الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

الجنوب العربي هويتنا وتاريخنا وليس اسما نتفاوض بشأنه


عبده النقيب
إن هوية أي شعب وأي شخص هو الشئ الأول والأساس الذي يدل على وجوده فأي تشكيك بهوية وتاريخ شعب ما هو عمل يستهدف في المقام
الأول اقتلاع جذور هذا الشعب ومحو تاريخه. تعرضت هوية بلدنا الجنوب العربي للتدمير وتاريخه للتزوير بطريقة نادرة لم يعرفها ا أي شعب مماثل في إطار عمل مدروس تقف خلفه أطماع ليست خافية على أحد اليوم.
الجنوبي شخص بطبيعته طيب الخلق كريم المحتد ينعكس ذلك بوضوح في سلوك أهل الجنوب وهي الصفات التي لا تكتسب في لحظة من الزمن بل أنها جزء من شخصية وتركيبة وموروث الشعب وتاريخه والتي تشير إلى أصالة شعب الجنوب وتاريخه الموغل في القدم المعروف بأنه اصل العرب. هاهو الجنوبي اليوم يستيقظ على الفاجعة وعلى فداحة وهول الكارثة ليكتشف انه كان يلهث وراء سراب قاده إلى المهلكة من خلال شعارات وطنية وقومية براقة ظاهرها الحق وباطنها الخديعة.
تتفاخر العرب بالأصالة والنسب حتى في إطار الأسرة والعشيرة. قديما كان الفرسان يهتفون بأصلهم ويتفاخر به الشعراء..  يقابله اليوم ما توليه الشعوب من عناية وتفاخر وإشهار للآثار التي تدل على عراقة واصلة أي قومية. الآثار شئ لا يقدر بثمن نجد الأوربيون والكثير من الشعوب المتحضرة يحافظون على كل ماهو تاريخي و أثري فحتى أثار النازية والسفاح هتلر تحضا باهتمام بالغ كونها أضحت جزأ من تاريخ ألمانيا بل والبشرية.
 هناك أسئلة عديدة حيّرتني كثيرا فهي تبحث عن إجابات متعلقة ببلدنا الجنوب العربي؟
كيف لتيار قومي عروبي وهو ما يفترض أن يكون لديه نزعة قومية متعصبة حسب فهمي البسيط أن يسعى إلى تدمير ومحو تاريخ شعب من أقدم شعوب الأرض؟ وهي بالمناسبة لمن لا يعلم أن هناك ثلاث قوميات تحتفظ با صالتها وتاريخها هي الأقدم حتى الآن وهي شعب الجنوب العربي, فارس والفراعنة. لا اقصد في ذلك الحضارات ولكن أقصد القوميات لأن الشعوب المعروفة اليوم معظمها تشكلت في إطار من التداخل والتمازج الديموغرافي المقرون بالهجرات والنزاعات والغزوات ولم يحافظ شعب على اصالته ونسبه كما فعلت هذه القوميات الثلاث. 
كيف لتيار قومي عروبي أن ينتزع اسم بلد تاريخه يمتد لآلاف السنين هو الجنوب العربي هكذا ويطلق عليه اسم اليمن الجنوبي ؟
والغريب في الآمر أن التاريخ لدى هذا التيار توقف عن حدود 26 سبتمبر 1962 م ومن هناك بدا تاريخ الجنوب فقط؟
عندما تعلمنا عن تاريخ الثورة كان هناك تغييب متعمد للحقائق فلم نكن ندرك شيئا عن خلفية المقاومة الشعبية والقبلية الجنوبية ضد المستعمر البريطاني وعن الانتفاضات الشعبية التي عمت الجنوب خلال الأربعة العقود التي سبقت قيام ثورة 14 أكتوبر في العوالق والشعيب والضالع ويافع ودثينة وحضرموت والحواشب وغيرها من مناطق الجنوب وقدم الجنوبيون الشهداء والتضحيات.
كيف نستطيع إقناع أنفسنا أن انقلاب 26 سبتمبر 1962 م هو الثورة الآم وثورة الرابع عشر من أكتوبر هي وليدة لها!!
 المتتبع لتاريخ تلك الحقيبة لن يجد فدائي واحد أو شهيد من اليمن شارك في ثورة الجنوب ضد الاستعمار البريطاني.. ليس من باب التعصب بل أنها الحقيقة ومن لديه الدليل على عكس ما نقول فليتحفنا به. بالطبع لا اقصد الذين شاركوا بحكم إقامتهم في عدن وترجع أصولهم إلى اليمن هم جنوبيين.. بالمقابل لم أتمكن من الحصول على اسم جنوبي واحد في تشكيلة التنظيم السري للضباط الأحرار وهو التنظيم الذي قاد الانقلاب في صنعاء.
كما أن الجنوبيين بعد اندلاع الحرب الملكية ضد الجمهورية تدافعوا بأعداد كبيرة للمشاركة في الدفاع عن الجمهورية الوليدة وابلوا فيها بلاءا حسنا لكن لا احد منهم تبوأ منصبا أو أندمج في إطار النظام السياسي الجمهوري اليمني. هذه المسالة ليست مقتصرة على الجنوبيين بل أنها امتدت إلى المشاركين في الثورة وقادتها من اليمن الأسفل الذين تمة أبادتهم
 في مجازر ما عرفت بأحداث اغطس 1968م بسبب انتمائهم المذهبي الشافعي.
صحيح أن قيام النظام الجمهوري في اليمن هيأ الظروف لقيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر حيث جاءت القوات المصرية لمناصرة الجمهورية وتكفلت بالدعم اللوجستي لثورة 14 أكتوبر وهي لا تختلف عن ظروف قيام ثورة 23 يوليو في مصر وتهيئتها لقيام ثورات تحررية عربية في أكثر من بلد عربي. لكن هذا لا يبرر بأي شكل للحديث عن واحدية الثورة كما أدعى القوميين وتدعي سلطات الاحتلال اليوم لآن لكل ثورة ظروفها الخاصة بها وثورة أكتوبر 1964م هي امتداد للانتفاضات والمقاومة التي شهدها الجنوب العربي قبل ذلك بعقود.
المسألة اليوم لا تخلو من المغالطات من قبل البعض والبعض يجادل دون فهم بل وأنهم أسرى لمخطط محو تاريخ الجنوب.
في تقديري أن هذا المخطط له أبعاد خطيرة متعلقة باستهداف حضارة عريقة نادرة تكاد تكون مطمورة وهي مؤامرة لها أبعاد تتعدى حدود الأطماع اليمنية في الجنوب.. البعض يجادل دون علم وتنطلي عليهم الدعايات الهشة التي تربط بين مفهمو الجنوب العربي والحكومة الاتحادية الفيدرالية التي أنشأت في 1959م ويتصوروا أن هذا الاسم هو صنيعة استعمارية ليس إلا.
ليس مستبعد أن الاختراقات الخطيرة التي تعرضت لها حركة القوميين العرب لها علاقة بذلك خاصة وانها نفسها تعرضت للتشرذم والتصفية.
ليس مستبعدا هذا لآن أي استهداف لآي أمه يبدأ من استهداف تاريخها.
 البعض منا لديه قناعات معينة نتفهمها جميعا وهي المسالة القانونية, لكن البعض يرفض المسالة من الأساس ويحصر اسم الجنوب العربي بما عرفه عن ألاتحاد الفيدرالي الذي تشكل في عام 1959م ويتعصبون ضد الاسم جهلا منهم بأن الجنوب العربي هو الاسم التاريخي قبل أن تولد بريطانيا بألا لاف السنين. الحقيقة هذه الموقف نجده عند المتعصبين ممن لهم صله بالتاريخ الممتد مابين 1967- 1990م وهم على نفس الفكر يرون أن الجنوب العربي هو اتحاد الجنوب العربي وموقفهم من الاسم هو موقف من الذين شكلوا اتحاد الجنوب العربي وهذا موقف خطير بالنسبة يبدو لنا أن هناك لازال  من يفكر بأن بعض الجنوبيين لا زالوا مغضوب عليهم والمقصود بهم السلاطين والمشائخ وكل القوى التي حرمتها الجبهة القومية حقوق المواطنة خلال الفترة المذكورة أعلاه.
هذا الموقف هو أيضا يتقاطع مع نهج التصالح والتسامح الذي اختطه أبناء الجنوب للخروج من الوحل والتخلص من مخلفات حقبة الحزب الاشتراكي المسئول عن كل هذه المأساة والويل.
الجنوب العربي هويتنا وأسمنا كما عرفنا به العالم ليس موضوع للمساومة أو للبحث وهو الاسم الشرعي القانوني لأن اسم الشطر الجنوبي واليمن الجنوبي هي أسماء غير شرعية لسلطة غير شرعية حكمت بطريقة غير شرعية وحاولت سلب الجنوب هويته وأسمه بدون شرعية وسلمت الجنوب لليمن بدون شرعية ولا يعقل أن نتمسك بما هم غير شرعي ونترك الاسم التاريخي الشرعي.
بعد الاستقلال إذا أردنا أن نجري استفتاء على تغيير الاسم إذا كان هناك من يريد تغييره فعلينا أن نلتزم لما ينتج عنه الاستفتاء وسيكون الاسم الشرعي ما ينتج عن الاستفتاء نحترمه جميعا.
التذرع بالجانب القانوني لأسم الدولة التي دخلت فيما تسمى بالوحدة من اليمن مبالغ فيه ويستخدم بشكل خبيث للتصدي لكل من يتحدث عن الجنوب العربي ونحن لسنا في محمكة العدل أو في جلسة الأمم المتحدة.
عندما نناقش الموضوع من جانب تاريخي يتصدون له مع المفروض أننا نستعيد تاريخنا الحقيقي ونستحضره في ذاكرة كل جنوبي ليعرف كل جنوبي هويته الحقيقية وهذه مسالة ليست قانونية ولسنا أمام محمكة..فعندما نذهب للأمم المتحدة للتفاوض حول استقلال الدولة نعم سنقول دولة الجنوب العربي  ونضع بين قوسين ماكان يسمى بدولة جمهورية اليمن الديمقراطي الشعبية وسنقدم وثائق الجمهورية المعروفة للعالم ولاقلق حول هذه المسالة.
التصدي للأقلام الوطنية الجنوبية التي تؤصل لتاريخنا الجنوب العربي وتراثه وهويته هو مشروع الحزب الاشتراكي الذي يقوده اليمنيين الذين قدموا إلى الجنوب وقد بدأت المعركة في إطار الجبهة القومية حول هوية الجنوب ولمن لا يعرف فإن الشهيد فيصل عبداللطيف والشهيد الرئيس قحطان الشعبي والمناضل علي عبدالعليم وجميعهم من أبناء شعب في الصبيحة التي لها تجربة مريرة مع الاحتلال الزيدي قد دفعوا حياتهم ثمنا في أطار الصراع على هوية الجنوب وقانون الجنسية الجنوبي.
كيف سنتوحد كجنوبيين دون رؤية تجمعنا.. وماهي تلك الرؤية القادرة على توحيد أبناء الجنوب العربي سوى الهوية الجنوبية العربية. إن من يناضل باستماتة على رفض فكرة الهوية الجنوبية المستقلة والتشبث بالاسم المستنسخ الذي تم جلبه في ستينيات القرن الماضي من قبل بعض العناصر في حركة القوميين العرب فإنه يناضل من أجل تثبيت الودود اليمني في الجنوبي والتشريع للاحتلال ولم ولن يكن مع الاستقلال حتى وإن تشدق به..
لقد وعي الجنوبي الدرس ألقاسي الذي سقطت معه كل أوراقا التآمر والمشاريع اليمنية الذي يعد الحزب الاشتراكي الحامل السياسي لها منذو نشوئه في أكتوبر 1978 ويعد امتدادا لنفس المشروع الذي تبناه حزب الشعب الاشتراكي في منتصف ستينيات القرن الماضي. كما أن قيام الحزب الاشتراكي اليمني جاء بعد أن تمكن من إلغاء وتذويب الجبهة القومية التي كانت جنوبية المنشأ والتكوين حتى وإن شابتها بعض الأخطاء.
هل أعجبك الموضوع:

ليست هناك تعليقات :