الخميس، 24 نوفمبر 2011

الأهمية الإستراتيجية للجنوب العربي في السياسة الدولية

أهمية الجنوب العربي في الإستراتيجية الدولية:




مع مطلع القرن السابع عشر بدأ الاهتمام البريطاني في الجنـوب العربـي ومدينة عـدن الإستراتيجية كجـزء من المنافسة التجارية الأوروبية وخاصة مع البرتغاليين والهولنديـين في المنطقة حيينها. 
في عام 1609 بدأت شركة الهند الشرقيـة البـريطانية بإرسال أولـى رحلاتها إلـى مدينـة عدن والبحر الأحمر وأسست أول وكالة تجارية لها فـي ميناء ألم خاء وقـد استطـاع الإنجليـز السيطرة على تجارة د ول الجنوب العربي الخارجية وجزء كبير مـن تجارة اليمن وخاصـة تجارة البن .


في بداية القرن الثامن عشر ظهر التجار الفرنسيون على سواحل اليمن "اليمن الشمالـي حاليـاً" وبدؤوا في منافسة التجار الإنجليز والهولنديين وقد بلغت التجارة الأوروبية ذروتها فـي اليمـن ما بين 1720-1750م وكـان التجار الإنجليز ينفردون كذلك بتجارة دول الجنوب العربـي ومدينة عدن. 
بعد ذلك بـدأت التجارة الأوروبية تتدرج فـي الهبوط علـى مـدى فترة ستين عامـاً بحيث انحصرت في الأخير بين الإنجليز في الجنوب العربي واليمـن والفرنسيين فـي اليمن فقــط. 
لتوسيع نفوذهم فـي المنطقـة علـى حساب النفوذ البريطاني لجـأ الفرنسيون إلـى غزو مصر عام 1798 وتحولت المنافسة البريطانية - الفرنسية من ميدان التجارة إلى ميدان السياسة لأنًّ غزو نابليون لمصر قـد بيَّن للحكومة الـبريطانية بأنه كان ينوي غـزو الهند الواقعة حينها تحت النفوذ البريطاني بعد غزوه لمصر. 
أدى الوجود الفرنسي في مصر ونوايا الفرنسيون غزو الهند إلـى أن تقوم الحكومة البريطانية بالإجراءات التالية: 
1- إرسـال قوة حربية بريطانية إلـى الساحل الشرقـي لمصر لمواجهة التوسع الفرنسي . 
2- التواجد العسكـري فـي مدينة عدن والجنوب العربي كموقع استراتيجي هام في البحـر الأحـمر علـى باب المنـدب وخليـج عـدن لمراقبة السفـن الفرنسيـة والتصـدي لهـا للحفاظ على نفوذها في المنطقة. 
لـذا في عام 1799 استولت بريطانيا عسكرياً على جزيرة ميّـون المطلة والمتحكمة بمضيق باب المندب على البحر الأحمر إلا أنها سرعان ما أخلتها بسبب أنَّ جيوش نابليون فـي مصر قد تعرضت للهزيمة ولم تعد عامل تهديد ضد المصالح البريطانية في المنطقة. 
في عام 1802 عقدت بريطانيا أوَّل معاهده تجارية مع السلطان العبدلي سلطان سلطنة لحـج الذي كان يحكم مدينة عدن ويسيطر على مينائها الإستراتيجي وبموجب الاتفاقية أصبح ميناء عدن مفتوحاً أمام السفن والبضائع البريطانية وبموجبها تمَّ تأسيس وكالة تجارية بريطانية في عدن وضمت الاتفاقية توفير الحماية للرعايا البريطانيين في السلطنة.
خلال الحرب البريطانية الأمريكية بين عامي 1812-1814 تعاظم أكثـر الاهتمام البريطاني بمدينة عـدن خاصة و دول الجنوب العربي عـامة لمواجهة التجار الأمريكـان الـذين أصبحوا حينها يحتكرون الجزء الأكبر من تجارة البن في المخا وباليمـن فأصبحوا يهـددون المصالـح التجارية البريطانية فـي المنطقة إلا أنَّ الخطر الأمريكي زال بانتهاء الحرب بين الدولتين . 

زادت أهمية عـدن الإستراتيجية في السيـاسة البـريطانية أواخـر العشرينات مـن القـرن التاسع عشر أكثر عندما أرادت بريطانيا استخدام البحر الأحمر كطريق للمواصلات التجارية بدلاً من الطريق البحري الطويل حول الرجاء الصالح وكذلك اكتشاف البخار جعل بريطانيـا حينها تجعل من مدينة عـدن محطة لتموين السفـن بالفحم خاصة وأنَّ ميناء عدن يقع فـي منتصف الطريق بين مدينة بومباي في الهند وقناة السويس . 

فـي عام 1829 استأجر البريطانيون لهذا الغرض مساحة في جزيرة صيرة في مدينة عـدن وكذلك في مدينة المكلا عام 1830. 

في عام 1833 تسلَّم القبطان هينس القائد البريطاني الذي كان حينها يقوم بإجراء مسح لساحل جنوب الجزيرة العربية أمراً بأنَّ يتجه إلى سلطنة المهرة لشراء جزيرة سقطرى لاستخدامـها محطة لتموين السفن البريطانية ولكنَّه لـم يوفَّق فـي مهمته وقد كان القبطان هينس يرى بأن مدينة عدن هـي المكان المناسب لاستخدامها كمحطة لتزويد السفن وقاعدة تجارية وعسكرية هامة حيث كتب لإقناع حكومته قائلاً: 

"إن المرفأ العظيم لمدينة عدن يمتلك من القدرات والإمكانيات ما لا يملكه ميناء آخر في الجزيرة العربية. 

إنَّ ازدهاره لاشكَّ وأن يقضي على بقية موانئ البحر الأحمر فهو يحتل مركزاً تجارياً ممتازاً لاشـكَّ أنَّه أنسب الموانـئ المـوجودة لمواصـلات الإمبراطورية عبـر البحـر الأحمر. 

و هو فـي وضعه الحالي صالـح لاستقبال البواخر و تموينها فـي كل فصـول السنـة " .
ومن العوامل التي سرّعت بالاستيلاء البريطاني علـى مدينة عدن و دول الجنوب العربـي وجود جيش محمد علي باشا حينها في تهامة وأوساط اليمن والذي دخلها بهدف القضاء علـى الوهابيين وقد كان يطمح لتأسيس إمبراطورية مصرية في الجزيرة العربية وكان يشكل خطراً كبيراً علـى المصالح البريطانية خاصةً إذا ما استولى على مدينة عدن الواقعة وسط الطريـق البحرية إلى الهند. 

وقد كتب حاكم بومباي البريطاني إلى حكومته قائلاً :"إنَّ مطامع محمد علي باشا التوسعية فـي الجزيرة العربية يجب أن تكبـح قبل أن يستفحـل أمرها". 
وقال بالمرستون وزير الخارجية البريطانية في ذلك الوقت : "إنَّ بريطانيا العظمى لا يمكنها أن تقف موقف اللامبالاة أمام أية محاولة من قبـل محمد علي باشا لغزو أو احتلال البلاد الواقعة فـي أو ما وراء مدخل البحر الأحمر كما وأنها لا تريد أن ترى القوات المصرية تستمر في احتلال اليمن . في 27 فبراير 1838م قال الحاكم البريطاني في مدينة بومباي فـي الهند في خطابه الموجة إلى مجلس إدارة شركة الهند الشرقية بشأن وضع مدينة عدن قائلاً: "إنَّ مدينة عدن بالنسبة لنا لا تقدر بثمن فهي تصلح كمخزن للفحم طيلة فصول السنة ويمكن أن تكـون ملتقى عاماً للسفن المستخدمة طريـق البحر الأحمر وقاعدة عسكرية قوية بواسطتها يمكننا أن نحمي ونستفيد من تجارة الخليج العربي والبحر الأحمر والساحل المصري المحاذي الغني بمنتجاته . 
وعـدن كجبل طارق متى ما أصبحت فـي أيدينا ستكون صعبة المنال من البـر والبـحر . 
إننـي أنظر إلـى الموضوع بشمول وعمق أكثر فهناك أمتان كبيرتان تتآمران علينا وتودان القضاء على نفوذنا في الشرق الأوسط ,روسيا القيصرية وتتجه نحونا من خلال إيران والثانية فرنسا وهي آتية من خلال مصر . 
وحتى نتصدى لهذه التهديدات يتحتم على بريطانيا أن تعد لنفسها مراكز دفاعية خارج الحدود" لأهمية مدينة عدن الإستراتيجية يقول أحد المؤرخين الإنجليز أنَّه: "من غير المحتمل أن يكون بالمرستون قد اتخذ قرار الاستيلاء على مدينة عدن لمجرد الحاجة إلى محطة للفحم.
إنَّ القيم التجارية والحربية متشابكة فيما بينها ومـن الصعب الفصل بين احتلال عدن وبيـن سياسات الإمبريالية التجارية , صحيح أنَّ عدن كانت محطة مهمة لتموين السفن بالوقود ونقطة تجمع للشرق الأوسط إلا أنَّها تستمد أهميتها العظمى من موقعها الجغرافي كقاعدة للعمليات البحرية . 
إنَّ تجارة بريطانيا الخارجية في حاجة إلى خط مواصلات مضمون وذلك بدوره يعتمد علـى وجـود قواعـد ساحلية يحسن اختيارها ويقوم بحراستها الأسطول الملكي البريطاني الكبير . 
إنَّ عدن تتبوأ محوراً حيوياً على طريق البحر الأحمر المؤدي إلى الهند وقد أرادتها بريطانيا بسبب صلاحيتها كمحطة وكقاعدة عسكرية ولكن بصورة رئيسية من أجل منع أيَّة قوة أخرى من السيطرة على منطقة استراتيجية حيوية كهذه" . 
في صبيحة الرابع من يناير 1837م غرقت السفينة البريطانية "داريا دولت" في ساحل عدن وقد تمَّ نهب بضائعها وقد أعاد سلطان لحج المتحكم بمدينة عدن إلـى مالك السفينة ثلث البضائع المنهوبة ووعد بإعادة ثمن البضائع المتبقية وفي يناير 1839م تقدم القبطان هي نس على رأس قوات بريطانية قادمة مـن مدينة بومباي في الهند وفرض حصاراً عسكرياً علـى مدينة عدن وفي تمام الساعة 11:30 صباح يوم الاثنين 19 يناير 1839م دخلت القوات البريطانية بقيادة القبطان هي نس مدينة عدن عـن طريق جزيرة صيرة وكـان ذلك بداية التواجد العسكـري والسياسي البريطاني المباشر في مدينة عدن و دول الجنوب العربي حيث تم بعد ذلك فـي 18 يونيو 1839م توقيع معاهدة صداقة مـع سلطان سلطنة لحج وتوالت بعدها عقد معاهدات الصداقة بين بريطانيا وأمراء وسلاطين ومشائخ دويلات الجنوب العربي والواقعين في كيانات صغيرة مستقلة بعضها عن بعض مقابل الحماية والدعم المالي لهم ولمناطقهم وأصبحت عدن تدريجيـاً يتعاظم دورها كقاعدة عسكرية وتجارية هامة وتحولت فيما بعد إلـى قاعدة لقيـادة منطقة الشرق الأوسط 
وقد كان القبطان هينس أوَّل معتمد ومقيم سياسي لها للفترة 19 يناير 1839 - يونيو 1854م.

استطاع الكولونيل جيمس أوترم المعتمد السياسي لـعدن بعد القبطان هينس 1854- 1856م ربـط عدن و دويلات الجنوب العربي كاملاً ضمن النظام الإداري لشـركة الهند الشـرقية . 

منـذ ما بعد 1854م بدأت الأحداث تدريجياً تقرِّب عـدن و دويلات الجنوب العربي أكثر فأكثر إلـى مـركز الأضواء وتبرزها كنقطة حيوية وهامـة ضمن محور الإستراتيجية البريطانية و بإنهـا القاعدة ذو الأهمية الإستراتيجية على مدخل البحر الأحمر . 

زادت المنافسة الـبريطانية الفرنسية على المنطقة فاستولى البريطانيون على جزيرة ميّـون عام 1856 خوفاً من وقوعها بيد الفرنسيين واستولى الفـرنسيون على جزيرة أوبوك علـى الساحل الصومالي المقابل عام 1862 خوفاً من وقوعها بيد البريطانيين وهذه المنافسة على المنطقة مرتبطة بمشروع حفر قناة السويس في البحر الأحمر في مصر . 

في الأعوام 1867- 1868 تحولت عدن إلى قاعدة متقدمة للمملكة المتحدة أثناء الحملة ضـد الأثيوبيون مما زادها ذلك ازدهاراً و شهرةً. 

في عهد المعتمد السياسي البريطاني الكولونيل ميرويدز 1863-1867م شهدت عـدن تطوراً ملموساً حيث زاد بناء الثكنات العسكرية فيها وبنـي فنار السفن في رأس معاشيق والجسـر العسكري فوق باب عدن وسكرتارية المستعمـرة في مدينة التواهي بعدن كما ربطت مدينـة كريتر بمدينة التواهي بطريق رأس طارشين . 

فـي عام 1869 تم َّ افتتاح قناة السويـس في مصر وقد أدى ذلك إلى زيادة أهميـة عـدن الإستراتيجية ومن ازدهارها حيث أصبحت مدينة التواهي فـي عـدن الميناء الرئيسي وقـد توسعت الأنشطة الاقتصادية والتجارية وتزايد أعداد مرور السفن في ميناء عدن مما زاد مـن حجم تزويدها بالفحم والمؤن المختلفة وازدهرت السياحة وعقد الاتفاقيات التجارية والإنشائيـة وتسهيل الاستيراد والتصدير وفـي المقدمة تصدير البـن مـن إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي وخاصةً سلطنات يافع وكذلك البن الآتي من اليمن بحيث كوَّن البـن حوالي ثـلث جميع صادرات عدن من السلع الأخرى . 

أصبح السلطان العبدلي سلطان لحج يجني أرباحاً طائلة من جراء الضرائب التي كان يفرضها على تجارة البن والبضائع الأخرى التي كانت تمر من بلادة من سلطنات و إمارات و مشيخات دويلات الجنوب العربي الأخرى وكذلك من اليمن والمتجهة إلى مدينة عدن لغرض الاستهلاك والتصدير للخارج عبـر ميناء عـدن وكانت ثـلث موارد خزانة السلطنة العبدلية في لحـج تأتي من معاملة سلطنة العبدلي في لحج التجارية مع مدينة عدن . 

كمـا كانت سلطنة العبدلـي فـي لحج حينها المتعاقـد والمحتكر الأكبر لتموين مدينة عـدن والقاعـدة العسكرية البريطانيـة فيها بالخضراوات و الفواكه و ميـاه الشـرب والحشائـش وأعلاف المواشـي والملح والأيادي العاملة وحتى شراب الطاري . 

كما لعب السلطان العبدلي في لحج لفترة من الزمن دور الممثل والوسيط بين إدارة المستعمرة في عدن ممثلة بالمعتمد السياسي البريطاني وبقية سلاطين وأمراء ومشائخ الجنوب العربـي الذيـن كانوا بمثابة دويلات صغيرة مستقلـة فكانت تمر عبره إليهم المرتبات والمسـاعدات البريطانية . 

كما كان لدى البريطانيون جهازان مختصَيـن بشؤون الإمارات والسلطنات و المشيخات فـي دويلات الجنوب العربي الواقعة خارج مدينة عدن وهذان الجهازان هما: 

1- الجهـاز الأول ويسمـى بالقوة العسكرية الجديدة للأرياف المعروفة بخيالة المجراد وقـد أتوا بها مـن الهند وكانت مهمتها القيام بجولات استطلاعية متكررة إلـى إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي لدراسة أحوالها العسكرية والإستراتيجية لوضع السياسات والحلول المناسبة . 

2- إنشاء الدائرة العربية وتتبع مباشرة للمعتمد السياسـي البريطاني في عدن وهذه الدائـرة كانت المخططة والمنفذة للسياسـة البريطانية للتعامل مـع القبائل داخـل إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي وقد توسعت كثيراً بعد مغادرة رسام العراقي وأصبحت أهم إدارة حكوميـة خاصة بعد إنشاء دار الضيافة الملحق بها عام 1869 وكانت تعتمد السياسـة البريطانية حينها إمـام تلك المناطق علـى دفـع المرتبات لحكامها وتقديـم الحماية مقابـل الـولاء الكامل دون التدخل أو الوجود العسكري المباشر فيها أو في بعضها إلا لتقديم الحماية والدعم .
إلا أنَّ هذه السياسة اختلفـت بعد انحياز الأتراك إلى جانب ألمانيا عندما كان الأتراك في ذلك الوقت يحتلون اليمن ويشكلون خطراً مباشراً على النفوذ البريطاني في المنطقة وعلى دويلات الجنوب العربي . 

بعد اعتلاء السلطان عبد الحميد العرش العثماني في تركيا وتوطيد علاقته بالحكومة الألمانيـة أصبحت ألمانيا هي القوة والحليف الجديد للدولـة التركية فالجيوش العثمانية التركية أصبحت تدرَّب وتنظم بموجب النظام الألماني كما أنَّ مطامع تركيا في البلاد العربية بدأت تتعزز أكثر بمساعدة ألمانيا.



بدأت الإمبراطورية العثمانية بمساعدة ألمانيا تـمد الخطوط الحديدية إلـى كلٍّ من العـراق والكويت والجزيرة العربية ومنذ 1849م أصبح لتركيا وجود فعلي علـى ساحل تهامة باليمن حيث استطاع أمـراء آلـي العريش بعد انسحاب جيوش محمد علـي باشـا عام 1840 أن يستولـوا علـى المدن الساحلية اليمنية الرئيسية ومنها المخا الميناء الرئيسي لليمن حينها بمساعدة الأتراك لهم وتمكن الأتراك مـن استكمـال احتلال اليمـن ( اليمن الشمالي حالياً ) فـي عام 1872 بشكل كامـل .

وهـذا هو الاحتلال التركي الثانـي لليمن الذي دام خلال الأعـوام 1872-1918 كما كـان الاحتلال الأول التـركي لليـمن خـلال الأعـوام 1538-1635. 
رغم وجود الأتراك باليمن حتى عام 1870 وعلى التماس مباشر مع البريطانيين الموجودين في الجنوب العربي وعدن إلا أنَّ البريطانيين لم يكن يقلقهم الوجود التركي باليمن حينها كون الوضع في اليمـن والجنوب العربي لا يشكل خطراً على النفوذ البريطاني في المنطقة بالرغم من تواجد الأتراك فـي اليمـن. 
فالجنوب العربي كان تحت الحكم البريطاني وكـان مقسماً إلـى 22 دولة من الإمارات والسلطنات و المشيحات الصغيرة المستقلة بعضها عن بعض . 
وكان اليمن مقسماً حينها هو الآخر بين اللائمة فـي صنعاء وأمراء آلي عريش في المخا ومـدن ساحـل تهامة وكانت منـاطق أواسط الـيمن والحجرية مستقلة كما أقام الفقيه سـعيد فـي مـنطقة إب دولـة لـه وعاصمتها أذنه وكان اليمـن مـجزأً إلى مناطـق مستقلة استطـاع الأتـراك السيطرة الكاملة علية وإخضاعه للحكم العثماني التركي للأعوام 1872-1918. 
إلا أنَّ الأوضاع الدولية والمحلية في السبعينات من القرن التاسع عشرة شهدت تغيرات مهمـة دفعت البريطانيين إلى تغيير سياستهم و الاهتمـام التام بالمنطقة وتعزيز السيطرة التامة علـى الجنوب العربي وعاصمته مدينة عدن . 
فمدينة عدن ذاتها شهدت تغيرات وزادت أهميتها الإستراتيجية حيث يقـول الحاكم البريطانـي لها إنَّ ذاك الكولونيل كوغلان " إنَّ مدينة عـدن قد ازدادت أهميتها كثيراً خاصة بعـد ازديـاد المواصلات التجارية عـن طريق البحر الأحمـر إلـى سيلان والهند والصين وأستراليا هـذا بالإضافة إلـى السفن البريطانية التي تأتي إلى عـدن لنقل الوحدات العسكرية البريطانية عـن طريق البحر الأحمر, ومشروع الخط البرقي تحت سطح البحر بين السويس وعدن , ثـم على طول الخليج العربي إلى أن يستمر إلى بومباي وكرا تشي مع ازدياد السفن الأجنبية الآتية إلـى 
ميناء عدن للقيام بالعمليات التجارية وكل هذه الأمور ذات الأهمية الحيوية لإمبراطوريتنا فـي الهند والتي تتصل بـها مدينة عـدن تماماً تعطـي لمدينة عـدن أهميـة لا يمكن إنكـارها ". 
بالإضافة إلى هذا فقد تمَّ فتح قناة السويس عام 1869 وبذلك زادت أهمية عـدن الإستراتيجية. 
كانت السياسة البريطانية في البداية حينها مرنة مع الأتراك فـي اليمن وتتبع نظـام الصداقـة مـع أمراء وسلاطين ومشائخ دويلات الجنوب العربـي وتنص تلك السياسـة أن تدفع بريطانيا مرتبات شهرية وسنوية لسلاطيـن وأمـراء و مشائخ دويـلات الجنوب العربـي وتوفـير المتطلبات الضرورية لـدولهم مقابل الإشراف البريطاني الغير مباشـر عليها وإبقـاء الطـرق إلـى مستعمرة عـدن آمنـة ومفتوحـة وتأمين وصول المـواد الغذائية والخضار والفواكـه والمنتجـات المحلية إلى مدينة عدن وكذا عـدم وقوع أي مـن تلك السلطنات و الإمارات و المشيخات بيد أطراف خارجية . 
أما وبعد أن أصبـح الأتراك المحتلين لليمـن على مقربة مـن حدود الإمارات والسلطنـات و المشيحات المكونة للجنوب العربي وبدأ الأتراك ظم بعض من إمارات وسلطنات و مشيخات الجنوب العربي إلى المناطق التي يحكمها الأتراك في اليمن فـي كلٍّ من قعطبة والحجريـة و ماوية فقد اتبع البريطانيون سياسة جديدة ونظام جديد - هو نظام الحماية للتعامل مع الوضع الناشئ الذي حاول الأتراك فرضه . 
ويعني نظام الحماية هذا - بأنَّ سلاطين وأمراء ومشائخ دويلات الجنوب الـعربي عليهم أن يوقعوا على اتفاقيات مع البريطانيين نيابة عن أنفسهم وعن ورثتهم وتنص اتفاقيات الحمايـة على أنَّه:" حتى يبيض الغراب ويفنى التراب في أن لا يبيعوا أو يرهنوا أو يؤجروا أو يهبـوا شيئاً من مناطقهم إلى أحد أمراء العرب أو الأجانب بما في ذلك الأتراك واليمن دون استشارة أو استئذان الحاكم البريطاني فـي عدن ومقابل هذا يتعهد الإنجليز بحماية السلطنات و إمارات 
و مشيخات دويلات الجنوب العربي من أي غزو خارجي " وتقديم الدعم المادي لهم وقد غطت اتفاقيات الحماية هذه في الثمانينات مـن القرن التاسع عشرة كل سلطنات و إمارات و مشيخات و دويلات الجنوب العربي من باب المندب غرباً إلى المهرة وسلطنة القعيطي و الكثيري شرقاً. 
حتى مطلع القرن الثامـن عشرة كانت العائلة الكثيرية هي المسيطرة علـى حضرموت وكان فريق من هذه العائلة الحاكمة نتيجة للصراع الداخلي بينهم علـى السلطة قد استنجد بالإمـام الزيدي في صنعاء في حوالي منتصف القرن السابع عشرة لكي يساعده بضرب الفريق الآخر فأمده بعدة آلاف من المقاتلين وتمَّ إقصاء الفريق الآخر من الحكم إلا أنَّ الإمام الزيدي سرعان ما احتلَّ لنفسه بعض مـن مناطق حضرموت وأخضعها لنظـام الأئمة الزيديـة فـي صنعاء 
إلا أنَّ الأوضاع تأزمت بالأخير بين عمال الإمام الزيدي والعائلة الكثيرية حيث استنجد فريق من العائلة الكثيرية مباشرة بسلطان يافع لمساعدته فـي إنهاء الاحتلال الزيدي لبلادهم وقـد استطاع أحـد أفراد العائلة الكثيرية وهو المردوف أن يستقدم فـي عام 1705 ستة آلاف مقاتل يافعي وقد استطاعوا أن يقضوا على الاحتلال الزيدي ويحرروا مناطق حضرموت إلا أنَّ يافع سرعان ما استولت على الحكم في حضرموت من آلـ الكثير وانتهت الدولة الكثيرية الأولى في حضرموت في أواخر القرن الثامن عشرة وقام على أنقاضها حكم القبائل اليافعية في أهم المدن الحضرمية في الداخل والساحل. 
كانت مـن أهم حكومـات القبائل اليافعية فـي حضرموت الدولـة الكسيد يـة فـي المكلا 1705-1882م والدولـة البري كية فـي الشحر 1751-1866م. 
في عام 1845 استطاعت العائلة الكثيرية من إقامة سلطنة الكثيري الثانية فـي مدينة سيئون الحضرمية وقـد كان هناك عاملان لقيامها الأول دعم العلويين والثانـي أموال المهاجرين . 
في عام 1866 استطاع آلـ الكثير أن يشنوا هجوماً عسكرياً على الشحر وبعد معركة ضارية اسـتولوا عليها وانتهت بـذلك الـدولة البريكية اليافعية ثم قامَِ آلـ كثير بعدها بهجوم ضـد آلـ الكسادي في المكلا إلا أنهم هزموا وفشلوا في هجومهم هذا في الحريشات والبقرين فـي ضـواحـي المكـلا . 
دخل في حلبة الصراع هذه المرة قادم جديد هو القعيطي حيث طلب الكسادي منه مساعدته بحكـم أنَّ الاثنـين همـا مـن يافع وانتصار الكثيري يعنـي فناء يافع فـي حضرموت . 
كان القعيطي شخصاً ثرياً يمتلك المال والرجال وكان رئـيس جيش حيدر أباد في الهند وقـد اشترى أول مرة مدينة القطن في وادي حضرموت وأصبح لديه ثأر مع آلـ كثير الذين قتلوا بعض أقاربه مـن النسـاء مـع آخـرين مـن يافـع خدعه وهـم فـي وليمـة طـعام . 
استطاع القعيطي و الكسادي أن يجمعا جيشاً مكوناً من ثلاثة آلاف مقاتل بهدف استعادة ميناء الشحر وقد تمكن الجيش من محاصرة الشحر مـن أربع جهات وتم الاستيلاء على الشحـر ودحر آلـ كثير منها بعد معركة دامت ستة أيام . 
وجد آلـ كثير حليفاً جديداً لهم في حضرموت ذاتها هو عبد الله بن علي العولقي وهو كالقعيطي كان يعمـل في جيش نظام حيدر أباد في الهند وأراد أن يكوِّن لنفسه دولة في حضرموت أسوة بعدوه القعيطي وكان قـد اشترى عـام 1863 قرية الحـزم المعروفة الآن بقرية الصـداع مـن آلـ بريك حكام الشحر وبنى له فيها قصراً عظيماً وقـد حاول الكثيري والعولقي غزو الكسادي في المكلا إلا أنهم هزموا في موقعة المشراف . 
فـي عام 1869 بدأ آلـ كثير وحليفهم العولقي غزو الكسادي في المكلا وطلبوا مـن الأتراك مساندتهم وبالمقابل طلب الكسادي من الإنجليز الحماية من تدخـل الأتراك ضده عندها اتصل الإنجليز بالباب العالي وطلبوا عدم تدخل تركيا بشؤون حضرموت لهذا لم يتم التدخل التركي ولم يتم غزو الكسادي في المكلا لحصولها على الحماية البريطانية . 
بعد ذلك انقلب القعيطي ضـد حليفه السابق الكسادي وقام يطالبه بنصف المكلا وبروم مقابـل المال الـذي استدانه لشن حربه ضد الكثيري واستطاع القعيطي أن يأخذ إقراراً مـن الكسادي بالديون وسرعان ما تحالف الكسادي مـع عدويه بالأمس الكثيري والعولقي ضـد القعيطـي . 
استطاع القعيطي أن يحاصر العولقي فـي حصنه الحصين مدة ثلاثة أشهر حتى أسقط بيده وقام بعدها بتدميره . 
كما استطاع القعيطي أيضاً أن يستولي على غيل باوزير من الكثيري ثم استولى علـى الريان وكذلك فرض حصاراً على الكسادي في المكلا ولما رأى القعيطي أنَّ آلـ كثير مستميتين فـي مساندة الكسادي ضده قام بمحاولة فصم عرى ذلك الحلف عن طريق اعترافه لآلـ كثير بتريم وسيئون وبقية مناطق الشنافر ومقابل ذلك اعترف له آلـ كثير بولايته على الشحر . 
طلب الكسادي الحماية من الإنجليز وهدد بأنَّه إذا لم يحصل على حمايتهم ضد القعيطي فسيسلم البلاد لآلـ كثير أو لتركيا أو لأي دولة أخرى . 
ومن جانبه وعد القعيطي الإنجليز بأنهم إذا ساعدوه واستطاعوا إقناع الكسادي فـي أن يبيع له المكلا وبروم فسيضع كل سلطنته تحت الحماية والنفوذ البريطاني . 
رأت بريطانيا أن من مصلحتها أن تمنح حمايتها للقعيطي بدلاً من الكسادي خاصةً وأنَّ الأخير قد هددها بعدوَّتها ومنافستها تركيا. 
فبادي ذي بدء حذرت بريطانيا الكثيري من مساعدة الكسادي ثم قدمت المساعدة للقعيطي الذي قام بشن هجوم بري وبحري كاسح على الكسادي في المكلا واستولى عليها وانتهى بالكسادي مشرداً في جزيرة زنجبار كما مات شريداً في مدينة الحوطة بسلطنة لحج . 
من هذا التاريخ ضلت حضرموت سلطنتين مستقلتين بعضهما عن بعض باسم سلطنة القعيطي وسلطنة الكثيري إلـى جانب سلطنة المهرة وسلطنة الواحدي فـي شـرق الجنوب العربـي ويخضعان للحماية البريطانية حتى استقلال الجنوب العربي فـي الـ 30 من نوفمبر 1967م. 
هذا ما كان عليه الحال في الجزء الشرقي مـن الجنوب العربي أما في الجزء الغربي منه فقد كانت للأتراك محاولات عديدة لفـرض سيطرتهم علـى بعض إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي فـي تلك الفترة ومن بينها كلاً من إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب وسلطنة لحج وهذا ما نحاول إيجازه أدناه :
بـدأت القوات التركية بالزحف لاحتلال مناطق السلطنات و الإمارات الثلاث التابعة للجنوب العربي والنفوذ البريطاني المشار إليها أعلاه واحتلت سلطنة ألحوا شب وعسكرت فيها علـى مشارف حدود سلطنة لحج وكتب الوالي العثماني التركي في اليمن إلى سلطان لحج يطلب منه الدخول تحت طاعة الحكومة التركية لأنَّ القوات التركية قد وصلت إلـى قرية الشقعة ورابطة فيها وهي مستعدة للهجوم على مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج . 
ذهب السلطـان العبد لي سـلطان سلطنة لحج إلـى المقيم السياسـي البريطاني فـي عـدن ألم يجر شن در " 1872-1877م" وهو يحمل أوامر الباشا الحاكم التركي في صنعاء اليمن فـي الذهاب إليه حالاً كما أنَّ القوات التركية تعسكر على مشارف عاصمة سلطنته لحج وطلب من الإنجليز حماية سلطنته من الهجوم التركي وفي نفس الوقت استمر الأتراك في التوغل واحتلال إمارات الضالع ومشيخة العلوي إلـى جانب سلطنة ألحوا شب وبدؤوا يهددون سلطنة لحج . 
لذا وجد الإنجليز أنفسهم أمام دولة كبرى هـي تركيا تحتل اليمـن وتعرض المصالح والنفوذ البريطاني وحلفائه للخطـر وهاهـي القوات التركية قـد احتلت بعض الإمارات والسلطنات و المشيحات في الجنوب العربي ووصلت إلى مشارف عاصمة سلطنة لحج وغير بعيدة عـن عاصمة مستعمرة عـدن وأصبح الأمر ليس يهـدد كيانات و دويلات الجنوب العربي المستقلة بعضها عـن بعض بالاحتلال التركي بل أصبح يهدد الوجود البريطاني فـي الجنوب العربي ومدينة عدن نفسها حيث القاعدة العسكرية البريطانية . 
عندهـا شعر الإنجليز بجدية خطـر الجار الجديد تركيا وقامت الحكومة البريطانية بالاتصال بالحكومة التركية المركزية فـي الباب العالي فـي القسطنطينيـة ولما رأت بريطانيا التعنت التركـي واستمرار الهجوم التركـي باتجاه لحج والتمسك باحتلال إمارات الضالـع ومشيخة العلوي وسلطنة ألحوا شب قدمت الحكومة البريطانية إلـى الحكومة التركية إنذاراً شديد اللهجة وبإمكانية وقـوع الحرب بين الدولتين إذا لم تتوقف تركيا تقدمها وتنسحب من جميع المناطق التي احتلتها داخل الجنوب العربي . 
في 24 أكتوبر 1873م قام المقيم السياسي البريطاني في المستعمرة عدن ألم يجر شن در بقيادة الهجوم البريطاني المؤلف مـن قوة بريطانية ضاربة وتمكنوا من تحرير المناطق التي احتلها الأتراك فـي سلطنة لحج عندها أدرك الأتراك خطـورة الـوضع وجديـته وقامـوا فـوراً بالانسحاب من كل مناطق الجنوب العربي الذي احتلوها في إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب ومشيخة العلوي بعـد ذلك تم في أواخر عام 1873 الاتفاق بين بريطانيا وتركيا علـى ترسيم الحدود بين الجنوب العربي واليمن حيث تم الاتفاق بين البريطانيين والأتراك علـى أن تكون حدود المناطق التي يسيطر عليها الأتراك والبريطانيين فـي كلِّ مـن اليمن والجنوب العربي في عام 1873 هي الحدود الدولية بين الطرفين والجنوب العربي واليمن واعترف البريطانيون بنفوذ الأتـراك علـى اليمـن واعترف الأتراك بنفوذ البريطانيين علـى إمارات وسلطنات و مشيخات دويـلات الجنـوب العربـي وأنَّ علـى الأتـراك المسيطريـن علـى اليمـن ومنذ عام 1873 عـدم التدخل فـي شؤون إمارات وسلطنات و مشيخات الجنـوب العربـي باعتبارها دويلات مستقلة بذاتها وتقع تحت النفوذ البريطاني . 
سبب الاحتلال التركي لليمن ومجـيء الألمان والفرنسيين إلى الشيخ سعيد فـي باب المندب باليمن دفع المسؤولين الإنجليز في عدن إلى طلب حكومة الهند في عام 1886 إعلان التواجد العسكري والسياسـي البريطانـي المباشـر فـي جميع سلطنات و إمارات و مشيخات دويلات الجنوب العربـي عـن طريق اتفاقيات حماية بين بريطانيا وأمراء وسلاطين ومشائخ الجنوب العربي من باب المندب غرباً في البحر الأحمر إلى المهرة في البحر العربي شرقاً وذلك مـن أجل إقفال تلك السواحل أمـام الدول الأخرى المنافسة ووضع حـد للتدخـل التركـي مـن ناحية اليمن . 
كان لبناء الشيخ محمد ناصر مقبل أحد المشائخ المواليين للأتراك حصناً في قرية الدريجة في سلطنة ألحوا شب وبالقرب مـن الحدود الدولية مع اليمن عواقبه الخطيرة علـى تفجير الوضع وتوتير العلاقة بين الأتراك والإنجليز حيث قام الإنجليز في عام 1901 بإرسال قوات عسكرية بريطانية لتدمير الحصن المقام فـي الدريجة وقـد تم بالفعل تدميـر الحصن واضطر الجنود الأتراك إلى الانسحاب بعد أن خسرو 100 منهم . 
اقترحت تركيا على بريطانيا تشكيل لجنة مشتركة لتخطيط و ترسيم الحدود الدولية بين البلدين الجنوب العربي الواقع تحت النفوذ البريطاني واليمن الواقع تحت النفوذ التركي وقد تم تشكيل اللجنة بالفعل لترسيم الحدود كما وجهت بريطانيا إنذاراً إلـى الأتراك في سحب جنودهم مـن بعض قرى إمارات الضالع التي احتلوها وتم انسحابهم منها عام 1905 . 
فـي 20 أبريل 1905م وقع البريطانيون والأتراك رسمياً على اتفاقية تخطيط الحدود الدولية بين الجنوب العربي واليمـن وإعادة التوقيع عليها عند استكمال ترسيمها فـي 1914م وقـد أصبحت هي الحدود الدولية الرسمية بين البلدين والدولتين . 
خلال الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918م احتدم الصراع بين الأتراك والإنجليز لانحياز كل منهما إلـى الطرف النقيض والمعادي فـي الحرب وكانا فـي خط التماس مباشر لتواجد الإنجليز في الجنوب العربي وتواجد الأتراك في اليمن . 
نتيجة لانحياز الأتراك مع الألمان قامت بريطانيا بفرض حصار بحري على الأتراك في اليمن وسيطرة علـى موانئ اليمـن الرئيسية مثل ميدي و الحديدة بالتحالف مـع الإدريسي وقرر الأتراك من جانبهم غزو دويلات الجنوب العربي براً ومحاولة احتلال سلطنة لحج ومستعمرة عدن وإخراج الإنجليز منها وقبل بدء الأتراك تنفيذ خطتهم هذه أرسلوا وفد مـن مشائخ اليمن إلـى سلطان سلطنة لحج طالبوه بالانحياز إلـى جانب الأتراك ضد الإنجليز مقابل التزامـهم بالحفاظ علـى استقلال سلطنة لحج , بل وتسليمه مدينة عدن بعد إخراج الأتراك للبريطانيين منها بالقـوة إلا أن سلطان لحج رفض هـذا العرض وعمـل علـى تعزيز علاقته وارتباطه بالإنجليز . 
كان هدف الأتراك العسكري هـو احتلال مدينة عـدن ثم مضيق باب المندب لإغلاق البحر الأحمر بوجه بريطانيا وحلفائها بالحرب وكان هدف الأتراك الاقتصادي وخاصة بعد حصـار بريطانيا لهم من سواحل اليمن هو احتلال دلتا لحج لتأمين أنفسهم بالمواد الغذائية من دلتا لحج وحرمان القاعدة البريطانية فـي عدن منها إذا لم يتم احتلالهم لعدن وتأمين وصول الإمدادات الخارجية إليهم عن طريق ميناء عدن إذا تمكنوا من احتلال عدن . 
لتنفيذ المخطط التركي المشار إليه بدأت في عام 1915 القوات التركية تجمعها في مدن قعطبة و ماوية على الحدود اليمنية مع الجنوب العربي وقد انظمت إلى القوات التركية المهاجمة فرق مـن قبائل اليمن الواقعة تحت الاحتلال التركي ووعدت هذه القبائل بأخذ غنائم المناطق التي سـوف يحتلونها فـي إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي باعتبارها غنائم حرب. 
كان يقود القوات التركية المهاجمة علـى الجنوب العربي الواقـع تحت الحكـم البريطانـي علي سعيد باشا وقد بدأ الهجوم التركي باحتلال إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب وكانت أول معركة قوية بينها وبين قوات سلطنة لحج في دك يم " العند " يوم السبت 21 شعبان 1333هـ 5 يوليو 1915م ويصف ألقم ندان معركة دك يم " العند " فـي كتابة " هدية الزمن فـي أخبار ملوك لحج وعدن قائلاً: 
" لم نقوى على دفعهم لكثرة عددهم وعتادهم والحقيقة كان حالنا وحالهم كمن يناطح بالقارورة الجبل" بعد أن سقط العند تقدم جيش سعيد باشا التركي نحو مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج لاحتلالهـا وأطلقوا عليها المدافع واحتدم القتال بين الفريقين حولها إلا أنَّ المدينة سقطت بيد الأتراك لعدم التكافؤ بين الجانبين فـي القوى والوسائل فقوات سلطنة لحج كلها التي اشتركت في القتال لا يزيد عددها عن ألفين مقاتل والمدافعين عـن مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج لا يتعدوا 700 " سبـع مائة " فقط كما لا تجد هناك مقارنة بينهم بالأسلحة والعتاد العسكري 
أثناء التقدم باتجاه عاصمة سلطنة لحج وفي فجر يوم الاثنين 7 يوليو 1915م خرج السلطان علي بن أحمد سلطان سلطنة لحج باتجاه مستعمرات عدن هارباً من بلاده من هجوم الأتراك وبينما هو في الطريق بين لحج وعدن وقع في كمين من الجنود الهنود التابعين لمستعمرات عدن البريطانية عندما ظنوه أنَّه مـن الأتراك فأطلقوا النار عليه وأصابوه بسبع رصاصات وقتلوا فرسه فأعيد مجروحاً إلى قصره في مدينة الحوطة في لحج قبل احتلال الأتراك لها وبقي فيها إلى ما بعد شروق الشمس حيث أخرجه عسكرة محمولاً على الأكتاف واتجهوا به نحو مدينة عدن تحت وابل نيران الطرفين وفي الطريق إلى عدن حملته سيارة كاوجي دن شو الخاصة بتوزيع الماء والثلج إلى مدينة عدن ومات في المستشفى . 
في النصف الأول مـن شهر يوليو 1915م أخلت الحامية البريطانية مدينة الشيخ عثمان فـي المستعمرة عـدن حيث قام بعدها فتوة المدينة واستولوا عليها وتعرضت دكاكين المدينة إلـى النهب وقتـل بعض تجارها عندها استغل الأتراك الفراغ فـي المدينة فاحتلوها دون قتـال . 
سهل التقدم التركي السريع داخل إمارات وسلطنات و مشيخات و دويلات الجنوب العربي مـن إمارات الضالع مروراً بسلطنة لحج وحتى مدينة الشيخ عثمان في المستعمرة عدن هو عـدم دخول القوات البريطانية في القتال لضعف عدد تواجدها الشديد حينها فـي المنطقة لانشغالها في الحرب العالمية الأولى في مناطق أخرى من العالم الأمر الذي سهل على الأتراك الانفراد بكل أمارة ومشيخة وسلطنة علـى حـده وسحق مقاومة كـل منها لعدم التكافؤ فـي الوسائل والإمكانيات بين القوى الكبرى الإمبراطورية التركية المدعومة مـن الألمان وبين كـل دولة صغيرة على حده مثل إمارات الضالع وسلطنات كلِّ من لحج و الحواشب ولعدم تمكن بريطانيا من تقديم الحماية لهم لانشغال قواتها في الحرب بأجزاء أخرى من العالم . 
حـول ذلك أعلن اللورد ليتشز فـي لنـدن أن سبب هزيمة بريطانيا فـي إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربي التي احتلها الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى وعدم 
صد الهجوم التركي لـم يكن بسبب الأتراك وقوتهم وإنما بسبب تقصير القائمين علـى شؤون مستعمرة عـدن ونتيجة لذلك قامت الحكومة البريطانية بتسريح المقيم السياسي والقائد العسكري البريطاني في المستعمرة عدن ألم يجر جنرال دي.ال.بي.شو وسلمت القيادة إلى الجنرال ينج هز بند والذي وصل إلى مدينة عدن يوم 16 يوليو 1915م مع لواء الحدود الهندية رقم 20 والكتيبة الهندية رقم 108 وعلى الفور استعاد مدينة الشيخ عثمان في المستعمرة عـدن وطرد الأتراك إلـى سلطنة لحج . 
بعد أسبوع من طرد الأتراك من مدينة الشيخ عثمان واستعادة الإنجليز سيطرتهم على المدينة أمر القائد التركي سعيد باشا فرق القبائل اليمنية التي ساندت قواته في هجومها على دويلات الجنوب العربي أن تعود إلى مناطقها في اليمن حتى لا تنقص على الجيش التركي الإمدادات الغذائية وسمح لهم بأخذ الغنائم التي استولوا عليها ونهبوها من بيوت وأهالي إمارات الضالع وسلطنة ألحوا شب وسلطنة لحج ومدينة الشيخ عثمان في المستعمرة عدن يقول المؤرخ العب دلي شاهد أعيان يصف عودة المقاتلين من القبائل اليمنية إلى مناطقهم باليمن بعد احتلال الأتراك لسلطنة لحج و ما حلَّ بلحج وأهل لحج من جراء الغزو التركي قائلاً : 
" عادت القبائل اليمنية مـن سلطنة لحج بعد أن حملوا معهم مـن الغنائم والمحاسن والذخائر والمفارش والأثـاث والملابس والكتب شيئاً عظيماً ثـمَّ يسترسل فـي رسـم هـذه الصور الكاريكاتيرية لهم قائلاً : 
وقد رئي كثير من أجلاف اليمن يلبسون قمصان نساء لحج المذهبة يتبخترون بها في الأسواق ثمَّ يضيف قائلاً : 
فلـم يتركوا من مدخرات هـذه المدينة ونفائسها و مكاتبها شيئاً حتى مفارش المساجد وقناديلها وخربوا أكثر جدران بيوت مدينة الحوطة بحثاً عن الكنوز بين جدرانها وارتكبوا من الفضائع ما يتعالى عنه أهل الإيمان ". 
خلال الفترة يوليو 1915- 1918م بقي الأتراك يحتلون أمـارة الضالـع وسلطنة ألحوا شب وسلطنة لحج فـي الجنوب العربـي الواقعـة تحت الحكم البريطانـي وبعد تعيين الجنرال ينج هز بند المقيم السياسي لمستعمرة عدن ووصوله إلى عدن في 16 يوليو 1915م اختصر النشاط العسكري البريطاني ضـد الأتراك في طرد الأتراك من مدينة الشيخ عثمان داخـل مستعمرة عدن وأعادت السيطرة البريطانية عليها واستمرار المناوشات العسكرية بين الأتراك في سلطنة لحج والإنجليز فـي عدن وفي شهري أغسطس وسبتمبر 1915م استطاع الإنجليز مـن استعادة مـدينة الـوهط و ألف يوش الواقعـة فـي سلطنة لحـج والسـيطرة عليهـا وفي شهر سبتمبر 1915م غادر الجنرال ينج مستعمرة عدن وخلفه البر جدير جنرال برئيس مقيم سياسي لمستعمرة عدن إلا أنَّه أعفي عن منصبه في يوليو 1916م لأسباب صحية وقـد خلفه ألم يجر جنرال جيمس استيوارت معتمداً ومقيماً سياسياً بريطانياً لمستعمرة عدن وفـي أيَّامه هاجمت القـوات البريطانيـة بير جابر واستولت عليها كـما فـي أيامه فـي منتصف عام 1916 استخدمت لأول مـرة الطائرات البريطانية في قصف مواقع الأتراك فـي صبر و حوطة لحج وبقية المناطق داخل سلطنة لحج المحتلة من قبل الأتراك وفي نهاية عام 1916 إلى عام 1918م شهدت الجبهة العسكرية بين الأتراك والإنجليز نوعاً مـن الهدوء . 
بقي الأتراك فـي إمارات وسلطنات و مشيخات الجنوب العربـي بما فيها سلطنة لحج إلـى أن هزموا في الحرب العالمية الأولـى وانسحبوا مـن إمارات و مشيخات وسلطنات دويلات الجنوب العربي الذي كانوا يحتلوها وأعاد الإنجليز السيطرة عليها كما انسحب الأتراك كذلك من اليمن عام 1918م وكانت هزيمتهم في الحرب نهاية للإمبراطورية العثمانية التركية الذي دام خمس مائة عـام وأخـذ اليمـن ( اليمن الشمالي حاليا) استقلاله مـن تركيا عـام 1918م وأعلـن الإمـام يحي بن حميد الدين نفسه إماماً على اليمن ( اليمن الشمالي حالياً) وأسس المملكة ألمتو كلية اليمنية وعين نفسه ملكاً لها ودخل اليمن بعد عام 1918م مرحلة جديدة بعد التحرر مـن الأتراك هـي مرحلة الأئمة الزيد بين الممتدة خلال الفترة ما بين 1918- 1962 م . 
انتهت الحرب العالمية الأولى وهـزم الأتراك فـي الحرب وانسحبوا مـن اليمـن وانتهت إمبراطوريتهم إلا أنَّ الإنجليز خرجوا مـن الحرب منتصرين وأعادوا سيطرتهم علـى كل إمارات وسلطنات و مشيخات دويلات الجنوب العربـي لا بـل وخرجوا مـن الحرب وهـم يسيطرون على أهم موانئ ومدن اليمن الساحلية مدينة اللحية ومدينة الحديدة الميناء الرئيسي لليمن والذي سوف يكون السبب في توتر العلاقات بين دولة اليمن الجديدة ممثلة بإمامها والإنجليز الموجودين في الحديدة باليمن والحاكمين للجنوب العربي . 

بانتهاء الحرب العالمية الأولى انسحب الأتراك مـن اليمن وحصل على استقلاله الوطني في عـام 1918 وإثر ذلك شكل الإمام يحي حميد الدين دولة اليمـن أسماها المملكة المتوكلية اليمنية وأصبح هو ملكها وإمامً لليمن وبرز الإمام يحي كقوة جديدة فـي اليمـن في مواجهة الإنجليز و دويلات الجنوب العربـي بحيث سرعـان ما توترت العلاقـة بين الطرفين نتيجة لسيطرة الإنجليز على مدينة اللحية ومدينة الحديدة الميناء الرئيسي لليمن التي سيطرت 

عليهما بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى مـن وجهة نظر الإمام يحي ومطالبته بتسليمها إليـه إلا أنَّه نتيجة التحالف بين الإنجليز و الإدريسي أثناء الحرب ضد الأتراك وقرب مدينة اللحية مـن مناطق الإدريسي فقـد سلمت بريطانيا مدينة اللحيـة إلـى الإدريسـي وأبقت مدينة وميناء الحد يد ة تحت سيطرتها . 

طيلة سنوات الحرب كانت مدينة عدن توصف بأنها " قاعدة إمبراطورية " مـع التأكيد على دورها المتزايد فـي المجال العسكري والتجاري واستقبال السفـن والمواصلات والـتزود بالوقود. 

ففـي عام 1917 ارتبطت عـدن مـن الناحية العملياتية بوزارة الدفاع البريطانية وربطت المحميات الغربية والشرقية للجنوب العربي بوزارة المستعمرات البريطانية فـي لندن . 

كانت مستعمرة عدن منذ دخول الإنجليز إليها فـي 19 يناير 1839م وحتى عام 1932 تتبع إدارياً حكومة بومباي في الهند وبسبب إمكانية استقلال الهند عن بريطانيا تم في عام 1932 تحويل مستعمرة عدن إدارياً مـن تحت حكومة بومباي لتكون مفوضية مستقلة تتبع مباشرة تحت قيادة نائب الملك البريطاني في الهند وفي عام 1937 تحولت إدارياً وبشكل نهائي إلى وزارة المستعمرات البريطانية فـي لندن وأعلنت الحكومة البريطانية بأنها لا تريد أن تتقاسم "القاعدة الإمبراطورية " مع الهند المستقلة . 

قامت القوات اليمنية باحتلال إمارات الضالع ومشيخة الشعيب ومشيخة العلوي و الصبيحة في الجنوب العربـي الواقعة تحت الحكم البريطاني وكـان الهدف مـن ذلك هو الضغط علـى الإنجليز ليعيدوا إليه ميناء الحديدة إلا أن الإنجليز سلموا ميناء ومدينة الحديدة عـام 1921 إلـى الإدريسي ولما رأى الإمام أنَّ استبدال الحديدة بالمناطق الجنوبية التي احتلها لـم يعد ممكناً بدأ يوطد أقدامه في هذه المناطق . 

فـي عام 1926 حاول الإنجليز التفاوض مـع الإمام فبعثوا إلـى إمام اليمن وفد بريطاني برئاسة السير جلبرت كلنيتون وطلب الوفد البريطاني من إمام اليمن الانسحاب من الإمارات و المشيحات التي احتلها فـي الجنوب العربي فرفض الإمام ذلك وقام بعد ذلك بعقد معاهدة مـع إيطاليا عام 1926 وجددها عام 1936 وكان الإيطاليون موجودين حينها فـي إريتريا والحبشة ويريد الإيطاليون التقرب من الأمام في اليمن لتقليص النفوذ البريطاني على البحر الأحمـر وبدأت المساعـدات الإيطاليـة تصل اليمـن ومـن بينها الطائرات والفنيين العسكريين. 

في عام 1928 تحولت المسؤولية العسكرية العملياتية على مستعمرة عدن والجنوب العربي من الجيش البريطاني إلـى قوة سلاح الطيران الملكي البريطاني وبدأت تعد العده لاستخدام الطيران البريطاني فـي إخراج القوات اليمنية من إمارات و مشيخات الجنوب القدم الإنجليز في البداية إلى الإمام اليمني إنذاراً بالانسحاب الفوري مـن إمارات و مشيخات الجنوب العربي الذي احتلها وتبعوا الإنذار بقصف جوي شديد بإلقاء القنابل مـن الطائرات علـى المواقع اليمنية داخل إمارات الضالع وعلى المواقع العسكرية والحكومية داخل المدن اليمنية نفسها مثـل مدينة قعطبة , مدينة تعز , مدينة النادرة , مدينة ذمار , مدينة يريم , مدينة مأوية وبعض المدن اليمنية الأخـرى واستطاع الطيران الملكـي أن يدك عمق المدن اليمنية وأن يضرب المؤخرة والمقدمة لقوات الإمام ولما سمع ضباط وجنود الجيش اليمـني أزيز الطائرات وشاهدوا سقوط القنابل التي لـم يكن لهم معرفة بها مـن قبل انخلعت قلوبـهم ليسما عندمـا شاهدوا القنابل وهي تهدم مقر الحكومة والمخافر داخل المـدن اليمنية نفسهـا وقتل الكثيرين مـن أفراد 
الجيش اليمني عندها ولَّى الجيش اليمني هارباًً مذعوراً وبصورة مخزية مـن المناطق التي كان يحتلها داخل الجنوب العربي وقد سببت لبعض جنود وضباط الجيش الأمامي اليمني اختلالاً بالجهاز العصبي وأصيب بعضهم بالعته والبله كما هاجمت البحرية البريطانية الساحل اليمني وأنزلت الجنود فـي مدينة الحديدة ودبَّ الذعر والفزع في صنعاء عاصمة اليمـن ولجأ الإمام إلـى تهريب ممتلكات مملكته إلـى كهوف المناطق الشمالية في صعدة ولـم تكن نوايا البريطانيين احتلال اليمـن أو أي أجزاء منه بل كان غرضهم إجبار اليمـن علـى الانسحاب من مناطق الجنوب العربـي التـي احتلها وهكذا أعيدت السيطرة البريطانية وأمراء وسلاطين ومشائخ الجنوب العربي على جميع أراضي الجنوب العربي وفق خط ترسيم الحدود بين الجنوب العربي واليمن للأعوام 1873 و1905 و1914 الموقعة من قبل البريطانيين والأتراك . 

كان المهندس الرئيسي لمحميات الجنوب العربي هو السير برنا رد ريلي الـذي أصبح فـي الفترة ما بين 1925-1940م المقيم السياسي ثم الحاكم العام البريطاني للجنوب العربي والمستعمرة عـدن وقد تم تشكيل جيش الليوي كجزء مـن القوات البريطانية عام 1928 لتعزيز ودعـم سلاح الطيران الملكي البريطاني في الدفاع عن الجنوب العربي. 

في عام 1929 عقد أمـراء وسلاطين ومشائخ دويلات الجنوب العربي مؤتمراً عامـاً لهـم برئاسة سلطان سلطنة لحج بهدف تقوية الروابط فيما بينهم وإيجاد صيغاً تحالفية تمكنهم مـن مواجهة المخاطر الخارجية بشكل موحد وفكروا في ذلك التاريخ إنشاء اتحاد فيما بينهم ولكن لـم يتوفقوا فـي تحقيق ذلك فـي ذلك الوقت وقـد تمكنوا فـي تحقيق هدفهم هـذا فـي 11 فبراير 1959م بإنشاء اتحاد الجنوب العربي . 

تم في 11 فبراير 1934م التوقيع فـي مدينة صنعاء عاصمة اليمـن على معاهدة اعتراف الإنجليز باستقلال اليمـن واعتراف الإمـام يحي إمام اليمـن باتفاقية ترسيم الحدود الدولية الموقعة في 1905م و 1914م مـن قبل تركيا وبريطانيا لترسيم الحدود الدوليـة بين اليمـن والجنوب العربي . 

تحول الجنوب العربي إلى وزارة المستعمرات البريطانية بدلاً من الهند عام 1937 وقسمت إلى قسمين من المحميات : 

المحميات الشرقية والمحميات الغربية وتظم كلاً من سلطنة المهرة وسلطنة القعيطي وسلطنة الكثيري وسلطنة الواحـدي وتظـم المحميات الغربية بقية الإمارات والسلطنات و المشيحات واختير لهـذه المحميات ضباط سياسيين بريطانيين دهـاه لتنفيذ المهمة أمثال أنجرامز فـي المحميات الشرقية و سيجر و هاملتون في المحميات الغربية وبهذا التقسيم الإداري الجديد تم َّ استبدال نظام الحماية السابق بنظام الاستشارة . 

سياسة نظـام الاستشارة تقضي بأن يكون لكل سلطان أو أمير أو شيـخ مستشار بريطانـي ينصحه في كل المسائل التي تخص أدارت سلطنته أو مشيخته وعلى الأمير أو السلطان أو الشيخ أن يقبل نصيحة ذلك المستشار ويقوم بتنفيذها . 

أصبحت هـذه السياسة تعرف فـي المصطلح السياسـي بسياسة التقـدم نحو الأمام وقـد اقتضت هـذه السياسة الجديدة تشكيل قوات أمن مسلحة محلية لتنفيذ هـذه السياسة ودعـم سلطـات الضبـاط السياسيين البريطانيين وسلطات الأمـراء والسلاطين و المشائخ وتعزيز سلطة الدولة . 

لتعزيز دور ومكانة أمراء وسلاطين ومشائخ دويلات الجنوب العربـي قـام اللورد كولتين وزير المستعمرات البريطانية بزيارة الجنوب العربي عام 1955 وأكد بأنَّ بريطانيا ستفـي بالتزاماتها اتجاه المستعمرة . 

خلال سنوات الحرب العالمية الثانية 1939- 1945 م كانت الحالة والموقف العسـكري بين البلدين الجنوب العربي واليمن هادئة ولكنها في 1943- 1944 م كادت أن تتأزم نتيجة تمركز قوات يمنية على ساحل البحر المقابل لجزيرة ميّون بالقرب من حدود البلدين إلا أن اليمن قام بسحب قواته من هناك بعد أن وجهت بريطانيا إنذار شديد اللهجة . 

بانتهاء الحرب العالمية الثانية زال الخطر الإيطالـي فـي الساحل الإفريقي المقابل واليمـن لانتصار الحلف البريطاني وهزيمة الحلف الإيطالي بالحرب . 

تجدد الصراع بين الجنوب العربي والبريطاني من جهة واليمن من جهة أخرى في منتصف الخمسينات من القرن العشرين إلا أن الصراع لم يكن في غالبه مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيوش النظامية للطرفين بل كان تشجيع التمردات والانتفاضات القبلية هنا وهناك وتقديـم المال والسلاح من قبل الجانبين وكانت كلِّ من مدن البيضاء , قعطبة , تعز و حريب اليمنية الواقعة على أطراف حدود البلدين مراكز الدعم الرئيسية للتمردات القبلية داخل بعض مناطق الجنوب العربي لحاجة الناس الضرورية فيها لسـد رمق الحياة مما يتقاضوه مـن أمـوال وعائدات بيع السلاح والذخائر التي كانت توزع عليهم مـع أن تدخل الإنجليز المباشر فـي شؤون السلطنات و إمارات و مشيخات دويلات الجنوب العربـي منذ منتصف ثلاثينات القرن العشرين قـد ساعد ذلك علـى تدعيم سلطة الدولة المدنية فيها لأولئك الأمـراء والسلاطين و المشائخ الذيـن كانوا حينها حتى مـن ناحية الهيئة الاجتماعية والحياة المعيشية لا يختلفون كثيراً عن بقية أفراد قبائل مناطقهم . 

تميزت الصراعات بين اليمن من ناحية والإنجليز والجنوب العربي مـن ناحية أخرى بالحدة والعنف تارة وبالسكينة والهدوء الخادع المؤقت تارة أخرى ويتحكم فـي مثل هذا التباين من الشدة والهدوء أوضاع اليمن الداخلية المضطربة و الغير مستقرة لتمرد قبائل مناطق اليمـن على سلطة الإمام وعدم تأثير أو وجود لسلطة الدولة المركزية على كل مناطق اليمن وعلى النقيض في الجنوب العربي رغم وجود حوالي 22 أمارة وسلطنة ومشيخة مستقلة بعضهـا عـن بعض إلا أن الوجود الإنجليزي ونظـام الحماية ثم الاستشارة لهذه الدول الصغيرة كـان المنظم للعلاقة بينها وتوطيد الاستقرار فـي ربوعها رغم تدخلات اليمـن بشؤون بعضها لزرع القلاقـل وعدم الاستقرار فيها من وقت لآخر كما حدث في الشعيب وجبل جحاف في إمارات الضالع عام 1956 عندما ساند اليمن الأمير حيدرة الذي كان لاجئاً في اليمن بمدينة قعطبة للاستيلاء على إمارات الضالع وإسقاط ابن عمة الأمير شعفل بـن علي مما اضطر ذلـك الإنجليز إلـى استخدام القوة والطيران والقضاء التام على التمرد بما في ذلك قصف مدينة قعطبة اليمنية الأمر الذي أدى إلى تعزيز سلطة أمير إمارات الضالع وبنـى قاعدة عسكرية بريطانية قوية فيها ليسما وهـذه الإمارات كانت موقع لأطماع الأتراك من قبل ثم أمام اليمن فيما بعد فيها ووضع ذلك حد 

نهائي حافظ على استقلال الإمارة حتى استقلال الجنوب العربي في 30 نوفمبر 1967م. 

في اليمـن حدث عـام 1948 قتل الإمام يحي إمـام وملك اليمن وقيام ثورة 1948م بقيادة عبد الله الوزير إلا أنها باءت بالفشل وقـد تولـى ابن الإمام يحي أحمد الحكم بعد أن أعـدم منفذي الانقلاب وفي عام 1955 حدث انقلاب ضده إلا أنه فشل هو الآخر وقد كانت أوضاع اليمن الداخلية تسير من سيئ إلى أسوأ. 
لجأ الإمام أحمد إمام اليمن وولي عهده ابنه البدر في أواسط الخمسينات إلى تمتين العلاقة مع المعسكر الاشتراكي حينها ومصر والسعودية للحصول على الدعم المعنوي والعسكري ولكي يمتصوا النغمة الداخلية بعد انقلاب 1955م بتحالفه مـع عبد الناصر ففي 1955م عقد حلف صداقة مع الاتحاد السوفييتي وبدأت السفن الروسية تصل اليمن حاملة الأسلحة والمساعدات والفنيين وخلال مايو وسبتمبر من عام 1956 أرسل الإمام ابنه ولي عهده البدر إلى عواصم بعض الـدول الاشتراكية مثـل موسكو وبرليـن الشرقية و براغ وعقـد اتفاقيات اقتصادية وعسكرية معها وقد اعترفت اليمن بجمهورية الصين الشعبية وفـي عام 1957 عقدت اتفاقية لشراء الأسلحة من تشوكوسلفاكيا .




وفي عام 1956 كان الإمام قد وقع على الحلف الثلاثي في مدينة جدة بينه وبين الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية والرئيس عبد الناصر رئيس جمهورية مصر وحصل من الملك سعود على ثلاثة ملايين لشراء الأسلحة.





فـي عام 1958 كمحاولة منه للحصول على الدعم العربي فـي مواجهة الإنجليز ومن أجل تعزيز نظام حكمه انظم الإمام إلى اتحاد الدول العربية الـذي يظم سوريا ومصر وبدأ مـن عام 1958 وصول الخبراء المصريين لليمن لتدريب الجيش اليمني .





خلال تلك الفترة تعاظم دور المقاومة ضـد نظام الإمام فـي اليمـن وقد وزعت فـي تعز منشورات عام 1959 ووضعها تحت الحكم العسكري.





أصبح النظام الأمامي باليمـن خلال الأعوام 1959- 1962 منهاراً تماماً لم يعد يسيطر على البلاد حيث سادت التمردات القبلية والشعبية تتزايد والمقاومة فـي المدن اليمنية لنظام حكمه تتوسـع والمنشورات الداعيـة لإسقاط نظـام الإمامة تتوزع علـى طول وعرض اليمـن ومظاهرات الطلبة تعم المدن وكانت القبائل تنظم إلى الانتفاضة ضد نظـام الإمام وقد بلغت نقمة القبائل اليمنية نفسها من حكم الإمام أحمد في أن فكرت أن تنتخب إمـام قحطا ني بدلاً من السادة أهل البيت الذين جاءوا من خارج اليمن في القرن الهجري الثالث .





في 22 مارس 1961م كانت محاولة قتل الإمام أحمد إمام اليمن في مستشفى الحديدة بحيث تعرض لإصابة خطيرة لم يتمكن على إثرها مـن ممارسة أعماله وفارق الحياة بعد ذلك وقد تولى ابنه البدر الحكم وأصبح إمامً جديداً لليمـن إلا أنَّ نظـام حكمة سرعان ما أطيح به في ثورة قام بها الجيش اليمني في يوم 26 سبتمبر 1962م وبها تغير النظام إلى نظام جمهوري وإلى صراع جديد هـذه المرة داخل اليمـن بين الجمهوريين فـي الحكم والملكيين خـارج الحكم.





أما في الجنوب العربـي في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات من القرن العشرين ونتيجة لتغير الأوضاع الدولية خاصة في منطقة الشرق الأوسـط وإفريقيا وذلك بعد جلاء بريطانيا من كثير من قواعدها العسكرية فـي كلِّ من قبرص وكينيا والعراق والأردن والسويس فقد زاد أهمية الجنوب العربي ومدينة عـدن الاستراتيجية فـي السياسة البريطانية وتـم العمل لتحويل مدينة عـدن إلى مقرِِّ عام ِّ لقيادة الشرق الأوسط واستخدامها كنقطة انطلاق متقدمة للدفاع عـن المصالح البريطانية وخاصة النفطية منها في شـرق السويس ولهذا زار اللورد لوبد وزير المستعمرات البريطانية مدينة عـدن عام 1956 وأعلن فـي اجتمـاع للمجلـس التشريعي عن سياسة بريطانيا الجديدة حول عدن والجنوب العربي قائلاً: 

" تود حكومة جلالتها أن توضح بأن أهمية عـدن مـن الناحية العسكرية والاقتصادية ضمن إطار الكومنولث هي من النوع الذي لا يمكن الحكومة مـن أن تتصور أي تحلل جوهري من مسؤولياتها اتجاه المستعمرة " وفـي الورقـة البريطانية البيضاء لعام 1957 أصبحت عدن تساعد في تحمل مسؤولية الدفاع البريطانية فـي ما وراء البحار " وقد أصبحت عـدن مركز قيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط . 

عزز قيام اتحاد الجنوب العربي في 11 فبراير 1959م مكانة القاعدة الإمبراطورية في عدن وأصبح كالحزام الواقي لها مـن الداخل ومنذ قيـام الاتحاد في 11 فبراير 1959م إلى قيام ثورة 26 سبتمبر في اليمن خف الصراع بين الجنوب العربي والإنجليز من جهة واليمن من جهة أخرى لا بل وانتهائها نهائياً الأمر الـذي عزز وقوى مـن سلطات حكومات السلطنات و الإمارات و المشيحات وكذا حكومة اتحاد الجنوب العربي ومن توطيد النفوذ البريطاني فيها لأهمية الجنوب العربي ومدينة عدن الاستراتيجية في السياسة الدولية .





في بداية الستينات من القرن العشرين أصبح لمدينة عـدن أهمية خاصة فـي الاستراتيجية الدولية . 




حيث أشار الكتاب الأبيض الصادر عن وزارة الدفاع البريطانية وقتذاك إلى نيَّة بريطانيا في أن تبقى قواتها العسكرية في عـدن بصورة دائمة ويشرح السير شارلس جونستون ذلك في كتابة " ذا فيو فروم 1 سبتمبر بوينت " ( الرواية من مدينة التواهي ) بقوله:





" ‘إنَّ ذلك يعود إلى ثلاث عوامل هي:
أولاً: يتعلق بالاستراتيجية الدوليـة : فقد أصبح لمدينة عـدن أهمية استراتيجية ليس بالنسبة لبريطانيا فحسب وإنما للمعسكر الغربي بأسره. ثانيـاً: يتعلـق باستراتيجية البترول : فعدن أصبح هو الذي يحمي آبار البترول في الخليج .ثالثـاً: بالاستراتيجية المحلية : لأنَّ القاعدة ستحمي حلفاء بريطانيا المحليين فـي المنطقة.



















































ليست هناك تعليقات :