هنا حضرموت / الدكتور : سعيد الجريري
خلص الأستاذ عبدالحليم قنديل في مقاله الموسوم بـ” النهاية المؤجلة في اليمن” المنشور في “القدس العربي”:26/2/2012م، إلى القول بإنه” وبرغم أن المظالم بحق الجنوبيين حقيقية وفادحة، إلا أن الانفصال لا يبدو حلاً مريحاً ولا صحيحاً…إلخ”.
لقد بدا كمن سلب بالشمال ما منحه باليمين، فمع إقراره بحقيقة المظالم ( وكلمة مظالم مخففة عن واقع الحال) الواقعة على الجنوبيين، إلا أنه يرى أن الانفصال حلاً غير مريح أو صحيح،
بالرغم من أن الشعب في الجنوب يراه مريحاً وصحيحاً!. والسؤال هو: من المعنيّ بذلك؟ أليس الشعب الجنوبي؟. أنسيَ الأستاذ قنديل أن الجنوب كان دولة مستقلة لها صفتها الاعتبارية عربياً ودولياً (1967-1990م) وليس محافظة أو مجموعة محافظات تنزع إلى الانفصال؟.
ومن دون ان أخوض في الرد على جزئيات المقال وهو بحاجة إلى ردود تفصيلية، أود أن أضع أمام عنايته بعض الحقائق الغائبة عنه، لعله يقرأ المشهد على حقيقته بعيداً عن المزاج ” القومجي” الذي يهلك الإنسان ويهدر كرامته، إذ ينتصر لمن يرفعون الوحدة على رؤوس الرماح القومية والإسلاموية، وهم يمارسون الاحتلال الهمجي في الجنوب الآن.
لقد أخضع الجنوب في1994م بقوة السلاح وأخرج من اللعبة الوطنية، واستبيح بفتاوى تكفيرية مازال مفعولها سارياً إلى اليوم، وتمت عملية إفراغ الجنوب من عوامل قوته بشكل ممنهج، في ظل تحالف قبلي عسكري تجاري إسلاموي، دمّر معالم الحياة المدنية التي كان الجنوب متقدماً فيها عن الشمال، وأصبح الجنوبي أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن أن يدخل اللعبة الشمالية تابعاً وإما أن ينتظر اللحظة التي يستعيد فيها أنفاسه التي ظلوا يعدونها عليه بأساليب شتى.
ولم يكن الجنوب المستباح أرضاً وإنساناً وثروةً بمواجهة نظام غاشم وعائلة متسلطة فحسب وإنما كان يواجه في الوقت نفسه تواطؤاً شعبياً في الشمال، أعماه انتصار نظامه في الحرب على الجنوب، صيفَ 1994م ، التي لم يدنها أحد في الشمال، بل كانوا وقوداً لها وأسهموا في مجهودها الحربي تحت عنوان ” الوحدة أو الموت”، ومازال كثير من النخب السياسية والثقافية لا يرى للجنوب حقاً في تقرير مصيره واستعادة حريته من استبدادية “إخوة يوسف”، في صورة صارخة من صور المفارقة الأخلاقية، إذ كيف يرفضون ديكتاتورية نظامهم ثم يمارسون ديكتاتورية على شعب أعلن حراكه السلمي منذ 2007م ليحيا بكرامة على أرضه، بل كانوا يتفرجون عليه وهو يُضرب بمختلف أشكال الأسلحة والعتاد، ثم يتباكون اليوم ويتباكى معهم بعض الأشقاء العرب كالأستاذ قنديل على ” الوحدة” التي نكثوا بعهدها هم، وليس الجنوبيون، وليس السيد البيض الذي قال عنه الأستاذ قنديل:” وقد انقلب على رأيه القديم، وحصل على دعم مالي هائل من دولة إقليمية غير عربية، وأصبح يتصدر رغبة الانفصال”!.
أتمنى أن يزور الأستاذ قنديل أي مدينة من مدن الجنوب، ولتكن عدن أو المكلا مثلاً، ليرى بأم عينيه الحقيقة كما هي بلا رتوش أو ماكياج!. لقد بلغ السيل الزبى، ولا أمل في غدٍ آمن مستقر بآفاق ديمقراطية وتنموية، مع إخوتنا في الشمال، فالعلاقة بيننا وبينهم غير قابلة للمراجعة أو المناورة. لقد عمقوا هم سلطةً وشعباً -إلا من رحم ربي – شرخاً في النفوس، فلم يعد للوحدة من معنى سوى استحواذ الشمال على الجنوب، وليس إلى شيء من سبيل سوى أن نتعايش سلمياً في جوارٍ يثمر مصالح مشتركة، تؤمن للطرفين بناء تنموياً حقيقياً، باستقلالية تامة لكل منهما عن الآخر.
وسواء أكان الخلاص الجنوبي من وحدة بلامضمون مع الشمال، مريحاً أو صحيحاً أم لم يكن كذلك في نظر الأستاذ قنديل، فإن الجنوب يرسل رسائله يوماً بعد الآخر إلى الإقليم والعالم أن لا مستقبل للوحدة التي وأدها الشماليون في صيف 1994م، ولا تستطيع أي قوة على الأرض أن تقهر إرادة شعب ينشد الحرية والكرامة على أرضه، فثورته الجنوبية السلمية التحررية لن تتوقف إلا باستعادة الحرية والخلاص، ولن يكون مصيرها مصير ثورة الشمال التي انتكست تحت ضربات التحالف القبلي العسكري التجاري الإسلاموي العتيد، فبدت للأستاذ قنديل نهاية مؤجلة في اليمن!.
إن ما يجري في الجنوب ليس هو “الأخطر بامتياز” إلا على مصالح من استباحوا الجنوب وكرامته وثرواته، وليس الجنوب هو الذي سيهدم دولة الوحدة اليمنية، فتلك دولة لم يعد لها وجود فعلي على الأرض منذ 1994م، فلا تحمّل الجنوبيين- يا أستاذ قنديل- وزر هدم دولة لا وجود لها!.
بقيَ أن أسأل الأستاذ قنديل ومن لازال لديه وهم بما يسمونه “انفصالية” الجنوبيين، مقابل “وحدوية الشماليين”: إذا كان الجنوبيون ماضين إلى استعادة حريتهم وكرامتهم في أرضهم، أو بتعبيرك “زادت رغبتهم في الانفصال”، فلماذا لا يرغب أي شمالي في “الانفصال” عن الجنوب؟.
ليس الموضوع موضوع وحدة ولا هم يحزنون، يا سيدي!. إنه النفوذ والثروة والجنوب المستباح، لكن الجنوب لن يساوم على حريته وكرامته، ولن ينخدع ثانية بأي شعارات براقة وطنية كانت أم قومية أم إسلاموية، فهل يرفع الأشقاء العرب ولاسيما المثقفين منهم، الغشاوةَ “الوحدوية” عن عيونهم، فيرون شعب الجنوب، ويكفّون عن تجميل صورة من يستبيحون كرامته وحريته، طمعاً في ثرواته ليس إلا ؟!.
خلص الأستاذ عبدالحليم قنديل في مقاله الموسوم بـ” النهاية المؤجلة في اليمن” المنشور في “القدس العربي”:26/2/2012م، إلى القول بإنه” وبرغم أن المظالم بحق الجنوبيين حقيقية وفادحة، إلا أن الانفصال لا يبدو حلاً مريحاً ولا صحيحاً…إلخ”.
لقد بدا كمن سلب بالشمال ما منحه باليمين، فمع إقراره بحقيقة المظالم ( وكلمة مظالم مخففة عن واقع الحال) الواقعة على الجنوبيين، إلا أنه يرى أن الانفصال حلاً غير مريح أو صحيح،
بالرغم من أن الشعب في الجنوب يراه مريحاً وصحيحاً!. والسؤال هو: من المعنيّ بذلك؟ أليس الشعب الجنوبي؟. أنسيَ الأستاذ قنديل أن الجنوب كان دولة مستقلة لها صفتها الاعتبارية عربياً ودولياً (1967-1990م) وليس محافظة أو مجموعة محافظات تنزع إلى الانفصال؟.
ومن دون ان أخوض في الرد على جزئيات المقال وهو بحاجة إلى ردود تفصيلية، أود أن أضع أمام عنايته بعض الحقائق الغائبة عنه، لعله يقرأ المشهد على حقيقته بعيداً عن المزاج ” القومجي” الذي يهلك الإنسان ويهدر كرامته، إذ ينتصر لمن يرفعون الوحدة على رؤوس الرماح القومية والإسلاموية، وهم يمارسون الاحتلال الهمجي في الجنوب الآن.
لقد أخضع الجنوب في1994م بقوة السلاح وأخرج من اللعبة الوطنية، واستبيح بفتاوى تكفيرية مازال مفعولها سارياً إلى اليوم، وتمت عملية إفراغ الجنوب من عوامل قوته بشكل ممنهج، في ظل تحالف قبلي عسكري تجاري إسلاموي، دمّر معالم الحياة المدنية التي كان الجنوب متقدماً فيها عن الشمال، وأصبح الجنوبي أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن أن يدخل اللعبة الشمالية تابعاً وإما أن ينتظر اللحظة التي يستعيد فيها أنفاسه التي ظلوا يعدونها عليه بأساليب شتى.
ولم يكن الجنوب المستباح أرضاً وإنساناً وثروةً بمواجهة نظام غاشم وعائلة متسلطة فحسب وإنما كان يواجه في الوقت نفسه تواطؤاً شعبياً في الشمال، أعماه انتصار نظامه في الحرب على الجنوب، صيفَ 1994م ، التي لم يدنها أحد في الشمال، بل كانوا وقوداً لها وأسهموا في مجهودها الحربي تحت عنوان ” الوحدة أو الموت”، ومازال كثير من النخب السياسية والثقافية لا يرى للجنوب حقاً في تقرير مصيره واستعادة حريته من استبدادية “إخوة يوسف”، في صورة صارخة من صور المفارقة الأخلاقية، إذ كيف يرفضون ديكتاتورية نظامهم ثم يمارسون ديكتاتورية على شعب أعلن حراكه السلمي منذ 2007م ليحيا بكرامة على أرضه، بل كانوا يتفرجون عليه وهو يُضرب بمختلف أشكال الأسلحة والعتاد، ثم يتباكون اليوم ويتباكى معهم بعض الأشقاء العرب كالأستاذ قنديل على ” الوحدة” التي نكثوا بعهدها هم، وليس الجنوبيون، وليس السيد البيض الذي قال عنه الأستاذ قنديل:” وقد انقلب على رأيه القديم، وحصل على دعم مالي هائل من دولة إقليمية غير عربية، وأصبح يتصدر رغبة الانفصال”!.
أتمنى أن يزور الأستاذ قنديل أي مدينة من مدن الجنوب، ولتكن عدن أو المكلا مثلاً، ليرى بأم عينيه الحقيقة كما هي بلا رتوش أو ماكياج!. لقد بلغ السيل الزبى، ولا أمل في غدٍ آمن مستقر بآفاق ديمقراطية وتنموية، مع إخوتنا في الشمال، فالعلاقة بيننا وبينهم غير قابلة للمراجعة أو المناورة. لقد عمقوا هم سلطةً وشعباً -إلا من رحم ربي – شرخاً في النفوس، فلم يعد للوحدة من معنى سوى استحواذ الشمال على الجنوب، وليس إلى شيء من سبيل سوى أن نتعايش سلمياً في جوارٍ يثمر مصالح مشتركة، تؤمن للطرفين بناء تنموياً حقيقياً، باستقلالية تامة لكل منهما عن الآخر.
وسواء أكان الخلاص الجنوبي من وحدة بلامضمون مع الشمال، مريحاً أو صحيحاً أم لم يكن كذلك في نظر الأستاذ قنديل، فإن الجنوب يرسل رسائله يوماً بعد الآخر إلى الإقليم والعالم أن لا مستقبل للوحدة التي وأدها الشماليون في صيف 1994م، ولا تستطيع أي قوة على الأرض أن تقهر إرادة شعب ينشد الحرية والكرامة على أرضه، فثورته الجنوبية السلمية التحررية لن تتوقف إلا باستعادة الحرية والخلاص، ولن يكون مصيرها مصير ثورة الشمال التي انتكست تحت ضربات التحالف القبلي العسكري التجاري الإسلاموي العتيد، فبدت للأستاذ قنديل نهاية مؤجلة في اليمن!.
إن ما يجري في الجنوب ليس هو “الأخطر بامتياز” إلا على مصالح من استباحوا الجنوب وكرامته وثرواته، وليس الجنوب هو الذي سيهدم دولة الوحدة اليمنية، فتلك دولة لم يعد لها وجود فعلي على الأرض منذ 1994م، فلا تحمّل الجنوبيين- يا أستاذ قنديل- وزر هدم دولة لا وجود لها!.
بقيَ أن أسأل الأستاذ قنديل ومن لازال لديه وهم بما يسمونه “انفصالية” الجنوبيين، مقابل “وحدوية الشماليين”: إذا كان الجنوبيون ماضين إلى استعادة حريتهم وكرامتهم في أرضهم، أو بتعبيرك “زادت رغبتهم في الانفصال”، فلماذا لا يرغب أي شمالي في “الانفصال” عن الجنوب؟.
ليس الموضوع موضوع وحدة ولا هم يحزنون، يا سيدي!. إنه النفوذ والثروة والجنوب المستباح، لكن الجنوب لن يساوم على حريته وكرامته، ولن ينخدع ثانية بأي شعارات براقة وطنية كانت أم قومية أم إسلاموية، فهل يرفع الأشقاء العرب ولاسيما المثقفين منهم، الغشاوةَ “الوحدوية” عن عيونهم، فيرون شعب الجنوب، ويكفّون عن تجميل صورة من يستبيحون كرامته وحريته، طمعاً في ثرواته ليس إلا ؟!.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق