الاثنين، 4 يونيو 2012

كيف ينظر جنوبيّو اليمن إلى الوحدة بعد صالح؟

عارف اليافعي
جريدة القبس الكويتية
بعد سقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وبروز ملامح نظام يمني جديد، يعتبر من انجازات الثورة اليمنية، لا يزال اليمنيون الجنوبيون متمسكين بمطالبهم السابقة، المتمثلة بالانفصال عن الجمهورية اليمنية واستعادة دولتهم السابقة. فهم يرون أن التغيير الحاصل في اليمن اليوم ليس أكثر من تبادل أدوار بين أجنحة القبيلة المتنافسة على الجاه والنفوذ، وتغيير وجوه لانتزاع الدولة من يد العائلة وإعادتها الى سلطة القبيلة.


يعتبر الجنوبيون أن مشكلتهم الحقيقية ليست مع شخص ولا حتى مع نظام بعينه، بل مع فكر ومجتمع له طبيعته الثقافية والبيئية والسياسية التي لا تتناسب مع طبيعة وبيئة الجنوب. ولعل مقاطعة الغالبية العظمى من الجنوبيين للانتخابات الرئاسية الأخيرة (فبراير 2012) التي فاز بها عبد ربه منصور هادي (ينتمي إلى الجنوب) ترجمة عملية لرفضهم الانخراط مجدداً في أي مشروع وطني تحت لواء الوحدة حتى وإن كان ذلك بضمانات دستورية وقانونية تضمن لهم عدم تكرار الممارسات الاقصائية السابقة والأخطاء الجسيمة التي ارتكبت بحقهم باسم الوحدة.
لماذا الانفصال؟كثير من المهتمين والمتابعين للشأن اليمني يعتقدون أن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مطالب الجنوبيين بالانفصال نابعة من الرغبة في التمتع بالثروة التي تختزنها أراضي الجنوب، والتي ستوفر لهم الحياة الرغيدة من دون الشماليين، نظراً لوفرتها من ناحية وقلة تعداد سكان هذه المناطق من ناحية أخرى. إلا أن من عايشوا الأوضاع اليمنية عن قرب، وتعمقوا في البحث عن الأسباب الحقيقية لمطلب الانفصال يستبعدون تماماً بل ويدركون عدم صحة ذلك. ويكفي لنفي هذه الادعاءات أنها من ترويج النظام السابق الذي لا يتردد بإلصاق كل التهم الجاهزة بكل من يخالفه الرأي أو حتى ينتقد تصرفاته، وبتحقيق شامل مع عدد من أبناء الجنوب الذين ينتمون الى كل فئات المجتمع ويمثلون جميع أطيافه السياسية والاجتماعية يمكن لنا الخروج بهذه الحصيلة التي تعبر عن آراء الجنوبيين وتشرح وجهات نظرهم لرفضهم البقاء في دولة الوحدة والإصرار على استعادة دولتهم الجنوبية السابقة.
المعاناة مع النظام السابق يرى الكثيرون من الجنوبيين أن ما لحق بهم من ممارسات النظام السابق كفيل بمطالبتهم ليس بالانفصال فقط، بل وحتى بناء جدار عازل يفصل بينهم وبين الشمال. فانقضاض نظام صنعاء على الوحدة شق النفوس ومزق المشاعر تجاهها وقوض اركانها وأفرغها من محتواها الوطني والاجتماعي والأخلاقي، وحولها من دولة شراكة الى مشروع احتلال، تجلت صوره باقدامه على حل مقومات دولة الجنوب ونهب ممتلكاتها وتسريح كامل جهازها الوظيفي المدني والعسكري، وإصدار أحكام سياسية على قيادتها التي وقعت اتفاقية الوحدة مع الشريك الشمالي من دون العمل على ايجاد حل عادل يضمن استعادة الحقوق لأبناء الجنوب وتعويضهم عن كل ما لحق بهم باسم الوحدة. فكيف يستطيع النظام الجديد، وهو نسخة منقحة من سابقه، إصلاح ما أفسده سلفه؟

لا تغيير حقيقياًيرى الجنوبيون أن سقوط صالح لم يحدث أي تغيير يذكر في جوهر النظام، وبالتالي لن يكون هناك بصيص أمل أو أدنى فرصة لإصلاح ما أفسده نظامه. فالنظام الجديد لا يعدو كونه انتقالاً من سلطة الأسرة إلى سلطة القبيلة، ولن يكون له أي انعكاس أو تأثير إيجابي تجاههم. فالرئيس هادي من شركاء حرب صيف 1994، التي شنها الشمال ضد الجنوب، وهو من قاد القوات البرية التي اجتاحته. وما تنصيبه رئيساً للبلاد إلا مكافئة له على ذلك. كما أنه تم تجاهل الجنوبيين في كل الحوارات التي تمت بين الشركاء والفرقاء على حد سواء، بما فيها المبادرة الخليجية، للوصول إلى هذه النتيجة التوافقية، التي «لا تعنيهم إطلاقاً»، كما يقولون.
يتساءل الجنوبيون بمرارة عن كيفية حصولهم على نصيبهم من ثروة الجنوب ومن التنمية والوظيفة. ويقولون: إذا كانت الثروات النفطية والزراعية والسمكية والحيوانية متوافرة في الجنوب، ومع ذلك لم نحصل إلا على القليل، فكيف لو كانت هذه الثروة في الشمال أو ظلت تحت هيمنتهم وتصرفهم؟ ويتحدثون صراحة عن أن عدد سكان الجنوب (6 ملايين نسمة) لا يقارن مع سكان الشمال (21 مليون نسمة). ومع ذلك رضينا بالوحدة، لكنهم لم يقبلوا بناء كشركاء ولم نحصل على أبسط حقوقنا التنموية والوظيفية (حصة الجنوب %2 من إجمالي الوظائف المدنية والعسكرية والسلك الدبلوماسي. أما الابتعاث إلى الخارج للدراسة أو العلاج، فحصتهم تذهب فقط إلى أبناء كبار المسؤولين المحسوبين على النظام، بينما أبناء الشمال يبتعثون سنوياً بالمئات إلى كل أنحاء العالم).
فكيف ستعالج مشكلة الوظائف في الجنوب؟ هل يتم إنهاء خدمات الآلاف من أبناء الشمال الذين تم استقدامهم ليستبدلوا بجنوبيين؟ وهل يحصل الأمر نفسه مع عشرات الآلاف من المدنيين والعسكرين في الشمال؟ وماذا عن مصير آلاف الجنوبيين، خصوصاً القيادات السياسية والعسكرية والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والعلماء والقضاة والإعلاميين وغيرهم، الذين تم تهجيرهم قسراً أو بأحكام سياسية أو هاجروا بسبب تقطع سبل العيش جراء سياسة النظام في إدارة شؤون الجنوب والذين لن يقبلوا العودة إلى اليمن في ظل هذه الوحدة؟

العوائق الاجتماعيةيشكو أبناء الجنوب من التعامل الجاف والحذر معهم من قبل الشمال، ومن النظرة السلبية التي أخذها أبناء الشمال عنهم قبل الوحدة وترسخت في أذهانهم خلال فترة الحرب وما أعقبها وحتى اليوم، جراء الخطاب الديني المتطرف والشحن الإعلامي التعبوي ضدهم، كالخطباء الذين أصدر بعضهم فتاوى تبيح قتل الجنوبيين أو من قبل القبيلة التي تنظر إلى المجتمع الجنوبي كمجتمع متحرر ومتمرد عن عاداتها وتقاليدها، وما صاحب ويصاحب ذلك من شحن وتجييش إعلامي خطير أدى إلى تقسيم البلاد إلى {أصل} و{فرع}، وتصنيف شعبها إلى مسلمين وملحدين ومواطنين ومستوطنين ووحدويين وانفصاليين.
مواطنة جنوبية تسأل على سبيل المثال، كيف لهم أن يعيدوا عشرات المدارس والمستشفيات والحدائق وحتى مواقف السيارات التي تم البسط عليها ونهبها من قبل شماليين وتم بيعها أو استثمارها عقارياً. وكيف لهم أن يعيدوا الأرشيف الجنوبي ومحتويات متاحفه؟!
كما يشكو الجنوبيون من عملية تهجين الثقافة الاجتماعية وطمس المعالم التاريخية والأثرية، التي تميزهم عن إخوانهم أبناء الجمهورية العربية اليمنية، حيث لم تسلم حتى مسميات المدن والشوارع والمدارس والحدائق والمتنزهات والملاعب الرياضية والمساجد، كما يشكون مما يصفونها بعملية «استيطان» شمالي في الجنوب من خلال تثبيت مئات الألف من أبناء الشمال في وظائف مدنية وعسكرية في المحافظات الجنوبية، ومنحهم أراضي ومزارع ومحالاً تجارية.
لهذه الاعتبارات المنطقية والواقعية يرى الجنوبيون أن مطالبهم مشروعة وحتمية، وأنهم لم ولن يستطيعوا البقاء في دولة بعيدة عن ما ينشدونه منذ عقود طويلة.
هل أعجبك الموضوع:

ليست هناك تعليقات :