خليج عدن/هاني الجابري
يسعى الجنوبيون منذ العام 2007 لإيصال صوت قضيتهم وثورتهم إلى مراكز القرار في العالم (الإقليمية والعربية والدولية والأممية) بهدف نيل دعم ومساندة أو حتى تفهّم وتعاطف تلك المراكز والجهات مع قضيتهم المشروعة.
إلا أن جميع تلك المساعي والمحاولات رغم تعدد أساليبها وأشكالها، لم ينتج عنها أي تجاوب أو نتائج ملموسة مطمئنة، حتى إن معظم الجنوبيين أصيبوا بخيبة أمل وحالة يأس في الحصول على أية مساندة أو تعاطف إقليمي أو دولي مع قضيتهم، بل أن ذلك الصمت الدولي -الذي يسميه البعض تخاذلاً والبعض يطلق عليه تآمراً على القضية الجنوبية- أدى الى نتائج سلبية على مسيرة الثورة الجنوبية، أبرزها دفع بعض رموز الجنوب في الخارج، لطرح "حلول أخرى" للقضية الجنوبية غير المطالب التي تتبناها الثورة الشعبية (الحراك الجنوبي) في الداخل، وذلك بحجة أن خيارات الحراك الشعبي لا تحظى بقبول ودعم دولي وإقليمي في المرحلة الراهنة.
وبغض النظر عن مدى صوابية ما بني على تلك الحجة من حلول ومواقف وأطروحات، فإنها، بلا شك، إحدى انعكاسات عدم الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية والثورة الجنوبية. ومن نتائج هذه اللامبالاة الدولية أيضاً، إقدام نظام صنعاء على استخدام كل وسائل البطش والقتل والتنكيل بالناشطين الجنوبيين وفعاليات الحراك الجنوبي وإغلاق ومحاصرة المدن الجنوبية وضربها بمختلف الأسلحة، وإثارة الفوضى والقلاقل الأمنية في الجنوب، وإلصاق كل ذلك بالحراك الجنوبي وربطه بتنظيم "القاعدة"، بل أن النظام وبعض الأطراف في معارضته، استغلوا الصمت الدولي إزاء القضية الجنوبية طيلة السنوات الماضية، لخلط الأوراق في الجنوب وخلق حالة من التشويش لدى الجنوبيين، والمراقب والمتابع الخارجي للثورة الجنوبية، من خلال إثارة النزاعات والقضايا التي مر بها الجنوب في المراحل التاريخية السابقة عن أيار (مايو) 1990، لتصوير المشهد الجنوبي في الوقت الراهن وكأنه يعيد إنتاج تلك النزاعات والقضايا، وذلك بهدف إرباك وخلخلة الثورة الجنوبية وإفشالها وإعطاء صورة مشوهة، أو على الأقل غير واضحة.
ولعل الأمثلة الأبرز على ذلك هي إثارة قضية "القاعدة" في الجنوب، وإثارة القضية العدنية وقضية انفصال حضرموت عن الجنوب.
ورغم أن هذه المحاولات الهادفة الى إجهاض الحراك الجنوبي لم تنجح في تحقيق أهدافها كلياً، إلا أنها نجحت جزئياً في فرض قدر من التشويش والضبابية حول حقيقة واقع الجنوب وثورته وقضيته. وقد ساعدها في الترويج لذلك بعض أتباعها من الجنوبيين، بإضافة وتأجيج حالة الانقسام والتشرذم التي تعاني منها قيادات الحراك، وليس الحراك على المستوى الشعبي. ولعل أبرز مثالين على ذلك النجاح الجزئي هما: ما أشار إليه تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" حول القضية الجنوبية مؤكداً على تعقيدات الوضع في عدن وحضرموت، وكذلك ما أشار إليه تقرير المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، من أن "القضية الجنوبية قضية معقدة وشائكة".
ولكن رغم تلك الاختراقات والاختلالات في الجسد الجنوبي حالياً، فإن الأطراف الدولية، ولأسباب عدة وجدت نفسها مضطرة ومجبرة لاختراق حائط الضبابية الذي يحيط بقضية شعب الجنوب والولوج إلى عمقها والوقوف على أرضها للتعرف على حقيقتها من أصحابها الحاملين للوائها في الميدان، فكان تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" في بروكسل في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، بمثابة المقدمة لتلك الخطوات، أو يمكن وصفه بأنه "المحدد للإطار العام التي ستتحرك في نطاقه تلك الخطوات". ثم تتالت تلك الخطوات بلقاء الزعيم الجنوبي المعتقل حالياً في سجون نظام صنعاء منذ 20 شباط (فبراير) الماضي، حسن باعوم، من قبل المبعوث الأممي، جمال بن عمر، في كانون الأول (ديسمبر) 2011. وبعدها جاءت الخطوة الثانية عبر زيارة المبعوث الأممي لمدينة عدن والتقائه بعدد من قيادات السلطة المحلية والمعارضة والحراك الجنوبي في الشهر نفسه. ثم جاءت الخطوة الرابعة بلقاء سفير الاتحاد الأوروبي وعدد من سفراء الدول الأوروبية لدى اليمن مع الزعيم الجنوبي حسن باعوم في صنعاء يوم الأربعاء 14 كانون الأول (ديسمبر) 2011، وتصريحهم بنيتهم زيارة عدن ولقاء عدد من القيادات المحلية والمعارضة والحراك للتعرف عن قرب عن حقيقة القضية الجنوبية.
لماذا الحراك: تجربة شخصية
تعرض الكثيرون من أبناء اليمن الجنوبي للاعتقال والضرب والإهانة من قبل سلطات النظام القائم في صنعاء، وكنت واحداً من هؤلاء بسبب مشاركتي في إحدى مظاهرات الحراك الجنوبي المطالبة بالاستقلال بمدينة عدن في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، نظراً لما رأيته من الفساد الاداري المنتشر في المصالح الحكومية والخاصة والبطالة وظلم أبناء الجنوب خاصة، ورداءة مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وكل ذلك بسبب فساد النظام، مما جعل اليمن يحتل المراتب الأولى في الفقر والفساد وتدني مستوى المعيشة وهجرة أبناء الوطن للخارج، بالرغم من أن أغلبية أبناء الجنوب هم من ذوي الكفاءات العلمية والعملية والثروات الحقيقية التي يفتقدها بلدهم وتستفيد منها الدول التي تقبلهم كمهاجرين.
وللتعريف بالحراك الجنوبي فهو تكتل من القوى والفصائل اليمنية في جنوبي البلاد يطالب بانفصال الجنوب، وفك الارتباط القائم منذ العام 1990 بين شطري البلاد، وعودة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
أسس الحراك الجنوبي مطلع العام 2007 ليؤطر ويجمع عدداً من الحركات والقوى والشخصيات المطالبة بالانفصال.
ويعود مسار الارتباط بين شطري اليمن إلى العام 1990، حين أعلن الطرفان في 22 أيار (مايو) 1990 عن الاتفاق على توحيد شطري اليمن، وبعد ثلاث سنوات من الوحدة دخلت البلاد في أزمة سياسية أدت لاندلاع حرب أهلية بين طرفي الوحدة في 27 نيسان (أبريل) 1994، انتهت بإجهاض حركة الانفصال وخروج عدد من قادة الجنوب من بينهم علي سالم البيض، نائب الرئيس اليمني، خارج البلاد. وقد رفع الحراك في البداية شعارات مناوئة للنظام الحاكم وداعية لإصلاح مسار الوحدة، لكنه لم يلبث أن تطور من حركة احتجاجية ضد التهميش والإقصاء الذي يعانيه الجنوبيون بشكل أكبر من الشماليين، إلى حركة تمرد مدنية متعاظمة ليس فقط ضد النظام وإنما أيضا ضد استمرار الوحدة بين شطري اليمن.
وتعتبر مدينتي عدن والضالع هما أكثر مناطق الحراك سخونة ونشاطا.
ويعد رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي حسن باعوم من أهم قيادات الحراك وأكثرها تعرضا للاعتقال والمتابعة، فقد تم اعتقاله عدة مرات ولفترة تزيد عن السنة ما بين عامي 2007 و2008، ثم اعتقل مرة أخرى في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، وأفرج عنه في الأول من كانون الثاني (يناير) 2011 قبل أن يعاد اعتقاله في العشرين من شباط (فبراير) 2011.
يسعى الجنوبيون منذ العام 2007 لإيصال صوت قضيتهم وثورتهم إلى مراكز القرار في العالم (الإقليمية والعربية والدولية والأممية) بهدف نيل دعم ومساندة أو حتى تفهّم وتعاطف تلك المراكز والجهات مع قضيتهم المشروعة.
إلا أن جميع تلك المساعي والمحاولات رغم تعدد أساليبها وأشكالها، لم ينتج عنها أي تجاوب أو نتائج ملموسة مطمئنة، حتى إن معظم الجنوبيين أصيبوا بخيبة أمل وحالة يأس في الحصول على أية مساندة أو تعاطف إقليمي أو دولي مع قضيتهم، بل أن ذلك الصمت الدولي -الذي يسميه البعض تخاذلاً والبعض يطلق عليه تآمراً على القضية الجنوبية- أدى الى نتائج سلبية على مسيرة الثورة الجنوبية، أبرزها دفع بعض رموز الجنوب في الخارج، لطرح "حلول أخرى" للقضية الجنوبية غير المطالب التي تتبناها الثورة الشعبية (الحراك الجنوبي) في الداخل، وذلك بحجة أن خيارات الحراك الشعبي لا تحظى بقبول ودعم دولي وإقليمي في المرحلة الراهنة.
وبغض النظر عن مدى صوابية ما بني على تلك الحجة من حلول ومواقف وأطروحات، فإنها، بلا شك، إحدى انعكاسات عدم الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية والثورة الجنوبية. ومن نتائج هذه اللامبالاة الدولية أيضاً، إقدام نظام صنعاء على استخدام كل وسائل البطش والقتل والتنكيل بالناشطين الجنوبيين وفعاليات الحراك الجنوبي وإغلاق ومحاصرة المدن الجنوبية وضربها بمختلف الأسلحة، وإثارة الفوضى والقلاقل الأمنية في الجنوب، وإلصاق كل ذلك بالحراك الجنوبي وربطه بتنظيم "القاعدة"، بل أن النظام وبعض الأطراف في معارضته، استغلوا الصمت الدولي إزاء القضية الجنوبية طيلة السنوات الماضية، لخلط الأوراق في الجنوب وخلق حالة من التشويش لدى الجنوبيين، والمراقب والمتابع الخارجي للثورة الجنوبية، من خلال إثارة النزاعات والقضايا التي مر بها الجنوب في المراحل التاريخية السابقة عن أيار (مايو) 1990، لتصوير المشهد الجنوبي في الوقت الراهن وكأنه يعيد إنتاج تلك النزاعات والقضايا، وذلك بهدف إرباك وخلخلة الثورة الجنوبية وإفشالها وإعطاء صورة مشوهة، أو على الأقل غير واضحة.
ولعل الأمثلة الأبرز على ذلك هي إثارة قضية "القاعدة" في الجنوب، وإثارة القضية العدنية وقضية انفصال حضرموت عن الجنوب.
ورغم أن هذه المحاولات الهادفة الى إجهاض الحراك الجنوبي لم تنجح في تحقيق أهدافها كلياً، إلا أنها نجحت جزئياً في فرض قدر من التشويش والضبابية حول حقيقة واقع الجنوب وثورته وقضيته. وقد ساعدها في الترويج لذلك بعض أتباعها من الجنوبيين، بإضافة وتأجيج حالة الانقسام والتشرذم التي تعاني منها قيادات الحراك، وليس الحراك على المستوى الشعبي. ولعل أبرز مثالين على ذلك النجاح الجزئي هما: ما أشار إليه تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" حول القضية الجنوبية مؤكداً على تعقيدات الوضع في عدن وحضرموت، وكذلك ما أشار إليه تقرير المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، من أن "القضية الجنوبية قضية معقدة وشائكة".
ولكن رغم تلك الاختراقات والاختلالات في الجسد الجنوبي حالياً، فإن الأطراف الدولية، ولأسباب عدة وجدت نفسها مضطرة ومجبرة لاختراق حائط الضبابية الذي يحيط بقضية شعب الجنوب والولوج إلى عمقها والوقوف على أرضها للتعرف على حقيقتها من أصحابها الحاملين للوائها في الميدان، فكان تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" في بروكسل في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، بمثابة المقدمة لتلك الخطوات، أو يمكن وصفه بأنه "المحدد للإطار العام التي ستتحرك في نطاقه تلك الخطوات". ثم تتالت تلك الخطوات بلقاء الزعيم الجنوبي المعتقل حالياً في سجون نظام صنعاء منذ 20 شباط (فبراير) الماضي، حسن باعوم، من قبل المبعوث الأممي، جمال بن عمر، في كانون الأول (ديسمبر) 2011. وبعدها جاءت الخطوة الثانية عبر زيارة المبعوث الأممي لمدينة عدن والتقائه بعدد من قيادات السلطة المحلية والمعارضة والحراك الجنوبي في الشهر نفسه. ثم جاءت الخطوة الرابعة بلقاء سفير الاتحاد الأوروبي وعدد من سفراء الدول الأوروبية لدى اليمن مع الزعيم الجنوبي حسن باعوم في صنعاء يوم الأربعاء 14 كانون الأول (ديسمبر) 2011، وتصريحهم بنيتهم زيارة عدن ولقاء عدد من القيادات المحلية والمعارضة والحراك للتعرف عن قرب عن حقيقة القضية الجنوبية.
لماذا الحراك: تجربة شخصية
تعرض الكثيرون من أبناء اليمن الجنوبي للاعتقال والضرب والإهانة من قبل سلطات النظام القائم في صنعاء، وكنت واحداً من هؤلاء بسبب مشاركتي في إحدى مظاهرات الحراك الجنوبي المطالبة بالاستقلال بمدينة عدن في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، نظراً لما رأيته من الفساد الاداري المنتشر في المصالح الحكومية والخاصة والبطالة وظلم أبناء الجنوب خاصة، ورداءة مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وكل ذلك بسبب فساد النظام، مما جعل اليمن يحتل المراتب الأولى في الفقر والفساد وتدني مستوى المعيشة وهجرة أبناء الوطن للخارج، بالرغم من أن أغلبية أبناء الجنوب هم من ذوي الكفاءات العلمية والعملية والثروات الحقيقية التي يفتقدها بلدهم وتستفيد منها الدول التي تقبلهم كمهاجرين.
وللتعريف بالحراك الجنوبي فهو تكتل من القوى والفصائل اليمنية في جنوبي البلاد يطالب بانفصال الجنوب، وفك الارتباط القائم منذ العام 1990 بين شطري البلاد، وعودة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
أسس الحراك الجنوبي مطلع العام 2007 ليؤطر ويجمع عدداً من الحركات والقوى والشخصيات المطالبة بالانفصال.
ويعود مسار الارتباط بين شطري اليمن إلى العام 1990، حين أعلن الطرفان في 22 أيار (مايو) 1990 عن الاتفاق على توحيد شطري اليمن، وبعد ثلاث سنوات من الوحدة دخلت البلاد في أزمة سياسية أدت لاندلاع حرب أهلية بين طرفي الوحدة في 27 نيسان (أبريل) 1994، انتهت بإجهاض حركة الانفصال وخروج عدد من قادة الجنوب من بينهم علي سالم البيض، نائب الرئيس اليمني، خارج البلاد. وقد رفع الحراك في البداية شعارات مناوئة للنظام الحاكم وداعية لإصلاح مسار الوحدة، لكنه لم يلبث أن تطور من حركة احتجاجية ضد التهميش والإقصاء الذي يعانيه الجنوبيون بشكل أكبر من الشماليين، إلى حركة تمرد مدنية متعاظمة ليس فقط ضد النظام وإنما أيضا ضد استمرار الوحدة بين شطري اليمن.
وتعتبر مدينتي عدن والضالع هما أكثر مناطق الحراك سخونة ونشاطا.
ويعد رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي حسن باعوم من أهم قيادات الحراك وأكثرها تعرضا للاعتقال والمتابعة، فقد تم اعتقاله عدة مرات ولفترة تزيد عن السنة ما بين عامي 2007 و2008، ثم اعتقل مرة أخرى في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، وأفرج عنه في الأول من كانون الثاني (يناير) 2011 قبل أن يعاد اعتقاله في العشرين من شباط (فبراير) 2011.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق