الأخبار اللبنانية
عندما خرج المتقاعدون العسكريون في جنوب اليمن إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم ومستحقاتهم في إطار الدولة الواحدة، أدارت السلطات لهم الأذن الصماء، إلى أن تصاعدت الاعتصامات ومعها أعداد المشاركين. حينها قرر النظام الاستماع إليهم، لكن الأوان كان قد فات. المطالب بالمساواة والحصول على المستحقات اختلطت بالمطالب السياسية، وبعدها عاد موضوع فك الارتباط ليطرح من جديد.
يعد حي السعادة في خورمكسر، من بين أكثر الأحياء سخونة في مدينة عدن. منازله المتواضعة لم يكن ينقصها سوى الرصاص العشوائي من العيار الثقيل لتزداد تهالكاً. لكن بعض منازل الحي تحتفظ بحكايات تتعدى مجرد رصاصات من العيار الثقيل أو قنابل مسيلة للدموع أصابت حائطاً فاخترقته، أو نافذة زجاج فكسرتها، أو حتى خزان ماء فأسالت ما في داخله. إنها حكاية الموت الذي خطف من داخل هذه المنازل أجمل من سكنها. أحمد الدرويش، ابن الـ 25 ربيعاً، كان من بين المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب بعد ساعات فقط من اعتقاله من أحد منازل الحي. يتذكره ناشطو الحراك ويرفعون صوره في المسيرات تقديراً له، بعدما خبروه «جريئاً لا يعرف التردد في مواجهة القوات الأمنية قبل أن يتحول إلى أحد ضحاياها».
احدى شقيقات الدرويش، الذي ترتفع صورة ضخمة له على واجهة أولى مباني الحي، روت لـ«الأخبار» كيف تم الاتصال بالأسرة في الصباح الباكر لاعلامها أن أحمد يعاني من التعب بعد ساعات من اقتياده إلى معتقل البحث الجنائي في عدن في أعقاب مداهمات قالت القوات الأمنية إنها نفذتها بحثاً عن مطلوبين منتمين لتنظيم القاعدة. وعندما توجه شقيقه لزيارته أسر له أحمد أنه تم حقنه بابرة سامة من قبل أحد الأطباء العسكريين، بينما كانت آثار التعذيب بادية عليه. ألم خسارة عائلة الدرويش لابنها تضاعف على مدى السنة التي تلت وفاته بعدما عمدت السلطات إلى احتجاز جثمانه في المستشفى قبل أن تسمح لاحقاً بدفنه، في حين لا يزال المسؤولون عن قتله طلقاء ليبقى جرح العائلة مفتوحاً.
حكاية أخرى ترويها أم صالح يوسف النجدي، وهي تدلل على أماكن الضرب العشوائي التي طالت منزلها واخترقت جدرانه المتهالكة. الأم الثكلى فقدت نجلها صالح خلال احدى عمليات اطلاق النار العشوائية التي طالت منازل الحي بعد محاولة السلطات فتح احدى الطرق المغلقة من قبل المحتجين. أم صالح، التي لم تستطع مغالبة دمعتها وهي تتحدث عن فقدان نجلها، أكدت أنه ليس للأسرة مطلب سوى الاقتصاص من قتلته «لأن أي تعويض لا يمكن اعادة ابني إلى الحياة».
وتشير احصاءات، مصدرها تقارير المرصد الجنوبي لحقوق الانسان وسجلات توثيقية للقيادي في الحراك، صلاح الشنفره، إلى أن عدد الذين قتلوا منذ انطلاق الحراك في شباط 2007 وحتى الثامن من آب من العام الحالي يقدر بأكثر من 800 شخص، في حين لا يقل عدد الجرحى عن 5 الاف، فيما تشير أرقام أخرى إلى 7800 جريح. ابراهيم العمري من بين الجرحى الذين سقطوا في حي السعادة. إحدى الرصاصات الطائشة اصابته في الحوض، متسببةً في قطع العصب الرئيسي الذي يغذي عضلة القدم. على اثر الاصابة، بدأت رحلة معاناة ابراهيم بعد أن اضطر للانتقال للعلاج في السعودية أولاً ومن ثم الأردن، لكن دون أي فائدة، إذ إن حالته تسوء كل يوم.
العمري يشكو اليوم من عدم الاهتمام بجرحى الحراك والتكفل بمصاريف علاجهم، وهو ما جعل والده يقع تحت وطأة الديون. يختصر العمري معاناته قائلاً «أنا خلاص حالتي ميؤوس منها ولكن الذين بعدي لا بد من الاهتمام بهم»، قبل أن يضيف «ما أعاني منه ليس بالقليل ولا أحد يحس بي، والله إني أجلس أتالم حتى أني أتمنى الموت. لو مت كان أفضل لي». على عكس العمري الذي يبدو متشائماً وهو يرى أن حالة البلاد تنتقل من السيئ إلى الأسوأ، يتحدث ماجد محسن فريد، وهو من بين أصغر معتقلي الحراك بكثير من التفاؤل. الشاب الذي خبر الاعتقال وهو في سن الـ 17 جاوره في زنانين الاعتقال الكثريين. ويقدر عدد المعتقلين على مدى السنوات الخمس الماضية بقرابة 52 ألف معتقل.هذا الرقم يؤكد الأمين العام للمنظمة اليمنية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديموقراطية، سيف علي حسن الجحافي، لـ «الأخبار» أنه ليس مبالغاً فيه، اذ يكفي «أنه في يوم 7/7/ 2009 تم اعتقال 7500 جنوبي». كما تحدث عن الاعذار الواهية التي كانت تقدم لأهالي المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب. ولأجهزة الأمن اليمنية على غرار أقرانها في الدول العربية صولات وجولات في فنون تعذيب المعتقلين. ماجد، الذي عد في عام 2010 أصغر معتقل على ذمة الحراك الجنوبي يقدم للمحاكمة، روى لـ «الأخبار» عن أساليب التعذيب المتبعة مع معتقلي الحراك، بما في ذلك وضع التراب في فم المساجين وانتزاع شعر رأسهم بالأسلاك الكهربائية.كما تحدث عن عمليات التقييد من الخلف و«رمي المعتقلين على الأرض مثل البهائم، قبل أن يدوس المحقق على رقبة المعتقل». الشاب الذي كان الاعتقال سبباً في تغيير مجرى حياته بعد أن فاتته امتحانات كلية الطب وهو في الاعتقال واضطر للدخول إلى كلية التربية تخصص حاسوب، يروي كيف تم تقييده وتعليقه لمدة 24 ساعة وهو في السجن. كما تحدث عن «سباب وشتائم غير أخلاقية كان يتعمد رجال الأمن التفوه بها أثناء التحقيق في محاولة لاستفزازنا». ويوضح ماجد أن «المحققين كانوا يركزون على نزع اعترافات منا بتلقي دعم مسلح». لكن لا فرق بين ما يعترف به المعتقل أو ما لا يعترفه «ففي النهاية سيتم اجباره على توقيع بصمته على محضر التحقيق دون أن يقرأه قبل أن يتفاجأ بالمحكمة باعترافات لم يتفوه بها».
(غداً: هدف واحد برؤى متعددة)
عندما خرج المتقاعدون العسكريون في جنوب اليمن إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم ومستحقاتهم في إطار الدولة الواحدة، أدارت السلطات لهم الأذن الصماء، إلى أن تصاعدت الاعتصامات ومعها أعداد المشاركين. حينها قرر النظام الاستماع إليهم، لكن الأوان كان قد فات. المطالب بالمساواة والحصول على المستحقات اختلطت بالمطالب السياسية، وبعدها عاد موضوع فك الارتباط ليطرح من جديد.
عدن | بين 7/7/1994 تاريخ إعلان قوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وحلفائه من الشماليين والجنوبيين انتصارهم في الحرب وإعادة فرض الوحدة بالقوة، وتاريخ 2009 الذي شهد عودة المطالب بفك الارتباط بين شمال اليمن وجنوبه، محطات عديدة قد لا يكون هناك أفضل من المتقاعدين العسكريين للحديث عنها. لهؤلاء مكانة في الشارع الجنوبي تكاد تكون الأعلى، مقارنة بباقي قوى الحراك الجنوبي. فللمتقاعدين دورهم الرئيسي في إطلاق الحراك الجنوبي بعد المسيرات التي خرجوا بها في 2007 إلى الشوارع للمطالبة باستعادة حقوقهم بعد الوحدة التي قلبت حياتهم رأساً على عقب.
وهو تبدل يمكن تلمسه في حديث شباب جنوبيين بألم عن عميد متقاعد اضطر إلى أن يتحول إلى بائع كعك وبيض يقف يومياً أمام إحدى المؤسسات الحكومية، بانتظار مشترٍ يعينه على تدبر قوت يومه. كما يجسده ذلك العجوز السبعيني الذي يجلس يومياً على شاطى ساحل أبين، محدقاً في المدى البعيد من دون أن يكترث لأي عابر حوله، بعدما أصبح البحر مأوى له ولهمومه.
هذه الأوضاع، التي وجد العسكريون أنفسهم مضطرين للتعايش معها بعد الوحدة، يتحدث عنها المتقاعدون بكثير من الحسرة والألم. لكن يعوضها الفخر الذي يشعرون به اليوم نتيجة ما يعتبرون أنه دورهم في كسر حاجز الصمت في الجنوب، بعدما أدت مسيراتهم إلى تحريك المياه الراكدة. فرفض الجنوبيين لما آلت إليه الأوضاع بعد حرب 1994، لم يتأخر في الظهور على الأرض. وتجسد ببروز عدد من الحركات السياسية والعسكرية في ذلك الحين. الجبهة الوطنية للمعارضة الجنوبية «موج» كانت من أولى الحركات الجنوبية التي أنشئت في الخارج في أعقاب الحرب مباشرة، وطالبت في حينه بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الوحدة. كذلك ظهرت حركة تقرير المصير لشعب الجنوب العربي «حتم»، متخذةً من العمل المسلح في بعض المناطق منطلقاً لها. كما شهدت تلك الفترة بروز حركة «تاج» و«تيار إصلاح مسار الوحدة اليمنية»، الذي طرح 4 نقاط كمرتكز لإيجاد حل لتداعيات حرب 94، تمثلت في التراجع عن فتوى عبد الوهاب الديلمي التي أجازت الحرب وما تلاها من ممارسات بحق الجنوبيين. ومما طالب به التيار أيضاً استعادة الممتلكات الجنوبية التي نهبت، فضلاً عن إعادة جميع المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية إلى ما كانت عليه قبل الحرب وإلغاء الأحكام بالإعدام التي طالت قيادات جنوبية، ولا يزال بعضها قائماً إلى اليوم. كذلك خروج الكثير من الانتقاضات الصغيرة في عدن والمكلا والضالع منذ عام ١٩٩7.
ويوضح القيادي في الحراك الجنوبي، عمر جبران، لـ«الأخبار» أن هذه الحركات كان ظهورها طبيعياً نظراً «إلى أن شعب الجنوب لم يستكن بعد الحرب، وهو ما ساهم في دفع مكونات سياسية جنوبية لترتيب صفوفها وإعادة النظر في ما جرى في المرحلة السابقة». وأضاف «معظم القوى في ذلك الحين شعرت بضرورة العمل على إعادة تحقيق الوحدة الجنوبية، لأن ما حصل قبل ذلك في حرب 1994 كان في جزء رئيسي منه بسبب الشرخ بين القيادات السياسية الجنوبية، نجح نظام صالح في استخدامه لصالحه في الحرب».
وبينما شهدت هذه المرحلة أيضاً إنشاء لجان شعبية في عدد من المحافظات للدفاع السلمي عن القضية الجنوبية وإصلاح مسار الوحدة، كانت السلطات اليمنية تقمعها وتتجاهل كل ما يصدر عن هذه المكونات، مقللةً من شأنها وقدرتها على تحريك الشارع. لكن إقرار مبدأ التصالح والتسامح في 13 كانون الثاني 2006، في الذكرى العشرين لمجزرة 1986 بين أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب، عدّ تطوراً غير مسبوق دقت له السلطات اليمنية ناقوس الخطر ولجأت إلى اعتقال من وقفوا وراء التحضير له. فإقرار مبدأ التصالح والتسامح، بعد 12 عاماً من حرب 94، اعتبر بمثابة رسالة لا لبس فيها على رغبة الشارع الجنوبي في تخطي خلافات الماضي. هذا التطور اكتسب زخماً إضافياً بعدما تزامن مع إطلاق المتقاعدين العسكريين سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية، مفتتحين مسيرة جديدة في تاريخ القضية الجنوبية.
في منزله المتواضع في محافظة التواهي، والمطل على ميناء عدن الاستراتيجي، استعاد الأمين العام لمجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين العسكريين في الجنوب، العميد المتقاعد ناصر الطويل، مراحل تحركات المتقاعدين التي أدخلت القضية الجنوبية في منعطف جديد، بعدما تطرق بإسهاب إلى موقف العسكريين من الأخطاء التي شهدتها الوحدة منذ اليوم الأول لتوقيعها.
الطويل أكد أن ما آلت إليه الأوضاع في الجنوب لم يكن وليد الصدفة، موضحاً أن المتأمل لمسيرة الوحدة سيجد أنها حملت بذور نهايتها منذ اليوم الأول. واستعاد يوم ٢٢ أيار عام ١٩٩٠ عندما اندفع الحاضرون إلى المباركة لعلي عبد الله صالح ولم يباركوا لعلي سالم البيض. وأضاف «بعدها جاءت الاتفاقات الوحدوية الهوجاء بين العليين من دون مراعاة حقوق الشعب اليمني، لا في الشمال ولا في الجنوب، حيث تم اختزال وحدة دولتين ونظامين وشعبين وهويتين في ورقة واحدة». وسخر من هذا التسرع الذي تمت بموجبه الوحدة بالقول «لو كان هناك شخصان أرادا التشارك في دكان لكانا حصّنا شراكتهما لضمان نجاحها بأكثر من ورقة واحدة».
من هذا المنطلق، يشدد الطويل على أنه «لا يجب أن نقول إن علي عبد الله صالح وحده الذي تآمر، بل إن علي سالم البيض أيضاً كان قد دخل في هذا الموضوع، حيث كان كل واحد يريد أن يقضي على الآخر». ورأى أن اشتراط البيض في ذلك الحين للديموقراطية كرديف للوحدة كان مطلباً غير واقعي، نظراً إلى التباين السكاني الشاسع بين سكان الجنوب في حينه ٣ ملايين نسمة، مقابل أكثر من ١٠ ملايين في الشمال.
ومن بين المآخذ التي يتوقف عندها الطويل: الخطأ الذي حصل بدمج بعض المؤسسات العسكرية والأمنية، مقابل إلغاء بعضها الآخر مثل أمن الدولة والاستخبارات العسكرية والاستطلاع العسكري التي تشكل أعمدة الجيش الجنوبي. كذلك، تحدث عن كيفية نقل الوحدات العسكرية الجنوبية الرئيسية إلى صنعاء ومحاصرتها من اليوم الأول بعدد من الألوية التابعة للشمال. وأضاف «نبهنا من اليوم الأول من دون أن نجد آذاناً صاغية، قبل أن يبدأ مسلسل الاغتيالات لشحصيات جنوبية وشمالية، ولم يحرك العليين ساكناً إلا بعد مقتل ابن شقيقة البيض كامل عبد الحامد». عندها يقول الطويل «بدأ البيض يشعر بأن هناك اغتيالات على عكس ما حصل مع شخصيات كثيرة. وهو ما كان يثير امتعاض العسكريين» الذين وجدوا أنفسهم بعد الحرب مباشرةً أمام حملة استهداف طاولتهم على غرار معظم الموظفين الجنوبيين في مؤسسات الدولة.
معاناة العسكريين يستعيدها الطويل، مؤكداً أنه «بعد وقوع الحرب، طُرد كل العسكريين الجنوبيين وباتوا حبيسي منازلهم، وتم منعهم من دخول المعسكرات وحرموا لفترة طويلة من الحصول على رواتبهم، قبل أن يعاد صرفها لهم ولكن بطريقة اعتباطية».
لاحقاً عند إحالة هؤلاء العسكريين إلى التقاعد، «تم احتساب رواتبهم بأثر رجعي بالدينار، وهي العملة التي كانت سائدة في اليمن الديموقراطي ثم جرى ضربها بالريال». وأكد وجود فوارق بين رواتب العسكريين الشماليين والجنوبيين تصل إلى الضعف.
نتيجة حالة الاستياء والتذمر مما تعرض له المتقاعدون لدى إحالتهم إلى التقاعد، قال الطويل «بدأنا بتجهيز أنفسنا بلقاءات فردية في البداية منذ أيار ٢٠٠٥، تم استدعاء بعضنا البعض للقيادات الرئيسية في عدن ومن ثم التنسيق مع قيادات الجيش في عواصم المديريات الأخرى، وبدأنا بتشكيل جمعيات المتقاعدين العسكريين». أما الهدف من هذه الجمعيات، فلم يكن يحمل في طياته أي مطلب سياسي بل «المطالبة بعودة الحقوق للعسكريين».
واستعاد الطويل كيف أنه بعد نجاح تنظيم الاعتصام الأول في 2006، جرى التحضير ليوم ٧/٧/٢٠٠٧ الذي صادف الذكرى الثالثة عشرة لحرب 1994. وأوضح أن «التحضير لهذا اليوم لم يكن اعتباطياً، إذ إنه يوم احتلال الجنوب وأردنا أن نحوله من يوم أسود إلى يوم أبيض».
وتطرق إلى ما تعرضوا له من ضغوط من قبل الأجهزة الأمنية لمنع المتقاعدين من تنفيذ الاعتصام، لكنه أكد أن «هذا اليوم كان فاصلاً نظراً للحشود التي شاركت في المهرجان في خورمكسر»، فضلاً عن أن العسكريين المتقاعدين خرجوا بزيهم العسكري للمرة الأولى.
أما بعد هذا التاريخ، أوضح الطويل «بدأنا نخطط ليوم ٢ آب، ذكرى اجتياح الكويت، بوصفها الدولة الوحيدة التي كانت تساعد الجنوبيين». واستذكر القتلى والجرحى الذين سقطوا في ذلك اليوم نتيجة استخدام السلاح الحي وكيف تم تقطيع صورة علي عبد الله صالح، قبل أن يشير إلى أنه «يومها رفع للمرة الأولى شعار يسقط الديكتاتور علي عبد الله صالح»، منتقداً «المزايدات التي تصدر بين الحين والآخر من بعض الأطراف الجنوبية التي تخرج اليوم مطالبة بالتحرير والاستقلال». الطويل، الذي يؤكد أن المتقاعدين لم يتأخروا في التحرك، بالرغم من وجود 12 عاماً تفصل بين حرب 94 وتشكيل جمعيتهم في 3/3/2006، أوضح أن القرار الذي اتخذه المتقاعدون منذ ذلك الحين باستمرار إحياء المناسبات الوطنية «كان يهدف بالدرجة الأولى إلى عدم السماح للنظام في الشمال بطمس هذه المناسبات».
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم جمعية المتقاعدين في عدن، العميد المتقاعد عبد الله مثنى، أن الظروف قبل منتصف 2006 لم تكن مهيأة لتحرك العسكريين المتقاعدين، لكنهم استفادوا من الإرهاصات التي مر بها الجنوب خلال تلك الفترة.
الإرهاصات نفسها تجعل المتقاعدين يبدون واثقين من أن المطالبات بفك الارتباط التي ظهرت بعد أكثر من سنتين من تحركهم لا يتحملون أي مسؤولية عنها. عن هذا الموضوع يقول مثنى: «في بداية تحركنا، كنا نصر على أن الحل يجب أن يكون في إطار الوحدة، ومددنا أيدينا للسلطات في الشمال، لكنهم أصروا على عدم منحنا أي شيء ولم يستجيبوا لنا». أما السبب في كون التحرك أتى من العسكريين المتقاعدين، لا من المواطنين العاديين، فأرجعه مثنى إلى أن «العسكريين خوفهم أقل من الجبروت العسكري وممارساته في الجنوب، بما في ذلك السجن والتهديد بالملاحقات». لكنه أكد أن خروج العسكريين شجع لاحقاً المواطنين ممن لديهم مظالم على الخروج ليصبح هناك تلاحم شعبي ومشاركة أوسع من قبل الجنوبيين.
وهو ما تطرق إليه أيضاً العميد المتقاعد محمد ناصر المسلمي، رئيس اللجنة التحضيرية لجمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين، بقوله لـ«الأخبار» «مطالب العسكريين بدأت بمساواة المتقاعدين بالشمال والجنوب، وبدأنا بجمعية في 2002. كان معنا مناصرون من صنعاء، وكان الاتفاق أن تكون جمعية موحدة تطالب بالمساواة». وعندما رفضت السلطات منح ترخيص للجمعية، شكل المتقاعدون بعدها «مجلس تنسيق في المحافظات الجنوبية، وتم رفع مذكرة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والنواب والوزراء المعنيين ومنظمات حقوقية وجهاز الأمن السياسي عرضوا فيه قضيتهم وطالبوا فيها باتخاذ قرار شجاع، إما بإقالة من تبقى من الجنوبيين في المؤسسات العسكرية وإما اتخاذ قرار بعودة كل من سرح من العمل، وتم منح السلطات مهلة حتى 27 شباط 2007». وأضاف «يومها، حذرنا السلطات من أن عدم الاستجابة لمطالبنا سيجعل الاعتصامات مستمرة إلى ما لا نهاية ونحملكم مسؤولية ما سيترتب عليها، لكن كان هناك أذن من عجين وأذن من طين لأن من يملك القوة يظن أنه يملك كل شيء». ومع تحول الاحتجاجات إلى أسبوعية، وجدت السلطات نفسها أخيراً مضطرة للتجاوب مع مطالب المتقاعدين وعملت على محاولة احتواء هذه التحركات بحلول مجتزأة. لكن وقتها أوضح الأب الروحي للمتقاعدين العسكريين أنه «كان قد تم التفاهم بين المتقاعدين على ضرورة مواكبة عمل جمعية المتقاعدين الميداني بعمل سياسي، وعندها تطورت المطالب من مجرد مطالب حقوقية إلى مطالب سياسية». على الأثر، ما لبثت القيادات السياسية الجنوبية، التي اختارت الصمت على مدى سنوات، أن عادت إلى المشهد السياسي، طارحةً رؤاها المتعددة لحل القضية الجنوبية.
وهو تبدل يمكن تلمسه في حديث شباب جنوبيين بألم عن عميد متقاعد اضطر إلى أن يتحول إلى بائع كعك وبيض يقف يومياً أمام إحدى المؤسسات الحكومية، بانتظار مشترٍ يعينه على تدبر قوت يومه. كما يجسده ذلك العجوز السبعيني الذي يجلس يومياً على شاطى ساحل أبين، محدقاً في المدى البعيد من دون أن يكترث لأي عابر حوله، بعدما أصبح البحر مأوى له ولهمومه.
هذه الأوضاع، التي وجد العسكريون أنفسهم مضطرين للتعايش معها بعد الوحدة، يتحدث عنها المتقاعدون بكثير من الحسرة والألم. لكن يعوضها الفخر الذي يشعرون به اليوم نتيجة ما يعتبرون أنه دورهم في كسر حاجز الصمت في الجنوب، بعدما أدت مسيراتهم إلى تحريك المياه الراكدة. فرفض الجنوبيين لما آلت إليه الأوضاع بعد حرب 1994، لم يتأخر في الظهور على الأرض. وتجسد ببروز عدد من الحركات السياسية والعسكرية في ذلك الحين. الجبهة الوطنية للمعارضة الجنوبية «موج» كانت من أولى الحركات الجنوبية التي أنشئت في الخارج في أعقاب الحرب مباشرة، وطالبت في حينه بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الوحدة. كذلك ظهرت حركة تقرير المصير لشعب الجنوب العربي «حتم»، متخذةً من العمل المسلح في بعض المناطق منطلقاً لها. كما شهدت تلك الفترة بروز حركة «تاج» و«تيار إصلاح مسار الوحدة اليمنية»، الذي طرح 4 نقاط كمرتكز لإيجاد حل لتداعيات حرب 94، تمثلت في التراجع عن فتوى عبد الوهاب الديلمي التي أجازت الحرب وما تلاها من ممارسات بحق الجنوبيين. ومما طالب به التيار أيضاً استعادة الممتلكات الجنوبية التي نهبت، فضلاً عن إعادة جميع المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية إلى ما كانت عليه قبل الحرب وإلغاء الأحكام بالإعدام التي طالت قيادات جنوبية، ولا يزال بعضها قائماً إلى اليوم. كذلك خروج الكثير من الانتقاضات الصغيرة في عدن والمكلا والضالع منذ عام ١٩٩7.
ويوضح القيادي في الحراك الجنوبي، عمر جبران، لـ«الأخبار» أن هذه الحركات كان ظهورها طبيعياً نظراً «إلى أن شعب الجنوب لم يستكن بعد الحرب، وهو ما ساهم في دفع مكونات سياسية جنوبية لترتيب صفوفها وإعادة النظر في ما جرى في المرحلة السابقة». وأضاف «معظم القوى في ذلك الحين شعرت بضرورة العمل على إعادة تحقيق الوحدة الجنوبية، لأن ما حصل قبل ذلك في حرب 1994 كان في جزء رئيسي منه بسبب الشرخ بين القيادات السياسية الجنوبية، نجح نظام صالح في استخدامه لصالحه في الحرب».
وبينما شهدت هذه المرحلة أيضاً إنشاء لجان شعبية في عدد من المحافظات للدفاع السلمي عن القضية الجنوبية وإصلاح مسار الوحدة، كانت السلطات اليمنية تقمعها وتتجاهل كل ما يصدر عن هذه المكونات، مقللةً من شأنها وقدرتها على تحريك الشارع. لكن إقرار مبدأ التصالح والتسامح في 13 كانون الثاني 2006، في الذكرى العشرين لمجزرة 1986 بين أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب، عدّ تطوراً غير مسبوق دقت له السلطات اليمنية ناقوس الخطر ولجأت إلى اعتقال من وقفوا وراء التحضير له. فإقرار مبدأ التصالح والتسامح، بعد 12 عاماً من حرب 94، اعتبر بمثابة رسالة لا لبس فيها على رغبة الشارع الجنوبي في تخطي خلافات الماضي. هذا التطور اكتسب زخماً إضافياً بعدما تزامن مع إطلاق المتقاعدين العسكريين سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية، مفتتحين مسيرة جديدة في تاريخ القضية الجنوبية.
في منزله المتواضع في محافظة التواهي، والمطل على ميناء عدن الاستراتيجي، استعاد الأمين العام لمجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين العسكريين في الجنوب، العميد المتقاعد ناصر الطويل، مراحل تحركات المتقاعدين التي أدخلت القضية الجنوبية في منعطف جديد، بعدما تطرق بإسهاب إلى موقف العسكريين من الأخطاء التي شهدتها الوحدة منذ اليوم الأول لتوقيعها.
الطويل أكد أن ما آلت إليه الأوضاع في الجنوب لم يكن وليد الصدفة، موضحاً أن المتأمل لمسيرة الوحدة سيجد أنها حملت بذور نهايتها منذ اليوم الأول. واستعاد يوم ٢٢ أيار عام ١٩٩٠ عندما اندفع الحاضرون إلى المباركة لعلي عبد الله صالح ولم يباركوا لعلي سالم البيض. وأضاف «بعدها جاءت الاتفاقات الوحدوية الهوجاء بين العليين من دون مراعاة حقوق الشعب اليمني، لا في الشمال ولا في الجنوب، حيث تم اختزال وحدة دولتين ونظامين وشعبين وهويتين في ورقة واحدة». وسخر من هذا التسرع الذي تمت بموجبه الوحدة بالقول «لو كان هناك شخصان أرادا التشارك في دكان لكانا حصّنا شراكتهما لضمان نجاحها بأكثر من ورقة واحدة».
من هذا المنطلق، يشدد الطويل على أنه «لا يجب أن نقول إن علي عبد الله صالح وحده الذي تآمر، بل إن علي سالم البيض أيضاً كان قد دخل في هذا الموضوع، حيث كان كل واحد يريد أن يقضي على الآخر». ورأى أن اشتراط البيض في ذلك الحين للديموقراطية كرديف للوحدة كان مطلباً غير واقعي، نظراً إلى التباين السكاني الشاسع بين سكان الجنوب في حينه ٣ ملايين نسمة، مقابل أكثر من ١٠ ملايين في الشمال.
ومن بين المآخذ التي يتوقف عندها الطويل: الخطأ الذي حصل بدمج بعض المؤسسات العسكرية والأمنية، مقابل إلغاء بعضها الآخر مثل أمن الدولة والاستخبارات العسكرية والاستطلاع العسكري التي تشكل أعمدة الجيش الجنوبي. كذلك، تحدث عن كيفية نقل الوحدات العسكرية الجنوبية الرئيسية إلى صنعاء ومحاصرتها من اليوم الأول بعدد من الألوية التابعة للشمال. وأضاف «نبهنا من اليوم الأول من دون أن نجد آذاناً صاغية، قبل أن يبدأ مسلسل الاغتيالات لشحصيات جنوبية وشمالية، ولم يحرك العليين ساكناً إلا بعد مقتل ابن شقيقة البيض كامل عبد الحامد». عندها يقول الطويل «بدأ البيض يشعر بأن هناك اغتيالات على عكس ما حصل مع شخصيات كثيرة. وهو ما كان يثير امتعاض العسكريين» الذين وجدوا أنفسهم بعد الحرب مباشرةً أمام حملة استهداف طاولتهم على غرار معظم الموظفين الجنوبيين في مؤسسات الدولة.
معاناة العسكريين يستعيدها الطويل، مؤكداً أنه «بعد وقوع الحرب، طُرد كل العسكريين الجنوبيين وباتوا حبيسي منازلهم، وتم منعهم من دخول المعسكرات وحرموا لفترة طويلة من الحصول على رواتبهم، قبل أن يعاد صرفها لهم ولكن بطريقة اعتباطية».
لاحقاً عند إحالة هؤلاء العسكريين إلى التقاعد، «تم احتساب رواتبهم بأثر رجعي بالدينار، وهي العملة التي كانت سائدة في اليمن الديموقراطي ثم جرى ضربها بالريال». وأكد وجود فوارق بين رواتب العسكريين الشماليين والجنوبيين تصل إلى الضعف.
نتيجة حالة الاستياء والتذمر مما تعرض له المتقاعدون لدى إحالتهم إلى التقاعد، قال الطويل «بدأنا بتجهيز أنفسنا بلقاءات فردية في البداية منذ أيار ٢٠٠٥، تم استدعاء بعضنا البعض للقيادات الرئيسية في عدن ومن ثم التنسيق مع قيادات الجيش في عواصم المديريات الأخرى، وبدأنا بتشكيل جمعيات المتقاعدين العسكريين». أما الهدف من هذه الجمعيات، فلم يكن يحمل في طياته أي مطلب سياسي بل «المطالبة بعودة الحقوق للعسكريين».
واستعاد الطويل كيف أنه بعد نجاح تنظيم الاعتصام الأول في 2006، جرى التحضير ليوم ٧/٧/٢٠٠٧ الذي صادف الذكرى الثالثة عشرة لحرب 1994. وأوضح أن «التحضير لهذا اليوم لم يكن اعتباطياً، إذ إنه يوم احتلال الجنوب وأردنا أن نحوله من يوم أسود إلى يوم أبيض».
وتطرق إلى ما تعرضوا له من ضغوط من قبل الأجهزة الأمنية لمنع المتقاعدين من تنفيذ الاعتصام، لكنه أكد أن «هذا اليوم كان فاصلاً نظراً للحشود التي شاركت في المهرجان في خورمكسر»، فضلاً عن أن العسكريين المتقاعدين خرجوا بزيهم العسكري للمرة الأولى.
أما بعد هذا التاريخ، أوضح الطويل «بدأنا نخطط ليوم ٢ آب، ذكرى اجتياح الكويت، بوصفها الدولة الوحيدة التي كانت تساعد الجنوبيين». واستذكر القتلى والجرحى الذين سقطوا في ذلك اليوم نتيجة استخدام السلاح الحي وكيف تم تقطيع صورة علي عبد الله صالح، قبل أن يشير إلى أنه «يومها رفع للمرة الأولى شعار يسقط الديكتاتور علي عبد الله صالح»، منتقداً «المزايدات التي تصدر بين الحين والآخر من بعض الأطراف الجنوبية التي تخرج اليوم مطالبة بالتحرير والاستقلال». الطويل، الذي يؤكد أن المتقاعدين لم يتأخروا في التحرك، بالرغم من وجود 12 عاماً تفصل بين حرب 94 وتشكيل جمعيتهم في 3/3/2006، أوضح أن القرار الذي اتخذه المتقاعدون منذ ذلك الحين باستمرار إحياء المناسبات الوطنية «كان يهدف بالدرجة الأولى إلى عدم السماح للنظام في الشمال بطمس هذه المناسبات».
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم جمعية المتقاعدين في عدن، العميد المتقاعد عبد الله مثنى، أن الظروف قبل منتصف 2006 لم تكن مهيأة لتحرك العسكريين المتقاعدين، لكنهم استفادوا من الإرهاصات التي مر بها الجنوب خلال تلك الفترة.
الإرهاصات نفسها تجعل المتقاعدين يبدون واثقين من أن المطالبات بفك الارتباط التي ظهرت بعد أكثر من سنتين من تحركهم لا يتحملون أي مسؤولية عنها. عن هذا الموضوع يقول مثنى: «في بداية تحركنا، كنا نصر على أن الحل يجب أن يكون في إطار الوحدة، ومددنا أيدينا للسلطات في الشمال، لكنهم أصروا على عدم منحنا أي شيء ولم يستجيبوا لنا». أما السبب في كون التحرك أتى من العسكريين المتقاعدين، لا من المواطنين العاديين، فأرجعه مثنى إلى أن «العسكريين خوفهم أقل من الجبروت العسكري وممارساته في الجنوب، بما في ذلك السجن والتهديد بالملاحقات». لكنه أكد أن خروج العسكريين شجع لاحقاً المواطنين ممن لديهم مظالم على الخروج ليصبح هناك تلاحم شعبي ومشاركة أوسع من قبل الجنوبيين.
وهو ما تطرق إليه أيضاً العميد المتقاعد محمد ناصر المسلمي، رئيس اللجنة التحضيرية لجمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين، بقوله لـ«الأخبار» «مطالب العسكريين بدأت بمساواة المتقاعدين بالشمال والجنوب، وبدأنا بجمعية في 2002. كان معنا مناصرون من صنعاء، وكان الاتفاق أن تكون جمعية موحدة تطالب بالمساواة». وعندما رفضت السلطات منح ترخيص للجمعية، شكل المتقاعدون بعدها «مجلس تنسيق في المحافظات الجنوبية، وتم رفع مذكرة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والنواب والوزراء المعنيين ومنظمات حقوقية وجهاز الأمن السياسي عرضوا فيه قضيتهم وطالبوا فيها باتخاذ قرار شجاع، إما بإقالة من تبقى من الجنوبيين في المؤسسات العسكرية وإما اتخاذ قرار بعودة كل من سرح من العمل، وتم منح السلطات مهلة حتى 27 شباط 2007». وأضاف «يومها، حذرنا السلطات من أن عدم الاستجابة لمطالبنا سيجعل الاعتصامات مستمرة إلى ما لا نهاية ونحملكم مسؤولية ما سيترتب عليها، لكن كان هناك أذن من عجين وأذن من طين لأن من يملك القوة يظن أنه يملك كل شيء». ومع تحول الاحتجاجات إلى أسبوعية، وجدت السلطات نفسها أخيراً مضطرة للتجاوب مع مطالب المتقاعدين وعملت على محاولة احتواء هذه التحركات بحلول مجتزأة. لكن وقتها أوضح الأب الروحي للمتقاعدين العسكريين أنه «كان قد تم التفاهم بين المتقاعدين على ضرورة مواكبة عمل جمعية المتقاعدين الميداني بعمل سياسي، وعندها تطورت المطالب من مجرد مطالب حقوقية إلى مطالب سياسية». على الأثر، ما لبثت القيادات السياسية الجنوبية، التي اختارت الصمت على مدى سنوات، أن عادت إلى المشهد السياسي، طارحةً رؤاها المتعددة لحل القضية الجنوبية.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فخر المتقاعدين
اعتزاز المتقاعدين العسكريين بدورهم في الحراك الجنوبي وإعادة تسليط الضوء على القضية الجنوبية، يقابله مصدر فخر آخر تحدث عنه العميد المتقاعد ناصر الطويل بقوله «إن المتقاعدين، بالرغم من أنهم عسكر وكانوا ينتمون إلى أحد أقوى جيوش المنطقة، خرجوا إلى الشارع بنضال سلمي لا بانقلابات».
وهو ما يجعله يتحدث عن أهمية تغليب صوت العقل عند الحديث عن الحلول الكفيلة بمعالجة القضية الجنوبية، بما في ذلك «اتخاذ قرارات جريئة بعودة حق أبناء الجنوب وباقي اليمنيين بعدما ضيّعنا وطننا ودولتنا وهويتنا».
لكن هذا التمسك بالسلمية لا يمكن أن يبدل اليوم من إصرار المتقاعدين على استعادة دولة الجنوب. «فلو نزلت السماء على الأرض، لن نقبل باستمرار الوحدة مع الشمال والبقاء تحت حكمهم بعدما حوّلونا إلى متسوّلين، رافضين أيدينا التي مدّت لهم المرة تلو الأخرى»، على حد تعبير العميد المتقاعد محمد ناصر المسلمي.
وهو ما يجعله يتحدث عن أهمية تغليب صوت العقل عند الحديث عن الحلول الكفيلة بمعالجة القضية الجنوبية، بما في ذلك «اتخاذ قرارات جريئة بعودة حق أبناء الجنوب وباقي اليمنيين بعدما ضيّعنا وطننا ودولتنا وهويتنا».
لكن هذا التمسك بالسلمية لا يمكن أن يبدل اليوم من إصرار المتقاعدين على استعادة دولة الجنوب. «فلو نزلت السماء على الأرض، لن نقبل باستمرار الوحدة مع الشمال والبقاء تحت حكمهم بعدما حوّلونا إلى متسوّلين، رافضين أيدينا التي مدّت لهم المرة تلو الأخرى»، على حد تعبير العميد المتقاعد محمد ناصر المسلمي.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
حي السعادة... أنين من بين الجدران يعد حي السعادة في خورمكسر، من بين أكثر الأحياء سخونة في مدينة عدن. منازله المتواضعة لم يكن ينقصها سوى الرصاص العشوائي من العيار الثقيل لتزداد تهالكاً. لكن بعض منازل الحي تحتفظ بحكايات تتعدى مجرد رصاصات من العيار الثقيل أو قنابل مسيلة للدموع أصابت حائطاً فاخترقته، أو نافذة زجاج فكسرتها، أو حتى خزان ماء فأسالت ما في داخله. إنها حكاية الموت الذي خطف من داخل هذه المنازل أجمل من سكنها. أحمد الدرويش، ابن الـ 25 ربيعاً، كان من بين المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب بعد ساعات فقط من اعتقاله من أحد منازل الحي. يتذكره ناشطو الحراك ويرفعون صوره في المسيرات تقديراً له، بعدما خبروه «جريئاً لا يعرف التردد في مواجهة القوات الأمنية قبل أن يتحول إلى أحد ضحاياها».
احدى شقيقات الدرويش، الذي ترتفع صورة ضخمة له على واجهة أولى مباني الحي، روت لـ«الأخبار» كيف تم الاتصال بالأسرة في الصباح الباكر لاعلامها أن أحمد يعاني من التعب بعد ساعات من اقتياده إلى معتقل البحث الجنائي في عدن في أعقاب مداهمات قالت القوات الأمنية إنها نفذتها بحثاً عن مطلوبين منتمين لتنظيم القاعدة. وعندما توجه شقيقه لزيارته أسر له أحمد أنه تم حقنه بابرة سامة من قبل أحد الأطباء العسكريين، بينما كانت آثار التعذيب بادية عليه. ألم خسارة عائلة الدرويش لابنها تضاعف على مدى السنة التي تلت وفاته بعدما عمدت السلطات إلى احتجاز جثمانه في المستشفى قبل أن تسمح لاحقاً بدفنه، في حين لا يزال المسؤولون عن قتله طلقاء ليبقى جرح العائلة مفتوحاً.
حكاية أخرى ترويها أم صالح يوسف النجدي، وهي تدلل على أماكن الضرب العشوائي التي طالت منزلها واخترقت جدرانه المتهالكة. الأم الثكلى فقدت نجلها صالح خلال احدى عمليات اطلاق النار العشوائية التي طالت منازل الحي بعد محاولة السلطات فتح احدى الطرق المغلقة من قبل المحتجين. أم صالح، التي لم تستطع مغالبة دمعتها وهي تتحدث عن فقدان نجلها، أكدت أنه ليس للأسرة مطلب سوى الاقتصاص من قتلته «لأن أي تعويض لا يمكن اعادة ابني إلى الحياة».
وتشير احصاءات، مصدرها تقارير المرصد الجنوبي لحقوق الانسان وسجلات توثيقية للقيادي في الحراك، صلاح الشنفره، إلى أن عدد الذين قتلوا منذ انطلاق الحراك في شباط 2007 وحتى الثامن من آب من العام الحالي يقدر بأكثر من 800 شخص، في حين لا يقل عدد الجرحى عن 5 الاف، فيما تشير أرقام أخرى إلى 7800 جريح. ابراهيم العمري من بين الجرحى الذين سقطوا في حي السعادة. إحدى الرصاصات الطائشة اصابته في الحوض، متسببةً في قطع العصب الرئيسي الذي يغذي عضلة القدم. على اثر الاصابة، بدأت رحلة معاناة ابراهيم بعد أن اضطر للانتقال للعلاج في السعودية أولاً ومن ثم الأردن، لكن دون أي فائدة، إذ إن حالته تسوء كل يوم.
العمري يشكو اليوم من عدم الاهتمام بجرحى الحراك والتكفل بمصاريف علاجهم، وهو ما جعل والده يقع تحت وطأة الديون. يختصر العمري معاناته قائلاً «أنا خلاص حالتي ميؤوس منها ولكن الذين بعدي لا بد من الاهتمام بهم»، قبل أن يضيف «ما أعاني منه ليس بالقليل ولا أحد يحس بي، والله إني أجلس أتالم حتى أني أتمنى الموت. لو مت كان أفضل لي». على عكس العمري الذي يبدو متشائماً وهو يرى أن حالة البلاد تنتقل من السيئ إلى الأسوأ، يتحدث ماجد محسن فريد، وهو من بين أصغر معتقلي الحراك بكثير من التفاؤل. الشاب الذي خبر الاعتقال وهو في سن الـ 17 جاوره في زنانين الاعتقال الكثريين. ويقدر عدد المعتقلين على مدى السنوات الخمس الماضية بقرابة 52 ألف معتقل.هذا الرقم يؤكد الأمين العام للمنظمة اليمنية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديموقراطية، سيف علي حسن الجحافي، لـ «الأخبار» أنه ليس مبالغاً فيه، اذ يكفي «أنه في يوم 7/7/ 2009 تم اعتقال 7500 جنوبي». كما تحدث عن الاعذار الواهية التي كانت تقدم لأهالي المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب. ولأجهزة الأمن اليمنية على غرار أقرانها في الدول العربية صولات وجولات في فنون تعذيب المعتقلين. ماجد، الذي عد في عام 2010 أصغر معتقل على ذمة الحراك الجنوبي يقدم للمحاكمة، روى لـ «الأخبار» عن أساليب التعذيب المتبعة مع معتقلي الحراك، بما في ذلك وضع التراب في فم المساجين وانتزاع شعر رأسهم بالأسلاك الكهربائية.كما تحدث عن عمليات التقييد من الخلف و«رمي المعتقلين على الأرض مثل البهائم، قبل أن يدوس المحقق على رقبة المعتقل». الشاب الذي كان الاعتقال سبباً في تغيير مجرى حياته بعد أن فاتته امتحانات كلية الطب وهو في الاعتقال واضطر للدخول إلى كلية التربية تخصص حاسوب، يروي كيف تم تقييده وتعليقه لمدة 24 ساعة وهو في السجن. كما تحدث عن «سباب وشتائم غير أخلاقية كان يتعمد رجال الأمن التفوه بها أثناء التحقيق في محاولة لاستفزازنا». ويوضح ماجد أن «المحققين كانوا يركزون على نزع اعترافات منا بتلقي دعم مسلح». لكن لا فرق بين ما يعترف به المعتقل أو ما لا يعترفه «ففي النهاية سيتم اجباره على توقيع بصمته على محضر التحقيق دون أن يقرأه قبل أن يتفاجأ بالمحكمة باعترافات لم يتفوه بها».
(غداً: هدف واحد برؤى متعددة)