الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

وحدة معمدة بالدم من أجل نفط الجنوب وليس من أجل الوحدة(1-2)

د.محمد علي السقاف:
لوكان جنوب اليمن خاليا من الثروة النفطية والغاز، لا يمتلك موقعا استراتيجيا استثنائيا يميزه عن القوى الاقليمية الثلاث في المنطقة (السعودية/ العراق/ وإيران) بإطلالته على جنوب البحر الأحمر (باب المندب) وخليج عدن والمحيط الهندي، هل كانت بريطانيا تسهم باحتلالها عدن، والسوفيت بإسراعهم لتأمين موقع قدم لهم في ظل تنافس القوى العظمى فيما بينهم إبان الحرب الباردة؟ وكذا الحال أيضا بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي في الوقت الحاضر.



لا شك أن الثروة النفطية والموقع الجيوبوليتك شكلا الدافع الرئيسي للنخبة الحاكمة في اليمن الشمالي في التفكير جديا في موضوع الوحدة
اليمنية، الذي كان حكرا التفكير بها على نخبة أبناء الجنوب ولدى قطاع واسع من أبناء الشعبين في الشمال والجنوب لاسباب عاطفية وقومية. فالنفط والسياسة والمواقع الاستراتيجية، خاصة تلك التي تتحكم في منابع النفط وطرق إمداداته، كانت في صلب الصراعات الدولية للسيطرة على منابعه وتأمين ممراته المؤدية إلى مناطق استهلاكه في الدول الصناعية، ومصدراً للنزاعات الحدودية بين الدول المنتجة الصناعية والنامية كالنزاع على بحر الشمال بين بريطانيا والنرويج والنزاعات في ترسيم الحدود بين عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.

فإذا أخذنا نموذجين فقط من الحقبة الاستعمارية في العلاقة الفرنسية - الجزائرية، ونموذج من حربي الخليج الثانية والثالثة سيتبين لنا أهمية وخطورة الثروة النفطية في تحديد نوع وطبيعة العلاقة بين الدول (أو الشركات النفطية العالمية) في علاقتها بالدول المنتجة للنفط. ففي أثناء حرب الجزائر سعت الحكومة الفرنسية خلال مفاوضات ايفيان عام 1961م «ليّ ذراع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية باعتراضهم على انتماء الصحراء للجزائر، نظرا لأهمية آبار البترول والغاز التي اكتشفت فيها عام 1953م» وفوض الجنرال ديجول موفده الخاص بتقديم تنازلات واسعة لجبهة التحرير الجزائرية شريطة قبولها وضعا خاصا للصحراء يفصلها عن جزائر الشمال، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وقبلت على إثرها الحكومة الفرنسية بسيادة الجزائر على الصحراء بتوقيع اتفاقيات ايفيان في مارس 1962م. والمثال الآخر يتعلق بحربي الخليج 1991م و2003، في حرب 1991 عند غزو واحتلال الكويت الشقيقة لم تتخللَّ الولايات المتحدة الأمريكية عن عقيدتها العسكرية بعد دروس حرب فيتنام بعدم إرسال قوات امريكية خارج حدودها ومناطق نفوذها بكسر هذه القاعدة حبا في الكويت وإنما لخطورة امتلاك صدام حسين نفط الكويت إلى جانب نفط العراق مما سيؤدي إلى تهديد المصالح الغربية بامتلاك احتياطي من النفط يفوق احتياطي المملكة العربية السعودية التي تنتهج سياسة نفطية متوازنة وعقلانية، واستغلت الولايات المتحدة أيضا أحداث 11 سبتمبر 2001 لتغزو وتحتل العراق، وكذا غزوها لافغانستان دوافعهما الأساسية ليست لمحاربة الإرهاب كما تدعي وملاحقة أفراد القاعدة، بل أساسا بسبب كميات النفط الكبيرة التي يختزنها العراق في أراضيه ولموقع افغانستان قريبا من احتياط النفط الكبير لبحر قزوين تأمينا لاحتياجاتها المتزايدة من النفط الخام والغاز كأكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم، وفي الوقت نفسه حرمان القوى الدولية الصاعدة كالصين من وضع يدها على منابع النفط في المنطقة.

القول الأمريكي إن أحد أهداف غزوها واحتلالها للعراق لنشر الديمقراطية والحكم الرشيد فيها لتصبح نموذجا لبقية دول الشرق الأوسط وليس من أجل نفطه شبيه إلى حد كبير برفع شعار الوحدة اليمنية لتتويج أهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر وإعادة (اللحمة الوطنية) التي مزقها الاستعمار البريطاني والنظام الكهنوتي الإمامي!! وقائع الأحداث قبل إعلان الوحدة في 22 مايو 1990، وحرب صيف عام 1994، تلقي ظلالا كثيفة وتساؤلات كبرى حول مدى صحة هذه النوايا الحسنة في أهداف النخب الحاكمة في تحقيق الوحدة
اليمنية كما سنتناول ذلك في النقاط التالية:

1) وحدة معمدة
بالنفط الجنوبي

في حديث مع «الحياة» اللندنية بتاريخ 30 اكتوبر 1993، قال علي سالم البيض نائب الرئيس حينها «انه في يوم الوحدة في 30 نوفمبر 1989، لم يكن أحد حولنا مقتنعا بأنه ستكون وحدة ونحن نقول إنه بتوفيقه تعالى وصلنا إلى الوحدة .. نحن أصحاب حلم هكذا أعتقد أنا جئت من حزب من حركة وطنية عندها حلم، يعنى ليس لدي شيء خاص يحركني .. ولكن كان عندي حلمي الوطني الكبير الذي تمسكت به وقد رفضنا وثيقتين: وثيقة أولى بمضمون اتحاد كونفيدرالي وأخرى بمضمون فيدرالي، وقلنا لننتقل إلى اتحاد اندماجي ولنختبر همتنا وإيماننا بهذه القضايا..» وبعد اشتداد حدة الأزمة السياسية بين الرئيس ونائبه قبل اندلاع الحرب صرح علي سالم البيض لصحيفة خليجية أعادت نشره صحيفة «الثورة» كما أعتقد، قال فيه بما معناه (لضيق الوقت لم يبحث الكاتب عن المرجع) إنه يتحمل كامل المسئولية في قراره الانفرادي بالوحدة التي عجل بإنجازها مع الرئيس صالح خشية منه أن الشعب في الجنوب لو علم بكميات النفط المكتشفة في أراضيه لربما تخلى عن تحقيق الوحدة مع الشمال ولذلك عجل بها .. وهذا يجسد من جديد توافق الرجل مع قناعاته وأحلامه واختلافه مع طبيعة شخصية الطرف الآخر المقابل له الذي رأى في اكتشافات النفط التي ربما أحاطه علما بها السيد علي سالم البيض في لقاء عدن في نوفمبر 1989 الذي جمعهما معا، حيث صرح الرئيس صالح في زيارته الأولى للولايات المتحدة في أواخر يناير 1990 «إن اكتشاف النفط على امتداد الحدود بين الشطرين (لاحظوا العبارة المستخدمة) شجع على الوحدة بينهما» مشيرا إلى «أن البلدين أقاما شركة استثمار مشتركة لتنمية مواردهما النفطية في الوقت نفسه الذي تستمر فيه محادثات التوحيد» (تصريحات منشورة في صحيفتي «الحياة» و«الشرق الاوسط» كلاهما بتاريخ 31 يناير 1990) يستدل إذن من هذه التصريحات أن النفط كان حاضرا في «التشجيع على الوحدة
» بين الشطرين وحاضرا في محادثات «التوحيد» حسب تعبير الرئيس صالح.

2) وحدة معمدة بالدم
من أجل نفط الجنوب

هذا ما حدث في حرب صيف 1994 وسأورد هنا تعليقات بهذا المعنى أقتصرها على تعليقات بعض الصحف العربية دون ما جاء في بعض الصحف الغربية، فتحت عنوان (هل تحترق اليمن بالنفط؟) علقت صحيفة «الاهرام» المصرية بتاريخ 1994/7/5 بالقول إن «حقول النفط ومنشآته في اليمن الجنوبي في مناطق شبوة وحضرموت والمهرة التي بها احتياطيات كبيرة من البترول والغاز وهي تعتبر الهدف الرئيسي وراء تمسك الشماليين بالوحدة
مع الجنوبيين... والحقيقة أن البترول وعائداته يعتبر العامل الرئيسي وراء اشتعال نيران الحرب في اليمن حيث إن حكومة صنعاء كانت قد أعلنت استياءها لامتناع عدن عن إرسال عائدات البترول إلى البنك المركزي اليمني في صنعاء، واشتكى بذلك مرارا الرئيس اليمني علي عبدالله خلال مفاوضات الوساطة التي قام بها عدد من الزعماء العرب لوقف تصاعد الأزمة بينه وبين نائبه علي سالم البيض، تجعل انفصال اليمن الجنوبي وإعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطية بالإضافة إلى أن بعض شخصيات حكومية بالشمال تحولوا إلى وكلاء مباشرين لشركات بترول أجنبية عاملة في اليمن الجنوبي كما أن حكومة صنعاء منذ توحيد شطري اليمن في مايو 1990 طالبت بوضع 25 بالمائة من عائدات البترول خارج الموازنة وتحت بند موازنة الرئاسة، والمعروف ايضا أن اليمن تعتمد في توفير احتياجاتها من المنتجات البترولية على معمل (مصفاة) تكرير عدن الذي يتجاوز إنتاجه نحو 170 الف برميل يوميا بينما معمل (مصفاة) تكرير مأرب لا يزيد إنتاجه عن عشرة آلاف برميل يوميا».

وفي عمود صلاح منتصر في صحيفة «الأهرام» بعنوان (وادفعوا يا عرب ..! إيه الحكاية؟) قال «قبل أن ينسحب صدام حسين من الكويت .. يأمر قواته بإشعال النار في حقول وآبار البترول الكويتية قاصدا القضاء على ثروة الكويت البترولية.. ويجد الشعب العراقي نفسه ملزما بسداد فاتورة ثمن هذا الجنون لسنوات طويلة قادمة، ويصدر مجلس الأمن قرارا بوقف الحرب الأهلية في اليمن .... نفاجأ باليمن الشمالي يركز غاراته وهجومه على منشآت البترول في اليمن الجنوبي وتشتعل النار في معمل تكرير عدن وتحترق مئات الملايين من ثروة الشعب العربي وأغلب الظن أن اليمن الجنوبية ستحاول استصدار قرار جديد يفرض على الشعب اليمني في الشمال سداد فاتورة حرائق البترول .. وهكذا أموال العرب وثرواتهم تحترق بقرارات من القادة العرب وتعويضات هذه الحرائق تسددها شعوبهم.. لقد كان أمل صدام أن يضم الكويت على اعتبار أنها المحافظة 19 من العراق فكيف إذا كان هذا منطقه يحرق بتروله؟.... وإذا كان علي صالح يتحدث عن وحدة اليمنيين ولا يعترف بقرار اليمن الجنوبي للانفصال فكيف إذا كان هذا منطقه يحرق بترول دولة الوحدة التي يحرص عليها وكيف يتصور أنه حتى لو استولى على عدن سيكسب حب هذا الشعب الذي أحرق ثروته ويريد أن يجعله يزحف على بطنه
من الفقر والجوع أي منطق .. يحكم به هؤلاء القادة...» («الأهرام» بتاريخ 1994/6/9).


هل أعجبك الموضوع: