خاص عدن الغد
صلاح السقلدي
لا نعرف لماذا يتطوع البعض وان كان دون قصد لخدمة الأسرة الحاكمة بصنعاء ومن دار في فلكها حينما يطرقون موضوعا يزكم الأنوف ويثير الاشمئزاز بالأنفس بتعرضهم لأبناء الجنوب في عدن من خلال البحث عن الجذور والتفتيش بجينات أصول أهلها وساكنيها ،أهو قادم من تعز أو الهند أو الصومال... فماذا أبقى هؤلاء السذج لعصابة الحكم بصنعاء لتثير الفتن والضغائن بين أبناء الجنوب في عدن وغير عدن بعد ان أسدرت هذه العصابة بغيها وهي تمعن بذلك العمل الوقح وتستثمر خلافات أبناء الجنوب لمصلحتها منذ أكثر من عقد ونيف لأغراض سياسية مقيتة، ما كان لها تنجح لولا أن وجدت الأرض الخصبة لتبذر فيه شجرة زقومها، فكما يقال:(لا يمكن لأحد أن يمتطي ظهرك إلا بقدر انحناءك له؟.
ليست هذه قضيتنا ولن تكون قضيتنا على هذه الشاكلة،ومن ينحدر بهذه الهوة السحيقة فهو يضرب الجنوب في صميمه ويضره أيما ضرر من حيث قدر انه يخدمه ان كان قدر ذلك فعلا، فهذا المسلك هو ضرب من التطرف يسيء للقضية الجنوبية بكل الأحوال ويعطي خدمة دون مقابل للخصوم. فالتطرف كما يقولون هو حب الشيء إلى درجة الإساءة له، فمن كان يحب الجنوب ويخلص له فلا يقتله بحبه الجامح .
- سبعون عاما بالضبط مرت على زيارة زعيم الهند ومحررها(المهاتما غاندي ) لحاضرة الجنوب (عدن) حين زارها بشهر سبتمبر أيلول 1931م في طريقه إلى لندن لحضور اجتماعا بخصوص بلاده القابعة حينها هي وعدن تحت الاحتلال البريطاني،فحسب عدد من المصادر التاريخية الحديثة فقد ألقى المهاتما الذي كان حينها أسمه يدوي بكل أرجاء الأرض كرائد للنضال السلمي العالمي بوجه الاستعمار كلمة في مدينة الشيخ عثمان برفقة الراحل محمد علي لقمان بعد جولة له بكريتر وبعض أحياء المدينة أشاد فيها بتاريخ عدن كمدينة عظيمة تآلف سكانها فيما بينهم عبر العصور بمختلف أديانهم وأعراقهم وألوانهم ومذاهبهم، ووصفها المهاتما بــ(القلعة).
نسرد هذه الواقعة لنستأنس بهذا النوع من النضال الراقي الذي يعلمنا ارفع معاني الشموخ بأبسط أدواته بوجه قوى الاحتلال والطغيان وهيمنة الاستبداد ولنتيقن من خلال ذلك إن قوة الحق فوق حق القوة مهما بغى وطغى وتجبر وتأمر العتاة والظلمة، فضلا عن تعلمنا درس بليغا من دروس مدرسة النضال الغاندي العظيم مفاده ان نسائم المحبة والألفة قادرة على إطفاء نيران الضغائن وحرائق الأحقاد الذي يحرص أعداء الإنسانية على إذكاء جذوتها.
نعلم جيدا ان سلطة الفتنة بصنعاء وعبر (صنمها) وباقي الأذناب قد شرخت أعماق أعماقنا وبذرت للأسف في النفوس بذور الانفصال في عهد التوحد الجغرافي المشئوم وظلت غائبة في زمن الانفصال الجغرافي الجميل، وأتت شرر نيرانها هذه السلطةعلى كل ما هو جميل بهذا الجنوب (أرضنا الطيبة)، ولكن بالمقابل ينبغي ألا نجعل هذه النيران تأتي على أعضاء جسدنا الجنوبي وألا نوقدها بكتاباتنا وخطابتنا لأن ألسنة نيرانها لن تبقي ولن تذر لن شيئا، وهذه صرخة نوجهها الى الجميع بان يكونوا على مستوى التحدي الذي يواجه الجنوب وان لا يجعلوا لقوى البغي الاستبدادية وقوى الاحتلال (الأسرية) تعبث بالجنوب أكثر مما قد عبثت به من قبل.
فان إخواننا أبناء الحجرية وشرجب وشرعب والصلو والأعروق والمقاطرة والقبيطة ممن قد تجغرفت أحياء وشوارع عدن في قلوبهم لم ولن يكونوا يما من الأيام على الضفة المقابلة للخصومة للجنوب،مثلما تجغرفت بقلوب أبناء يافع وحضرموت وأبين وعتق وطور الباحة وكذا المنحدرين من أصول مسلمة أخرى – فالجميع قد شكلوا منذ عشرات السنين نسيجا جنوبيا متماسك، وعروة لا فكاك لوثاقها منذ مئات عشرات بل قل مئات السنين- وغيرها من أصقاع الجنوب الجريح ،نقول انه لم يكن احد ممن ذكرناهم هم خصومنا كما يحاول البعض ألهائنا عن قضيتنا الأصل ،قضية الجنوب العادلة الذي هي قطعا أكبر من تكون قضية تفتش عن اصل جذر الإنسان وعن هويته ومنشأه،والله المستعان.
ستظل حاضرة الجنوب (عدن) كما كانت فاتحة القلب مشرعة الأذرع لكل من يقصدها مسالما لا ناهبا ولا غازيا، ستظل مرحبة بالجميع مثلما رحبت باحرار صنعاء بالقرن الفارط واستقبلت غاندي والزعيم المصري سعد زغلول لاجئاُ وحتى رئيس وزراء بريطانيا نفسها (ونستون تشرشل )إبـّان الحرب العالمية الثانية وهو بوجه فوهات مدافع هتلر بأربعينات القرن العشرين.
بقي أن نقول ان ما دفعنا مكرهين ان نخوض بهذا الموضوع المقرف هو كثرة الكاتبات الحادة بل والجارحة التي طغت على السطح بالآونة الأخيرة وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تعصف بالجنوب ، والتي لا نشك أبدا أن كثيرا من أصحاب هذه الكتابات والتصريحات يفعلون ذلك بدافع حب الجنوب والقلق على مستقبله،ولكن من الزاوية التي يعتقدون أن الرؤية مناسبة منها، وهي بالتأكيد ليست كذلك.
* وقديما قالت العرب في ديوانها:
( كن أرضاً لينبت فيك وردٌ× فإن الورد منبته الترابُ)
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق