بقلم : محمد عباس ناجي
كثر الحديث هذه الأيام في وسائل الاعلام المختلفة عن وجود دعم إيراني للحراك السلمي الجنوبي , ولاسيما في وسائل إعلام حزب التجمع اليمني للإصلاح ـ الحزب الديني المتطرف , وذلك بهدف النيل من ثورة شعب الجنوب السلمية الحضارية التحررية , وكي نصل إلى الحقيقة إذا ما كان هناك دعم إيراني للحراك السلمي الجنوبي أم لا؟؟ , سوف نستعرض معاً عزيزي القارئ علاقة إيران باليمن الجنوبي في الماضي والحاضر والتوقعات المستقبلية لهذه العلاقة:
أولاً: عند استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967م كانت ايران مملكة , وملكها الشاه/ محمد رضا بهلوي , وكانت تعتبر إيران الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية , وتمتلك أكبر ترسانة اسلحة حديثة , ولقوتها العسكرية والاقتصادية كانت تطلق عليها تسمية " شرطي المنطقة". حينها كانت توجد خلافات بين دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وسلطنة عُمان حول مجموعة جزر كانت تابعة للجنوب , فقامت السلطات البريطانية يوم الاستقلال بتسليمها للعمانيين , بينما ظلت حكومة عدن متمسكة بحقها في تلك الجزر , وكانت توجد خلافات بين الدوليتين حول الحدود البرية , وفي ذلك الوقت كانت توجد جبهة تناضل ضد الحكم العماني اسمها "الجبهة الشعبية لتحرير عُمان " فعملت حكومة عدن على دعمها , وبالمقابل دعم شاه إيران وبريطانيا سلطنة عُمان , وكان ذلك الدعم اقتصادي وعسكري , وكانت القوات الايرانية البرية والجوية تشارك بفعالية في القتال ضد جيش والجنوب , وتدمر المناطق السكنية في محافظة المهرة مثل حوف وجاذب ...الخ. والجدير ذكره إنه قبل عام 1990م كان قد تم حل كل الخلافات بين الدولتين بطريقة ودية ورائعة.
ثانياً: عند انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني في فبراير 1979م اعلن الخميني عن اعترافه بالثورة الفلسطينية وفتح لها سفارة في طهران وطرد السفير الإسرائيلي , فاعتبرت حكومة عدن هذه الثورة بارقة أمل , ولاسيما بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية "كامبد ديفيد" للسلام مع إسرائيل , والتأثير السلبي لهذه الاتفاقية على القضية الفلسطينية , فكانت حكومة عدن ضمن خمس دول عربية رافضة لهذه الاتفاقية شكلت ما يسمى بـ " جبهة الصمود والتصدي" فقام السادات بطرد كل الطلاب الجنوبيين من مصر , وحينها تم تحويلهم لاستكمال دراستهم في العراق.
ثالثاً: في عام 1980م شن صدام حسين الحرب على إيران بدعم من كل الدول العربية , تحت مبرر استعادة "شط العرب" الذي وقع على اتفاقية تسليمه لإيران صدام نفسه في الجزائر عام 1975م , وتحت مبرر تصدير إيران للثورة الاسلامية الشيعية , فكانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الدولة الوحيدة بين الدول العربية . بل يمكن في العالم كله أعلنت رفضها لتلك الحرب , واعتبرتها حرباً غير مبررة , فهي لم تكن تنظر إلى القضية كما فعل بقية العرب من منظور ديني . وكانت الدول الغربية تفرض حصارا مشددا على إيران , واذكر انني حينها كنت طالبا في الكلية العسكرية , وكانت بلادنا تقوم بدعم ايران بالأسلحة والذخائر , وبالمقابل إيران كانت تقوم بتصفية نفطها الخام في مصافي عدن بما يمكنها من الاستمرار في العمل , فقد فرضت الدول العربية حصارا نفطيا على مصفاة عدن لموقف بلادنا المؤيد لإيران . كما قام النظام العراقي بطرد كل الطلاب الجنوبيين الدراسين لديه . وبعد سنتين أو ثلاث سنوات اتجهت سورية لدعم النظام الإيراني.
رابعاً: خلال سنوات الحرب الثمان بين العراق وإيران ظلت حكومة عدن داعمة للثورة الإيرانية , فسبب ذلك إشكاليات كبيرة لدولة الجنوب , ومن أهمها أن صدام حسين قام بدعم خلايا حزب البعث العربي الاشتراكي في الجنوب , وقامت تلك الخلايا بعدة أعمال معادية لحكومة عدن , فتم اعتقال العديد من البعثيين والحكم على بعضهم بأحكام جائرة. كما قامت المخابرات العراقية بالتنسيق مع السفارة العراقية بعدن باغتيالات للاجئين السياسيين العراقيين في الجنوب , ومنها اغتيال الدكتور توفيق رشدي , مما دفع بحكومة عدن إلى مهاجمة السفارة العراقية واعتقال القتلة , فأدى كل ذلك إلى توترات كبيرة بين العراق والجنوب ومنها قطع العلاقات الدبلوماسية. ولم يتم تبادل الزيارات بين المسئولين في الدولتين إلا في عام 1989م. بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية.
خامساً: بالمقابل كان نظام الرئيس علي عبدالله صالح يقف إلى جانب نظام صدام حسين في حربه على إيران . بل ارسل قوات عسكرية كبيرة إلى العراق للقتال ضد إيران , وموقف صالح كان سببه انتماءه الحزبي البعثي . ومع ذلك عند إعلان صالح الحرب على الجنوب في 27 ابريل 1994م لم تقف السلطات الايرانية إلى جانب شعب الجنوب تقديرا لمواقفه معها خلال ثمان سنوات ودفع ثمنها باهضاً , أو في أقل الحوال تتخذ موقفا محايدا , وإنما وقفت بكل إمكانياتها المادية والعسكرية والسياسية إلى جانب صالح , فقد اتخذت موقفها هذا انطلاقاً من انتمائها الديني " الشيعي" فهي ترى في عدوها السابق نظام صالح المنتمي إلى المذهب الزيدي " الشيعي" اقرب إليها من حليفها السابق نظام عدن المنتمي للمذهب الشافعي " السني"
سادساً: بعد احتلال نظام صالح للجنوب استمرت إيران تقدم له كل اشكال الدعم حتى انفجر الحرب بين نظام صالح وجماعة الحوثيين في صعدة " المعقل لأول والأهم للمذهب الزيدي " الشيعي" عام 2004م , بدأت العلاقات بين صالح وإيران تشهد توتر يوما بعد يوم . بل شمل التوتر العلاقات السعودية الإيرانية . القوى السياسية الجنوبية كانت أول الرافضين لهذه الحرب التي شنها صالح دون وجه حق ضد الحوثيين , واعتبرتها حربا عبثية . وعند انطلاقة الثورة السلمية الجنوبية مطلع عام 2007م عبر الحراك السلمي الجنوبي وفي عدة مناسبات عن رفضه لتلك الحرب غير المبررة . بل خرج في عدة مظاهرات تدين حروب صعدة , ووجه عدة بيانات ورسائل للجنود والضباط الجنوبيين إلى عدم الاشتراك في قتال غير شرعي. وللأمانة التاريخية أن البداية لفعلية لهزيمة جبروت الدكتاتور صالح كان الحوثيين الذين انزلوا به هزيمة عسكرية نكراء , ودون أي تنسيق يذكر أنزل به الحراك الجنوبي الهزيمة الاقتصادية والسياسية. بالمقابل ظلت إيران صامتة عن الجرائم التي كان يرتكبها نظام صالح بحق المتظاهرين الجنوبيين المسالمين مثلها مثل بقية دول الخليج العربي.
سابعاً: اندلاع الثورة الشبابية والشعبية السلمية في مدن اليمن الشمالي في فبراير 2011م والتي شارك الحوثيون فيها بفعالية وتأييد جنوبي محسوب جيدا شكل النهاية الفعلية لنظام صالح , غير إن سرقة واستيلاء القوى التقليدية والدينية وفي مقدمتها حزب الاصلاح على هذه الثورة وبرعاية سعودية وأمريكية جعل جماعة الحوثيين وقوى اخرى تتخذ موقفا أخرا يحضا بدعم إيران التي كانت ترغب أن يكون دور أنصارها في اليمن له اليد الطولى , غير أن إيران تدرك أن هذا الحلم لن يتحقق في ظل وجود قوى دينية فاعلة في اليمن مثل حزب الاصلاح والجماعات السلفية , وأن الطرف القادر على تغليب الكفة أو في اقل الاحوال معادلتها هو الجنوب وحراكه السلمي. ولهذا من غير المستعبد أن تكون إيران بالفعل قد اجرت اتصالات ببعض القوى المحسوبة على الجنوب مستغلة الموقف المخزي لدول الخليج من قضية شعب الجنوب العادلة . غير إننا لم نلمس أي دعم مالي حقيقي إيراني للحراك السلمي الجنوبي , وإذا كان وجد فعلياً فإنها تتم سرقته من قبل عناصر بعينها , وللتدليل على صحة قولنا إن قيادات الحراك السلمي في داخل الوطن لم تجد ما تقدمه لأسر الشهداء لتسد رمق فاقة جوعها ولعلاج الجرحى في الداخل والخارج , والذين كثير منهم اصبحوا معاقين من جراء بطش جيش سلطات صنعاء .
ثامناً: إن من يعتقد أنه في حالة وجود دعم إيراني كما يروج لذلك حزب الاصلاح سيكون دعما لشعب الجنوب لنيل حريته واستعادة دولته يكون قد جانب الصواب , فأي دعم إيراني سيكون الهدف منه تقوية موقف انصارها في المذهب الديني , وبما يمكنهم ليس حكم اليمن الشمالي , وإنما الاستمرار في احتلال اليمن الجنوبي , وسوف تعمل في المستقبل القريب على إعادة تشكيل التحالفات بين انصارها في المذهب الديني بما يمكنهم من ذلك , ومن غير المستبعد جدا أن يظهر قريبا تحالف بين الرئيس صالح وجماعة الحوثي . وهنا سوف نجد علاقة إيران باليمن الجنوبي في المستقبل قد تحولت بزاوية مقدارها 180 درجة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق