من باب الحكمة والحرص على وشائج القربى والمودة بيننا في الجنوب وبينكم, ومن منطلق ما يفرضه "الأمر الواقع" اليوم من حقائق دامغة لا يستقيم معها النكران أو التجاهل أكتب لكم أيها الأخوة الأعزاء في صنعاء من القيادات السياسية بمختلف التوجهات والأحزاب والمنظمات.. وإلى جميع القيادات العسكرية والأمنية والدينية والفكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية.. أكتب هذه الرسالة التي أريد لها أن تكون تعبيرا عما يجيش في صدورنا نحن "المواطنين في الجنوب"
عدن الغد\أحمد عمر بن فريد
عدن الغد\أحمد عمر بن فريد
والتي أريد لها أيضا أن تعبر عن واقع وحقائق سياسية لا أعتقد أن السبيل إلى حلها بالهروب منها كما يحدث الآن أو كما يعتقد أو يتوهم البعض.. أكتب لكم هذه الرسالة "لعل وعسى" أن تلامس لدى العقلاء منكم بعضا من مكامن الحكمة والمسئولية وحتى الشعور بالعار مما يحدث ويجري حاليا باسم "الوحدة".
أيها الأخوة الأعزاء في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م الشهيرة في نيويورك.. وبعد الكثير من الغضب العارم الذي اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية على مختلف المستويات السياسية والفكرية والثقافية.. طرح العقل السياسي في أميركا سؤالا شهيرا ومحوريا وعميقا في المعنى وإن كان بسيطا وسهلا في الصياغة والتكوين ولكنه كان هاما ومفيدا وموضوعيا، وهو: لماذا يكرهوننا؟.
واليوم أيها الأخوة الأعزاء.. أعتقد أن طرحكم ومواجهتكم للكثير من الأسئلة الموضوعية "الجريئة" من مثل هذه النوعية من الأسئلة يعتبر من وجهة نظري الشخصية بداية الطريق للخروج من هذه الأزمة السياسية الخانقة التي يبدو أنها تحكم علينا وعليكم الخناق وتضعنا جميعا في "منطقة المراوحة" إن جاز التعبير... إن أسئلة كثيرة تستحق أن تطرح من قبلكم بجدية وموضوعية وصراحة تامة من نوعية: لماذا لا يريد الجنوبيون الوحدة؟.. ولماذا يكرهوننا؟.. وما جدوى الاستمرار في وحدة تمت بالتراضي بين الدولتين وباتت اليوم مفروضة من قبلنا بالقوة؟ وما الفائدة من إنكار الواقع الكبير في الجنوب الذي يقول بصريح العبارة إن الحرية الاستقلال والانفكاك من قيود الوحدة هو هدف الأغلبية الساحقة من الجنوبيين؟.. لماذا نحن في الشمال نصر إصرارا عجيبا وغريبا ومستميتا وقاتلا على هذه الوحدة في حين أن العكس من ذلك تماما يحدث في الجنوب؟.. وهل مثل هذا الإصرار المجافي للحقيقة وللواقع به شيء - ولو يسير- من الحكمة والتعقل أو يمكن أن ينتج عنه شيء يسير من الأمن والاستقرار والسكينة؟... ثم - وهنا السؤال الأهم- ما فائدة مواصلة الحرب على الجنوب بوسائل أخرى لفرض الوحدة عليهم؟.. خاصة وأن الحرب العسكرية التي أنتجت واقع الاحتلال في شهر 7 عام 1994م أثبتت فشل "القوة" في التغلب على "الحق"!.. فما هي الجدوى إذاً من استمرار هذه الحرب بوسائل السياسة اليوم وتجييش الإعلام, والمجتمع الإقليمي والدولي, وتأليبهم ضد الجنوبيين لفرض واقع الوحدة عليهم وإن بوسائل وطرق أخرى؟.. أولا يخوض الجنوبيون اليوم حربا ثانية - شريفة بكل المعايير- معكم على الصعيد ذاته أيضا؟.. أوليس استمرار هذه الحروب العبثية, يعتبر مصنعا لتوليد المزيد من الكراهية والبغضاء بين الشعبين الشقيقين؟!!.. ومن هو المسئول عن كل هذا التصدير لكل هذا الكم الجنوني من الكراهية إلى صفوف المواطنين في البلدين بشكل عام؟ أهو الجنوب وساسته ومثقفوه أم أنتم؟!!... وما فائدة البحث - بالمال المدنس- عن ممثلين للجنوب في حواركم الذي صمم وفصل لكم ولقضاياكم الخاصة دون أن يكون له أدنى علاقة بقضيتنا السياسية الكبيرة؟.. ما جدوى هندسة آليات حوار بذكاء أراه منتهى الغباء لضمان ما تريدون ضمانه بشأن هذه الوحدة الميتة التي شبعت موتا؟!.
ترى هل يستطيع أحد منكم اليوم أن ينكر أن الجنوبي يكاد لا يرغب في رؤية الشمالي في الجنوب اليوم؟ - نقولها بكل أسف والله-. وهل مثل هذه الوضعية المؤلمة لنا ولكم تعتبر حالة سارة وعادية ويمكن التعايش معها وقبولها بل والدفع بها إلى الأمام؟... أيها الأخوة الكرام نعلم تماما أن "لا إكراه في الدين".. فكيف إذاً والحال هكذا نراكم تمضون في "إكراهنا" على الوحدة!! أين رجال الدين الأتقياء من هذه القاعدة الشرعية, أين رجال الدين منكم الذين يخافون الله سبحانه وتعالى ولا يخافون السلطان او الذين لا تأخذهم في قول كلمة الحق لومة لائم؟ أين التقى والورع والزهد في الدنيا وهي صفات إنسانية قبل أن تكون صفات المسلم الحقيقي, مما يحدث اليوم في الجنوب باسم الوحدة من قبلكم؟.. أين الساسة منكم الذين يملكون الرؤية الاستراتيجية البعيدة المدى التي تتجاوز النظرة القاصرة المنطلقة من معاني "الفيد" و"الغنيمة" و"النهب".. إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير من توجه حكيم ينظر إلى خطورة استمرارية هذا الوضع المزري والمخجل لنا جميعا؟.. أين مثقفوكم؟.. أين مفكروكم وأدباؤكم.. الذين يمكن أن يكون لنا معهم حوار حضاري يحتكم إلى العقل والحكمة والمحبة والسلام.. أين هؤلاء الذين يمكن أن تكون لهم كلمة قوية وسط كل هذا الضجيج والصخب الموتور بشأن هذه الوحدة المقرونة بثنائية "الحياة أو الموت" بحسب أدبياتكم السياسية الحديثة التي أنتجتها عبقرية علي عبدالله صالح؟!!.
ترى ما هو الفرق الحقيقي الذي يمكن تحديده والتعرف عليه- من قبلنا- ما بين ثوار التغيير الذين انقلبوا على نظام صالح السابق وبين النظام نفسه ممثلا برئيسه صاحب المقولة الشهيرة "الوحدة أو الموت" في ما يخص الموقف من مسألة فرض الوحدة على الجنوب على سبيل المثال لا الحصر؟.. ألم يتساءل أو يطرح أحد منكم مثل هذا السؤال على نفسه أو على حزبه أو جماعته!! كأن يقول: يا ترى ما هو الفارق الحقيقي بيني وبين علي عبدالله صالح في هذا الفهم القاصر- الميت الضمير- للوحدة التي نفرضها على إخواننا في الجنوب!!.
كان رئيسكم قبل سنوات قليلة مضت, يقول لوسائل الإعلام الأجنبية حينما كنا ننزل إلى ميادين النضال السلمي بعشرات الألوف: إنهم مجرد مجموعة صغيرة من الذين فقدوا مصالحهم يتجمهرون وسط الأحياء المزدحمة بالسكان لكي يظهروا أنهم أعداد كبيرة!!.. واليوم ها أنتم تشاهدون أبناء الجنوب يتدفقون كالسيول الجارفة إلى ذات الساحات بمئات الألوف ثم لا نجد منكم رشيدا أو حكيما أو عاقلا ليقول كلمة حق انتصارا أو احتراما لإرادة هذا الشعب العربي الذي توحد معكم ذات يوم بقناعة ورضى وطيبة نفس... من المؤلم جدا أن يخرج علينا "مثقف" منكم ليقول: إن الوحدة لا يمكن أن تنتهي ونحن أحياء!! ثم يردف هذا "الأحمق" ويقول: إن الجنوبيين ناشطون فقط على صفحات الفيس بوك, ليطم ويتجاوز بهذه القول مقولة صالح الذي يصفه هو بـ"الديكتاتور" بشأن ما كان يصف به تجمعاتنا.
أيها الأخوة الأعزاء.. يا أصحاب الضمير "الصاحي" من إخواننا في الشمال.. باسم ما تبقى بيننا وبينكم من وشائج وعلاقات إنسانية, وباسم قيمنا العربية والإسلامية الأصيلة, ندعوكم بعقول مدركه لمخاطر تجاهل حقنا في وطننا الجنوب, أن تعيدوا النظر في كل هذا الغي الذي تمارسونه اليوم في حق شعب الجنوب دون هوادة ودون توقف.. لأنه ببساطة شديدة لن يجدي نفعا لكم, ولن يولد إلا المزيد من الحقد والضغينة والكراهية والعداء... فهل هذا ما ترغبون في تحقيقه؟.
أيها الأخوة.. يا أصحاب المال السياسي... ما فائدة تحشيد الغلابى من إخواننا المواطنين في الشمال والدفع بهم إلى عدن للمشاركة في فعاليات جماهيرية ذات أهداف سياسية من شأنها تكريس المزيد من الحقد والعداء بيننا وبينكم؟.. لماذا تدفعون بهؤلاء الناس البسطاء وتحشرونهم في "الباصات" و"الحافلات" مدفوعي الأجر في محاولات يائسة مكشوفة لتغيير صورة الواقع المؤلم لكم في عدن والجنوب ككل؟.. هل تريدون أن تخدعوا العالم أم أنكم ترغبون في خديعة أنفسكم؟.. وما فائدة أن يخدع المرء نفسه أو يحاول أن يوهم ذاته بوجود ما ليس له وجود إلا في أحلامه المريضة؟.
إن المسئولية التاريخية تتطلب منكم جميعا موقفا شجاعا نبيلا, يقف على الحقيقة ويتعامل معها بكل فروسية ونبل وحكمة, وهذا يقتضي أولا الافتكاك من وهم أن الوحدة هي الحياة بالنسبة لكم وعكسها هو الموت!.. على اعتبار أن من أصل وجذر لمثل هذه المفاهيم البليدة في أذهانكم إنما هو إعلام النظام السابق. فلماذا.. وأنتم الثائرون عليه لا تثورون على مفاهيمه المغلوطة أيضا!.. أين توكل بنت كرمان من هذا الغصب المتجدد للجنوب وحقه المشروع في الاستقلال؟ لماذا لا تصدحين بالحق إن كنت تنشدين الحرية الحقة لنفسك ولشعبك؟ أين الخيواني الذي يكاد يكون أبرز من يقول الحق وإن كان لم يلامسه تماما حتى الآن كما ينبغي؟.. أين المقالح.. الأديب الشاعر.. هل تعثر الشعر على لسانه الفصيح وأحجم عن الصدح بكلمة الحرية لشعب الجنوب... أم أن فتح "ثغرة في الجدار" لا تصح إلى على أبواب "صنعاء" ولا يجوز أن تطلبها جدران "عدن" أيضا؟.. رحم الله البردوني الذي كان يبصر أكثر مما يبصره اليوم "بصيرو القلوب".
في ظني أن الذين رفعوا علم "الجمهورية العربية اليمنية" في صنعاء أكثر شعورا بالكرامة والمسئولية وأكثر احتراما لحقنا من جيوش الساسة والقادة العسكريين في صنعاء الذين نوجه لهم هذه الرسالة, وفي ظني أيضا أن إخواننا في الشمال على المستوى الشعبي سوف تكون لهم كلمة الحسم إن تأخر الساسة عن قولها في ما يخص احتلال الجنوب.. وكأنني أرى الحشود الجماهيرية الهائلة في صنعاء تخرج لتنتصر للجنوب ولحريته واستقلاله غصبا عن إرادة الساسة المغتصبة لإرادة إخوانهم في الجنوب... إن مثل هذه المواقف العظيمة- غالبا- ما تصنعها الشعوب. وفي هذه الجزئية أوجه هذه الرسالة إلى إخواني الأعزاء - ثوار التغيير- في صنعاء.. وأقول لهم: إن الحرية لا تتجزأ أبدا, وإن من ينشدها لنفسها لا يمكن أن يكون حرا وهو يمنعها عن الآخرين!! فقفوا أيها الأعزاء احتراما لإرادة شعب الجنوب الذي ينشد الحرية والاستقلال.. غنوا معه أنشودته كما تغنون أنشودتكم في صنعاء.. ولن يستطيع كل هؤلاء الساسة أن يمنعوا عنكم إنسانيتكم, ولن يقدروا على حفر القبور بيننا وبينكم ليدفنوا فيها وشائج المودة بيننا التي يجب أن تكون لها الأولوية فوق كل اعتبار... انتصروا لإخوانكم في الجنوب واعترفوا بحقهم في الاستقلال ينتصروا لكم أيضا في مختلف قضاياكم في المقابل.. اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد!.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق