990م لا زال قائما بين الدولتين (= مشروع الوحدة الفاشلة
) .
وطالما الأمر كذلك فمشروع الوحدة / الأكذوبة لم يفشل فشلا كارثيا على الجنوب بإخضاعه لاحتلال عسكري اقتلاعي
.
إن حربا عدوانية غادرة شنت على دولة الجنوب من قبل الـ(ج.ع.ي) عام 1994م لاحتلال الأولى من قبل الثانية لم تحدث واقرب توصيف لها هو ما يتمسك به الاحتلال أي حرب توطيد الوحدة و ( حرب أهلية ) حسب المعارضة السياسية في صنعاء
.
إسقاط حقيقة إن قيادة دولة الجنوب أعلنت فك الارتباط بإعلان (ج.ي.د) – بدون الشعبية – في 21/5/1994م إذ إن رفع هذا المطلب اليوم يلغي حدوثه أثناء حرب الدفاع عن دولة الجنوب المستعادة حتى سقوط عدن في 7/7/1994م الأسود
.
إن الوضع المفروض على دولة الجنوب ليس احتلالا عسكريا وإنما وضع ما دون ذلك وضع ظلم وو ... دفع شعب الجنوب إلى طلب ( فك الارتباط ) مع الـ(ج.ع.ي) ... الخ

واسوا ما يصاحب هذا المفهوم / المطلب إن المتبنين له يقرون بل يؤكدون بان الوضع المفروض على الجنوب منذ (17 سنة ) هو وضع احتلال .. الأمر الذي يضعهم في حالة تناقض غريب .. تناقض يربك وعي جماهير الثورة ويقدم خطابنا للمراقب السياسي الإقليمي والدولي بصورة مضطربة عن مضمون قضيتنا وعن الدوافع الباعثة لطلب فك الارتباط فضلا عن إضعاف المطلب بتناقضه المفاهيمي إن المواجهة لاحتلال عسكري بمطلب (فك الارتباط ) أمر يقرر حالة الانفصام السياسي الحسي بين مضمون الصراع مع الاحتلال ومطلب (فك الارتباط) إلا إذا كان حاملوا هذا المطلب يتبنون قناعة (حيدر العطاس) بهذا الشأن الذي تحدث إلى إحدى القنوات الفضائية بان ما تم في 21/5/1994م هو إعلان (فك الارتباط) مع السلطة وليس فك الارتباط من [الوحدة] أو الشعب !! فهل من منطلق ذلك الفهم قبلت وسلمت قيادات الجنوب السابقة باحتلال الجنوب ملتزمة الصمت ( 15 سنة ) ولا زال جلها يطهر الاحتلال من صفته الحقيقية ؟ . وهل من شك في الرد بـ(نعم) المستند إلى برهان تبني (العطاس) ومن في فلكه مشروع الحل الفدرالي الشبيه بعقد صفقة مع غيمة لاحت ذات تقدير سياسي خاطئ في سماء صنعاء ذات فبراير 2011م . وتحول إلى موضع جدل وخلاف انقسامي في صفوف ثورة الجنوب ؟.
وهو ما يعني إن هذا الطعم السياسي الجديد تم توجيهه إلى الداخل الجنوبي لإحداث حالة من الارتباك والاضطراب فالانقسام في الشارع السياسي الجنوبي وهو ما جرى وما زال يجري بالتزامن مع استمرار عملية الاستقطاب القوي للرأي في الداخل لصالح هذا المشروع عبر ترتيب وتمويل السفر إلى قاهرة المعز لعقد لقاءات ومؤتمرات .. الخ
.
مفهوم الانفصال : لقد كان للكاتب مساهمة في الجدل والنقاشات على صفحات الصحف حول هذا المفهوم منذ مطلع العقد الماضي وكان – ومعه الكثير لا شكيعتقد بان جماهير الثورة قد أدركت تناقضه الحاد مع مضمون قضيتنا ولكنللأسف – ما زال كثير ممن يحسبون على النخبة السياسية والثقافية الجنوبية ( = نعني منهم المتحدثين باسم ثورتنا ) يرددون هذا المفهوم في الخطاب السياسي والإعلامي دون إدراك لإبعاده الجيو/ سياسية والاجتماعية الخادمة لمزاعم الاحتلال ومنظومته حول (الوحدة التاريخية ) الملفقة . لماذا ؟
.
لان ثمة قاعدة منطقية تقول بأضدادها تعرف الأشياء .. وطالما تحدثنا نحن (الجنوبيون) عن مطلب الانفصال فنحن نقرر وجود حالة (الوحدة الأكذوبة ) وبالتالي نضفي المصداقية على وصف الجنوبيين المناضلين من اجل حقهم الوطني من قبل الاحتلال في أنهم ((انفصاليين
)).
إن لهذا المفهوم أبعادا ودلالات سياسية وجغرافية وتاريخية واجتماعية لا بد من استيعابها وإدراك مخاطرها وتحرير خطاب الثورة منها . فان تقول : (( إن من حق الجنوب إن ينفصل )) فقد قررت بنفسك التالي
:
إن الجنوب مكون تاريخي من الجمهورية العربية اليمنية
.
إن الجنوب إقليم من تلك الدولة التاريخية يطالب بالانفصال عنها شانه شان (صعدة) أو (تعز) أو (تهامة) .. الخ
.
الإقرار بان ثمة وحدة جغرافية وسياسية وديمغرافية كانت قبل المطالبة بالانفصال . ولذلك ندعوا الجميع مكونات وأفراد إلى تفهم حقيقة إن خطابنا السياسي والإعلامي في ثورتنا السلمية هو وسيلتنا للوعي بقضيتنا ولتعريف العالم بمضمونها السياسي والتاريخي والقانوني .. وعليه لا بد تحرير الخطاب من المفاهيم المتناقضة مع جوهر قضيتنا . وفي إطار هذا المفهوم ينبغي إدراك
:
إن الجنوب كان دولة مستقلة تاريخيا وما برح دولة تحت الاحتلال
.
ولذلك يناضل شعب الجنوب لتحرير واستعادة دولته المستقلة
.
إن الجنوب الدولة لم يكن يوما من الأيام جزءا من الـ(ج.ع.ي) لا سياسيا ولا جيو/ثقافيا ولا ديموغرافيا وو ..... الخ

إن دولة الجنوب دخلت مع دولة الـ(ج.ع.ي) في مشروع وحدة سياسية مات في مهد الإعلان عنه وتحول إلى احتلال لدولة الجنوب وهو ما يعطي شعب الجنوب الحق الشرعي والعادل في استعادة حريته واستقلاله غير المنقوص .
بخطاب كهذا ينبغي إن نوجهه للأخر الإقليمي والدولي كي يتفهم عدالة قضيتنا .. أما الجنوبي الذي يكرس مفهوم الانفصال سواء كان معه أو ضده فهو يقرر ما لم يكن أي [الوحدة] الأكذوبة بوعي أو بدونه
.
القضية الجنوبية :- السؤال المركزي - بنظرنا – هنا هو
:
هل قضيتنا هي قضية من جملة قضايا الجمهورية / الواجهة للـ(ج.ع.ي) كقضية (صعدة) مثلا أم إن قضيتنا قضية وطن يخضع لاحتلال عسكري بدائي ؟ فلماذا يستمر الفصم بين القضية والمفاهيم المبلورة لمضامينها ؟! الغريب إن خطاب بعض المكونات في الثورة لم ينتقل إلى إضفاء الطابع الوطني للقضية .. ولا زال يتحدث دون اهتمام حينا بالتعريف وحينا بدون تعريف (قضية الجنوب) فما الفرق إن يقال قضية الجنوب أو قضية صعدة ؟

[
حتى وسيلتنا الإعلامية الوحيدة (قناة عدن لايف) المعول عليها في نشر وتنمية الوعي الوطني الجنوبي واقعة في تكريس الأخطاء المفاهيمية دون تمحيص لالتزامها خطاب طرف سياسي جنوبي دون الأطياف الأخرى وهنا دعوى للقناة إن تحرر الخطاب الإعلامي للثورة من جملة الأخطاء الاصطلاحية المشار إليها وغيرها ونقترح عليها إن تنظم ندوة عبر الهواء لمناقشة ذلك ] . وعليه نرى ضرورة إن تضيف مفهوم (الوطن) إلى المسمى لتكون (القضية الوطنية الجنوبية ) فما الذي يمنع من تضمينها هذا البعد المجسد لجوهرها ؟. لماذا ؟
أبناء الجنوب :- من المفارقات العجيبة إن تسمع أو تقرا تصريحا أو في بيان سياسي أو في مقابلة صحفية أو غير ذلك , مثل هذه الجملة : ( إن أبناء الجنوب يناضلون من اجل ....... ) قد لا يبدو ظاهر اللفظ مفارقا عندما يتم إسقاط ما في الذات على الدلالة عند المتلقي منا , مع تجاهل دلالته عند الأخر البعيد , وعند الاكتفاء بالتعبير الخارجي للمفهوم , وعدم الاهتمام بعلاقته الداخلية بقضيته المعبر – بنصب وتشديد الباء – عنه .. وحتى لا نطيل في تجريد اللفظ / المفهوم نكتفي بلفت عنايتكم إلى إن لفظ أبناء غير المنتمي إلى فضاء الصراعات السياسية بين الشعوب يمكن إن يستخدم كتعبير غير رسمي ولا هادف عن شعبنا لكنه – اللفظ يعني – يأخذ البعد الدلالي ذاته حين يقال أبناء مدينة (عدن) و (أبناء مدينة المعلا) من أبناء عدن أو أبناء حي (م) أو أبناء قرية (د) إلى القول أبناء قبيلة .. عشيرة .. أسرة وصولا إلى القول أبناء فلان من الناس .. كأضيق واصغر دائرة اجتماعية .
معلوم إن ألفاظ وكلمات اللغة والأسماء فيها جميعها مفاهيم .. فمثلا ما إن تسمع لفظ (بيت) سرعان ما ترسم صورته في ذهنك أو (طائر) .. الخ وهكذا مفهوم أبناء فانعكاسه في الأذهان يأخذ بعدا واحدا من اصغر دائرة اجتماعية إلى أوسعها . ولذلك فهو اعجز من إن يرقى إلى البعد السياسي والجيو/ ثقافي والتاريخي لمفهوم (شعب) أو مفهوم (امة) وفي قضيتنا كشعب يخوض صراعا للدفاع عن هويته المستهدفة بالطمس ويناضل لاستعادة حريته واستقلال دولته المحتلة فلا بد من الحرص على مفهوم الشعب كونه اقدر تعبير على ماهية قضيته إذ إن لكل شعب هويته والشعب مؤطر كمفهوم بدولة ما خاصة به ومكونات الدولة كما هو معلوم هي (جغرافيا شعب وسيادة وطنية ) أي (إقليم سياسي) مستقل على خارطة العالم السياسية وهذا التاطر المفاهيمي لا ينطبق على لفظ أو مفهوم (أبناء) فخذ مثلا : صراع الحوثيين مع سلطتهم هل سمعتم من يصف سكان صعدة بـ((شعب صعدة)) ؟ لم يحدث بالتأكيد . ونسمع لفظ ومفهوم ((أبناء)) صعدة . لماذا ؟ لأنهم جزء جغرافي وسكاني من شعب الـ(ج.ع.ي) . ولذلك نسمع عن قضية صعدة أو (جماعة الحوثيين) .. الخ

والجنوب ليس كذلك – كما أوضحنا ذلك في فقرة مفهوم الانفصال – وإنما الشعب له دولته التاريخية المستقلة التي أخضعت للاحتلال للأسباب التي نعرفها جميعا . وبالمناسبة : هل سمعتم سياسي في ثورة من الثورات العربية إن تحدث عن نضال أبناء دولته في سبيل ..... مثلا : هل سمعتم قائدا أو سياسيا مصريا يقول : إن أبناء مصر يناضلون ..... أو تونسي ...... الخ ؟ . أم يحرصون على مفهوم (شعب) أو (امة) ؟ فلماذا بعض ساساتنا وبعض هيئات ثورتنا تحرص على مفهوم (أبناء) وليس مفهوم (شعب الجنوب) ؟ إن التغييرين والفدراليين الجنوبيين يستخدمون لفظ (أبناء) عن وعي وإدراك هادفين (= الانتقاص من حق شعب الجنوب الشرعي العادل في الحرية والاستقلال ) المفارقة الرهيبة – هناتخص المتمسكين بهدف الاستقلال ولا يفرقون بين المفهومين في خطابهم السياسي كما هو عليه الحال في تعاطيهم مع المفاهيم الأخرى لا سيما تلك التي أوردناها .

6--
تقــــــريــر المـصــــــــير

ورد هذا المصطلح كهدف أو كحق لشعب الجنوب في النقاط الأربع التي تقدم بها المناضل / د.(محمد حيدرة مسدوس) كمبادرة منه بقصد إيجاد صيغة توافقية فهو إذ يرى في النقطة الأولى بان حرب 1994م أسقطت مشروع الوحدة وفكت الارتباط بين الشمال والجنوب في الواقع وفي النفوس ويصف الوضع القائم في الجنوب بعد حرب 1994م انه (ليس وحدة وإنما اغتصاب بالقوة العسكرية ) ولذلك يؤكد د.مسدوس بان الشعب الجنوبي يرفض ذلك الوضع – ويضيف – بان (من حق شعب الجنوب تقرير مصيره دون وصاية عليه ) – النقطة الثانية - هكذا أضيف إلى فوضى المفاهيم والأفهام السياسية حول القضية الوطنية الجنوبية والى تعدد الأهداف والمطالب هدف أخر بمصطلح قابل لتعدد التفسيرات وإرباك المرتبك بضخ المزيد من الخيارات والمطالب والاصطلاحات .. الخ إلى ساحة الثورة الشعبية المتخمة بالغث والسمين من الرؤى وأطروحات الحلول وو ... الخ التي بعثرت الوعي الثوري الجنوبي وأدت إلى تجزئة المأساة الجنوبية الواحدة بين الرؤى والمطالب المجسدة لحق شعب الجنوب والمعبرة لحق إرادته وبين تلك الرؤى الذهانية المتعالية على حقائق الواقع والمفارقة حد التناقض الصدامي مع مضمون القضية الوطنية الجنوبية الجامعة لحاضر ومستقبل شعب الجنوب .
عموما .. لا ندري ما علاقة (تقرير المصير) بقضية شعب تخضع دولته لاحتلال عسكري خارجي بماهيته الاقتلاعية ونزوعه التدميري الشامل لكل ما هو جنوبي ثم هل هذا يتسق – بنظر أستاذنا د.مسدوس – مع الوصف البديل للاحتلال أي استبداله بوصف (الاغتصاب) ؟ كما لم يقل لنا كيف يمكن بلوغ حق تقرير المصير ؟ هل عبر الاستفتاء في ظل وجود الاغتصاب ( = الاحتلال ) ؟! أم عبر الثورة الشعبية ومواصلة النضال حتى إزالة الاغتصاب ؟ هل عبر منظمة الأمم المتحدة أم عبر الحوار مع سلطة الاحتلال ؟ ثم ما الذي سيحرك المجتمع الدولي لتبني حق الجنوب في تقرير مصيره وكذلك ما الذي سيفرض على الاحتلال القبول بهذا الحق لشعب الجنوب ؟

والسؤال المهم في هذا المضمار هو : هل تبني هذا المطلب قائم على أساس إن الجنوب إقليم جغرافي وديموغرافي ضمن دولة الـ(ج.ع.ي) التاريخية أم دوله تاريخية مستقلة احتلت عسكريا من قبل دولة أخرى ؟ . إن واقعية المطلب من عدمها ترتبط عضويا بطبيعة الرد على هذا السؤال فاذا كان الجواب بالقسم الأول من السؤال فان حق تقرير المصير مطلب صحيح وله نموذج في جنوب السودان وإقليم كيبيك الكندي الناطق بالفرنسية مثالا حيا . أما إذا كان الجواب بالجزء الثاني من السؤال فان المطلب يمثل تعسفا سياسيا وقانونيا له علاقة بين المصطلح والحق الوطني الجنوبي الموضوعي الذي يستوجب إزالة الاحتلال أولا ثم يمارس شعب الجنوب حقه في تقرير مصيره بنفسه واختيار طريق تطوره دون وصاية عليه ونعتقد إن ذلك هو المضمون السياسي القانوني لمفهوم حق تقرير مصير الشعوب المستعمرة الذي تبنته المنظمة الدولية في ستينيات القرن الماضي مقره (تصفية الاستعمار) . إزالة الاحتلال – الاستعمار أولا هو الشرط المركزي الذي يعطي مصطلح تقرير المصير – في قضيتنا – البعد السياسي والقانوني الواضح ( = الاستقلال والسيادة .. الخ ) الملفت للنظر – أو لم يلفت نظركم أعزائي المناضلين قبل الآن ؟ - الوحدة الجدلية بين مطلب حق تقرير المصير كبديل توافقي لحق شعب الجنوب في تحرير أرضه من الاحتلال واستعادة دولته المستقلة تماشيا مع استبدال مفهوم الاحتلال بمصطلح (الاغتصاب) وبين ربط الفدراليين لمطلب فدراليتهم بفترة انتقالية بين 4-5 سنوات بعد تحقيق مطلبهم الذهاني يتم بعدها استفتاء شعب الجنوب مساواة بالنموذج السوداني . وتقرير المصير غير مشروط بإزالة الاحتلال قبلا يعني إن هذا الحق يتم إخضاعه لاستفتاء شعب الجنوب تحت الاحتلال وهذا له المخاطر ذاتها التي عددناها عن الفترة الانتقالية التي اقترحها فيدراليو لقاء القاهرة في السياق أعلاه .
يا شعب الجنوب يا كل أحراره المناضلين ويا شباب الثورة يا من يعقد عليكم الأمل في تحرير الثورة من أدران عقليات الماضي وبالتالي إخراج الثورة من أزمتها فإنقاذها ممن طمعوا في استغلالها لبلوغ نزوعاتهم المريضة وممن يلغمون طريق الثورة بتفجير حلول أو مطالب جديدة تعيق تقدمها ليس إلا . إذ إن صاحب الحق المغتصب – من وجهة النظر السياسية والعقلية والمنطقية – لا يتقدم بمقترحات حلول ما دون أعلى سقف للحق لان ذلك يخدم الاحتلال الذي لا يمكن ان يقبل عن طواعية بادني الحقوق ما لم تفرض عليه إن يكون هو المبادر لطرح الحلول والنضال حتى بلوغ مرحلة إجباره على الخضوع وللتسليم بالحق الجنوبي الكامل غير المنقوص .. الخ
.
نعود للنداء فندعوكم إلى إخضاع العاطفة لقيادة العقل كي ننقذ ثورتنا من الانشغال بما استنزف جهدنا ومزق إرادتنا .. الخ مما أدى إلى تراجع صرختنا الثورية صرخة الحق الذي أوصلت إلى كل العالم قبل غزو فيروس الاستقطاب صفوف حركتنا الشعبية الثورية .. ولذلك فان الخلاص من ماساتنا يستلزم – بالضرورة
- :
حسم الخيار السياسي لشعبنا (غالبيته على الأقل) خيار النضال السلمي من اجل طرد الاحتلال واستعادة دولتنا المستقلة كهدف استراتيجي قائد لكل المؤمنين به
.
مواجهة كل ما يتعارض أو يتناقض مع مضمون قضيتنا وهدف وتطلعات الشعب العادلة
.
الانتباه إلى السموم التي تدس في طبق الثورة الفكري والسياسي من قبل جنوبيين يزعمون إخلاصهم لحق الحرية والاستقلال ولنا تجربة ملموسة لا بد إن نتعض بها
.
إخضاع كل مصطلح أو مطلب لمرجعية ثابتة هي القضية الوطنية الجنوبية بمضامينها السياسية والجيو/ثقافية والتاريخية والقانونية والأخلاقية كقوة موضوعية في مواجهة الاحتلال
.
ليس أخيرا
:
ثقتنا عالية بان أرضنا تختزن في باطنها ما لم يتجلى بعد من زلازل الحق وبراكين الإرادة وان الشعب الجنوبي الذي ابتكر – في أقسى لحظة تاريخيةأساليب ووسائل بعث الروح الوطنية الجنوبية الواحدة لمواجهة خطر طمس هويته واستهداف وجوده بالمحو من قبل احتلال همجي لا أخلاقي بإرادة ذاتية حرة واعتماد كلي على الذات متسلحا بوعي قوة حقه الشرعي العادل غير ملتفت إلى ذرائع المهزومين ولا إلى فزاعات المستسلمين ولا إلى خسة العسس والمتعيشين على لحم إعراضهم ولا إلى هرقلية المحتلين أو بطش جيشهم وأجهزة قمعهم البربرية ولا إلى رأي الأخر الإقليمي والدولي غير العابئ بما حل به وأوصله إلى جحيم غير مسبوق وفاجعة إنسانية لعلها الأولى في كل تاريخه منذ العدوان على مملكة (اوسان) في القرن الرابع قبل الميلاد من قبل أجداد الغزاة المعاصرين .. واستطاع إن يوصل صوته إلى كل العالم مضرجا بالدماء الزكية كاسرا كل تخوفات المترديين وكل حواجز الخوف والرعب والإرهاب التي نصبها الاحتلال وجند حرسا لها من أبناء الجنوب – للأسف .. الخ إن شعبا نهض من تحت أنقاض الغدر والعدوان والخديعة ومن وسط رماد الوهم الذي زينته في عينيه قيادة دولته الفاشلة كطائر الفينيق صانعا ثورته المائزة قبل إن يبدأ الربيع العربي ببضع سنوات
.
إن شعبا كهذا قادر – بإذن الله – وبإرادة أحراره وإخلاص وصدق مناضليه إن يتخلص من الإمراض التي تسللت إلى جسد ثورته وسوف يستعيد وعيه المستقل بالذات فيلملم شعثه ويسد كل السبل أمام ( قطاع طرق التاريخ ونخاسي الأوطان والثورات فيرفع شعار ( لا بطل إلا الشعب ) فزمننا اليوم هو زمن الشعوب وليس زمن الأبطال – الطغاة .. فالشعب هو الذي فجر الثورة وبه ستنتصر فالبطل هو ذلك الذي يواجه الموت في ساحات الرفض والثورة وفي طليعته الشهداء الأبرار والجرحى الأبطال والأسرى الصامدين
.
فلا يأس ولا إحباط يؤثران على المناضلين المنتمين عن وعي وإخلاص إلى قضاياهم نعم .. لان المناضل منتج دائم للأمل .. حتى في أقسى وأحرج الظروف يرى بعين الإرادة والإصرار فجر انتصار الحق في نهاية النفق .. فالمناضل عدو اليأس والتردد وكأنه المثل الحي لقول الشاعر العربي : ( إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** إن فساد الرأي إن تترددا ) إن المثابرة الواعية المشفوعة بالإرادة والإيمان بانتصار الحق عنصر مهم من عناصر القوة الفاعلة إذا ما رفدت بشرط التنظيم الكفاحي الطوعي الواعي المعزز بارادة حره وقناعة راسخةهذه القاعدة بعموم – أما في قضية نضال شعب الجنوب فان المنكسر الذي ينكفئ محبطا أمام المصاعب والعقبات والعوائق الذاتية والموضوعية التي رافقت ثورتنا أو المهرول خلف مشاريع الطرق السهلة للحل , كما يزعم كذبا أصحابها فإنما هو غير الواعي للمضمون الموضوعي للحق الوطني الجنوبي غير القابل للتقادم الزمني , ولا يمكن إسقاطه ودفنه بالمساومة به أو التآمر عليه طالما بقي صوت الحق قائما ولو بجزء قليل من أصحابه إلا إذا قبل كل أصحاب الحق بالتنازل عنه وهذا هو المستحيل – ذلك عن الأول – أما الثاني فيحتمل وجهتين كما أثبتت لنا التجربة الوجه الأول هو عن غياب الوعي والإرادة مما دفع صاحبه إلى الإحباط فالقبول ببعض الحق أفضل من عدم الحصول عليه كاملا كما صرنا نسمع اليوم من البعض في الشارع وهو الهدف الذي كان وما زال وراء مظاهر الإعاقة السياسية الذاتية التي اقل ما توصف به هو داء (الغرغرينا) الذي أصاب دم الثورة الفكري والسياسي أي تلك العوائق التي أبرزناها في سياق هذه القراءة
.
أما الوجه الأخر فيتمثل بفرسان صنع واختلاق تلك العوائق لإيصال الثورة إلى أفق مسدود لتمرير مشاريعهم المختلفة الشكل الموحدة الهدف والمضمون
.
قضيتنا منتصرة .. منتصرة .. حق شعب الجنوب في الحرية للأرض والإنسان واستعادة دولته وسيادته , سننتصر إن عاجلا أو أجلا .. والتحرر من كل الإمراض والشوائب التي شخصنا – في هذه القراءة – أهمها كفيل بتعجيل النصر ووضع حد لماساتنا الإنسانية الراهنة
.
لكن ذلك يستوجب مصارحة الذات الفردية والجمعية بعقلية نقدية جادة صارمة ومسئولة .. لابد من الشجاعة اللازمة للوقوف على الحقيقة لمعرفة مصادر وأسباب أزمة الثورة لتجاوزها والانطلاق بوضوح إلى الأمام .. ما لم .. ما لم أيها الشباب المعول عليكم في تصويب المسار وبمساعدة القوى المخلصة على إخراج الثورة من أزمتها – ما لم يتم ذلك فانه كل ما لاح فجر النصر على أفق الغد المأمول , تراجع خلف غيوم وأدخنة تلك الإمراض الماضوية فيجد الأحرار المخلصون أنفسهم يرددون مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش : ( شاهدنا غدا تحت النوافذ فاخترقنا أسوار حاضرنا لنبلغه *** فصار ماضينا في درع جندي قديم ) . أو لسنا اقدر الشعوب على فهم هذه الحكمة الشعرية
.
وبرغم ذلك نقول للمنتقصين من حق شعبنا في الحرية والاستقلال , المستجدين الغاصب حلا لماساتنا .. لا .. لا . لا ( متى كانت حقوق الشعب منة *** يذل الحر إحسان اللئيم ) بانتظار ارائكم المسئولة ومشاركتكم الهادفة بمعزل عن موقفها من هذه القراءة المتواضعة ليس أخيرا .. بل إلى لقاءات متجددة على طريق هدف التحرير والاستقلال – بإذن الله تعالى – ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره () ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) صدق الله العظيم
***
-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*
يعلم الكاتب اننا شعب جله لايقراء وان معظم المهتمين بالشأن السياسي يؤثرون الخبر الصحفي والمقالة الصحفية ويعزفون عن قراءة الدراسات التحليلية ,وان بحجم هذه القراءة المتواضعة .الكاتب هنا يتوخى ممن يطلعون على هذا النص ان يقروا العلاقة بين موضوع القراءة المهم المستلزم اكثر من كتاب وحجم هذه المحاولة بما هي اشبه بالافتتاحية ليس الا لقضية بحجم ذاكره تاريخية وشعب ومظاهرها الراهنة فيبررون للكاتب طول نص قراءته لها باعتبارها دون الإحاطة بموضوعها الكبير .والدعوة موصولة لمشاركتكم في النقاش
هل أعجبك الموضوع:

ليست هناك تعليقات :