شبكة الطيف
\فجر الجنوب\متابعات
:بقلم د\حسين مثنى العاقل
D_aqeel2010@yahoo.com
:بقلم د\حسين مثنى العاقل
D_aqeel2010@yahoo.com
الحلقة الثالثة:
السر الكبير
(*) ... وحكايات الانسحاب في ظل ظروف غامضة ؟.
تعاقدت حكومة (جمهورية
اليمن الديمقراطية الشعبية) خلال سنوات حكمها لدولة النظام والقانون في الجنوب وتحديدا
من عام (1973 – 1989م)، مع أكثر من عشر شركات نفطية عالمية للتنقيب واستخراج الثروة
النفطية في مناطق متفرقة من مساحة أرض الجنوب البرية والبحرية، وغالبا ما كان النظام
السياسي حين ذاك يوافق على منح الشركات الحق في اختيار المناطق التي ترغب فيها، للحصول
على امتيازات الاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية.
إلا أنها وبخاصة الشركات المنتمية
أو المملوكة للدول الغربية، والتي عرفت في فترة الحرب الباردة (45 – 1990م) بالدول
الرأسمالية، قد تخلت عن عقود الاتفاقيات المبرمة بينها وبين وزارة النفط والمعادن بدولة
الجنوب، حيث اتسمت تلك الانسحابات بالتوقف المفاجئ والعزوف عن مواصلة جهودها في المسح
والتنقيب، وذلك بصورة غير معروفة الأسباب والدوافع، الأمر الذي جعل الباحثين يطلقون
على تلك الظاهرة (مصطلح الظروف الغامضة Mysterious
Circumstances)، على الرغم من أن بعض الشركات النفطية قد قامت بالفعل بكل الأعمال
الاستكشافية وحفرت عدد من الآبار التجريبية، بل واعلنت رسميا عن اكتشاف خام النفط وبكميات
تجارية، ومن أبرز تلك الشركات على سبيل التمثيل الشركة الايطالية (Agip Company )، والتي حصلت في عام 1977م على حق الامتياز في المنطقة المغمورة بساحل
حضرموت (شرمة 1)، إلا أنها انسحبت في ظل ظروف غامضة مثل غيرها من الشركات السابقة واللاحقة
لها.
ولكن !. كيف يمكن
لنا أن فهم اسرار وخفايا اللعبة القائمة اليوم ؟؟ وما هي الحقائق والدوافع لتزاحم وتنافس
أكثر من 73 شركة نفطية عالمية، وحوالي 40 شركتا تركيتا في طريقها إلى أرض الجنوب أن
لم تكن قد وصلت على وجه السرعة وحظيت بنصيبها من الكعكة أو المال السائب ؟!. وهناك
عروض لقطاعات نفطية مفتوحة يروج لها في مختلف دول العالم، ومع ذلك فالسؤال المطروح
أمام كل الباحثين والسياسيين والاقتصاديين والقانونيين الجنوبيين هو: لماذا كل هذا
التسابق المرعب للشركات العالمية بعد احتلال الجنوب في صيف 1994م ... وطوال أكثر من
18 عاما لم نسمع أو نعلم بأن هناك شركة نفطية عالمية ولو واحدة من الـ (الثلاثة والسبعون
شركتا) قد اعلنت انسحابها فعلا وتخلت عن الاتفاقية المبرمة معها تحت مبررات (الظروف
الغامضة)، كما كان يحدث في ظل سيادة دولة النظام والقانون الجنوبية ؟؟؟.
والسؤال الآخر الذي
يفرض نفسه على كل أبناء الجنوب بدون استثناء، يتمثل أساسا في ما هي الأبعاد الخفية
لذلك (السر الكبير (The Top Secret في الاباحية المفرطة
في تقسيم أراضي محافظات الجنوب المحتلة إلى مساحات مربعة ومستطيلة يتم توزيعها على
رموز ومراكز قوى النفوذ والنهب اليمني، ومن أحدث عمليات التوزيع للقطاعات النفطية في
المحافظات الجنوبية حسب بعض المصادر هي القطاعات المرقمة (93– 94– 95– 96 في أرخبيل
سوقطرة، والقطاعات (46 - 61– 62 – 63 في المياه الإقليمية لخليج عدن (13)) انظر الخريطة
رقم (3)؟؟ وكأن أراضي محافظات الجنوب وثرواتها وخيرات أبنائها، قد صارت أرض بلا شعب..
أو أن هناك اطمئنان سياسي عام لدى زعماء النهب والفساد اليمني والشركات النفطية العالمية
المتعاقدة معهم، بأن ضمير القيادات السياسية الجنوبية قد خذلتها عيوب المناكفات غير
المبررة فيما بينها ؟؟. أو أن نظام الاحتلال ومراكز القوى المتحالفة معه إقليميا ودوليا
والطامعة بثروات الجنوب، قد استطاعت بالفعل من ضرب اسفين الخلافات بين القيادات الجنوبية،
وبالتالي لم يعد لديها احساسا وشعورا بالمسئولية تجاه شعبها ووطنها المستباح ؟!.. وفي
نفس الوقت ربما يعتقد نظام الاحتلال وحلفائه بأن الثورة الشعبية للحراك السلمي الجنوبي
وقواها الحية رغم فاعلية نشاطها السياسي والاجتماعي المتصاعد، هي في حسابات تلك القوى
ليست سوى ظاهرة صوتيه فقط، لأنها وفق مقاييس تفكيرهم لم تلامس أو تهدد مصالحهم ومصالح
الشركات النفطية، ولم تشكل قوى الحراك خطرا حقيقيا على تلك المصالح والغنائم المربحة،
وما زالت بعيدة كل البعد في نضالها السلمي عن فهم وأدراك المفاصل الحقيقة لإمكانية
وقف عمليات الاستنزاف وقطع الحبل السري لنهب الثروات الجنوبية، كما يصف ذلك المراقبون
والمهتمون بالشأن الجنوبي ؟!!.
خريطة رقم (3).توضح
احدث عملية اعادة تقسيم مساحة أرضي محافظات الجنوب ومياهها الإقليمية إلى قطاعات نفطية
معظمها منحت لشركات نفطية عالمية بعقود مبرمة مع زعماء وشيوخ قبائل يمنية ومتنفذين
عسكريين من أسرة الرئيس المخلوع وأقربائه من آل الأحمر وقبائل سنحان وحاشد وبكيل وغيرها.
الارياني .. في
نيويورك يسوق عروض الفيد اليمني لثروات الجنوب.
بعد احتلال الجنوب
عام 1994م وتنفيذ المهمة التي كلف بها نظام صنعاء بتدمير ممتلكات دولة الجنوب والتخلص
النهائي من جيشها وقدراتها العسكرية الضاربة بمؤامرة خديعة الوحدة، أطمئنت مراكز القوى
الإقليمية والعالمية من استباحة الأراضي الجنوبية بمساحتها الواسعة البرية والبحرية،
لذلك لم يمض على تلك الكارثة سوى أشهر معدودة، سبقتها تنسيقات مبكرة أثناء فترة الحرب
الدموية ضد الجنوب، وقبل أن تضع الحرب أوزارها .. كان قد اشيع خلال تلك الفترة أن وزير
التخطيط حينذاك الدكتور عبد الكريم الارياني (كبير مهندسي الأزمة السياسية والعسكرية
باليمن)، قد أجراء اتصالات وعقد لقاءات سرية مع عدد من رؤساء الشركات النفطية الأمريكية،
والشخصيات المؤثرة على صناع القرار في مجلس الأمن الدولي، وبخاصة ذوي النفوذ والمصالح
الاقتصادية في الكونجرس الأمريكي ومجلس الشيوخ، وذلك بتقديم العروض والاغراءات للشركات
النفطية للاستثمار في الجنوب، في حالة تدخلها بتأجيل وترحيل أي مشروع لقرار التدخل
الدولي المباشر بأرسال قوات دولية لفض النزاع والفصل بين القوات الجنوبية والشمالية،
ووقف اطلاق النار والزام طرفي النزاع بالجلوس على مائدة الحوار والتفاوض لحل المشكلة
اليمنية (14). وبالفعل تمكن الأرياني من كسب الرهان ونجح في ارباك المجتمع الدولي ومن
تسويف وتلكؤ مجلس الأمن في عدم سرعة التحرك لتنفيذ قراريه رقمي (924 – 931)، وهذا يتأكد
من خلال الآتي:-
1- تجاهل مجلس الأمن
الدولي وجامعة الدول العربية كل النداءات والرسائل الموجه إليه من قبل القيادات الجنوبية
وبالذات رسالة الرئيس (علي سالم البيض)، والتي تضمنت مطالبة الأشقاء العرب والمجتمع
الإقليمي والدولي، والهيئات والمنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية إلى سرعة التدخل
لوقف اطلاق النار، بما في ذلك القبول بضرورة أرسال قوات عربية ودولية للفصل بين القوات
العسكرية لطرفي النزاع المسلح. إلا أن النوايا المبيتة لبعض مراكز القوى الإقليمية
والدولية لأسقاط دولة الجنوب وتدمير قواتها العسكرية، ومن ثم تقاسم ثرواتها، كانت البعد
الاستراتيجي لما تكشفه الوقائع والأحداث السياسية والاقتصادية، من عمليات النهب المكثف
والمتسارع لخيرات الجنوب، وبالتالي يمكننا القول أن الموقف الدولي ما زال رهينا ومحاصرا
تحت اطماع اللوبي الاحتكاري، والمعروف (بالسر الكبير) حتى اليوم.. وربما قد يخرج عن
صمته وتجاهله لقضية شعب الجنوب بصورة مفاجئة، خصوصا بعد كل هذه التضحيات والتحولات
السياسية والاجتماعية، وما تشهده محافظات الجنوب من تصاعد للمد الثوري التحرري المتعاظم.
2- لم يول مجلس الأمن
الاهتمام الكاف بتنفيذ قراريه.. لا لقرارة الأول والمتخذ في جلسته 3386 تحت رقم
(924) والصادر بتاريخ 1 يونيو 1994م، ولا قراره الثاني المتخذ في جلسته 3394 تحت رقم
(931) والصادر بتاريخ 29 يونيو بنفس العام ؟؟. والشي العجيب أن نظام صنعاء لم يعر ذلك
القرارين الصادرين من أعلى الهيئات الدولية أيه اعتبارات سياسية أو إنسانية، كما أن
مجلس الأمن أيضا لم يتعامل مع قراراته بجدية ولو من باب التلويح أو التهديد بعقوبات
حاسمة ضد الطرف المستهتر والرافض بقبولها واحترامها.
3- التواطؤ المريب
للمبعوث الدولي (الأخضر الابراهيمي) في تحركاته الدبلوماسية وانحيازه السياسي مع نظام
صنعاء .. وهذا الأمر قد تجلى بوضوح من خلال زياراته لصنعاء ولقاءاته مع زعماء الحرب
فيها، بصورة يمكن وصف أهداف مساعيه بأنها تندرج ضمن ذلك (السر الكبير) ؟!. بينما كانت
مساعيه كمبعوث دولي تجاه شعب الجنوب وقياداته السياسية، قد اتسمت بعدم الاكتراث لنتائج
الحرب الدموية والتدميرية للجنوب أرضا وإنسانا، إلى درجة أن المراقبين الدوليين والمحللين
السياسيين قد اعتبروا ذلك التصرف للخضر الابراهيمي بأنه ضوء أخضر لزعماء الحرب بصنعاء،
ومنحهم الفرصة الكافية لاحتلال الجنوب ؟!. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أن هذا المبعوث
المنحاز لنظام الاحتلال اليمني، لم يقم بزيارة الرئيس الجنوبي (نائب الرئيس حينذاك)
إلا بتاريخ 13 / يونيو 1994م أي بعد أن تأكد وأطمئن بأن قوات الجيش وغارات القبائل
اليمنية، قد احتلت معظم الأراضي الجنوبية، وصارت على مشارف العاصمة الجنوبية عدن، ومن
ثم تحرك على عجل بزيارة خاطفة إلى مدينة المكلا للقاء بعلي سالم البيض ليتخذ منها مبرر
وهمي لجهوده المشكوك فيها؟!..
4- موقف الولايات المتحدة
الأمريكية غير الواضح أو الواقف في حالتي تفرج وانتظار (أن صح التعبير) من أسباب ودوافع
تلك الحرب الظالمة، باعتبارها دولة عظمى كان بإمكانها اتخاذ موقف سياسي وإنساني عادل..
" إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخذ الإجراءات العملية لدعم وقف اطلاق
النار أو فرض عقوبات لانتهاكه" (14). ويمكننا الاستشهاد على ذلك الموقف من تحذير
نظام سلطة صنعاء بأن مهاجمة عدن أو محاولة اقتحامها، يعد ذلك بالنسبة للولايات المتحدة
الأمريكية عملا (محرم (15)) أو (خط أحمر Red Line)،
ومع ذلك تحول الموقف الأمريكي أمام عروض الارياني للاستثمارات النفطية المغرية والمسيلة
للعاب الاطماع والمصالح الاقتصادية، من الخط أحمر إلى لون الذهب الأسود ؟؟.
5- وعلى نفس الصعيد
يمكن الربط أيضا بين خيبة الأمل من الموقف الدولي تجاه شعب الجنوب، من محاوله سعادة
رئيس الوزراء (حيدر أبوبكر العطاس) لحضور جلسة المباحثات بين طرفي النزاع لوقف اطلاق
النار تحت رعاية مجلس الأمن الدولي بنيويورك بتاريخ 23 يونيو 1994م، باعتباره ممثلا
عن دولة الجنوب (ج.ي.د.ش)، والسيد المخضرم على سياسة المكر والخداع (د. عبد الكريم
الارياني) وزير التخطيط اليمني، باعتباره ممثلا لنظام سلطة (ج.ع.ي). إلا أن مجريات
الأحداث العسكرية والسياسية على أرض الواقع، كانت قد اقتربت أو على وشكت استكمال مهام
التنفيذ، وذلك بحسب ما خطط لها يمنيا وإقليميا ودوليا، لتنتهي اللعبة وفق الهدف المرسوم
لذلك (السر الكبير)؟؟..
في الحلقة (4) سنناقش
ونعرض حقائق جديدة بمشيئة الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عبارة (السر الكبير The Top Secret) التي تضمنها عنوان
الخبر " تدخلت واشنطن مع سلطات اليمن لعدم كشف السر الكبير" لا يقتصر معناها
السياسي والاقتصادي على علاقة الصفقات السرية الخاصة بين الرئيس المخلوع علي عبد الله
صالح والشركات النفطية العالمية، وفق ما جاء في خبر اكتشاف أكبر بئر نفطي موجود في
اليمن للقناة الفضائية الأمريكية (سكاي نيوز Sky News) فحسب، ولكن هذا
السر العجيب ترجع بداياته من وجهة النظر الخاصة إلى سبعينات القرن الماضي وتحديدا إلى
مرحلة المحاولات الأولية لعمليات التنقيب والاستكشافات النفطية للشركات الرأسمالية
في فترة حكم دولة الجنوب المستقلة وذات السيادة، والتي كانت قوانينها التشريعية المتعلقة
بنظم الإجراءات الاستثمارية .. لا تسمح للشركات الأجنبية من ممارسة النهب والعبث وانتهاك
السيادة الوطنية مثل ما هو واقع الحال في ظل الهيمنة والاحتلال اليمني.. ونعتقد أن
تفسير أسباب ظاهرة انسحاب تلك الشركات وتخليها عن عقود اتفاقيات استثماراتها للنفط
في الجنوب، إنما هي نتيجة منطقية لعدم حصولها على امتيازات عبثية تبيح لها الاستثمار
بموجب عقود الصفقات الخاصة ؟!..
(13) عبد الله بن عامر،
الحقائق الكاملة عن الذهب الأسود في اليمن، صحيفة إيلاف المستقلة، العدد (254) مؤسسة
الثورة صنعاء، 5 نوفمبر 2013م، ص13.
(14) جمال سند السويدي
واخرون،كتاب حرب اليمن 1994 الأسباب والنتائج، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،
ط1، أبو ظبي 1995م، ص108.
(15) رضية إحسان الله،
وثائق حرب اليمن- عدن 5/5/ 94 إلى 7/7/1994، لماذا سكت العالم بعد احتلال عدن، ص166.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق