الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

«اليمن الجديد» دولة أم دولتان شمالية وجنوبية؟

صحيفة اللواء اللبنانية\بقلم ليلى بديع
في ضوء الهدوء النسبي في اليمن، فيما خلا وقوع حادث اغتيال بحق رجال الأمن على أيدي أفراد من تنظيم القاعدة هنا، وحدوث قصف بطائرات بلا طيار الأميركية على تجمعات أو سيارة لمسؤول من تنظيم القاعدة هناك، يبدو اليمن للناظر إليه من الخارج أن الأوضاع فيه مستتبة لأن ما سلف من ذكر للحوادث بين يوم وآخر.تعتبر من الأحداث اليومية العادية، ولكن على أرض الواقع، وكما يقول أكثر من مصدر يمني من العارفين ببواطن الأمور، إن الملفات اليمنية الثقيلة بإمتياز أصلاً، ثقلت موازينها في هذه الفترة
وتضخمها بهذا الشكل ينذر بإنفجارات متتالية تصعب الجهود لرأب صدعها، وإعادتها إلى الركون على رفوفها بإنتظار نفض الغبار عنها وفك عقدها وتقسيمها بإنتظار أن يأتي أهل الخير من العرب والدول الغربية ليأخذ كل منها قسماً، ويبدأ الحل الفعلي في هذا البلد الفقير والذي يعتبر أفقر الدول العربية من حيث متوسط دخل الفرد.
عاصفة الجنوب اليمني والمطالبة بالانفصال تبدو حالياً أشبه بالاعصار مما يسبب فزعاً في الشمال وان كان الشماليون يلطفون الكلمة بالقلق. لأنهم ما عادوا يستطيعون على المستوى الرسمي التفريق بين الفزع والقلق, فملف الجنوب مفزع وملف الحوثيين مفزع وملف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مفزع أيضاً، هذا في ظل وضع اقتصادي سيئ للغاية، ووضع اجتماعي لا يعلم بمستوى الفزع منه إلا الله.
ملامح الاعصار الجنوبي بدأت واضحة في الخامس عشر من الشهر الجاري، خصوصاً لجهة نتائج اللقاءات التي أجراها الموفد الأممي إلى اليمن جمال بن عمر في القاهرة مع القيادات الجنوبية والتي أفضت إلى رفض تلك القيادات وفي مقدمها الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد ورئيس الوزراء الأسبق أبو بكر حيدر العطاس، مشاركة القوى السياسية الجنوبية وفصائل «الحراك» الانفصالية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ما لم يتم هذا الحوار بين الجنوب والشمال برعاية دولية واقليمية على أساس الاعتراف للجنوب بـ «حق تقرير المصير». وهذا يعني أن الساسة الجنوبيين نأوا بأنفسهم كلياً عن المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل أولاً، وإنما هم يؤكدون على الحوار أولاً بين الجنوبيين والشماليين برعاية دولية واقليمية للإقرار لهم بـ «حق تقرير المصير» وهذا ما يهمهم أولاً وأخيراً، أما مؤتمر الحوار الوطني الشامل ثانياً، فهو لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد إلا إذا كانوا سيدعون إليه بصفة مراقبين كما قال المصدر الخاص من القاهرة.
وفي ضوء موقف الساسة الجنوبيين، قبل اللقاء بالموفد الأممي إلى اليمن جمال بن عمر في القاهرة، كانت الأخبار المتواترة القادمة من الجنوب إلى العاصمة صنعاء لمراكز القرار دفعت بالرئيس اليمني للمرحلة الانتقالية (الجنوبي الأساس أيضاً) عبد ربه منصور هادي أن يؤكد بأن ما يجمع اليمنيين أكثر مما يفرّقهم. كلام هادي أصبح من الأحلام الوحدوية التي خفت بريقها، وهذا الكلام بالإضافة إلى نتائج لقاءات القاهرة، دفعت رئاسة اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني إلى تأجيل إنعقاد المؤتمر، الذي كان من المقرر أن تنطلق أعماله في صنعاء يوم الخميس الماضي في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. وأجّل انعقاد المؤتمر إلى مطلع العام المقبل، دون أن يحدد له تاريخ بعينه، وترك للرئيس عبد ربه منصور هادي تحديد الموعد الجديد، وهذا ما استدعى من الرئيس هادي اجراء مشاورات مكثفة مع الدول الداعية للتسوية السياسية، وفي مقدمها دول مجلس التعاون الخليجي التي زار أمينه العام عبد اللطيف الزياني صنعاء يوم الأحد الماضي في الثامن عشر من الشهر الجاري لإجراء مشاورات مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ولقاء الأطراف الموقّعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وإذا ما أخذنا ما نشر في وسائل الإعلام،، فإن الرئيس هادي كرّس وقتاً طويلاً لبحث نتائج الحوار الذي جرى ويجري على مختلف مستوياته مع المعارضة الجنوبية سواء في القاهرة أو عدن أو غيرها، إضافة إلى استعراض ومناقشة المستجدات في المشهد السياسي اليمني. ووفقاً لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) ابلغ بن عمر الرئيس بأنه «لمس تفهّماً طيباً من الجماعات التي التقاها على أساس أن الحوار والحوار وحده هو الأساس من أجل صيانة الحقوق والحفاظ على أمن وسلامة واستقرار ووحدة اليمن».
وذكرت الوكالة أن هادي، أكد للموفد الأممي أن «ما يجمع أكبر وأهم، وليس هناك ما يفرّق. والموضوع هو كيفية تدارك الموقف والعمل على اخراج اليمن من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية. وتوفير الأجواء الملائمة بالنوايا الصادقة للحوار الوطني الشامل الذي من شأنه حل كافة القضايا العالقة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وفتح صفحة جديدة لمستقبل اليمن الجديد».
الكلام المعلن بالإعلام وفي الوكالة اليمنية (سبأ) مطمئن ويبدد القلق بل الفزع، لكن في واقع الأمر ورغم هذا الكلام الطيب الذي يتداول عادة، فإن ما يقلق الرئيس اليمني و«أطراف التوافق» الراهن، هو استمرار قوى وفصائل «الحراك الجنوبي» في الداخل والخارج في تصعيد مطالبها «الانفصالية» كهدف مشترك للمعارضة الجنوبية رغم تعدد ولاءاتها وتوجهاتها السياسية، وتباين موقفها لجهة المشاركة في مؤتمر الحوار من شروط مسبقة، خصوصاً أن هذا التصعيد بات يشكل استفزازاً للشمال، ويولد ردود فعل سلبية ومخاوف من أن يصبح الشمال ضحية لتسوية «القضية الجنوبية».
في اجتماعات القاهرة وردت أسماء كانت تدعو إلى الوحدة مثل الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، ووجوده في اللقاءات لبحث الوضع الجنوبي مقلق، هل يعتقد الرئيس الأسبق علي ناصر محمد أن الوحدة فشلت فشلاً ذريعاً، ولا بد من عودة تشطير اليمن، ويلتقي في هذا الطرح مع رئيس الوزراء الأسبق أبو بكر حيدر العطاس وعدوه اللدود علي سالم البيض؟ وهل باتت الدعوة إلى إعادة التشطير تجمعه مع عدو الأمس؟ خاصة وأن من التقاهم الموفد الأممي إلى اليمن جمال بن عمر في القاهرة طالبوا بحوار بين الشمال والجنوب والاعتراف للجنوب بـ «حق تقرير المصير». وهذا ما يهمهم من الحوار مع الشمال أي إنهم يريدون الاتفاق مع الشمال على إعادة تشطير اليمن وإقامة دولة اليمن الجنوبي. ومن المؤكد أن مخاوف الشماليين والرئيس اليمني هادي في محلها بأن الحوار الشمالي - الجنوبي المطروح عقده من قبل الجنوبيين سيجعل الشمال ضحية لتسوية «القضية الجنوبية» المفتتة في ولاءاتها عربياً وإيرانياً وكذلك في توجهاتها السياسية للمستقبل.
الجنوبيون مصرّون على الانفصال وخاصة أركان الحراك الجنوبي الذين عقدوا في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر، علناً مؤتمرهم في عدن (عاصمة الشطر الجنوبي قبل الوحدة) والعاصمة الاقتصادية الحالية، من دون مشاركة أبرز فصيل بزعامة نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الذي تؤكد أوساط العاصمة اليمنية صنعاء إنه بات ينسق مع إيران سياسياً، ويوم إفتتاح المؤتمر في عدن أعطى إشارة البدء به المسؤول الجنوبي حسن باعوم أمام الآف الأشخاص المجتمعين في ساحة الشهداء في وسط عدن، ويومها قيل أن أنصار علي سالم البيض الذين يعيشون في المنفى ويمثلون الجناح المتشدد في الحراك الجنوبي المطالب بإنفصال الجنوب، قاطعوا أعمال المؤتمر بإعتبار انه لم يتم التحضير له بشكل جيد.
وقبل افتتاح المؤتمر دعا الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض في بيان، الزعيم حسن أحمد باعوم رئيس المجلس الأعلى للحراك لجنوبي «إلى تأجيل انعقاد المؤتمر وذلك لاستكمال الجاهزية التحضيرية والتنظيمية للمؤتمر واستيفاء متطلبات أخرى منها اعطاء الشباب مسؤوليات تنظيمية وميدانية واعداد دستور لدولة الجنوب». وقال البيض ان «الأجواء السائدة في قيادة المجلس الأعلى (للحراك الجنوبي) للأسف الشديد لا تؤهل لعقد مؤتمر للمجلس أطلاقاً، بل تؤهّل سلباً لإعادة انتاج ثقافة الاقصاء والتناقضات والانقسامات التي لن نسمح لها أن تنفذ إلى جسد ثورة الجنوب المتماسك».
وبعيداً عن كلام علي سالم البيض الذي اعتبر يومها بيانه فوقياً، قال باعوم في حفل افتتاح المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام، ان «مؤتمرنا هذا سيجعل شعبنا الجنوبي ينتفض ويثور بهذه الخطوة التنظيمية الرفيعة للمجلس الأعلى وهو المؤتمر التاريخي الذي سيفرضه وثيقة الاستقلال واللائحة الداخلية ومشروع قانون رعاية الشهداء والجرحى والمعتقلين (...) المجلس لم يتأسس لمرحلة آنية أو من خلال ردة فعل مجردة ضد الاحتلال اليمني أو من خلال فكرة عابرة من مجموعة من أبناء الجنوب (...) فمنذ أول يوم للاحتلال اليمني للدولة الجنوبية في السابع من تموز/ يوليو 1994، رفض الشعب الاحتلال بكل أشكاله وقاوم المحتل بكل الوسائل المتاحة آنذاك لتكون انطلاقة كافة شرائح الجنوب ضد المحتل».
مثل هذا الكلام الصادر عن رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي قبل قرابة الشهر ونصف الشهر، هل يمكن أن يجعل أركان الحراك الجنوبي يشاركون في مؤتمر الحوار الوطني الذي تعد له السلطة المركزية في صنعاء من أجل التفاهم الوطني بعد رحيل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي اضطر مكرهاً إلى ترك السلطة في شهر شباط/ فبراير، تحت ضغط الشارع.
الحكومة المركزية في صنعاء تتوخى وتحلم أن تخرج من المؤتمر الوطني الذي سيعقد في بداية العام المقبل تأسيساً «ليمن جديد». وأولاد الجنوب وحراكهم الجنوبي يريدون الحوار مع الشمال من أجل «حق تقرير المصير» وإعادة إقامة دولتهم اليمنية الجنوبية. أليست عاصفة هوجاء ما يجري الأعداد له ستجتاج اليمن؟

هل أعجبك الموضوع: