للكاتب الاردني راكان المجالي
لم يعد أحدّ يتذكّر أُولئَك المحاربين اليمنيين القدامى ، الذين أحيلوا إلى التقاعد القسري من "الجيش الجنوبي" ، في أعقاب الحرب التي تفجرت في العام الرابع لتحقيق الوحدة ، حين كانوا نواة الاحتجاجات التي انطلقت في المحافظات الجنوبية ، وبالتحديد ، في محافظتي "لحج والضالع" ، اللتين تتواجد فيهما أكبر شريحة مًن هؤلاء المتقاعدين؟،
.
فالاحتجاجات السلمية في العام الأوّل ، قياساً إلى تسلسل الأحداث في جنوب اليمن ، لم تعُد تعني شيئاً ، بعد أن تحوّل الجنوب إلى جرح مفتوح ، بقي دون علاج إلى أن تفاقم على النحو الذي نراه اليوم. فجروح الجنوب المزمنة أحالت اليمن إلى "جبهات مفتوحة" ، مفتوحة على كلًّ المفاجآت.
ففي الأسبوع الأخير مًن شهر ايلول ، وبالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، أنهت "مجموعة أصدقاء اليمن" ، التي تضم 28 دولة ، اجتماعها في نيويورك ، لتخرج ببيان يتضمن عدة قرارات وتوصيات ، بشأن الأوضاع في اليمن. وفي قرارات البيان وتوصياته ، ما يكشف الكثير عن الرؤية الدولية ، إن لم نقل الغربية ، لما يجري في اليمن مًن حرائق وتصدعات ، منذ سنوات.
فالاجتماع ، الذي عُقد على مستوى وزاري ، تمّ "لاستعراض ما تم إنجازه منذ لقاء لندن في شهر كانون الثاني" من العام الحالي ، حيث أشاد "بالتقدم المشجّع ، الذي تمّ إحرازه ، في عدد من المجالات المهمة" ، في اليمن،،.
أما التقدم المشجّع ، الذي أشار إليه البيان ، فهو يتمثّل في العناصر التالية:
- "موافقة الحكومة اليمنية على برنامج صندوق النقد الدولي..".
- "إدخال مبكر لتدابير تهدف لتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي ، بما في ذلك الخفض التدريجي لمستويات الدعم الحكومي للوقود (....) والإسراع في إقرار القوانين اللازمة" لذلك.
- "إحراز تقدّم ثابت ، في المفاوضات الرامية إلى انضمام اليمن لمنظمة التجارة الدولية..".
- "انطلاق الحوار الوطني الشامل..".
- "إعلان وقف إطلاق النار في صعدة في شهر شباط" من العام الحالي.
فمًن برامج صندوق النقد الدولي وتدابيره ، في رفع الدعم الحكومي عن الوقود وما سيليه مًن سلعْ أساسية ، إلى إجراءات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ، المحفوفة بإطار وطني فضفاض ، تحت اسم "الحوار الوطني الشامل..". ، كُلّها تُشكّل "الوصفة التقليدية" المطلوبة مًن كلّ الدول ، التي تنتمي إلى ما كان يسمّى "العالم الثالث" ، قبل أن يجري تزوير الاسم للتخفيف بـ"الدول النامية".
أما حين يتعلّق الأمر بدولة كاليمن ، وفي ظروف عالمية وإقليمية ، كما هي عليه الآن ، فإنّ الأمر يختلف ، وهو ما تكشف عنه التدابير التي تمّ الاتفاق عليها في بيان "مجموعة أصدقاء اليمن" الأخير في نيويورك.
فتحتَ عنوانين عريضين ، هما: "الاقتصاد والتنمية والحوكمة" ، و"العدل والأمن وسيادة القانون" ، توافق "الأصدقاء". على مجموعة إجراءات وترتيبات طويلة ، ما يُعيد إلى الأذهان مجموع التعليمات والنصائح والإرشادات ، التي أعدّتها مؤسسة "راند" للدراسات الإستراتيجية ، قبل ثلاثة أعوام ، لصالح وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" ، تحت عنوان: "دليل المبتدئين ، في إعادة بناء الأمم"، وما بين "الاجتماع الوزاري التالي لمجموعة أصدقاء اليمن في شهر شباط عام "2011 ، الذي سوف يُعقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية ، ويتناول الخطوات المتعلقة بالإصلاحات الأساسية ، فإنّ المرحلة التالية ، مًن دليل المبتدئين في إعادة بناء الأمم المطلوب إعادة تشكيلها وبنائها ، سيكون قد آن أوانها ، وذلك وًفق إرشادات مؤسسة "راند" الأميركية. تلك المرحلة التي تقوم في الحالة اليمنية على الترتيب مع السلطة القائمة ، في كل ما يتعلّق بـ"إعادة نزع السلطة والمصالح الاقتصادية ، مًن أيدي فئات اجتماعية معيّنة ، وإعادة تسليمها إلى فئات اجتماعية أخرى"؟،.
لم يلحظ "دليل المبتدئين" الأمريكي ، تمامًا كما فَعَلَ اجتماع "مجموعة أصدقاء اليمن" النيويركي الأخير ، جذور "المشكلة الجنوبية" اليمنية ، وأنّها تعود إلى ظروفْ أحاطت "بسرعة إعلان قيام الوحدة" ، ومًن دون سابق إعداد وتحضير مكتمل وملائم لها ، وما رافق مرجعياتها السياسية والقانونية من أخطاء وتشوهات ونواقص كبيرة ، وما تلاها مًن سياسات خاطئة ، أوصلت الوحدة وفكرتها إلى طرق مسدود ، والذي تبدّى بوضوحْ جليّ في "عدم تحقيق الاندماج الكامل بين مؤسسات الدولتين في المرحلة الانتقالية".
فحرب العام 1994 ، وكما يقول أحد السياسيين المخضرمين اليمنيين ، جاءت مًن أجل استبعاد الجنوب ، ليس من شراكة الدولة فحسب ، بل مًن شراكة السلطة أيضاً. ليخرج الجنوب بعدها بالكامل من المعادلة السياسية للبلاد ، ما عنى ، ومنذ ذلك التاريخ ، القضاء على الوحدة ، وتحوّل أرض الجنوب وإنسانه إلى ساحة مستباحة ، للنهب والاستيلاء والسيطرة. الأمر الذي أحال الوضع "مًن وحدة بالتراضي إلى احتلال بالقوة".
فلا الجمهورية الحالية قادرة على البقاء ، وأخطار "الفدرلة والانفصال" تدقُّ جدرانها المتصدعة. ولا "جمهورية البيض" (نسبة إلى نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض ، ورئيس اليمن الجنوبي قبل الوحدة) يمكن أن تكون حلاً حقيقياً للأزمة اليمنية.
ولعلّ حالة المراوحة ، بين الوحدة واللاوحدة ، تمكّنت مًن تهشيم روح التفاؤل ونهشها ، في داخل قسم كبير مًن اليمنيين المحبطين واليائسين ، من الوحدة وتجربتها. فتحطّمت ، بالتالي ، واغتيلت كل الأفكار الطموحة ب"وطن مجزّأ أو موحّد"،؟ فإلى أي بابْ سيوصًلُ "أصدقاء اليمن" اليمنيين ، بعد أن انسدت الأبواب أمامهم ، وعلى رأسها "باب المندب" ، بقراصنةْ دوليين وشرعيين ، تحرسهم أساطيل غربْ ثرثار ومراوغ؟،
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق