عدن الغد\أحمدعمر بن فريد
وقال مارتن انديك صاحب شعار "عدن خط أحمر" في حرب احتلال الجنوب عام 1994م, وصاحب نظرية "الاحتواء المزدوج" الشهيرة: "لقد شعرت يومها, بأننا قد قطعنا اكثر من نصف الطريق تجاه نجاح عملية السلام بعد تلك الجولة التي قمنا بها ما بين تل ابيب ودمشق, ولقد اخبرنا الأسد في ذلك اليوم ان ما يطلبه امر مشروع ومتعارف عليه في اي عملية تفاوضية ولا يمكن اعتباره شيئا من الاعجاز او التعجيز خاصة وان صديقنا رابين قد ابدى موافقة حيال التنازل عن الجولان اذا ما قبلت دمشق خوض غمار عملية السلام مع اسرائيل. واخبرناه اننا سنحضر في زيارتنا القادمة الى دمشق "ورقة الضمانات المطلوبة" من تل ابيب".
في الزيارة الثانية الى تل ابيب وحينما عرض كريستوفر طلب الأسد المشروع على رابين, تلكأ الاسرائيلي وتلعثم ثم قال بشكل حاسم: لا يمكنني ان امنحكم ما تطلبون, وبدا حينها - بحسب انديك - ان كل الآمال والاحلام الخاصة بعملية السلام قد انهارت تماما في تلك اللحظة المفاجئة!.. حتى اذا ما عادوا الى دمشق بحسب الجدول المسبق كانوا خالي الوفاض مما كانوا يظنون انه امر مفروغ منه ومقدور عليه... لكن "الأسد" سألهم على التو ان كانت بحوزتهم رسالة الضمانات أم لا؟!!.. فقال صاحب الرواية: لقد شاهدت جميع الألوان تظهر وتختفي على وجه كريستوفر الذي كان محرجا للغاية ولم يجد جوابا مقنعا للأسد.. لقد ادركنا انه لا افق لنجاح عملية السلام ما بين اسرائيل وسوريا في تلك المرحلة.
اذكر بهذه الحادثة التي تعكس "حنكة" الأسد وخبرته السياسية في عملية التفاوض مع المحتل بشأن "هضبة صغيرة" اقتطعت, واحتلت من وطنه في حرب نكسة حزيران 1967م, وذلك لمقارنتها مع "حالة راهنة" نشاهد فيها اخواننا في الله وفي الجنوب - اعضاء مؤتمر شعب الجنوب - بعدما قرروا أن ينتدبوا انفسهم لتمثيل "وطن كامل" وليس هضبة صغيرة, والدخول فيما يسمى بـ"الحوار الوطني اليمني" بجميع ظروفه وملابساته وتعقيداته وخدعه.
قيل لهم في اول الأمر.. ان تمثيلكم في الحوار الوطني سيكون بنسبة 50% من المقاعد! فاذا بنا كدولة عربية محتلة نحصل فقط على اقل من مقاعد حزب واحد من منظومة الدولة العربية الأخرى التي احتلت بلادنا!!.. اي ان نسبة التمثيل الجنوبي في حقيقتها, لم تتجاوز حدود الـ(15%) فقط. ومع ذلك حزموا حقائبهم وتسابقوا جريا الى فندق (موفنبيك) في صنعاء, ظنا منهم ان الخطابات المجلجلة في قاعة المؤتمر يمكن ان تغير الأمر الواقع, أو يمكنها ان تتجاوز حدود ما يفضفض به اي مريض نفسي على مقعده المريح مع طبيبه الجالس امامه بهدوء!.. ومع العلم ايضا انه يمكن لأحدنا أن يقول على مثل هذه الحالة: ان اذانا بأشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كان قد صدح عاليا في "مسجد ضرار" بالمدينة المنورة.
لكن القصة في المكر والخديعة حيال قضية الجنوب لم تنته بكذبة الـ50%, بل تجاوزتها الى ما هو ابعد من ذلك بكثير!.. إذ إن القراءة المتأنية لقائمة الحوار بشأن "القضية الجنوبية" من حيث الأرقام والاسماء تمنح القارئ دلالات ومؤشرات مخيفة ومرعبة جهة المنحى الذي يراد لهذه القضية ان تسلكه وتنتهي اليه في هذا المؤتمر, وهو طريق يهدف في الاساس الى ادخال "قضية الجنوب" في مسار طويل يبدأ ولا ينتهي, يتحدث عن وعود وعهود مع من لا عهد ولا وعد لهم.. انه طريق اشبه ما يكون بطريق "اوسلو" الذي سار فيه الجانب الفلسطيني وانتهى بهم الى لا شيء. انه طريق يهدف الى خلخلة الصف الجنوبي وتشتيت قواه وتفريق طاقته وتجزئته الى مجموعات وشيع لا اقل من ذلك ولا اكثر... ولنا ان نتمعن في بعض المؤشرات البسيطة لنتعرف على ذلك المجهول الكبير الذي يراد للجنوب ان يتجه اليه.
حدد عدد ما يسمى بفريق القضية الجنوبية بأربعين شخصية.. فاذا ما اتجهنا فورا الى فحص الأسماء ونسبها, لوجدنا ان عدد مقاعد "الحراك الجنوبي" في هذا الفريق العظيم هي (15) مقعدا فقط! وبنسبة لا تتجاوز الـ(38%) فقط!! بينما يحتل الآخرون الذين هم بطبيعة الحال ضد "قضية الجنوب" عدد (25) مقعدا وبنسبة تصل الى الـ(62%).. فأين هي الندية, وأين هو التكافؤ في هذه الحالة ايها العباقرة الذين يفوق ذكاؤكم وعبقريتكم حدود ما امتلكه يوما حافظ الأسد مع رابين؟!.
من جانب آخر.. نجد أن حزب المؤتمر الشعبي العام عراب الخديعة الكبرى ومهندس حرب الاحتلال على بلادنا الجنوب, قد انتدب ضمن هذه القائمة اربعة اعضاء ثلاثة منهم "شماليون" وواحد فقط "جنوبي" وهو الدكتور احمد عبيد بن دغر الذي اعتبره من وجهة نظري الشخصية, أسوأ الأربعة في تقديرهم للمفهوم السياسي لقضية الجنوب.. كيف لا؟ وهو الذي لازلت اتذكر ما قاله لنا يوما في منزل "الأب الروحي للجنوب" الاستاذ المرحوم هشام باشراحيل: انه لم يعد للجنوب اي معنى ولا قيمة.. لا في السياسية ولا في الجغرافيا ولا في التاريخ!!.. ومن جانب آخر نلاحظ ان حزب المؤتمر الشعبي العام "استبعد تماما" اي جنوبي آخر ضمن هذا الفريق لديه نسبة شك ولو ضئيلة حياله, كالاستاذ احمد الميسري على سبيل المثال.
اما التجمع اليمني للإصلاح "الشريك الأكبر" في جريمة احتلال الجنوب, فقد انتدب ثلاثة اعضاء بينهم جنوبي واحد وهو البرلماني علي عشال!.. لكن المفاجأة الأكبر في تقديري الشخصي تمثلت في اعضاء الحزب الاشتراكي الذين كان من المفترض ان يكونوا جميعهم جنوبيين من العيار الثقيل, فاذا به يقدم الى قائمته خلاف ذلك تماما!.. ترى كم هي عدد المرات التي خذل فيها هذا الحزب وطننا الكبير... "الجنوب العربي"؟.
الشيخ علي عبدربه العواضي, والشيخ محمد موسى العامري من "قائمة الرئيس هادي".. الأول شيخ قبلي من محافظة البيضاء اعلن الولاء لثورة التغيير في مراحلها الاولى, والثاني شيخ سلفي ترأس اللجنة التحضيرية لمؤتمر علماء السلفية في اليمن, وهو من ذات المدرسة التي ينتمي لها الشيخ محمد الامام, والتي تعتبر الدعوة الى "الانفصال" بحسب تعبيرهم نوعا من الدعوة الى الكفر والعياذ بالله!.. وهنا يبرز السؤال التالي: من الذي رشح هؤلاء من قائمة الرئيس, وأدرجهم ضمن قائمة القضية الجنوبية؟.. فإن كان من رشحهم هو الرئيس هادي شخصيا باعتبارهم من قائمته وهو صاحب التصرف في اختيار من يراه مناسبا منهم, فنحن امام حقيقة "كارثية كبيرة".. وان كان اختيارهم "تم" بمعزل عن ارادة الرئيس هادي شخصيا فالكارثة اكبر من ذلك بكثير, على اعتبار ان هناك من تعدى على حق الرئيس فيما هو امر يخصه من جهة, وعلى اعتبار ان هذا التعدي السافر انما جاء ليلبي "غرضا خبيثا" يخص مسار القضية الجنوبية ضمن تصورات مسبقة لكيفية التعامل معها من جهة أخرى.
المفارقة العجيبة.. أن زميلنا السابق الشاعر الكبير علي حسين البجيري, صاحب اشهر قصيدة مبكرة لثورة الجنوب! وضع ضمن فريق العمل الخاص بـ"قضية صعدة"!.. وفي حقيقة الأمر ان صديقي العزيز الذي اكن له شخصيا كل محبة وتقدير واحترام.. "يستاهل" هذا المقام الذي وضع نفسه فيه!.. لأنه في يوم ما وفي مقر الحزب الاشتراكي تحديدا كان يخبرنا بشكل حماسي محرضا الحضور على الانتفاض والخروج الى الشارع: ان هؤلاء - اي المحتلين - يقذفون الواحد منا بحصى صغيرة في اول الأمر ليشاهدوا ردة فعله الأولية تجاه هذا الاعتداء!.. فان شاهدوه ساكنا ولم يتحرك, قذفوه مرة اخرى بحجر اكبر على رأسه!! فإن تململ وتذمر فقط دون ان يثور, اجهزوا عليه بالحجر الثالثة التي تزن الاولى بعشر مرات لتصيبه في مقتل وتميته!!. كان البجيري يخبرنا بهذه الرواية التحريضية المحقة في هدفها ودلالتها, ولكن يؤسفني جدا ان يكون صديقنا البجيري هو الذي يتلقى الحجر تلو الاخرى دون ان يثور لنفسه ولمنطقه... يا صديقي العزيز تذكر انك في المكان الخطأ! وتذكر ان اخاك البجيري كان من اوائل الشهداء الذين قتلوا بدم بارد امام دفاعهم عن حقهم العام والشخصي... وتمعن فقط في ان (علي المعمري) وضع ضمن قائمة الحوار حول قضية الجنوب وهو الذي تعاركت معه امامنا وامام رفات شهداء الجنوب في مقبرة خورمكسر التي بعثر عظامها جشع الاحتلال, بينما وضعت انت للدفاع عن قضية صعدة... يا صديقي العزيز.. عد الى حيث يجب ان تكون.
خلاصة الأمر.. والطامة الكبرى!.. والمسخرة التي لا حد ولا سابقة لها في اي عملية تفاوض سياسية على مر التاريخ! أن فريقا من اعضاء "الحراك الجنوبي" الذين يقولون انهم سيذهبون الى صنعاء من اجل تقرير المصير واستعادة الدولة, قد ادرجت اسماؤهم ضمن فرق اخرى عليها ان تبحث في امور متناقضة تماما مع ما يقولون انهم جاءوا من اجله!.. لأننا نجد اسماءهم ضمن فرق تتعلق بجميع القضايا الثمان الباقية, كقضية صعدة, وقضية "بناء الدولة"!!.. وقضية "الحكم الرشيد"!! وقضية "الأمن والجيش"!!.. وقضية "العدالة الانتقالية"... إلخ من القضايا التي لا علاقة لنا بها نحن في الجنوب!.. وهنا ومن قلب هذا التناقض والاستخفاف بالعقل والاستهزاء بكل مقومات المنطق يمكن ان نسأل على سبيل المثال لا الحصر الأخ لطفي شطارة الوارد اسمه ضمن فريق عمل "الحكم الرشيد".. ترى اي حكم رشيد ستبحثه مع هذا الفريق؟ هل هو الحكم الرشيد الخاص بدولة الجنوب المستقلة.. المستقبلية الحرة؟؟... بكل تأكيد لا!! اذن.. والحال هكذا, لم يبق الا مناقشة "الحكم الرشيد" لدولة الاحتلال؟؟.. وهنا ستجد نفسك من محاور من اجل الاستقلال للجنوب الى محاور من اجل "ترشيد" الاحتلال!!.. ولي ايضا ان اسأل اخي العزيز محمد عبدالله الدغاري.. عن اي حقوق وحريات سوف تبحث وتحاور يا عزيزي؟ وعن اي هيكلة للجيش سيبحث صديقنا العزيز ناصر الطويل؟ هل جيش دولة الجنوب ام جيش دولة الاحتلال؟!!.
اسئلة كثيرة تتفجر من قلب هذه الكارثة التي تحدث حاليا في صنعاء باسم الجنوب؟.. والمؤسف حقا ان النقد الصريح والواضح يمكن ان يكون مرفوضا من قبل البعض من منطلقات جهوية ومناطقية وعصبيات قبلية نتنة! لهؤلاء نقول اتقوا الله في شهداء ثورة الجنوب.. فوالله الذي لا إله إلا هو لولا دماؤهم وأرواحهم الطاهرة ما كان أحد منكم - كبر او صغر قدره ومنزلته - يساوي مثقال ذرة واحدة لدى قوى الاحتلال في صنعاء.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق