الأحد، 4 ديسمبر 2011

سكارى الجنوب .. وسكارى الاحتلال وما بينهما !

عدن الغد\أحمد عمر بن فريد
في الأيام القليلة الماضية وحتى نهاية يوم ال 30من نوفمبر الماضي ,تزاحمت الأحداث الجسيمة على المسرح السياسي في الجنوب وفي صنعاء وحتى في الخارج . حتى ان المرء أمام كل تلك المتغيرات والأحداث وقف حائرا من أين يبدأ الحديث في قضايا تستحق فعلا الحديث , ولأي من المواضيع الهامة التي فرضت نفسها تكون له الأولوية في الحديث.
لكن الاحتفال " العظيم " الذي احتشدت فيه مئات الألوف من الجماهير الجنوبية في مختلف المدن والقرى وعلى رأسها مدينة عدن  كان الحدث الأبرز والأعظم بجميع المقاييس الوطنية والسياسية والثقافية. على اعتبار أن الحدث في هذه المرة كان مميزا واستثنائيا وواضحا في رسالته السياسية التي وجهت من هناك بعبارات صريحة لا تقبل التأويل او المعاني المزدوجة المطاطة التي تمنح السياسي " الواسع الذمة " فسحة من المجال للتأويل والتحريف واعتساف المعاني وتطويعها , إضافة إلى أنها رسالة جماهيرية وجهت من هناك إلى عدة أطراف سياسية جنوبية ويمنية وإقليمية ودولية ... وأهمية تلك الرسالة تكمن في انها جاءت من على " الأرض " .. من أرض الجنوب ومن عاصمتنا ( عدن ) .. حيث للفعل السياسي هناك " قيمة وسيمة " وكان مرسلها في هذه المرة شعب الجنوب بأسره .
وفيما له علاقة بالعنوان .. اخترت أن أبدا في هذا المقال , وهو عنوان من وحي عنوان آخر " قريب " اختار احد " مسئولي " حزب التجمع اليمني للإصلاح " في عدن ان يوسم به مقاله السياسي الذي " افترى " فيه على جماهير الجنوب كما هي عادتهم دائما , وعلى احتفالهم المهيب الذي يبدو انه قد افقده صوابه وحدسه السياسي فتهور الرجل وانساق خلف " أجندته السياسية " الاحتلالية للجنوب .. ليكشف عنها الستار المكشوف لنا أصلا .
جوهر المقال ليس بما قيل فيه من كلام ليس بمستغرب علينا .. وإنما في النظرة " الدونية – الاستحقارية – الازدرائية " المترسخه في العقل وفي الضمير للأغلبية الساحقة من نخب الجمهورية العربية اليمنية تجاه شعب الجنوب بشكل عام , والتي عبر عنها الكاتب بطريقة غير مباشرة في مقاله المذكور, انها نظرة لا تتجاوز في مضمونها حد تعريف " الجنوبيين " بمثل تلك التوصيفات السوقية , من قبيل " السكارى " وما شابهها وصاحبها من الكلمات والتعريفات المؤلمة ,وبأنهم خليط من الهنود والصومال والقوميات الأخرى .. أو أنهم مجموعة من القوم " السكارى – الشيوعيين " .. الخارجين عن الملة والدين .
إن هذا الخطاب السياسي " البليد – المتخلف " كان ولازال المسئول الأول عن إنتاج " فتوى الديلمي " التي تعتبر من وجهة نظري الشخصية الدرك الأسفل الذي ما بعده ولا قبله درك ل " الإسلام السياسي " في تاريخ الإسلام كله .. إنها في حقيقة الأمر سابقة لم يسبقهم إليها احد من قبل ولا من بعد ... فماذا يسعنا ان نقول في هذه الحالة سوى (( مبروك عليكم هذا الانجاز العظيم )).. ومن جانب آخر فهو خطاب يكشف لجميع " المغرر بهم " من أبناء الجنوب الواقعين تحت طائلة هذا الخطاب ( الديني – العقائدي ) المزيف , ان الحديث عن الدولة المدنية والديمقراطية و المواطنة المتساوية , وحتى الحل السياسي ل" قضية جنوب" وما رافقها من مفردات " ثورة التغيير " ما هو إلا محض افتراء وسراب لا يمكن ان يكون له مكانا على الأرض وفقا لهذه العقلية التي تعتنق التخلف بصورة ابدية.
لكننا – ولا بأس في ذلك – ومن باب مجاراة صاحبنا في مصطلحاته المحتشمة ! حول " السكر والسكار والسكارى " يمكنني ان أؤكد لهذا " المفتري – المسكين " .. ان مئات الألوف من أبناء الجنوب كانوا بالفعل " سكارى " في يوم وليلة 30 نوفمبر تحديدا حبا وهياما وعشقا حتى النخاع في وطنهم المفقود " الجنوب "... وأنهم فقط في ذلك اليوم ومنذ عقود طويلة من الزمن شاهدوا وطنهم " المسلوب – المحتل " يرقص معهم وفي أحضانهم " انتشاء وطربا " بإرادتهم وعزيمتهم الجبارة على أنغام وأهازيج الأغاني والأناشيد الوطنية المميزة .
ولعل الدموع الوطنية " النقية – الطاهرة " التي انسكبت بحرارة على وجنتي إحدى الماجدات الجنوبيات في تلك الليلة والتي لم تهرب من عدسات التصوير , كانت ابلغ تعبير عن " سكر حقيقي " لشعب جبار يموت عشقا وهياما في وطنه المسلوب , وكانت ابلغ من اي " حبر سياسي " تم سكبه على أوراق رسمية هنا أو هناك , لتسويات سياسية مزمنة وقعت بين أطراف " يمنية " اختلفت فيما بينها حول كل شئ إلا بقاء " احتلال الجنوب " إلى الأبد.. ! إنها الغنيمة الكبرى التي يجب ان تبقى تحت السيطرة , وهي القاعدة الثابتة التي لا جدال حولها أبدا.
وإذا كانت تلك الدموع المتألقة طهرا وعفافا وعشقا في الجنوب تمثل " سكرنا " نحن في هذا الوطن , وفي ذلك اليوم العظيم عظمة شعبنا وعظمة قضيته العادلة , فان " حبر المقال " لصاحب العنوان الجرئ – المستفز , وجوهر المعنى الذي وظف الحبر السائل للتعبير عنه يمثل هو الآخر " سكر من نوعية أخرى " ! .. انها من نوعية " السكر " التي تجعل صاحبها يرى الحق باطلا بعين الباطل ويرى الباطل حقا بعين الحق ! وفي ظني ان " العقل " الذي كرم الله به بني البشر دون سائر المخلوقات يمكن ان يسعف صاحبنا في التعرف على هذه النوعية الخطيرة من السكر ! وهو اذا ما عاد قليلا إلى إنسانيته لأدرك على الفور ان الفرق بين سكر الجنوبيين يوم 30 نوفمبر اطهر ألف مرة ومرة من سكر المحتلين يوم 7 / 7 / 1994 م ... ولعل الفارق الأهم بينهما ان الأول يجعلنا نقترب كل يوم من الإمساك بتلابيب الوطن المحتل و " تحريره " في حين ان الثاني يرخي قبضة أصحابه الممسكة بتلابيب وطن .. ليس وطنهم .

هل أعجبك الموضوع:

ليست هناك تعليقات :