صحيفة الوسط اليمنية\د. محمد حيدرة
مسدوس
لقد تم اختيار هذا اليوم
كيوم للتصالح والتسامح بين كل الجنوبيين، وكانت بداية هذا اليوم من جمعية ردفان
الخيرية العام 2006م، و جسدنا ذلك عمليا بفعالية 30 نوفمبر الماضي، وبفعالية 13
يناير الحالي 2013م.. وهذا التصالح والتسامح لم يأت استجابة لرغبة ذاتية أو عاطفية،
وإنما جاء كضرورة موضوعية يحتمها المصير الواحد لكل أبناء الجنوب سواء أدركنا ذلك
أم لم ندركه، فقد أصبحنا -جميعنا- من سلاطيننا إلى مساكيننا في قارب واحد.فإما أن ننجو جميعنا وإما أن نغرق جميعنا (لا سمح الله).. وهذه هي الضرورة الموضوعية لوحدتنا.. ولهذا فإنني أشفق على من ينتقد ذلك أو يشكك فيه، لأنه ليس هناك من بديل لمبدأ التصالح والتسامح غير الصراع والضياع، فهل مواصلة الصراع والضياع هو الحل؟؟، وأقول للجميع بأن من لم يدرك هذه الحقيقة سيلحق الضرر بنفسه وبالقضية لصالح خصومها.. كما أن مبدأ التصالح والتسامح لا بد وأن يترجم بالعمل الموحد لاستعادة الوطن، وهو العمل الذي لا يمكن ان يتم إلا من خلال النقاط الأربع التالية:
1- التسليم بوحدة الهدف وبوحدة القيادة، باعتبار أن وحدة الهدف هي الشرط الموضوعي لوحدة القيادة، وباعتبار أن وحدة القيادة هي الشرط الذاتي لتحقيق الهدف, لأنه يستحيل وحدة القيادة بدون وحدة الهدف ويستحيل تحقيق الهدف بدون وحدة القيادة.
2- الاتفاق على أن الهدف هو استعادة دولتنا المدنية واستقلالها كحق مشروع طالما والشمال استعاد دولته القبلية بحرب 1994م, وبحيث ينعكس هذا الهدف في برنامج سياسي يحدد كيفية استعادة الدولة، وكيف سيكون الجنوب الجديد.
3- الاتفاق على ان الحلول التي سبق وأن تم طرحها من قبل بعض الجنوبيين هي فقط عبارة عن طرق وأساليب للوصول الى هذا الهدف.
4- الاتفاق على تشكيل قيادة سياسية توافقية موحدة ومؤقتة يتمثل فيها الجميع دون استثناء, وبحيث ينعكس ذلك على المحافظات والمديريات, ولابد أن يكون المجال مفتوحاً لمن أراد الانضمام الى هذه القيادة وفقاً لأدبياتها.
إن هذه النقاط الأربع هي ما نسعى الى توحيد الجميع عليها، ونقول لمن قد يرفضها بأنه يستحيل عليه أن يوحد الجنوبيين أو أن يستعيد دولتهم بدونها، وسوف يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الحزب الاشتراكي عندما دعوناه بعد حرب 1994م إلى تبني فكرة إزالة آثار الحرب وإصلاح مسار الوحدة، وقلنا له بأنه يستحيل الحديث عن الوحدة بدون ذلك ولم يسمع حتى خسر القضية.. ولهذا فإننا ندعو الشارع الجنوبي وحركاته الشبابية إلى الالتفاف حول النقاط الأربع وحول من يؤيدها من مكونات الحراك حتى لا يخسروا القضية.. كما أن الترجمة العملية المباشرة حالياً لمبدأ التصالح والتسامح هي في عدم المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تدعو إليه صنعاء، لأنه يهدف إلى دفن القضية وطمس الهوية وسيؤدي إلى صراع جديد في الجنوب, وعلى من يرغب من الجنوبيين بالمشاركة في هذا المؤتمر أن يدرك ذلك، وأن يدرك من الآن بأنه لا يستطيع الانسحاب من المؤتمر عندما تسقط مطالبه, خاصة وأن هناك مرجعية معينة وآلية معينة في الحوار لإسقاط الهوية الجنوبية، وإذا ما تم الانسحاب من الحوار بعد الدخول فيه، فإن المنسحب سيكون معرقلاً للتسوية السياسية في اليمن، وسيدخل في القائمة السوداء للعقوبات الدولية بكل تأكيد.
إن الناس يقعون في الخطأ ليس لأنهم يريدون أن يكونوا خاطئين، وإنما يقعون في الخطأ لأنهم لم يدركوا مسبقاً نتائج أفعالهم قبل أن يفعلونها.. ولهذا فإن علينا اليوم بأن ندرك مسبقاً نتائج أفعالنا حتى لا نقع في الخطأ، فنحن نقول للجميع بأن الوضع القائم في الجنوب منذ حرب 1994م ليس وضعاً وحدوياً، وإنما هو استعمار باعتراف الرجل الثاني في النظام اللواء علي محسن الأحمر، ونقول -أيضاً- للجميع بأن المبادرة الخليجية التي سيقام عليها مؤتمر الحوار الوطني الشامل تنكر ما قاله اللواء علي محسن الأحمر وتقول ((الحفاظ على الوحدة اليمنية كما لو ان الوحدة موجودة)).. وبالتالي فإن مجرد قبولنا بالمشاركة في المؤتمر نكون قد اعترفنا -زوراً- بوجود الوحدة، وأسقطنا مطالبنا مهما كانت شطارتنا السياسية في الحوار، إضافة إلى أن عبارة ((الحوار الوطني)) تجعل قضية شعب الجنوب قضية داخلية في إطار دولة واحدة، ناهيك عن أن المشاركة في هذا المؤتمر تعني إسقاط قراري مجلس الأمن الدولي للعام 1994م لصالح قراري مجلس الأمن الدولي للعام 2011م.. ولهذا فإننا ندعو كل الجنوبيين الى اليقظة والحذر من هذا الفخ، الذي يستهدف دفن القضية وطمس الهوية.
إن طمس الهوية الجنوبية قد بدأ بوثيقة العهد والاتفاق، التي تم التوقيع عليها في الأردن عام 1994م، والتي لا أعتقد بأن الحاضرين عليها من الجنوبيين قد كانوا يدركون ذلك، وإنما كانوا يرونها بمثابة اعتراف بالأزمة التي كانت صنعاء تنكرها. فقد كان المخرجون لهذه الوثيقة يهدفون الى تمزيق الجنوب وطمس هويته السياسية، وكان المعارضون لها قد دفعوا صنعاء إلى إسقاطها بالحرب.. وهذا التناقض بين المخرجين ما زال قائماً حتى الآن.. صحيح أن الكل قد أجمعوا -حالياً- على عدالة القضية ومشروعيتها ، ولكنهم مختلفون على حلها.. فهناك من القوى الدولية والإقليمية من يرى أنه من حق شعب الجنوب أن يستعيد دولته، وهناك من يرى حلها في إطار دولة الشمال، وكلا الحلين يتوقف على وحدة الجنوبيين من عدمها، فإذا ما توحدنا سيرجح الحل الأول، وإذا ما تفرقنا سيفرض الحل الثاني. وبالتالي فإنه يقع على الشارع الجنوبي أن يدرك بأن من يسعى إلى توحيد الجنوبيين هو الذي سيؤدي إلى حل القضية، وأن من يعرقل توحيد الجنوبيين هو الذي سيؤدي إلى ضياعها بكل تأكيد أيضا.
إن البعض مازال يخاف من عودة الماضي, وهو لذلك يخاف من توحيد الجنوبيين، وهذا الخوف ناتج عن الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم شكلها ومفهوم نظامها السياسي، ولم يدرك الفارق المبدئي الكبير بين هذه المفاهيم، فالدولة هي الارض والشعب والسيادة، أما شكل الدولة فقد يكون مركزياً أو فيدرالياً، وأما نظامها السياسي فقد يكون ديمقراطياً أو غير ديمقراطي. ونحن عندما نقول استعادة الدولة لا يعني ذلك استعادة شكلها المركزي أو نظامها الاشتراكي، وإنما يعني استعادة الأرض والثروة وسيادة أهلها عليها.. وهذا لن يتحقق إلا بوحدة كل أبناء الجنوب، وقد حاولنا مع بداية ظهور الحراك الوطني السلمي الجنوبي عام 2007م بأن نقول لكل القيادات في الخارج ((لا طاعة لكم إلا موحدين))، ورغم أن ذلك لم يتحقق حتى الآن إلا ان الضمانة لتحقيقه هي في وحدة الشارع الجنوبي، الذي أصبح اليوم غير الأمس.. فقد كان الشارع الجنوبي في السابق يستجيب للخلافات ويتوزع عليها بشكل مناطقي، ولكنه اليوم وبعد تجربته المريرة مع الانقسامات المناطقية قد أصبح محصنا منها ولم يستجب لها، بل قد أصبح يرفضها، وهذه هي الضمانة الموضوعية لوحدة القيادة. وبالتالي فإنه يقع على الدول الراعية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل بأن تقرأ وحدة الشارع الجنوبي وتبني الحل عليها لا على الاختلافات الآنية بين السياسيين، وأن لا تنسى بأن المقعد الحالي لليمن في الأمم المتحدة هو مقعد دولة الجنوب وليس مقعد دولة الشمال، ونقول لهم بأنه يستحيل عليهم معرفة القضية الجنوبية ومعرفة حلها إلا باعتراف الشماليين بشماليتهم والجنوبيين بجنوبيتهم والتسليم بأن الحرب قد أسقطت مشروع الوحدة وحولته إلى احتلال.
إننا نقول للمجتمع الدولي والاقليمي: إن الصراع حول قضية شعب الجنوب لم يعد حول القضية ذاتها, وإنما قد أصبح ومنذ ظهور الحراك الوطني السلمي الجنوبي عام 2007م حول نوعية القضية ما إذا كانت حقوقية خاصة بالأفراد كما يراها الطرف الآخر، أم أنها قضية هوية سياسية لشعب كان دولة ذات سيادة كما نراها نحن ويؤكدها الواقع، وهو ايضاً صراع حول آلية حلها، ماذا كانت هذه الآلية هي في مؤتمر الحوار الوطني الشامل كما يراها الطرف الآخر، أم أنها في المفاوضات الندّية بين طرفيها كما نراها نحن ويفرضها الواقع ، وكذلك حول شرعية حلها ما إذا كانت هذه الشرعية هي من حق النخب السياسية كما يراها الطرف الآخر، أم أنها من حق شعب الجنوب كما نراها نحن وتؤكدها المواثيق الدولية.
إننا ندعو المجتمع الدولي والإقليمي بأن لا يسير وراء السياسات اليمنية التي تسير خارج الواقع، والتي هي لذلك عاجزة عن معالجة هذا الواقع. فالواقع في الشمال يقول بأن التناقضات الموجودة فيه هي تناقضات قبلية بين قبائل تحكم وقبائل تريد أن تحكم، وتناقضات مناطقية بين مناطق تحكم ومناطق محكومة، وتناقضات مذهبية بين مذاهب تصعد على حساب أخرى...الخ. فهل السياسة في اليمن تعكس هذا الواقع وتعبر عنه، أم أنها تعكس الخلافات الذاتية بين الأحزاب على السلطة؟؟. أما الواقع في الجنوب فيقول: إن مشروع الوحدة قد تم إسقاطه بالحرب، وان الوضع القائم في الجنوب منذ الحرب ليس وحدة ، فهل سياسة الأحزاب تعكس هذا الواقع، وتعبّر عنه، أم أنها تعكس خلافاتها الذاتية حوله؟؟. وبالتالي فإنه يقع على القوى الدولية والإقليمية بان تدرك هذه الحقيقة, وأن تدرك بأنها لا توجد قوى سياسية في اليمن تعكس الواقع وتعبر عنه غير الحراك الوطني السلمي في الجنوب والحركة الحوثية في الشمال، وعليها أن تتعامل مع الحراك في الجنوب حول مطالبه, ومع الحوثيين في الشمال حول مطالبهم وليس فقط مع الأحزاب الموجودة في صنعاء.. ولابد لهذه القوى من أن تفصل بين قضايا الشمال وقضية شعب الجنوب إذا ما أرادت -فعلاً- أن تحلها، حيث ان قضايا الشمال هي قضايا داخلية في إطار دولتهم الواحدة كما أسلفنا, في حين أن قضية شعب الجنوب هي قضية وحدة سياسية بين دولتين تم إسقاطها بالحرب، وهي لذلك تختلف شكلا وموضوعاً عن قضايا الشمال، فقضية الجنوب تتطلب مرجعية دولية خاصة بها، وآلية مفاوضات ندية خاصة بها, ومكاناً للمفاوضات خارج اليمن خاصاً بها، وإيجاد ضامن دولي لمخرجات هذه المفاوضات.. ولا بد أن يسبق ذلك الإجراءات التمهيدية التالية:
1- إطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المفقودين منذ حرب 1994م حتى الآن وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق الأخ صالح منصر السييلي، لأنه من العيب الشرعي الذهاب إلى المفاوضات بدون ذلك.
2- إلغاء الفتوى الدينية التي بررت الحرب وأباحت الأرض والعرض وحولت الجنوب إلى غنيمة وما زالت باقية، لأنه من العيب الشرعي -أيضاً- الذهاب إلى المفاوضات في ظل وجودها، ولأنه بدون إلغائها تكون الحرب مشروعة دينيا ونتائجها مشروعة.
3- إعادة ما نهب تحت هذه الفتوى أو تحت غيرها من ممتلكات خاصة وعامة باعتبارها ثروة شعب الجنوب لا يجوز تمليكها لغير أهلها.
4- لإعادة كافة مؤسسات دولة الجنوب العسكرية والأمنية والمدنية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، باعتبار أن حلّها من آثار الحرب.
13/يناير/2013م
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق