الحوار المتمدن\للكاتب العراقي سهر العامري
قلت فيما تقدم من الكلام أن بعض الدول العربية كانت تقف بقوة ضد قيام وحدة ما بين جنوب وشمال اليمن يكون الحزب الاشتراكي اليمني طرفا قويا فيها ، وكان من بين تلك الأنظمة العربية نظام صدام في العراق الذي كان يرى أن الجنوبيين خرجوا عن الخط القومي في تبنيهم للفلسفة الماركسية ، وهذه الحقيقة كان صدام يصرح بها علنا
مثلما كان يصرح بها المقبور عفلق كذلك ، ولهذا عمل صدام ونظامه على إحباط أية خطوة يقوم بها اليمنيون نحو الوحدة ، وهذا الحقيقة واجه فيها المدعي العام الجناة الذين قاموا بجريمة قتل الدكتور توفيق رشدي في مساء اليوم الثاني من شهر حزيران سنة 1979م ، وكان ذلك أثناء انعقاد جلسات المحكمة التي تشكل مباشرة بعد حدوث الجريمة تلك .
مثلما كان يصرح بها المقبور عفلق كذلك ، ولهذا عمل صدام ونظامه على إحباط أية خطوة يقوم بها اليمنيون نحو الوحدة ، وهذا الحقيقة واجه فيها المدعي العام الجناة الذين قاموا بجريمة قتل الدكتور توفيق رشدي في مساء اليوم الثاني من شهر حزيران سنة 1979م ، وكان ذلك أثناء انعقاد جلسات المحكمة التي تشكل مباشرة بعد حدوث الجريمة تلك .
لقد كنت أنا العراقي المعارض الوحيد الذي حضر تلك المحكمة لتغطية جلساتها منتدبا من قبل منظمة الحزب الشيوعي العراقي في اليمن هذه المرة ، وليس من قبل جريدة 14 أكتوبر التي كنت أعمل بها . وقد استمعت وقتها الى المدعي العام ، وهو يكيل التهم لنظام صدام في تآمره على اليمنيين ، وكان كيل التهم ذاك يأتي عن طريق أسئلة كان يطرحها هو على المجرمين الثلاثة الذين توزعت وظائفهم في السفارة العراقية في عدن على هذه الشاكلة : سمير ، من أهالي الموصل ، ملحق تجاري ثم عبد الرضا ، السكرتير الثاني وهو الذي قام بإطلاق النار على الشهيد توفيق ، وكان من أهالي قضاء المسيب ، محافظة بابل ، وقد نفذ عملية القتل تلك بعد أن شرب ربع قنينة ويسكي في فندق من فنادق عدن لا يحضرني اسمه الآن ، أما الشخص الثالث فهو من مدينة المحاويل من محافظة بابل كذلك وكان يعمل سائقا في تلك السفارة ، وأكثر الظن أن اسمه كان إبراهيم ، ولكنه كان أكثر الثلاثة صمودا ، بينما انهار الآخران انهيارا تاما وراحا يذرفان دموعا غزيرة على إثر الأسئلة التي كان يوجهها المدعي العام لهما ، حتى أن زميلي الصحفي المرحوم أحمد مفتاح قال في واحد من أيام تلك المحاكمة مستغربا ، مستفهما : أهؤلاء هم جند صدام !؟ ومن الجدير هنا أن أذكر الانتماء الطائفي لهؤلاء الثلاثة بحسب ( النظام الديمقراطية الأمريكي في العراق! ) اليوم ، فقد كان اثنان منهما من الشيعة وواحد من السنة .
كانت بعض أسئلة المدعي العام ذاك تنصب على الهدف من الأموال الطائلة التي كان النظام الصدامي ينفقها على بعض القبائل اليمنية ، وعلى كميات السلاح التي كانت تصل إليها من قبله أو تلك الكميات الكبيرة التي عثر عليها داخل السفارة العراقية بعد اقتحامها ، ومن خارج قاعة المحكمة تلك أخبرني طالب من شمال اليمن كان قد انتقل للدراسة في الثانوية التي كنت أدرس بها في عدن من أن السفارة العراقية في صنعاء كانت تقدم راتبا شهريا ثابتا مقداره عشرة دنانير عراقية لكل طالب يمني يحوز على عضوية الاتحاد الوطني لطلبة اليمن ، ومثله أخبرني الفنان اللبناني المعروف مارسيل خليفة في لقاء صحفي معه أجريته في عدن ، بعد أن حذرني بإخلاص من بطش صدام بي إذا ما واصلت أنا الكتابة ضده وضد نظامه ، قال : إن السفارة العراقية في لبنان كانت هي الأخرى تقدم راتبا مقداره خمسة وعشرون دينار عراقيا لكل طالب ينضم الى الإتحاد الوطني لطلبة لبنان .
وعلى هذا كانت الوحدة اليمنية لدعاة القومية الذين يتباكون عليها اليوم مصدر قلق حين كانت شعارا يرفعه الاشتراكيون في الجنوب ، فعملوا ما في وسعهم على إضعاف ذلك النظام من داخله ، ورغم أن القيادة في الجنوب كانت متنبهة لهذا الخطر لكنها سمحت للتنافس الشخصي أن يأكل وحدتها وتلاحمها ، ولهذا وعلى ما قيل لي وقتها إن رئيس الوزراء ، علي ناصر محمد ، هو الذي قام بتحريض وزير الدفاع ، علي ناصر عنتر على العمل من أجل الإطاحة برئيس الجمهورية ، وسكرتير الحزب ، عبد الفتاح إسماعيل ، وقد تحقق له ذلك في إبعاد عبد الفتاح إسماعيل الى موسكو بحجة تلقي العلاج فيها ، ولهذا راح رئيس الوزراء ، علي ناصر محمد ، يعقد المؤتمرات في هذه المحافظة أو تلك ، وهو معتمر الكوفية ، وكان ذلك من أجل أن يضمن لنفسه منصب رئيس الجمهورية ، وسكرتير الحزب الاشتراكي اليمني ، وقد تحقق له كل ذلك فيما بعد .
ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور المشبوه الذي أداه علي ناصر محمد في إضعاف الحزب والدولة مستغلا سذاجة وزير الدفاع ، علي عنتر ، تلك السذاجة التي كانت تعادل سذاجة الفلاحين الذين كان يجالسهم علي سالم البيض على درجات باب اللجنة المركزية في التواهي من عدن .
والدليل على ذلك أن وزير الدفاع ، علي ناصر عنتر ، اكتشف فيما بعد لعبة علي ناصر محمد ، وراح يطالب بعودة عبد الفتاح إسماعيل من موسكو ليتنسم المناصب التي فقدها تحت التهديد ، والدليل الآخر هو تلك المجزرة التي ارتكبها المجرم علي ناصر محمد بحق رفاقه في الحزب بعد عودة عبد الفتاح من جديد الى عدن ، وحضوره اجتماع للجنة المركزية كان منعقدا في مقرها من ضاحية التواهي ، وكان هدف ذلك الاجتماع على ما يبدو هو إعادة عبد الفتاح إسماعيل الى مراكزه الشرعية في الحكومة والحزب بعد أن اغتصبها منه رئيس الوزراء بلعبة مكشوفة ترتبت عليها نتائج وخيمة ليس على مستوى الحكومة والحزب وحسب، وإنما على مستوى الدولة والشعب اليمني في الجنوب .
لقد كان السوفيت ضد عودة عبد الفتاح الى عدن أو الى الحكم من جديد ، ويبدو أنهم وثقوا بعلي ناصر محمد لأسباب أنا لا أعرفها ، وهي تلك الثقة التي أولتها له قيادات بعض الأحزاب الشيوعية العربية ، ومنها قيادة الحزب الشيوعي العراقي وكذلك قيادة الحزب الشيوعي اللبناني ، وقد قيل أن الثقة التي منحتها قيادة الحزبين المذكورين كانت ثمنا للمساعدات المالية التي قدمها علي ناصر محمد لهما ، والتي اعتبرها البعض أنها كانت رشوة وليس مساعدات ، ولكن باعتقادي إن إيلاء الثقة تلك من لدن القيادتين كان مسايرة لموقف السوفيت وليس غير ، فكلتا القيادتين كانتا تتنفسان الريح الباردة القادمة من موسكو .
لقد تمخضت المجزرة ، التي قام بها علي ناصر محمد ضد رفاق دربه في مقر اللجنة المركزية بعد أن أمر الخلص من حرسه بإطلاق النار على المجتمعين قبل قدومه هو الى ذلك المقر ، عن مصرع الكثير من قادة الحزب الاشتراكي اليمني ، ولم يستطع الفرار من نيران بنادق علي ناصر محمد إلا علي سالم البيض الذي تدلى من شباك قاعة الاجتماع المذكور بواسطة بردة الشباك نفسه على ما قيل لي ، بينما استشهد في حمام الدم ذاك عبد الفتاح إسماعيل ، وعلي ناصر عنتر ويبدو أن الرمي كان قد ركز على الاثنين ، ومع ذلك فقد خسر المجرم علي ناصر محمد المعركة نتيجة لتحرك أحدى كتائب الدبابات التي كانت تحت قيادة ضابط يبدو أنه كان موالي لوزير الدفاع علي عنتر رغم أن الطيران كان يشارك في تلك المعركة لصالح علي ناصر محمد الذي لاذ بالفرار أخيرا عن طريق طائرة هليكوبتر كانت قد أعدها للهزيمة على ما يبدو وعبر بها البحر صوب أديس أبابا في الحبشة تاركا أنصاره الذين غرر بهم لهذا السبب أو ذاك صرعى في شوارع عدن ، وكان من بينهم صديقي أحمد سالم محمد ، مدير تحرير جريدة 14 أكتوبر الذي كان يقاتل في صفوفه فهو وعلي ناصر محمد من ذات المحافظة التي هي محافظة أبين .
بعد ذلك آلت القيادة في الحزب والدولة الى علي سالم البيض الذي قاتل ضد علي ناصر محمد بعد فراره الذي أشرت إليه من قبل ، وبذا تحولت القيادات في عموم الدولة والحزب الى الصفوف الثانية وربما الثالثة بعد أن سقط الكثير من قيادات الصف الأول أو القيادات المتقدمة صرعى في معارك توالت على مدى أيام أضرت كثيرا بالحزب والدولة فيما بعد ، هذا في الوقت الذي تهاوى فيه الإتحاد السوفيتي ثم المعسكر الاشتراكي برمته وقد كانا أفضل حليفين للنظام في عدن ، كما أن المجرم علي ناصر محمد انتقل الى شمال اليمن حينها ، وأصبح يشكل ورقة ضغط لعبها علي عبد الله صالح ، رئيس الجمهورية اليمنية بخبث ضد القيادة الجديدة التي لجأت الى الوحدة ضنانا منها أن الوحدة ستحميها في ظرف ضعف كانت تعيشه هي ، وفي وقت غاب فيه أحد أكبر حلفاء جمهورية اليمن الديمقراطية إلا وهو الاتحاد السوفيتي ، ولذلك سلم علي سالم البيض رقبته لجلاد الشمال ، علي عبد الله صالح ، الذي قال في حقه كلمة حق أراد بها باطلا وهي : لو علي سالم البيض لما تحققت الوحدة !!!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق